تفاصيل الخبر

ثـغـــــــرات الـطـــــــائـف!!

04/06/2015
ثـغـــــــرات الـطـــــــائـف!!

ثـغـــــــرات الـطـــــــائـف!!

بقلم سعيد غريب

Saad-k

دحضت السنة الأولى من الشغور الرئاسي كل ما يقال عن ان البلاد يمكن ان تعيش من دون رئيس للجمهورية.

فالكل بات يشعر بثقل المرحلة وأهمية الموقع الذي بدأ اللبنانيون يفقدونه بصفة عامة والمسيحيون بصفة خاصة، رغم انحسار صلاحيات الرئيس وخسارة معظمها في اتفاق الطائف.

ولكن، وعلى الرغم مما تقدم، لا بد من تصويب بعض المواد الدستورية أو تعديلها أو توضيحها من أجل حسن سير الدولة ومنعاً للوقوع في أي فخ مستقبلي.

صحيح ان المشترع يتعمد بالمطلق عدم الوضوح في النصوص، ولكن الأصح ان بعض المواد تحتاج الى فكفكة العقد كيلا تكون مطاطة أكثر من اللزوم.  وهنا تجدر الإشارة الى ان اتفاق الطائف وضع على نارٍ حامية، تحت وطأة المدافع والاشتباكات، وهناك من الحقوقيين من يعتبر ان المشكلة ليست في تطبيق أو عدم تطبيق الاتفاق، بل باستحالة تطبيقه بمعزل عن الوصاية التي كانت سائدة على مدى خمس عشرة سنة، بحيث أنيطت المرجعية بها وحدها.

من هنا وجب على المشترع وفور انتخاب رئيس جديد للجمهورية ان يعمد الى سد الثغرات أو تصويب بعض المواد الدستورية الواردة في الاتفاق الذي مضى على دخوله حيز التنفيذ حوالى أربعة وعشرين عاماً...

ما هي أبرز الثغرات؟

ثمة التباس في المادة 49، فهي لم تحسم هوية رئيس السلطة الإجرائية، هل هو رئيس الجمهورية أم هو رئيس مجلس الوزراء لأنها جاءت تحت هذا العنوان: الفصل الرابع - السلطة الإجرائية - أولاً: رئيس الجمهورية!

وتقول المادة 53: <يترأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء عندما يشاء دون أن يشارك في التصويت>.

من هنا يأتي السؤال طبيعياً:

عندما يترأس رئيس الجمهورية الجلسة، من يكون رئيساً للسلطة الإجرائية: هو أم رئيس مجلس الوزراء؟

ثم تقول المادة نفسها في الفقرة الثانية ما يأتي: <يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها>، وهنا أيضاً يأتي السؤال الثاني: ما دامت الاستشارات ملزمة، فما الداعي للتشاور مع رئيس المجلس النيابي وعلامَ سيتشاوران؟ وهل الاستشارات في حالة كهذه هي ملزمة بإجرائها أم بنتائجها؟

ثم في المادة 56 التي أثارها رؤساء ما بعد اتفاق الطائف واعتبروها مجحفة بل ظالمة بحق الموقع الأول في الدولة. وللتذكير تقول المادة ان على رئيس الجمهورية ان يصدر القوانين التي يتخذها مجلس الوزراء خلال خمسة أيام، وله حق الطلب الى المجلس إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتخذها خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية. <وإذا أصرّ مجلس الوزراء على القرار المتخذ أو انقضت المهلة دون إصدار المرسوم أو إعادته، يعتبر القرار أو المرسوم نافذاً حكماً ووجب نشره>.

ويبقى أمران ثمة حاجة ماسة للبت بهما دستورياً بحسب خبراء دستوريين وهما:

أولاً: في أعقاب اتفاق الطائف، انتقل رئيس الحكومة من شخص يسميه رئيس الجمهورية من بين الوزراء، مع إمكان إقالته أسوة بباقي الوزراء الى شريك في تشكيل الحكومة يوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. وفي السنوات الاخيرة، طرح السؤال بعد ان اقتضى تأليف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة 45 يوماً، وحكومة الرئيس سعد الحريري 135 يوماً، وتكليف الرئيس تمام سلام عشرة أشهر، ما إذا كان ثمة مهلة محددة للرئيس المكلف من أجل إنجاز مهمته وتشكيل الحكومة. ذلك ان اتفاق الطائف الذي حدّد مهلة ثلاثين يوماً للحكومة بعد تأليفها لإعداد البيان الوزاري والتقدّم من المجلس النيابي لنيل الثقة، بقي صامتاً بالنسبة لمدة التأليف.

ثانياً: قبل اتفاق الطائف، لم تكن مطروحة مسألة عدم انعقاد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، ربما لأنها كانت من المسلّمات والبديهيات... ولكن بعد العام 1988، باتت المسألة بحاجة لحل وحسم، ولم يعد من الجائز ترك البلاد ومصير شعبها خاضعين للمزاجية المحلية والقرارات الخارجية، لذا يقتضي ووفقاً لدستوريين كبار، إلزام النائب بموجب مادة دستورية محدثة، حضور جلسات مجلس النواب العامة ولاسيما جلسات انتخاب رئيس الجمهورية وجلسات اللجان النيابية التي هو عضو فيها، تحت طائلة اعتباره مخلاً بواجباته كنائب وتحت طائلة مجازاته أو معاقبته ووفقاً لأصول تختلف من دولة الى أخرى، ولو كانت متشابهة أحياناً، وهي تراوح - حسب الدول - من الجزاء المالي الذي يحسم من تعويضاته الى فقدان مركزه كنائب وسقوط نيابته.

هذه المادة كفيلة بإتمام الاستحقاق الذي تحوّل الى لااستحقاق ومعضلة دستورية ولغزاً من ألغاز أسرار الدولة.

في اختصار، ليس المطلوب استرداد ما خسره رئيس الجمهورية من صلاحيات في جمهورية ما قبل الطائف، بل إعطاء الرئيس ما يمكّنه من لعب دور الحكَم وتزويده بطاقة صفراء ترجمة لهذا الدور...

الدولــــــة في حاجـــــة الى انضباط، والـوطن في حاجـــــــة الى رجــــــال، والدستـــــــور فــــــــي حاجــــــــة الى مرجعيــــــــة، والجمهوريـــــة الثانيـــــة مــا زالت صالحـــــة إذا سُـــدّت الثغـــــرات.