تفاصيل الخبر

ظــــل الـصـيـــــن مـوجـــــود فـــي كـــل حــــــروب الـشـــــرق الأوســـــط!

04/12/2015
ظــــل الـصـيـــــن مـوجـــــود فـــي كـــل  حــــــروب الـشـــــرق الأوســـــط!

ظــــل الـصـيـــــن مـوجـــــود فـــي كـــل حــــــروب الـشـــــرق الأوســـــط!

بقلم خالد عوض

 

2 في خطوة تُعتبر تاريخية وافق صندوق النقد الدولي على إدراج <اليوان > الصيني اعتباراً من ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦ في قائمة <النخبة> من العملات التي يمكن استخدامها في سلة الاحتياطيات من العملات الأجنبية إلى جانب الدولار الأميركي واليورو الأوروبي والين الياباني والجنيه الاسترليني. ماذا يعني ذلك فعلياً ولماذا هو مفصلي؟

عمليا أصبح بإمكان أي بنك مركزي في العالم التعامل بالعملة الصينية وتداولها مع الأسواق المالية العالمية تماماً مثلما يتعامل بأي عملة أخرى. كما يمكن للمؤسسات المالية الدولية شراء سندات الخزينة أو سندات الشركات الصينية بـ<اليوان>. العملة الاحتياطية الأولى اليوم هي الدولار الذي يشكل العملة الأساس لـ٦٤ بالمئة من احتياطيات العالم. يأتي خلفه اليورو بعشرين بالمئة ثم الجنيه بخمسة بالمئة فـ<الين> بأربعة بالمئة. أما أهمية ذلك فتتركّز بأن الصين أصبح بإمكانها أن تفرض عملتها على الدول التي لديها تعامل تجاري كبير معها، وهي عديدة. وبالتالي، فإن العملات العالمية الكبرى وأولها الدولار ستخسر تدريجياً من حصتها في سلة الاحتياطيات المالية الدولية. هذا ماليا.

اقتصادياً لا تزال الصين تشهد نموا يزيد عن ٦ بالمئة وهذا يعني أن ناتجها المحلي سيزيد خلال أقل من عشر سنوات على أبعد تقدير عن الناتج المحلي للولايات المتحدة، أي أنها ستصبح أكبر قوة اقتصادية في العالم عام ٢٠٢٥، وهذا لا بدّ وأن يُترجم إلى نفوذ سياسي واقتصادي دولي مختلف تماماً عن المشهد اليوم. الأهم من ذلك كله هو أن الولايات المتحدة ستقلل اعتمادها على نفط الشرق الأوسط خلال العشر سنوات المقبلة نظراً لاكتفائها الذاتي من النفط الصخري بل أنها ستتجه للتصدير قريبا جداً، بينما ستزيد الصين والهند من اعتمادهما على نفط الخليج العربي في ظل النمو الاقتصادي المرتفع المتوقع لهما. هذا يعني أن الاستقرار في الشرق الأوسط سيصبح حاجة صينية (وهندية) استراتيجية تماماً كما كان ذلك للولايات المتحدة في العقود الثلاثة الماضية.

وإذا ربطنا الاعتراف المالي الدولي بـ<اليوان> الصيني بالحجم المتوقع لنمو اقتصاد الصين وبالحاجة المتزايدة للأخيرة لنفط الخليج سيتبين لنا أن الصين لا يمكن أن تستمر بسياسة الدبلوماسية الهامدة والجامدة وعبر الوكلاء في المنطقة بل ستنتقل في السنوات المقبلة إلى المبادرة السياسية الدولية المباشرة لتحافظ على مصالحها الاستراتيجية.

هناك عدة إشارات في الأسابيع القليلة الماضية إلى أن الصين تتغير بسرعة في هذا الاتجاه. فهي دخلت مؤخرا صناعة الطيران لتنافس <بوينغ> الأميركية و<ايرباص> الأوروبية وعرضت منذ شهرين طائرتها الجديدة <كوماك C919>. ورغم أن هذا الحدث صناعي عادي فإنّه يعكس اكتمال الاستقلالية الصناعية الصينية عن الغرب. كما أن قوة الصين العسكرية في صعود مستمر، وهي حسب آخر تقرير لمعهد <راند> العسكري منذ اسابيع، حتى لو أنها ليست بقوة الولايات المتحدة العسكرية على الصعيد العالمي، تبقى قادرة على منع أي تدخل عسكري في بحر جنوب الصين من أي جهة كانت. كما أن ابرامها منذ شهر ونيف عقوداً جديدة مع بريطانيا بقيمة ٥٠ مليار دولار (بالإضافة إلى ١٠ مليار دولار من عقود قائمة) أعطى إشارة واضحة بأنها تبحث عن نفوذ دولي vladimir-putin1واسع أكثر من جريها نحو الاستثمارات في الطاقة والبنية التحتية البريطانية.

وإن الاعتقاد السائد أن الحرب في سوريا والعراق وحتى اليمن وليبيا هي بين لاعبين إقليميين مدعومين من روسيا والولايات المتحدة، وأن <الكعكة> النهائية ستتقاسمها الأخيرتان. لا أحد يحسب دور الصين في ما يحصل أو في التسوية النهائية وكأنها غير معنية بما يجري رغم تزايد إرتباط مصالحها الحيوية بالمنطقة. التفسير الوحيد لهذا أن للصين وكيلاً اسمه <فلاديمير بوتين>، وهو حتى لو تمكن من الاستعراض والظهور بأنه صاحب الكلمة الأولى في كل ما يفعله، فإن كل الأرقام والبيانات الاقتصادية والمالية حول روسيا تؤكد أنه لا يمكن أن يجازف لولا الغطاء الصيني له. حتى حرب اليمن فيها ظل صيني. فلولا تدخل الصين وتهديدها لباكستان بوقف كل الاستثمارات الصينية في بنيتها التحتية إن هي دخلت طرفاً في الحرب، لكانت حُسمت المعركة هناك منذ شهور.

الواضح من كل ذلك ان الحرب الباردة الحقيقية هي بين الصين والولايات المتحدة، ويبدو أن الشرق الأوسط هو أول حقل تجارب لهذه الحرب.

من السخرية أن يجري الحديث عن إسم الرئيس اللبناني المطلوب في أروقة باريس والرياض وطهران، بينما كلمة السر حول البلد ككل هي حقيقة في واشنطن وموسكو. إذا قُدّر للبنان أن يأتي برئيس هذه المرة بالطريقة التي نشهدها فلا عجب أن نطلب إسمه من <بيجينغ> عام  ٢٠٢١.