تفاصيل الخبر

ظهور المتحوّر البريطاني في لبنان منذ شهر كانون الأول 2020

24/02/2021
ظهور المتحوّر البريطاني في لبنان منذ شهر كانون الأول 2020

ظهور المتحوّر البريطاني في لبنان منذ شهر كانون الأول 2020

بقلم وردية بطرس

 

الاختصاصي في العلوم البيولوجية البروفيسور فادي عبد الساتر: الجامعة اللبنانية تتعاون مع جامعة "أكسفورد" البريطانية لرصّد كل المتحوّرات التي من الممكن أن تظهر في لبنان

[caption id="attachment_86107" align="alignleft" width="411"] متحور كورونا البريطاني منتشر في لبنان[/caption]  

 كلما طال انتشار فيروس في المجتمع كما فترة الاصابة، كلما زادت فرص تطوره وتحوّره. ومنذ ان أعلنت بريطانيا عن ظهور المتحوّرات من فيروس كورونا بدأ العالم يتابعها بكثير من الاهتمام اذ إنها وصلت خلال أيام الى الكثير من البلدان ومنها لبنان. وكان أول من كشف عن وجود المتحّور البريطاني في لبنان الاختصاصي في العلوم البيولوجية البروفيسور فادي عبد الساتر وهو أستاذ وباحث في الجامعة اللبنانية اذ تحدث في وسائل الاعلام عن ظهور نسخة متحوّرة من (كوفيد-19) في لبنان منذ شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وفي هذا الاطار كان قد شرح البروفيسور عبد الساتر أن نتائج فحوصات الـ (بي سي آر) أظهرت أن جيناً واحداً من أصل 3 تابعة للفيروس يجري تتبّعها لتأكيد الاصابة بالوباء، اختفى من نتائج تلك الفحوصات لدى أحد المصابين. وهذا الأمر دفع بالباحثين في الجامعة اللبنانية الى التواصل مع البروفيسور عبد الساتر الذي طلب منهم تتبع الحالات المشابهة. وبالفعل ظهرت حالات في لبنان مصابة بالمتحوّر البريطاني حيث أشارت دراسة قام بها مختبر (كوفيد-19) في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية بالتعاون مع جامعة (اكسفورد) البريطانية لتؤكد وجود متحورّات في لبنان على رأسها المتحوّر البريطاني.

البروفيسور عبد الساتر وظهور المتحوّر البريطاني في لبنان

 

ولنعرف أكثر عن الدراسة التي تجريها كلية العلوم في الجامعة اللبنانية بالتعاون مع جامعة (أكسفورد) البريطانية عن وجود المتحوّر البريطاني في لبنان كان لـ (الأفكار) حديث مع الاختصاصي في العلوم البيولوجية البروفيسور فادي عبد الساتر وهو أستاذ وباحث في الجامعة اللبنانية ليطلعنا على تفاصيل الدراسة والجهود التي يقوم بها مختبر كلية العلوم واستهل حديثه قائلاً:

- يتابع العالم حالياً المتحوّرات لأن هذه المتابعة ضرورية جداً لمعرفة الى أين سنصل من ناحية اللقاح وهل جهاز مناعة الجسم سيظل يتعرّف على الفيروس أم لا؟ ما حصل أنه أبلغني طلاب الجامعة اللبنانية الذين يعملون في المختبرات أنه خلال فحوصات (بي سي آر) لم يظهر جيناً واحداً من أصل 3 تابعة للفيروس، لأنه عادة عندما يقومون بهذا الفحص يجدون 3 جينات ولكنهم وجدوا أن جيناً واحداً من تلك الجينات لا يظهر في فحص (بي سي آر) وهذا أمر غريب، عندها قلت يجب ان نتابع هذا الموضوع وكان ذلك في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2020، من ثم أعلنت بريطانيا أن لديها متحوّراً جديداً تم اكتشافه بالطريقة نفسها التي يستعملونها في مختبر الجامعة اللبنانية اذ لاحظوا هذه العيوب في فحص (بي سي آر). وطبعاً في بريطانيا توجهوا فوراً الى فك الشيفرة بخصوص فيروس (كوفيد-19) حيث وجدوا بداخله عدداً من الطفرات، وأن هذا الفيروس ينتقل بسرعة هائلة اذ خلال شهر كان مسيطراً على بريطانيا كلها. ونحن في لبنان كان لدينا السيناريو نفسه اذ بعد حفلة رأس السنة تبين أن 16 حالة ايجابية مصابة بهذا المتحوّر. ولقد أعلنت عن ذلك أول مرة في 13 كانون الثاني (يناير) عبر الاعلام حيث نبهّت الناس أن هناك متحوّراً جديداً في لبنان والأغلب أنه المتحوّر البريطاني، ووصلت النسبة الى 60 في المئة ولكننا لا نعرف متى وصل الى لبنان بالتحديد اذ ممكن أنه وصل في كانون الأول (ديسمبر) 2020، لأنه صحيح في بريطانيا اكتشفوا هذا المتحوّر في كانون الأول 2020 ولكنهم قالوا إنه كان موجوداً في البلد منذ شهر أيلول (سبتمبر) 2020. وبالتالي في 13 كانون الثاني كان لدينا 60 في المئة من الحالات من المتحوّر الجديد، وفي أواخر كانون الثاني وصلنا الى 90 و 95 في المئة. طبعاً أتحدث عن هذه الأمور وفقاً لمتابعتنا للبيانات الموجودة في أكثر من مستشفى، وفي الوقت نفسه قمنا بتطوير بروتوكول جديد يقدر أن يحدد لنا أن ما نراه هو الأقرب الى المتحوّر البريطاني. عندما تحدثت عبر وسائل الاعلام  بتاريخ 13 كانون الثاني بأنه لدينا في لبنان متحوّر بريطاني تعرّضت للانتقادات اذ ظن البعض اننا نقوم بسبق صحفي ولكن نحن كأشخاص علميين نتكلم من منطلق علمي بحت ولا يهمنا الظهور الاعلامي.

وعن التعاون مع جامعة أكسفورد يشرح البروفيسور عبد الساتر:

- لقد أرسلنا العينات الى بريطانيا اذ تعاونا مع جامعة (أكسفورد) ومع منظمة الصحة البريطانية التي هي أعلى منظمة في بريطانيا حيث تقوم بالسيطرة على الوباء في بريطانيا. وما قاموا به مجاناً لأن كلفة Sequencing أو فك الشيفرة عالية جداً اذ تكلف 260 دولاراً عن كل عينة، لأنهم في بريطانيا يهتمون بالمتحوّر البريطاني عما اذا يتغير من بلد الى آخر. وبالتالي قاموا بفك الشيفرة الجينية وهذه أول مرة يتم فك الشيفرة الجينية عن المتحوّر الجديد كاملة في لبنان، لقد سمعنا أنهم في الجامعة اليسوعية ومستشفى الروم قاموا بفك الشيفرة ولكنهم قاموا بفك الشيفرة لأجزاء من الفيروس وليس كل الفيروس كما فعلوا في بريطانيا. اذاً في بريطانيا قاموا بفك الشيفرة كاملة وأرسلوا لنا النتائج وكانوا مهتمين كثيراً. لقد أرسلت عدداً من العينات الى بريطانيا وتبين أن العدد الأكبر من العينات هي من السلالة البريطانية. وهناك بعض الطفرات الجديدة ولكنها لا تدعو للقلق. كما ظهر معنا أن هناك متحوّراً ثانياً اسمه متحوّر أوروبي منتشر كثيراً في جمهورية التشيك، والمشكلة أنه يقدر أن يتهرب من بعض الأجسام المضادة التي يفرزها جسم الانسان عندما تحصل اصابة بجسم غريب. لقد تحدثت عن هذا المتحوّر الموجود في التشيك أكثر من مرة على شاشة التلفزيون. ولكن الخوف أن تظهر طفرات جديدة على هذا المتحوّر وعندها فعلاً جهاز المناعة لدينا لن يقدر أن يتعرّف عليه. وبالتالي الخوف ليس الآن بل لاحقاً، فاذا لم نحمِ المجتمع الآن ونخفف من انتقال الفيروس في لبنان ممكن أن نصل الى متحوّر لبناني. لا شك ان المتحوّر موجود بكل دول العالم وليس فقط في لبنان لهذا يجب الاسراع بعملية التلقيح هو أهم ما في الأمر.

تحوّر الفيروس

[caption id="attachment_86108" align="alignleft" width="272"] البروفيسور فادي عبد الساتر: التلقيح يساعد على الحد من انتشار الفيروس وأيضاً من قدرته على التحوّر أكثر[/caption]

* كيف يتحوّر الفيروس كما حصل للمرة الأولى في بريطانيا؟

- كلما طالت مدة اصابة الشخص بالفيروس كلما كان الفيروس قادراً على ان يقوم بطفرات أكثر، لأن الفيروس لكي يتكاثر في جسم الانسان فهو ينسخ نفسه، اي يقوم بعملية نسخ الجينوم لديه ويتكاثر، وأثناء عملية النسخ تحدث أخطاء وهذه الأخطاء تُسمى الطفرات. وصادف ان الشخص المصاب بالفيروس في أحد مستشفيات بريطانيا الذي كان يعاني من مشاكل في المناعة أيضاً حصل معه الكثير من الأخطاء في النسخ وكلها كانت في فيروس واحد الذي هو من السلالة البريطانية التي انتشرت في دول العالم لاحقاً. ولهذا الخوف من بقاء الفيروس في جسم المصاب لفترة طويلة لأنه ممكن أن تحدث معه طفرات كثيرة. ففي العالم هناك أكثر من 4000 متحوّر ولكن الذي نتحدث عنه في الاعلام هي المتحوّرات التي لديها خصائص مهمة يعني تنتشر بسرعة وممكن أن تهرب من جهاز المناعة. اليوم الحل الوحيد للحد من انتشار الفيروس والحد من تطوره في لبنان هو أن يتم تلقيح أكثر عدد ممكن من الشعب اللبناني وألا ينظروا الى عملية التلقيح بأنها مؤامرة، فاليوم دول العالم تتعاون لمحاربة هذا الفيروس، والعلماء في العالم يقومون بمجهود والأموال تُغدق بشكل هائل على هذا البحث. أي ليس هناك حرق مراحل كما يُحكى في الاعلام، على العكس هناك تضافر جهود بين أكثر من جهة. الفيروس سبقنا بمراحل كثيرة ونحن نحاول أن نتدارك الوضع والحل الوحيد هو اللقاح، لأن وظيفة اللقاح هي للحماية وتحسين جهاز المناعة، أما من يروّج بأن اللقاح سيغيّر الجينوم لدى الانسان عند تلقيه اللقاح فهو غير صحيح. المشكلة ان هناك أشخاصاً غير متخصصين بالموضوع يطلون على وسائل الاعلام ويتحدثون بالطب والعلم وهم لا يعلمون شيئاً، وللأسف بعض الأطباء المفروض أنهم واجهة المجتمع يتحدثون بمغالطات علمية كثيرة وهذا يجعل الناس بحالة ضياع وهنا الخطورة.

اللقاح يوفر الحماية للجسم

* عندما يُقال إن اللقاح الفلاني يحمي بنسبة 50 في المئة وآخر يحمي بنسبة 70 او 80 في المئة ألن يثير ذلك مخاوف الناس؟

- عندما يقولون إن اللقاح يحمي بنسبة 50 أو 70 في المئة فهم يقصدون فعالية اللقاح، أما 30 في المئة المتبقية فهناك الكثير من الدراسات تفيد بأنها كافية لتوفّر الحماية. أهمية اللقاح تكمن بأنه يحسّن جهاز المناعة وهذا تحفيز كاف أن يمنع عنا الاصابات الكبيرة او الدخول الى المستشفى اي وما تصاحبه من أعراض شديدة. بالتالي نحن الآن في سباق مع اللقاح، فاذا قمنا بتلقيح الناس سيساعد ذلك للحد من انتشاره وأيضاً من قدرته على التحوّر أكثر. والجيد انه في شركات اللقاح الموجودة الآن يقدرون أن يغيّروا باللقاح بسرعة. لن أدخل بأسماء شركات اللقاح ولكنني سبق أن أشرت في مقابلة تلفزيونية أنه أول لقاح يصل الى لبنان سأخذه وبالفعل أخذت اللقاح منذ أيام، وبالتالي أتوجه لكل شخص يقدر أن يأخذ اللقاح ألا يتردد بذلك لأنه لن يحمي نفسه فحسب بل سيحمي أهله والآخرين وكبار السن الذين هم أغلى شيء في حياتنا جميعاً.

* عادة فيروس يصل الى الذروة من ثم يضعف ويختفي فماذا عن فيروس (كوفيد-19) وهل سيمر من مرحلة الانتشار الى مرحلة الضعف والاختفاء؟

- (كوفيد-19) مثل أي فيروس (mRNA) وأيضاً مثل فيروس (اتش اي في) الذي  لم يختف ولا يزال موجوداً، وأيضاً الكريب لا يزال موجوداً وله مواسم. بما يتعلق بالكورونا فهي فيروسات تعمل طفرات بشكل طبيعي يعني التحوّرات هو أمر طبيعي يحصل مع اي فيروس (mRNA) أي يقوم بعملية نسخ نفسه فتحصل أخطاء وهذه الأخطاء نسميها طفرات وممكن ان تؤدي لأمر خطير وممكن لا، وما نراه حالياً أن هذا الفيروس يقوم بطفرات عدة، كما أن سرعة انتشاره أكثر من غيره بكثير. وعندما ينتشر الفيروس اكثر هناك احتمال ان يتسبب بطفرات جديدة ومتحوّرات جديدة أكثر، ولكي نقدر أن نوقف هذا الفيروس والحد من انتشاره بهذه الطريقة المفروض أن نعمل على الحد من نسبة المصابين ونمنع من أن يتطوّر الفيروس. اي كلما تخلصنا منه نمنع متحوّرات أخرى ممكن أن تخفف من فعالية الفيروس مع العلم أن هذا مشكوك بأمره لأن أي فيروس يحاول أن يطوّره نفسه.

دراسة عن المتحوّرات في لبنان

وعن أهمية دراسة وترّصد لكل المتحورات التي ممكن ان تظهر في لبنان يقول:

- نحن نتابع الموضوع منذ وصول الكورونا الى البلد، اذ أجرينا دراسة عن المتحوّرات الموجودة في لبنان في شهر حزيران (يونيو) الماضي ونشرناه في المجلات العلمية العالمية وتابعنا الموضوع. ولا نزال وفي الجامعة اللبنانية نقوم بحالة ترصّد لكل المتحورات التي ممكن ان تظهر في لبنان لأن اليوم عملية ترّصد ومتابعة المتحوّرات تستحوذ على اهتمام العالم كله. وعندنا في الجامعة اللبنانية نقوم بالعديد من الدراسات وذلك بفضل جهود الصبايا والشباب في مختبرنا إذ إن مختبر الجامعة اللبنانية يقوم بكل الفحوصات للقادمين الى لبنان داخل مطار بيروت وأيضاً عبر الممرات البرية. بالاضافة الى ذلك نقوم بالمسح الميداني اذ ترسل الينا وزارة الصحة عينات من المناطق من أقصى عكار الى أقصى الجنوب مروراً بالبقاع وبدورنا نقوم بالفحوصات وهذا ساعدنا كثيراً في عملية الترّصد. وفي المختبر لدينا تقريباً 40 أستاذاً وكلهم من أصحاب الاختصاص ومن جهتنا نعمل 24\24 على مدار الاسبوع. ونحن لا نقوم بفحوصات (بي سي آر) فقط بل نجري أبحاثاً وربما مختبرنا هو من المختبرات القليلة التي تقوم بذلك معاً. لقد اقترح رئيس الجامعة اللبنانية ومشكور على ذلك ان تتم عملية التطعيم لكل أساتذة الجامعة وطلابها على حساب الجامعة اللبنانية، وهذه تحصل للمرة الأولى اذ لدينا اليوم تمويل ذاتي من خلال العينات التي تجرى في مختبر الجامعة اللبنانية. وأكثرية المختبرات التي تعمل الآن على الكورونا هم طلاب الجامعة اللبنانية ونحن نفتخر به إذ إنهم في الواجهة.