تفاصيل الخبر

ثقب صغيـر بحجـم سنتمتـر واحـد مدخل الى جراحـة أوجــاع الظـهـــر  

19/08/2016
ثقب صغيـر بحجـم سنتمتـر واحـد  مدخل الى جراحـة أوجــاع الظـهـــر   

ثقب صغيـر بحجـم سنتمتـر واحـد مدخل الى جراحـة أوجــاع الظـهـــر  

بقلم وردية بطرس

back-pain-3------2

يعاني الكثيرون من آلام الظهر وقد اختبرها كل منا مرة واحدة على الأقل، ويتفاوت مدى الألم الذي يشعر به الانسان باختلاف الأسباب التي تؤدي الى آلام الظهر لديه. ولكن يمكن تفاديها او علاجها اذا تمت معالجة أسبابها والوقاية من مضاعفاتها، حيث تعتبر آلام الظهر من المشاكل الصحية الشائعة بين مختلف الأعمار والفئات سواء الشباب او كبار السن. ولكن تبقى الوقاية من العوامل المهمة في الحفاظ على قوام العمود الفقري ومكوناته، وفي الحفاظ على قدرات أداء العمود الفقري لوظائفه المهمة. ومن أهم اشكال الوقاية الحفاظ على قوة بنية أنسجة العظم وحمايتها من الهشاشة.

فماذا عن الوقاية؟ ومتى يستوجب اجراء العملية الجراحية؟ ومن هم الأكثر عرضة للاصابة بمشاكل الظهر؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها <الأفكار> على البروفيسور اللبناني الأميركي طوني تنوري رئيس قسم <العمود الفقري> في <مركز بوسطن الطبي لجراحة العظام> في مدينة <بوسطن> الأميركية أثناء زيارته للبنان والذي كان قد توصل الى طرق حديثة لعلاج آلام ومشاكل العمود الفقري عبر جراحات حديثة ومتقدمة جداً، لا تتسبب بأية آثار او مضاعفات جانبية كتلك التي تنتج عن جراحات الظهر والعمود الفقري التقليدية. ولدى الدكتور طوني تنوري 12 اختراعاً طبياً وتقنية حديثة للعلاج، وقد ساهم في تطوير عمليات جراحة الظهر والعمود الفقري من خلال ثقوب وجروح صغيرة جداً. واختراعاته مسجلة في كبرى مستشفيات الجراحة الأميركية والأوروبية. كما انه استاذ جامعي اذ لديه أكثر من 50 دراسة منشورة في مجلات طبية متخصصة في معالجة العمود الفقري، وهو مشارك في عدة كتب تُدرس للأطباء في الجامعات الأميركية. والجراحة العظمية الدقيقة التي يجريها الدكتور تنوري في العمود الفقري توفر على المرضى آلام ما بعد الجراحة، وتتميز الجراحة التي يقوم بها انها لا تتسبب بأية آثار او مضاعفات جانبية كتلك التي تنتج عن جراحات الظهر والعمود الفقري التقليدية. ومن بين التقنيات الحديثة التي ابتكرها الدكتور تنوري اجراء جراحة في الظهر، ومعالجة المشكلات كافة التي يعاني منها المريض، سواء كانت كسوراً او سرطاناً او تمزقاً دون ترك أية آثار جانبية، بحيث يعمل على فتح ثقب صغير بحجم سنتيمتر واحد او سنتميترين على الأكثر، يستطيع من خلاله ان يكشف العضلة التي تغطي الجزء المراد علاجه ويعمل من أسفلها، وعندما ينتهي من الجراحة يسحب الأدوات من تحت العضلة من دون حدوث اي شد عضلي، وهو أمر دقيق للغاية عند التعامل مع سلسلة الظهر، بحيث يتم التعامل معها مع توجيه اشعاعات دقيقة جداً.

 

العلاج بالبرش

 

ومن الاختراعات الأخرى برش العظام لتسهيل عملية التحام الفقرات وزرع العظام من دون المس بعضلات الظهر... كما توصل الدكتور تنوري الى اختراعات أخرى تجنب الأطباء المس بالعضلات وتعريضها للتمزق، وتمنع النزيف نهائياً أثناء الجراحة، وتمكن المريض من العودة الى منزله في يوم واحد. وقد استطاع تحقيق النجاح من خلال معالجة <الديسك> والوصول اليه من الجانبين الأيسر والأيمن بدل شق الظهر، وهذا الاختراع أصبح اليوم معتمداً عالمياً. كما استطاع تصميم طاولة عمليات جراحية متحركة خصوصاً لمرضى الظهر و<الديسك>، تتيح للطبيب الجراح اجراء عملية في العمود الفقري من الجانبين او من الخلف من دون نقل المريض خلال العملية الجراحية، وهذا الاختراع وفر ساعة كاملة من المدة الزمنية للعملية.

وتجدر الاشارة الى ان البروفيسور طوني تنوري تخرج من كلية الطب في الجامعة اللبنانية في العام 1994، سافر بعد ذلك الى الولايات المتحدة حيث أكمل دراسته متخصصاً في جراحة العظم والمفاصل في جامعة <جورج تاون>، وفي جراحة العمود الفقري، ولم يكد ينهي تخصصه حتى كان قد سجل 3 اختراعات. وكان لنا لقاء وحديث مع البروفيسور طوني تنوري أثناء زيارته لبلده الأم لبنان للمشاركة في المؤتمر التاسع <للجمعية العالمية للجهاز الحركي> او <The International Musculoskeletal Society (IMS)> التي يرئسها، وهي جمعية خيرية مركزها مدينة <بوسطن> في الولايات المتحدة، وتُعنى بتدريب الأطباء ولاسيما اللبنانيين على أحدث التقنيات وآخر التطورات في مجالات الجهاز الحركي من جراحة العظام، جراحة الأعصاب، ومعالجة الآلام.

ثقافة المريض

ونسأله عن أهمية الوقاية لتفادي مشاكل الظهر فيقول:

- الوقاية عامل أساسي بكل المشاكل الصحية وليس فقط في ما يتعلق بمشاكل الظهر بل أيضاً الركبة والرقبة والقلب ومرض السكري الى ما هنالك. وعلى المريض ان يكون لديه ثقافة طبية او توعية، وكلما كان مثقفاً طبياً تخف المشاكل أكثر، وأحد الأمور التي يمكن القيام بها لتفادي حدوث المشاكل الصحية هي ان يكون هناك نوع من الرشاقة البدنية، والرشاقة البدنية لا نعني بها أن يكون الشخص نحيلاً او بديناً، بل عليه ان يقوي عضلات العظام للحفاظ على العمود الفقري وتوازنه، وهناك أمور يمكن السيطرة عليها مثل التدخين.

ــ وماذا عن العامل الوراثي؟

- بالنسبة للعامل الوراثي لا يمكن السيطرة عليه اذ يُولد الانسان وهو حامل جيناً معيناً من والديه، وبهذه الحالة لا نقدر ان نغير شيئاً، اي هناك عائلات يكون لديها استعداد للاصابة بمرض السكري مثلاً او ارتفاع الضغط او لديها استعداد للاصابة بمرض السرطان وغيرها من الأمراض. والأمر نفسه ينطبق بما يتعلق بمشاكل الظهر فعندما يقصدني شخص يعاني من ألم في الظهر، أسأله في الحال عما اذا كان والده مصاباً بهذه المشكلة ام والدته. اذاً فالعامل الوراثي أساسي بالنسبة لمشاكل الظهر، وقد نكون غير قادرين على إلغائه انما نقدر ان نخفف من حدته، إذ كما ذكرت يمكن التحكم ببعض الأمور مثل التدخين أولاً، لانه يحدث انسداداً في شرايين <الديسك> والغضروف تماماً كما يحدث انسداداً في شرايين القلب. وثانياً التدخين يزيد من هشاشة العظام وهذه بذاتها سبب من أسباب آلام الظهر، وعندما تبدأ مشاكل هشاشة العظام فإنها تتطلب العلاج الجراحي، وإن المشاكل والمضاعفات لدى المصاب بهشاشة العظام اكثر بكثير من المريض العادي غير المصاب بهشاشة العظام.

وعن العملية الجراحية التي طورها يشرح الدكتور تنوري:

- ان الاختراعات التي عملت ضمنها وطورتها هي فعالة في هذا المجال لأن الجراحات التقيلدية تضطر الجراح لأن يقوم بتمزيق العضلات ليصل الى العظام، فاذا كان العظم ضعيفاً وبالأساس نحن قمنا باضعافه من خلال العمل الجراحي لنصل الى العضلات والأنسجة، نكون بذلك قد أضعفنا العمود الفقري أيضاً من جهتين. وبالتالي اذا قمنا بالعمل الجراحي بدون تمزيق العضلات فإننا نساعد في الحفاظ على العظام أكثر، وهناك عامل يمكن ان يخفف من حدوث المشاكل الا وهو تخفيف التدخين. والأمر الثاني هو طبيعة العمل الذي يقوم به الانسان فمثلاً عندما يقصدني شاب في الثلاثين من عمره في الولايات المتحدة وهو يعاني من ألم في الظهر أسأله عن عمله فيجيب مثلاً انه سائق شاحنات وعندها اطلب منه ان يختار عملاً آخر لأن القيادة على مدار اليوم تسبب له مشاكل في الظهر، ولانه اذا استمر بعمله فحتى لو اجرينا له جراحة في <الديسك الأول> فإن <الديسك الثاني> او الثالث سيُصاب بمشاكل أيضاً وبالتالي سيقضي المريض حياته وهو يخضع للعلاجات والعمليات طالما أنه يقوم بالعمل نفسه، وأقول له مثلاً اذا كنت لا تزال في العشرينات او الثلاثينات من عمرك يمكنك ان تبحث عن عمل آخر لاسيما انه في الولايات المتحدة يمكن للشخص ان يأخذ <كورس> في اختصاص معين ويبدأ العمل في مجال آخر ومختلف، وبالتالي كلما اختار الشخص عملاً مريحاً لجسمه يجّنب نفسه مشاكل الظهر. ولكن في المقابل فإن الشخص الذي يعمل داخل مكتبه ويقضي ساعات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر فهذا يؤثر على الرقبة لأنه ينحني لوقت طويل أثناء عمله وهذه الحركة تؤثر على الرقبة. ففي كل سنة يقوم الانسان بمليون حركة في جسمه، فمثلاً الانسان يظن انه اذا قام بحني الرقبة خمس مرات في اليوم فلن يؤثر ذلك على الرقبة، ولكن اذا قام باحتساب الحركة على مدار السنة فالأمر يكون مختلفاً وبالتالي يتبين له أن الرقبة تتأثر بهذه الحركة. وتبقى الوقاية خيراً من قنطار علاج وذلك من خلال الاهتمام بالجسم والا يترك الشخص نفسه لحين ان يفتك الألم بالرقبة او الظهر. فمالمفروض بكل شخص تجاوز الثلاثين ان يبدأ بأخذ الكالسيوم والفيتامين <د>، فاذا كان العظم لديه قوياً فعندما يبلغ الستين تكون المشاكل اقل وعلاجها اسهل، وهذه الأمور لا يفكر بها الشخص وهو في الثلاثينات من عمره.

 

آلام... الشباب!

الدكتور-طوني-تنوري----1 

ــ وهل تلاحظون ان الشباب يُصابون بمشاكل الظهر أكثر في يومنا هذا؟

- بالفعل نعاني مشاكل الظهر عند الشباب في يومنا هذا والسبب ليس ان المرض تغير، ولكن لأن المجريات تغيرت بمعنى أنه في الماضي عندما كانت الجدة تعاني من ألم في الظهر كانت تلازم الفراش وترتاح في بيتها لحين ان يزول الألم، ولكن في يومنا هذا حيث المرأة تعمل وهي فعالة ومنتجة في المجتمع اذ لديها مسؤوليات عديدة، فإذا شعرت بألم في الظهر فلن تقدر ان تلازم الفراش بل ستجد نفسها مضطرة لأن تخرج من بيتها وان تعمل وتعقد الاجتماعات والندوات الى ما هنالك من اعمال تقوم بها المرأة. صحيح أنه في الماضي كانت المرأة لا تعمل بل تهتم بأسرتها وتقوم بالأعمال المنزلية فقط ولكنها كانت في حركة دائمة على مدار اليوم اذ تعد الطعام وتنظف المنزل وتربي أولادها وتعتني بهم، فكانت لا تتوقف عن الحركة والعمل، وهذا النوع من الحركة غير مؤذٍ للجسم. أما الرجل فكان في الماضي يذهب الى عمله مشياً على الأقدام اذ كان مكان عمله قريباً من منزله، وكانت الاعمال التي يقوم بها تتطلب ان يكون في حركة دائمة، بينما اليوم يذهب الى المكتب ويجلس لساعات طويلة امام شاشة الكمبيوتر فخفت الحركة لديه، وحتى اذا اراد ان يقوم بالتمارين الرياضية يتوجه الى نادٍ رياضي ويبدأ بحمل الاثقال وما شابه فيما جسمه يكون غير مستعد لذلك. والأمر نفسه نراه عند الصبايا اللواتي يلجأن الى رياضة الركض، فمثلاً في الولايات المتحدة احاول اقناع السيدات الا يزاولن رياضة الركض بشكل كبير اذ تأتيني مثلاً صحافية او محامية او سكرتيرة وتقول انها تريد ان تركض 20 كيلومتراً في اليوم، فالركض أيضاً يؤثر على المدى الطويل على الركبتين، والركض لمسافات طويلة ليس المطلوب فمثلاً ليس من الضروري ان يركض الشخص 7 او 8 كيلومترات يومياً. انني انصح بالمشي السريع اكثر من الجري، ولهذا انصح الأشخاص الذين يقصدونني في العيادة لمعاينتهم وهم يركضون يومياً الا يكثروا من الركض، والأهم ان ينتعلوا أحذية رياضية مناسبة للركض لأنه كلما شد الشخص على الوريد أثناء الركض يتم الضغط على الركبة والرقبة ويؤثر ذلك على الظهر أيضاً، وأنصحهم ان يتوجهوا الى ممارسة السباحة و<التنس>.

 

مثل التفاحة

ــ وماذا بعد العملية الجراحية؟ وبأي الحالات لا تنجح العملية؟

- ان العمليات الجراحية نوعان: نوع يقوم على عملية تنظيف حول الأعصاب، ونوع آخر من العمليات هو لتلحيم العظام. ان عملية تلحيم العظام هي نهائية: عظمتان ونزيل <الديسك> بينهما ونضع البراغي والمسامر وينتهي الأمر اذا نجحت العملية وتم تلحيم العظام. وطبعاً ممكن ان تراجع العملية اذا فشلت تقنياً يعني اذا كان هدفنا ان نقوم بتلحيم العظمة الرابعة والخامسة ولم تنجح، فعندئذ سيحتاج المريض لعملية أخرى، وفي أغلب الأحيان تنجح العملية الثانية. والنوع الثاني من العمليات هو التنظيف فمثلاً التفاحة عندما تبدأ بالاهتراء يقول الشخص انه لن يرميها وأنه يقدر ان يزيل القطعة المهترئة وينظفها، ولكن بعد يومين ستهترئ كلها، كذلك الأمر بالنسبة <للديسك> عندما يبدأ بالاهتراء من جهة، فذلك لا يعني انه بدأ يهترئ فقط في تلك النقطة بل ان كل <الديسك> بدأ بالاهتراء، صحيح اننا نظفنا تلك الجهة المهترئة التي تضغط على العصب بينما بقية <الديسكات> لا تكون بحالة جيدة، ومع مرور الزمن اي بعد سنتين او عشر سنوات سيعاود الألم، وهذا ليس خطأ الطبيب. وهناك مرضى يحتاجون لتلحيم العظام من المرة الأولى، ونقول للمريض ذلك لانه حتى التنظيف لن ينفع. اذ نريه فحص الصورة وبأنه لن ينفعه شيء سوى تلحيم العظم.

ــ ومن هم الأكثر عرضة للاصابة بمشاكل في الظهر، الشعوب العربية او الشعوب الأوروبية والأميركية؟

- طبعاً العامل الوراثي اساسي في ما يتعلق بآلام الظهر كما ذكرت، ولكن مشاكل الغضروف و<الديسك> تزداد في الدول العربية اكثر من الدول الأجنبية. وربما هناك علاقة بكثرة التدخين في العالم العربي، ونلاحظ من خلال المرضى في الدول العربية وخصوصاً دول الخليج ان نسبة الاصابة بمشاكل الظهر عالية اذ عندما يقصدني مريض من دول الخليج يكون الظهر في حالة اهتراء، وعادة المريض العربي لديه مشاكل في <الديسك> اكثر من المريض الأوروبي او الأميركي. ولهذا ننصحهم دائماً بأن يكون الشخص نشيطاً منذ صغره وان يقوم بتقوية عضلات بطنه وعظامه، والأهم الا يترك المريض نفسه لوقت طويل دون تلقي العلاج، اذ ان بعض المرضى يخافون من الخضوع للعملية الجراحية فيقضون حياتهم في حالة من الألم، ولهذا نحن كجراحين ننصح بضرورة تلقي العلاج المناسب واجراء العملية الجراحية اذا استلزم الأمر ليعود المريض الى حياته وعمله بشكل طبيعي، لأنه اذا طلبنا منه ان يلازم البيت والا يجهد نفسه الى ما هنالك، فمع مرور الوقت سينعزل عن المجتمع وسيعتاد على فكرة البقاء في المنزل وعدم مزاولة الأعمال التي كان يقوم بها قبل الاصابة بمشاكل في الظهر. وبالتالي اذا حدث خلل معين فعلى المريض ان يخضع للعلاجات، ليس الجراحية منها، وإذا لم يُشف عند ذلك يكون لا بد من اجراء العملية الجراحية.

ــ ومن المعرض أكثر للاصابة بمشاكل الظهر المرأة ام الرجل؟

- بعض الأمور تُصاب بها المرأة أكثر مثل انزلاق الغضروف وانزلاق الفقري وسبب ذلك هو <الاستروجين>، اذ ان جسم المرأة هو اكثر ليونة من جسم الرجل وبالتالي تكون المرأة معرضة للاصابة بهذه المشاكل اكثر من الرجل. ثانياً هناك علاقة بهشاشة العظام التي تُصاب بها المرأة اكثر من الرجل أيضاً. وفي النهاية، لا بدّ من لفت النظر الى ان مشاكل الجهاز الحركي تزداد مع التقدم في العمر، وبما ان معدل عمر الانسان ازداد فقد اصبح معرضاً للاصابة بمشاكل في الجهاز الحركي اكثر من الماضي.