تفاصيل الخبر

ظاهرة العنف المدرسي مسؤولية مشتركة بين المدرسة والأسرة والدولة!

19/02/2016
ظاهرة العنف المدرسي مسؤولية  مشتركة بين المدرسة والأسرة والدولة!

ظاهرة العنف المدرسي مسؤولية مشتركة بين المدرسة والأسرة والدولة!

بقلم وردية بطرس

1  

في زمن المناهج الحديثة التي حملت التلميذ من موقع المتلقي الى المشارك في العملية التعليمية، لا يزال هناك تلاميذ يتعرضون للعنف المدرسي... وهناك أشكال للعنف المدرسي، ومنها العنف الجسدي مثل الضرب، الصفع، شد الشعر، الدفع، القرص، ومنها العنف النفسي او المعنوي مثل الاهانة، الاذلال، السخرية من التلميذ أمام الرفاق، نعته بصفات مؤذية، احتجازه في الصف، القساوة في التخاطب معه، انتقاده باستمرار، التمييز بين طفل وآخر، البرودة العاطفية في التعاطي معه، عدم احترامه، عدم تقدير جهوده. وتجدر الاشارة الى وجود قوانين خاصة في المدارس الرسمية والمدارس الخاصة، الأولى ما زالت تسمح بالعقاب الجسدي ولو ان ممارسته محظورة قانوناً، فيما نجد ان الثانية أدخلت أنظمة تناهض العقوبات الجسدية وتعتمد على الحوار. ان من حق التلاميذ وذويهم تقديم شكوى في حال تعرضهم للعنف في المدارس بموجب القرار 2002/422 أمام النيابة العامة الاستئنافية، كما يمكنهم تقديم شكوى في وزارة التربية شرط ان يكون هناك شهود وانتظار تحقيق الوزارة.

ووفقاً للجمعيات الناشطة في مجال حقوق الأطفال في لبنان يظهر ارتفاع في نسبة العنف الذي ما زالت بعض المدارس تعتمده وسيلة للتأديب من الجسدي الى الكلامي او المعنوي، في ظل غياب الوعي التام للأهل الذين يعتبرون ان ما يقوم به المعلم هو حق من حقوقه كونه الأعلم بمصلحة التلميذ وصلاحه. ويعيق العنف في المدارس قابلية المدرسة لتحقيق اهدافها وغاياتها، ألا وهي تربية الأطفال وتأهيلهم لتنمية قدراتهم وتطوير امكانياتهم في بيئة سليمة آمنة. غير ان احدى الدراسات الميدانية التي أُجريت في اطار الاعداد لنيل اجازة في الاشراف الصحي والاجتماعي من الجامعة اللبنانية - كلية الصحة العامة في العام 2013، على عينة من 16 مدرسة و180 تلميذاً و71 مدرّساً و16مديراً، اظهرت أن 54 بالمئة من التلاميذ تعرضوا للعقاب الجسدي، 16بالمئة منهم لأكثر من عشر مرات، فيما اعترف نحو 32 بالمئة من المدرسين بمعاقبة التلميذ، و72 بالمئة من المديرين أكدوا ذلك خصوصاً وان نسبة كبيرة من الأهل تتجاوز الـ 44 بالمئة تعطي المعلم الصلاحيات الكاملة لتأديب الولد.

وعلى الرغم من انتشار الخطوط الساخنة للتبليغ عن أي انتهاك يتعرض له الأطفال سواء من قبل الجهات الرسمية المعنية بالموضوع او الجمعيات الأهلية، وعلى الرغم من تفاعل البرامج التثقيفية التي تعتمدها هذه المؤسسات، الا ان نسب الحالات المعنّفة ما زالت مرتفعة، مع العلم انه يبقى الكثير منها خفياً بسبب عدم معرفة التلاميذ بحقوقهم او بسبب خوفهم من البوح بما يتعرضون له. وفيما يأخذ المتابعون على القوانين والأنظمة الداخلية للمدارس حصر العنف في نصوص عامة من دون التطرق الى العقوبات التي قد تلحق بالشخص الذي ارتكب العنف، مطالبين بمنح الجمعيات صفة الادعاء الشخصي في حال انتهاك حق طفل ما، يرى بعضهم ان المشكلة تكمن في عدم نشر هذه القوانين ليتعرف الأطفال على حقوقهم، وعدم تنفيذ الرقابة في المدارس من قبل جهاز الاشراف والتوجيه التربوي في وزارة التربية للحد من تفاقم هذه المشكلة.

 

توقيع لبنان على اتفاقية

حقــــــوق الطفل

 

تجدر الاشارة الى انه بالرغم من توقيع لبنان على اتفاقية حقوق الطفل في العام 1990، الا ان العقاب الجسدي في بعض المدارس اللبنانية لا يزال مسموحاً به قانوناً، وان كانت ممارسته محظّرة ادارياً في الرسمية منها، أما في المدارس الخاصة، فقد عمد بعضها الى ادخال أنظمة مناهضة للعقوبات الجسدية في أنظمتها من خلال اعتماد تدابير مثل اقامة بحث او تقديم شرح للدرس، فيما لا يزال بعضها الآخر يفتقر الى هذه الخطوة. ويلاحظ المتابعون ان العنف ما زال يُعمل به في كثير من المدارس في لبنان التي ما زالت تعتمد أسلوب التلقين، علماً ان خطة النهوض التربوي للعام 1996 أشارت منذ ذلك الوقت الى وجوب ادخال اختصاصيين اجتماعيين في المدارس الرسمية، واعتمدت التوجيه الطريقة التعليمية نحو المشاركة، الا ان ذلك لم يُطبق بالكامل. هذا وتكثر أخبار الممارسات العنيفة في المدارس بدءاً من العنف الجسدي مثل الركوع والوقوف طويلاً والضرب المبرح الذي قد يؤدي أحياناً الى حدوث اعاقات، الى العنف المعنوي لاسيما الكلامي منه والذي لا يقل ايلاماً وخطورة. ولا يزال التعاطي مع العقاب الجسدي في المدرسة دون الوعي المطلوب، اذ ان المفاهيم السائدة سواء عند الأهل او في المدارس تجيزه في التربية لا بل تعتبره وجهاً طبيعياً من وجوهها، من دون الاكتراث لآثاره السلبية التي قد تترك بصماتها في مستقبل الطفل المعنف، والتي قد تبدأ بالاحباط.

 

ضرب التلاميذ

وكان قد انتشر خبر ضرب ناظر تلاميذه في مدرسة في منطقة برج حمود في العام 2014، وقبله كان قد بُث مقطع فيديو لأستاذ يضرب تلاميذه بمسطرة في مدرسة في الزهراني، وقبلهما اهتز الرأي العام بخبر عن معلمة أمرت تلامذتها بالتناوب على ضرب زميلهم في الصف. والقصص تتوالى، فالعنف في المدارس مستمر والتلاميذ من دون نظام حماية جديّ. مع العلم ان كل معلم يضرب تلميذه ويعامله بعنف يجب ان يُصرف من الخدمة استناداً لأحكام المادة 26 من قانون 16 حزيران 1956، واتخاذ صفة الادعاء الشخصي بحق المعلم الذي أساء لكرامة التلميذ.

 

 تكتم الأهل وعدم مواجهة المعلم

 

للأسف بالرغم من انه في وقتنا هذا لا يجب ان يتم التكتم عن تعرض التلاميذ للعنف المدرسي لاسيما من قبل الأهالي، ولكن في كثير من الأحيان يشعر الأهل بالخوف من اثارة المشكلة مع ادارة المدرسة اذا تعرض ابنهم للضرب وما شابه، لانهم يعتبرون انهم لن يصلوا الى الحل وان المعلم لن يُعاقب او ان ادارة المدرسة لن تكترث للأمر.

حاولت <الأفكار> ان تتحدث الى بعض الأهالي الذين تعرض اولادهم للضرب او اي عمل عنفي في المدارس، ولكنهم رفضوا التحدث بالأمر أو ذكر أسمائهم او اسماء اولادهم والمدرسة التي يتعلمون فيها. ولكن ما تؤكده لنا احدى الأمهات ان العنف المدرسي يزداد في المدارس الرسمية اكثر، ورفضت ان تذكر اسمها ولكنها تقول إنها تشعر بالأسى لما تعرض له ابنها الذي يبلغ الثامنة من عمره وكيف كان يتلقى صفعة من معلمه دون اي رادع، ولم يعد ابنها يحب ان يذهب الى المدرسة، ولكن بسبب ظروفهم المادية الصعبة اضطرت ان تبقيه في تلك المدرسة، وهي تعتبر انها لو تحدثت بالأمر فلن تصل الى نتيجة لان في معظم الحالات لا تسير الأمور كما يشتهيها الأهل، وتقول إنها ليست الوحيدة التي تتكتم عن الأمر بل هناك أمهات لا يتحدثن بالموضوع لأنهن لا يجدن آذاناً صاغية.

 

مراد والعنف المدرسي

وتحدثنا مع الناشطة الاجتماعية السيدة رلى المراد (ابنة عكار وخريجة جامعة البلمند اختصاص أدب فرنسي) التي ناصرت ودافعت عن حقوق المرأة والطفل منذ سنوات طويلة ولا تزال، لقد انخرطت في العمل التطوعي منذ ان كانت في السابعة عشرة من عمرها عندما كانت لا تزال طالبة في جامعة <البلمند> حيث أنشأت مع مجموعة من الصبايا والشبان نادياً للمساعدة الاجتماعية، وبعدها تزوجت وسافرت الى الولايات المتحدة حيث اقامت لمدة 11 سنة، وهناك عملت كمتطوعة في المجتمع الأميركي وكانت لديها نشاطات تتعلق بالطفل والمرأة والمعوقين. ومنذ ان عادت الى لبنان أسست جمعية <آفاق> التي تُعنى بالطفل والمرأة لأنها تعتبر ان هذين العنصرين يمثلان مستقبل المجتمع وبنيانه. وانطلقت من عكار لكونها من أكثر المناطق فقراً في لبنان وأيضاً من طرابلس، اذ ترى انه يجب ان يصبح التعليم في عكار مجانياً مئة بالمئة لأن نسبة الأمية تصل الى 13 بالمئة، ويجب تحسين المستوى التعليمي.

سألناها بداية:

ــ من خلال تعاطيك مع الأهالي، لماذا برأيك تزداد حالات العنف المدرسي؟ وأين يحدث العنف المدرسي؟

- بالنسبة للعنف المدرسي، فإنه غالباً يحدث في المدارس الرسمية، وهذا أمر مؤسف... اذ يمكن القول انه يحدث 99 بالمئة في المدارس الرسمية لسبب بسيط انه ليس هناك مراقبة ولا تفتيش ولا متابعة. الاهمال يحدث السيدة-رلى-المراد2دائماً في الدوائر الرسمية في الدولة من كل النواحي وأهمها في المدارس لانه ليس هناك متابعة كما قلت، والأهل لا يعون ذلك ليلاحقوا الموضوع مع المعلمين والادارة لانهم يعتبرون كما في السابق أنه يحق للمعلمين ان يعلموا أولادهم ويتصرفوا معهم كما يحلو لهم، وانه من حق الادارة مع المعلمين ان يتولوا تربية الأولاد كما يريدون. ان الأهالي في المناطق الشعبية الفقيرة منشغلون بكيفية تأمين لقمة عيشهم، وهمهم الأول هو الحصول على المال أقله لشراء ربطة الخبز، وأصبحت الأمور الأخرى ثانوية، فإن أقصى طموح للناس في المناطق الشعبية في ظل الوضع الاجتماعي المتردي هو تأمين لقمة العيش، ولا تكون تربية أولادهم من أولوياتهم ويُترك الولد في الشارع وأحياناً لا يذهب الى المدرسة، وعندما يتعرض الولد للعنف المدرسي لا يتابعون المسألة ولا يهمهم الأمر، وربما هم أيضاً يمارسون العنف على ابنهم بسبب الضغوط والجهل. ولكنني لا ألوم الأهالي فقط، علماً ان هناك لوماً يقع عليهم، ولكن اللوم الأكبر يقع على الادارة التي من المُفترض ان تكون المسؤولة سواء على صعيد الهيئة الادارية أو المدراء والمعلمين.

وتتابع السيدة رلى المراد:

- الاستاذ عندما يدخل الى الصف عليه ان يعمل على تنمية عقل التلاميذ وان يقوم بتدريبهم وتوعيتهم. فالمعلم يجب الا يعمل على تنمية التلاميذ من الناحية الثقافية والمنهجية فقط، بل يجب ان يعمل على التنمية الفكرية وان يدرك كيف يتعاطى مع التلاميذ في الصف. فالمعلم يجب ان يكون قدوة لتلاميذه بالفكر والتصرف والممارسة، يجب ان يكون المعلم قدوة لتلاميذه من ناحية التغيير وان يروه خير مثال لهم وان يطمحوا ليصبحوا مثله يوماً ما، لأنه ربما أهاليهم لا يوفرون لهم هذه الصورة المثالية. وبالطبع يقع اللوم الكبير على ادارة المدرسة والمعلمين عندما يتعرض التلاميذ للعنف المدرسي، وأيضاً على هيئة التفتيش التي لا تلاحق هذه المسألة. والجميع يتذكر منذ فترة عندما نشرت وسائل الاعلام صوراً لتلميذة تعرضت للعنف المدرسي حيث ضُربت على وجهها، وعندما حاولنا ان نساعدها من خلال عملنا الاجتماعي وان نتواصل مع ذويها رفضوا التحدث بالمشكلة وقالوا إنهم سيتحدثون مع أشخاص لمساعدتهم، وذلك خوفاً من التحدث بالأمر ليس الا. وهنا تمكن المشكلة حيث يتكتم معظم الأهالي على هذه الحوادث، وهذه كارثة لأنها تؤدي لزيادة العنف المدرسي وعدم ملاحقة المعلم الذي يلجأ الى اسلوب العنف تجاه تلاميذه، وبالتالي كل هذه الأمور تؤدي الى زيادة نسبة العنف في المدارس.

ــ كونك ناشطة اجتماعية وتقومين بجولات في المناطق الفقيرة وتتواصلين مع الأهالي، فما هو وضع التلاميذ في تلك المناطق؟

- طبعاً العنف المدرسي مشكلة يجب ان يُصار الى حلها نظراً لتزايد حالات العنف المدرسي. ولكن هناك مشكلة أخرى يواجهها التلاميذ الا وهي التسرب المدرسي في مختلف المناطق وتحديداً في الشمال. وعندما نقول التسرب المدرسي نعني بذلك الأولاد الذين يُفترض ان يكونوا في صفوفهم لكنهم يهربون من المدارس ولا يعودون اليها. وعادة تتجلى ظاهرة التسرب المدرسي في أغلب الأحيان في البيئة الفقيرة والمهمشة على صعيد الدولة وعلى صعيد المجتمع المدني. فالولد بدل ان يدخل الى المدرسة ويمضي يومه يتعلم ويساهم في بناء وطنه عندما ينهي دراساته يهرب من المدرسة ليعمل ويوفر المال وأحياناً بالكاد يحصل على 3000 ليرة لبنانية في اليوم، او لكي يلعب في الشارع، او يقوم بـأعمال لا تناسب سنه كأن يعمل في تصليح الموتورات او الكهرباء حيث يعرّض نفسه للمخاطر، وهذا يحدث كثيراً في الشمال. كما ان المراهقين أيضاً يتركون المدارس ويلجأون الى التدخين والمخدرات وربما لمخاطر أكبر اذ يصبحون صيداً سهلاً للارهابيين حيث يقومون بغسل أدمغتهم بأفكار سيئة تلحق الضرر بهم وبالمجتمع. اعتبر ان التسرب المدرسي كارثة اجتماعية ويجب ان تُعالج. وهذه المشكلة تحدث في المدارس الرسمية عموماً، وفي الشمال خصوصاً، في الأحياء الفقيرة حيث بات هم الأهالي تأمين لقمة عيش أولادهم ليس أكثر. وأحياناً يطلب الولد من ذويه الا يذهب الى المدرسة لكي يعمل ويساهم في مصاريف البيت، وفي كثير من الأحيان يقبلون لأن وضعهم المادي صعب جداً. وللأسف كما ذكرنا في سياق الحديث انه في يومنا هذا لا يزال هناك تلاميذ يتعرضون للضرب من قبل المعلمين، وهذا أمر غير مقبول في زمننا هذا حيث نطالب بحقوق الطفل.