تفاصيل الخبر

تجاوز تداعيات "الفيديو" المسرّب رهن إرادتين رئاسيتين تغلبان المصلحة الوطنية

20/01/2021
تجاوز تداعيات "الفيديو" المسرّب  رهن إرادتين رئاسيتين تغلبان المصلحة الوطنية

تجاوز تداعيات "الفيديو" المسرّب رهن إرادتين رئاسيتين تغلبان المصلحة الوطنية

[caption id="attachment_85061" align="alignleft" width="397"] الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري في آخر لقاء بينهما في 23 من الشهر الماضي[/caption]

 بين بعبدا و"بيت الوسط" اكثر من سوء تفاهم واقل من قطيعة نهائية على رغم الانعكاسات السلبية التي تركها كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون امام رئيس الحكومة حسان دياب  حول "كذب" الرئيس سعد الحريري والذي ظهر في شريط فيديو حصل نتيجة خطأ تقني ارتكبه المصور التلفزيوني المعتمد في قصر بعبدا الذي ابقى ميكروفون الكاميرا مفتوحاً خلال التصوير مسجلاً ما دار بين الرئيسين من حوار حول الوضع الحكومي... صحيح ان الرئيس عون معروف بصراحته وعفويته، الا ان وصف الرئيس الحريري بالكذب لم يكن من الكلام المألوف الذي يقال عن رئيس حكومة وزعيم تكتل نيابي واسع والذي كان وسيعود ممثلاً للطائفة السنية في الحكم بفعل المعادلة الطوائفية التي "تميز" النظام السياسي اللبناني! قد يكون الرئيس عون عبّر أمام الرئيس دياب عن "مكنوناته" تجاه الرئيس الحريري الذي غاب عن قصر بعبدا منذ آخر لقاء بين الرجلين في 23 كانون الأول ( ديسمبر) الماضي تاركاً الملف الحكومي معلق حتى اشعار آخر، لكن العلاقة بين الرئيسين يجب ان تبقى، في التقاليد السياسية اللبنانية بين "4 حيطان" ولا يجوز ان تظهر الى العلن سواء كان ما قاله الرئيس عون حقيقة ام لا.

الا ان "الواقعة" حصلت ولم يعد في الإمكان تجاهل حصولها، على رغم ان بعبدا سعت الى الحد من مفاعيلها، فأقرت بحصولها مشيرة الى انها نتيجة خلل تقني ارتكب عن غير قصد واتى الكلام الرئاسي مجزأ ومقتطعاً، نافية ان تكون دوائر القصر قد تعمدت توزيع كلام الرئيس واتهام الحريري بالكذب لاسيما وان ثمة من سارع الى القول إن بعبدا ارادت ان توصل رسالة "بالصوت والصورة" الى الحريري كمقدمة لــ "كسر الجرة" بين الرئيسين تمهيداً لاستبعاد الحريري عن السرايا وتكليف غيره ترؤس الحكومة، وهو ما لم يرد في ذهن الرئيس عون على حد مصادر قريبة منه اذ كان من خلال كلامه يوصف حالة قائمة اذ شعر في وقت من الأوقات - وفقاً للمصادر نفسها- ان الرئيس الحريري لا يقول له حقيقة ما يضمر حيال الملف الحكومي ويقدم له في كل مرة يزوره في القصر صيغة حكومية مختلفة عن تلك التي يكون قد قدمها في اللقاء السابق.

علماً ان عبارة "كذب" التي استعملها الرئيس عون هي مألوفة في السياسة وفي العلاقة بين السياسيين وان تكن غير مألوفة على الصعيد الشخصي وغير مستحبة في أي حال بين ركنين من اركان الدولة....

لكن لا يمكن انكار وقع الكلمة الرئاسية وانعكاساتها على مساعي التأليف التي أصيبت بانتكاسة شديدة غطت على المحاولات التي يبذلها "سعاة الخير" من اجل إزالة الخلاف السياسي بين الرئيسين حول التركيبة الحكومية التي اقترحها الرئيس الحريري، وانتقل الجهد الخيّر الى إزالة الابعاد الشخصية لما حصل والتي اثرت سلباً على العلاقة بين قصر بعبدا و"بيت الوسط" خصوصاً ان ثمة من ربط بين ما قاله الرئيس ذلك الاثنين الشهير، مع ما قاله رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل عن عدم "ائتمان" الرئيس الحريري وحده على تسلم المسؤولية الحكومية وعلى تنفيذ برنامج الإصلاح المطلوب في الحكومة الجديدة عموماً، وفي إدارة السلطة التنفيذية خصوصاً. ولعل ما زاد فرملة عمل "سعاة الخير" هو اندلاع "حرب" على مواقع التواصل الاجتماعي بين انصار "المستقبل" و"التيار الوطني الحر" والتي بلغت الذروة ما زاد الطين بلة وابعد المسافات اكثر فاكثر، واوحى وكأن الخلاف ليس بين الرئيسين على كلمة ذات خلفية سياسية، بل الخلاف على نهج وخيارات وأسلوب عمل ما يعني ان الحكومة، أي حكومة، سوف يشكلها الحريري ستكون في مواجهة دائمة، ومنذ اللحظة الأولى، بين رئيسها ورئيس الدولة والحزب السياسي الذي يدعمه، أي "التيار الوطني الحر" ورئيسه النائب باسيل. وثمة من رأى في اتهام الرئيس عون للرئيس الحريري بــ " الكذب" بأنه امتداد للعلاقة المقطوعة بين الرئيس الحريري والنائب باسيل بعد سنوات من "السمنة والعسل" بين الرجلين على مدى حكومتي العهد الأولى والثانية، والتي لم تنجح المحاولات الكثيرة التي تمت من اجل رأب الصدع بينهما.

جهود "سعاة الخير"

 ويتحدث اكثر من "ساعي خير" بأن الجهد المبذول من اجل جمع الرئيس الحريري والنائب باسيل من جديد، باء بالفشل مرات عدة بحيث لم يحصل أي تواصل بينهما وان آخر اتصال حصل يوم بادر الرئيس الحريري الى الاطمئنان الى صحة باسيل على اثر اصابته بوباء "كورونا" ودخوله الى المستشفى للعلاج.

 الا ان هؤلاء العاملين على خط معالجة ما حصل نتيجة الشريط المسجل والموزع عن خطأ وليس عن قصد، لن يوقفوا مساعيهم بغية إعادة وصل ما انقطع واكثرهم فعالية في هذا الاتجاه نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي الذي دعا الرئيس نبيه بري الى الدخول على الخط مجدداً، والمـــدير العام للامن العام اللـــواء عباس إبراهيم الذي يتحـــرك دائمـــاً بين بعبدا "وبيت الوسط" كلما دعت الحاجة. الا ان وجود الرئيس الحريري خارج بيروت منذ عطلة عيد الميلاد ورأس السنة، جعل إمكانية التواصل مجمدة الى حين عودته. يقول مطلعون على تحرك "سعاة الخير" ان مهمتهم لن تكون سهلة لأن ما قاله الرئيس عون "حفر عميقاً" في نفس الرئيس الحريري، الا انهم لن يترددوا في التحرك في اكثر من اتجاه يبدأ بتهدئة "خواطر" القريبين من الرئيس الحريري لضمان عدم "صب الزيت على النار"، ثم يصل التحرك الى الرئيس الحريري نفسه الذي يمكن ان يتجاوز الإساءة التي تعرض لها اذا كان يرغب فعلاً في اعادة  تحريك الملف الحكومي الذي لا يمكن ان يطوى الا بإرادة مشتركة بينه وبين الرئيس عون الذي يعرف الحريري ان له مكانة خاصة لديه وان كانا اختلفا في السياسة وانه يمكن محو هذه الإساءة بلفتة رئاسية لن يتردد الرئيس عون عن القيام بها لانهاء ما حصل وإعادة المياه الى مجاريها ولو تدريجياً خصوصاً وان بعبدا هي الممر الطبيعي لتأليف الحكومة وليس من مصلحة رئيس الجمهورية لا ان يكون مجرد "باش كاتب" في التشكيلة الحكومية، كما ليس من مصلحة العهد تعطيل التشكيل لأن ذلك يضر بصورة العهد أولاً لاسيما وان الرئيس عون يتطلع الى وقف الانهيار الكامل الحاصل في ولايته الرئاسية التي لم يبق منها سوى سنة وبضعة اشهر، واي تعطيل لتشكيل الحكومة يأكل من الرصيد  الرئاسي، وفي هذا السياق تؤكد المصادر القريبة من بعبدا ان الرئيس عون لم يطلب يوماً من الرئيس الحريري ان يعطى الثلث المعطل في الحكومة وانه عندما يطرح موضوع وحدة المعايير انما يفعل ذلك لاعادة التوازن الى التركيبة الحكومية اذ لماذا "يعطى" الثنائي الشيعي حق الاستئثار بوزارة المال والحق في تسمية وزرائه في الحكومة، كما يعطى ذلك أيضاً لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ولا يطبق الامر نفسه لدى المسيحيين خصوصاً ان الحريري يريد تسمية ثلاثة او أربعة من الوزراء المسيحيين وهو امر يراه الرئيس عون من حقه طالما ان لا معيار واحداً اعتمد في التأليف.

تلاقي إرادتين

 في أي حال، تقول جهات تعمل على خط اصلاح ذات البين بين بعبدا و"بيت الوسط" ان تسهيل مهمتها ممكن من خلال ارادتين: الأولى إرادة رئاسية يظهرها الرئيس عون تجاه الرئيس الحريري وتحمل "مبادرة ما" من غير المستبعد الا يقوم بها رئيس الجمهورية، وإرادة "حريرية" تكون من خلالها تجاوز ما قيل تحت عنوان تغليب المصلحة الوطنية من جهة، والعلاقة "الابوية" الخاصة بين الرئيس عون والرئيس الحريري، ومثل هذه العلاقة يمكن ان تحمل "طلوعاً ونزولاً" كما بين كل اب وابنه، ومتى توافرت الارادتين يمكن الانتقال الى المرحلة التالية وهي تحقيق اجتماع بين الرئيسين في بعبدا على خلفية الاتفاق لا الخلاف، وهنا- يقول الساعون الى المصالحة- لا بد من اجل اكتمال المشهد الإيجابي من ان يقدم كل من الرئيسين خطوة تجاه الآخر حتى تكون من خلال تسهيل البحث في التشكيل عبر تقديم بدائل تسقط تمسك كل من الرئيسين بمواقفه السابقة، من دون ان يكون احدهما "تراجع" للآخر، بل كلاهما تراجعا من اجل مصلحة الوطن التي يجب ان تبقى فوق كل اعتبار. ولعل ما يساعد على الاقتراب من جديد- كما يقول الساعون- ان ردود الفعل على الكلمة الرئاسية ظلت في اطار محدود فلم تستغل سياسياً او طائفياً ومذهبياً اذ لم تصدر ردود فعل لها الطابع المذهبي كما أراد البعض واخمدت في المهد محاولات لاستثمار ما حصل مذهبياً او سياسياً. فهل تلتقي إرادة كل من الرئيسين لتجاوز تلك العبارة التي صدرت عن الرئيس عون بعفوية معروفة عنه؟ الإجابة رهن الآتي من الأيام....