تفاصيل الخبر

ظـــــل كـمـيــــــل شمـعــــــون فــي اتـفـــــاق الـطـائــــــف مـسـاويـــــاً بـيــــــن الـمـسلـمـيــــــن والـمـسيـحيـيــــــن!

27/09/2018
ظـــــل كـمـيــــــل شمـعــــــون فــي اتـفـــــاق الـطـائــــــف  مـسـاويـــــاً بـيــــــن الـمـسلـمـيــــــن والـمـسيـحيـيــــــن!

ظـــــل كـمـيــــــل شمـعــــــون فــي اتـفـــــاق الـطـائــــــف مـسـاويـــــاً بـيــــــن الـمـسلـمـيــــــن والـمـسيـحيـيــــــن!

بقلم وليد عوض

هــــل هــو فعــلاً أفضــل رئيــــس جمهوريــة لتـأمين فــرص العمــل للمواطنــــــين؟

من زمان الخمسينات والبيت الأبيض يحكم العالم، حتى في عز الاتحاد السوفييتي. كان أقوى من الماريشال <جوزف ستالين> زعيم الاتحاد السوفييتي، وأقوى من الداعية الانساني الكبير <المهاتما غاندي>، وأشد بأساً من الجنرال <شارل ديغول> زعيم فرنسا، ولا ظل أمامه لباقي قادة العالم، بل كان يبدو على <ستالين> أنه سيد العالم، وهكذا كان بعده <نيكيتا خروتشيف> الذي خلع حذاءه في قاعة الأمم المتحدة وخبط به على المنصة أمامه. ولم يكن هناك حضور كبير لـ<فرانكلين روزفلت> و<هاري ترومان>.

كان <ستالين> هو <نابوليون بونابارت> بقبعة سوفييتية، لكن حين أسلم <ستالين> الروح (سنة 1953) كان <نيكيتا خروتشيف> هو مالك رداء القيادة، ولكنه أمام <دوايت أيزنهاور> لم يكن صاحب حجر الشطرنج الذي يحرّك مقادير العالم.

ونحن في الشرق العربي، وعالم البحر المتوسط نتأثر بالبيت الأبيض منذ حصل اللبنانيون على دولة لبنان الكبير عام 1920، وتحت الوصاية الفرنسية وبذلك كان مرجعه المباشر رئيس وزراء فرنسا <جورج كليمنصو> الذي يحتل اسمه شارعاً بارزاً في رأس بيروت، وبقي الشارع راسخاً في الأرض مثل شارع الجنرال <ادوارد سبيرس> سفير بريطانيا، والقائم بالأعمال الأميركي <ووزورث> الذي تولى تنظيم رحلة الوفد اللبناني الى <سان فرانسيسكو> عام 1945 لافتتاح هيئة الأمم برئاسة وديع نعيم.

وبعدما حصل لبنان على شخصيته المستقلة في الأمم المتحدة عام 1945، امتدت الأصابع الأميركية الى بيروت، وكأنها <لوس أنجيلوس> أو <لويزيانا>.

وليس في الأمر مبالغة، فلم يكن الرئيس فؤاد شهاب سيأتي الى رئاسة الجمهورية عام 1958، لولا ذلك الاتفاق الضمني بين الرئيس <دوايت أيزنهاور> والرئيس المصري جمال عبد الناصر السارح سعيداً في المجتمع اللبناني. ولولا الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس الأميركي <دوايت أيزنهاور> لما استطاع وزير التربية شارل حلو ان يصبح رئيساً للجمهورية ويكسر شوكة المرشح الشهابي الأمير عبد العزيز شهاب.

وعندما قامت ثورة العراق بقيادة عبد الكريم قاسم عام 1958، استفرد البيت الأبيض بالساحل اللبناني قرب بيروت وكان الرئيس فؤاد شهاب يحتل منصب الرئاســـة في قصــــر صربـــا، ومع ذلك توجه على رأس قافلة من السيارات الى ساحل الأوزاعي ليعاين مشهد الأسطول الأميركي الزاحف من العراق. وكانت دهشته كبيرة عندما اكتشف ان قائد موقع بيروت اللواء عبد العزيز الأحدب أمر مدافع الجيش اللبناني بتوجيه فوهات المدفع في مرمى الأسطول الأمــــيركي دلالـــــة على سيـــادة البلـــــد، وعـــــدم استباحـــــة كرامتـــــه العسكريـــة والسياسية.

شهاب والمدافع الأميركية

ماذا قال الرئيس فؤاد شهاب للواء عزيز الأحدب يومذاك؟!

لقد انتحى رئيس البلاد بقائد موقع بيروت جانباً وقال له وهو يمد يده:

ــ يا عزيز تطلع الى أصابع يدي، فإنك لتجد ان طول هذه الأصابع لا يمثل طول المدافع العائدة إلينا، مقابل مدافع الأسطول الأميركي الذي يستطيع أن يبلغ الشاطئ إذا أراد.ولذلك فتوجيهك فوهات المدافع اللبنانية تجاه الأسطول الأميركي عمل سيادي مشكور ولكن يجب ألا يزيد عن الاستعداد فقط.

حتى انتخاب قائد الجيش فؤاد شهاب ما كان ليتم، لولا ذلك الاجتماع الذي جمع <ريتشارد مورفي> والرئيس صائب سلام في دارة الدكتور وليد الخالدي عند شارع فردان مع المبعوث الأميركي <ريتشارد مورفي>.

ومما قاله <مورفي> يومذاك:

ــ أنظروا يا جماعة، أي مرشح للرئاسة في لبنان سيواجه باعتراض المعارضين، ولكن اسم فؤاد شهاب وهذا الجيش الكامن وراءه يعتبران الوطأة الأخف في معركة رئاسة الجمهورية.

ثم ابتسم وقال:

ــ لا تنسوا أيها السادة أن أصل فؤاد شهاب من مسلمي الجبل!

مع كل ذلك ترشح العميد ريمون اده ضد الرئيس شهاب في مجلس النواب وحاز على أربعة أصوات سميت أصوات الجمهورية!

وكان الرئيس فؤاد شهاب يعرف أين هو مقبول وأين هو مرفوض. ولذلك وضع نصب عينيه بناء لبنان الجديد، فأسس مجلس الخدمة المدنية، وهيئة التفتيش المركزي، وصندوق الضمان الاجتماعي، وفتح خط تواصل مع الرئيس جمال عبد الناصر باجتماع خيمة الحدود. وكان في استطاعة الرئيس فؤاد شهاب أن يذهب الى القاهرة للاجتماع بالرئيس المصري، كما كان في الإمكان مجيء الرئيس جمال عبد الناصر الى بيروت، ولكن الرجلين أرادا بكل شهامة أن يصونا سيادة لبنان باجتماع خيمة الحدود.

إلا ان تلك الايجابيات لم تسلم من تجريح عبر المكتب الثاني الذي كان برئاسة أنطوان سعد، بعد سلسلة من حوادث العدوان على الوجنات بالموسى، فطال الموسى وجنات النائب نسيم مجدلاني صاحب المركز المالي في ساحة النجمة، والصحافي كمال سنو رداً على مقالات رافضة في جريدة <الديار>.

متاعب المكتب الثاني

وقد أساء الاعتداء بشطب الوجوه الى عهد فؤاد شهاب، حتى عندما تسلم رئاسة المكتب الثاني العقيد غابي لحود. وظل اسم المكتب الثاني مثل الكابوس في حياة رجال السياسة المعارضين.

وفي انتخابات 1964 كان المطلوب من الرئيس فؤاد شهاب أن يسعى وراء التجديد، ولكن الرجل أبى أن يغوص من جديد في أوحال السياسة، واهتدى الى لائحة تضم المحامي فؤاد نفاع، والمحامي نهاد بويز، مما حمل رئيس مجلس النواب الرئيس كامل الأسعد على أن يزور الرئيس شهاب في قصر صربا، ويقول له:

ــ إذا كان فخامة الرئيس راغباً في التجديد فليخبرنا حتى نتصرف.

إلا ان الرئيس شهاب لم ينبس ببنت شفة، وأتاح ذلك للشاعر الشعبي عمر الزعني أن يردد أغنية بعنوان: يقول بدو تا نجددلو.

كذلك جاء المرشح النيابي نهاد بويز الى دارة ريمون اده في شارع اميل اده، وهو شبه غاضب، وقال له:

ــ يا عميد..تعرف كم هي منزلتك عندي ولكن اللائحة الشهابية التي تضمني مع فؤاد نفاع غير صالحة للصرف في محيط جونية.

ورد ريمون اده ضاحكاً:

ــ انتظر بضعة أيام لتشهد كيف ينقلب الموقف.

كان ريمون اده يومئذ عضواً في الجبهة اللبنانية المعارضة التي تضم الرئيس كميل شمعون، والشيخ بيار الجميّل، وتعوّل النفس بأن يأتي الرئيس المقبل من داخل الجبهة.

وفيما خرج المحامي نهاد بويز من دارة ريمون اده، مكسوفاً وخائفاً من الغد، استطاع الرئيس كميل شمعون أن يربح معركة كسروان بحركة لم تسلم من التحدي، فقد كان يعلم ان الرئيس شهاب نشر حالة عسكرية في الحي الذي يقع فيه منزله، وصار المرور ممنوعاً من هناك. ومع ذلك أعطى لموكبه الانتخابي إشارة اقتحام الشارع الممنوع من الصرف، ونجح في ذلك وكسر شوكة المعارضين في كسروان وأتاح للائحة الشهابية أن تكسب المعركة برمتها!

إلا ان كميل شمعون زعيم المعارضة والخصم اللبناني البارز للرئيس جمال عبد الناصر، لم يظل مرشحاً للرئاسة بل سمح للرئيس صائب سلام أن يجالسه في فندق <فاندوم> ويدير دفته الانتخابية باتجاه الرئيس سليمان فرنجية الذي يملك أصواتاً أكثر.

وهكذا تراجع نفوذ الرئيس كميل شمعون، وربحت الجبهة اللبنانية المعركة بسليمان فرنجية الذي أدار معركته في بيروت من دارة كريمته لميا فرنجية الراسي في حي زقاق البلاط.

وكان آخر توافق بين المسؤولين في لبنان يتمثل بالباخرة التركية التابعة لشركة <كارادينيز> أي البحر المتوسط وطاقتها هي 232 ميغاوات كهرباء يومياً. وهذا يدل على أن وفاق الماضي يعيش وفاق الحاضر.

بذلك تحولت عداوات الأمس الى مصالحات، وصدق الذين يقولون إن النفحة الكذابة لا تنفع وأن اللبنانيين محكومون بمجتمع السلام، بعيداً عن الحرب، وما اتفاق الطائف عام 1989 إلا خاتمة الأحزان!