تفاصيل الخبر

”تغريدات“ ”ترامب“ لن تعيد النمو الاقتصادي إلى الولايات المتحدة

24/02/2017
”تغريدات“ ”ترامب“ لن تعيد النمو الاقتصادي إلى الولايات المتحدة

”تغريدات“ ”ترامب“ لن تعيد النمو الاقتصادي إلى الولايات المتحدة

 

بقلم خالد عوض

donald-tyrump----11

إذا كان من عنوان لهذه المرحلة الغريبة من تاريخ العالم، فهي مرحلة كل الاحتمالات. فهناك احتمال حقيقي لحرب عالمية، وهناك احتمال منطقي آخر لتقارب تاريخي بين الولايات المتحدة وروسيا، كما هناك خطر حرب تجارية حقيقية بين الولايات المتحدة والصين، واحتمال حرب مع كوريا يدخل فيها العنصر النووي، وإمكانية حرب بين اسرائيل وإيران، وإمكانية مواجهة عسكرية عراقية - تركية، وإمكانية <ستاتيكو> طويل الأمد... كل شيء وارد وتتوافر له الاسباب الموجبة، خاصة في ظل وجود شخص مثل <دونالد ترامب> في البيت الأبيض رغم انه آخر شخص يريد الحرب لأنه في الأصل رجل أعمال، ولكن الفوضى التي يعمل من خلالها لا يمكن أن تجر إلا إلى الجنون المضاد في العالم.

فها هي <مارين لوبان> المرشحة اليمينية المتطرفة تستفيد من مواقف <ترامب>، وتظهر حتى بصورة النسخة المخففة منه بعدما كانت لسنوات عديدة تمثل أقصى التطرف، ومن الصعب التكهن منذ الآن بنتائج الإنتخابات الفرنسية ولكن نجاح <لوبان> ليس مستحيلا وسيعني انقلاباً أوروبياً آخر سيطيح بفكرة الإتحاد الأوروبي ويعيد دول العالم إلى مرحلة الأفكار القومية الانغلاقية أي بعكس مسار حوالى ثلاثة عقود من العولمة.

ولكن المشكلة الحقيقية ليست التطرف القومي أو الديني، وليست ردات الفعل السياسية العالمية ضد <داعش>، وهي ليست في وصول <ترامب> إلى البيت الأبيض، أو في خروج بريطانيا من أوروبا أو حتى وصول اليمين الفرنسي إلى السلطة إن حصل في ايار (مايو) المقبل، فكل هذه الظواهر هي علامات داء معين بدأ بالتفشي منذ عام ٢٠٠٧ وربما حتى قبل ذلك، وهذا المرض اسمه <العجز الاقتصادي الغربي>. فالغرب الذي نعرفه لم يعد قادراً على النمو الاقتصادي اذ عندما يكون النمو بين الواحد والإثنين بالمئة في احسن الاحوال، فإن هذا لا يسمى نمواً، وليس صدفة أن يكون آخر نمو سجلته الولايات المتحدة فوق الأربعة بالمئة هو في عام ٢٠٠٠، فيما آخر مستوى نمو فوق الثلاثة بالمئة يعود إلى عام ٢٠٠٥.

وعندما يكون النمو الاقتصادي تحت مستوى الثلاثة بالمئة لفترة تزيد عن العشر سنوات في معظم دول الغرب، ذلك يعني أن هناك شيئاً في العالم تغير، ويبدو جلياً أن هذا القرن ليس قرن النمو الاقتصادي في الغرب، وكلنا نعرف أن النمو في المستقبل هو في آسيا وفي أفريقيا وليس في أوروبا أو الولايات المتحدة، وأي نمو في الغرب سيكلف ديونا باهظة لتحفيزه ولا يمكن للنظام العالمي أن يبتلع ذلك من دون أزمة مالية كبرى marine-le-pen------2كالتي حصلت عام ٢٠٠٨ بل ربما اسوأ منها.

ماذا يفعل الغرب إذا؟ يتفرج على النمو الاقتصادي في الشرق فقط؟ يستمر في تكبير الهوّة الطبقية بين الأغنياء والفقراء عنده بسبب طبيعة النظام الرأسمالي من دون أن يتمكن من فعل أي شيء؟ يستمر في استقبال آلاف المهاجرين أو النازحين من الشرق والجنوب حتى يقوموا بالأعمال التي لم يعد لديه من يعمل بها، مع العلم أن كل هؤلاء المهاجرين واللاجئين لا يدفعون الضرائب؟

هناك مشكلة كبيرة في الغرب نتائجها اليوم تظهر بشكل <بريكزيت> و<ترامب> وربما قريباً <لوبان>، ولكن اساسها لا علاقة له لا بـ<داعش> ولا بردة الفعل ضدها، إنه بكل بساطة العجز عن النمو الاقتصادي، وإذا استمر هذا الضعف فسيأخذ الغرب منحى أكثر تطرفاً فكرياً وسياسياً.

ينسب بعض المفكرين ظهور الشيوعية في بداية القرن الماضي إلى الثورة الصناعية، أو إلى النمو الكبير في الغرب. لذلك أيضاً انضوى الشرق تحت الأفكار الاشتراكية كردة فعل ضد النظام الرأسمالي أو النمو الحر للغرب. ما يجري في القرن الحالي هو عكس ذلك تماما لأننا نشهد ردة فعل الغرب على النمو الآسيوي الكبير، فالهند والصين تنموان بأكثر من ٦ بالمئة سنوياً وفيهما حوالى نصف سكان الأرض. حتى الثورة التكنولوجية لم تتمكن من إحداث النمو المرتجى في الغرب رغم أنه كان مهدها، وهذا يعود إلى طبيعتها الخارقة للحدود.

السنوات المقبلة حبلى بالمفاجآت، ولكن إذا اردنا استقراءها واستشرافها فلا بد من إبقاء النظر على الأرقام الاقتصادية وليس على تغريدات <دونالد ترامب> أو تصريحات <مارين لوبان>، والأرقام حتى اليوم تقول ان الغرب لا يمكن أن يتعايش مع مستويات النمو الاقتصادي الحالية.