تفاصيل الخبر

تدهور العلاقات بين الرياض وطهران بعد إعدام النمر يجمّد الرعاية الإقليمية لتسوية الاستحقاق الرئاسي اللبناني!

08/01/2016
تدهور العلاقات بين الرياض وطهران بعد إعدام النمر  يجمّد الرعاية الإقليمية لتسوية الاستحقاق الرئاسي اللبناني!

تدهور العلاقات بين الرياض وطهران بعد إعدام النمر يجمّد الرعاية الإقليمية لتسوية الاستحقاق الرئاسي اللبناني!

 

الراعي-ابراهيم-امين لم تحمل عطلة الاعياد التي أمضاها معظم القياديين السياسيين خارج لبنان، أي عامل من شأنه إحداث اختراق ولو بسيط في <المبادرة> المجمّدة التي عُرفت بـ<مبادرة الرئيس سعد الحريري> بترشيح رئيس تيار <المردة> النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، في وقت بدت فيه المواقف التي صدرت عن أطراف محليين، غير <حاسمة> لجهة تحديد الخيارات بالنسبة الى <المبادرة> التي استمرّت من دون إعلان رسمي عنها يصدر عن الرئيس الحريري كما كان اتفق مع النائب فرنجية خلال لقائهما في باريس، في وقت ترك الكلام الذي صدر عن رئيس كتلة <المستقبل> الرئيس فؤاد السنيورة عن أن الطرح المتعلق بترشيح فرنجية لم ينتهِ بعد، وأنه تعرّض لفرملة إيرانية أجّلت تقديمه، الكثير من علامات الاستفهام حول ما قصده الرئيس الأسبق للحكومة الذي أوحى أيضاً في حديثه الى أن <طبخة> الرئاسة لم تنضج بعد ودونها الكثير من العقبات.

وفيما يتسلّح النائب فرنجية بالصمت ويعتذر عن عدم الإدلاء بأي تصريحات أو مواقف حول ظروف ترشيحه وحظوظه، أتى الموقف الذي أعلنه رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد ابراهيم أمين السيد من بكركي عن استمرار دعم الحزب لرئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ليلقي المزيد من الضوء على موقف الحزب الثابت حيال <الجنرال>، وليوجّه سلسلة رسائل في اتجاهات مختلفة لعلّ أبرزها الآتي:

 

حزب الله مع عون أيضاً وأيضاً...

 

أولاً: أكد السيد حسن نصر الله ما هو مؤكد لجهة عدم التخلي عن ترشيح العماد عون لأسباب <أخلاقية> وليست فقط سياسية، وبالتالي فإن كل ما قيل عن مواقف لحزب الله حيال مبادرة ترشيح النائب فرنجية، بات من الماضي ولا داعي لذكره، لاسيما وأن رئيس المجلس السياسي في حزب الله وصف بـ<المعيب> الحديث عن التخلي عن الالتزام الذي أعلنه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله حيال ترشيح العماد عون في أكثر من مناسبة.

ثانياً: تكمن أهمية كلام السيد أنه صدر من بكركي بالذات بُعيد تهنئة وفد الحزب للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بعيدي الميلاد والسنة الجديدة، في وقت يسعى فيه البطريرك الى <تسهيل> نجاح <المبادرة> لئلا يبقى قصر بعبدا شاغراً وقتاً طويلاً، وهو لهذه الغاية طلب من وفد الحزب أن يتدخل الأمين العام مع  العماد عون لإقناعه بـ<تمرير> الاستحقاق الرئاسي، إلا أن السيد ابراهيم أمين السيد كان واضحاً لجهة إعلانه أن حزب الله <ليس الطرف الذي عليه أن يبادر ليزيل هذه العقبة (قبول عون) من أمام <المبادرة>، بالقول: <لسنا معنيين بهذا الأمر ولا نقبل أصلاً أن تقوم الأطراف كلها بدورها في ما يخص التسوية في موضوع الرئاسة، ثم يكون دورنا الوحيد أن نقنع ميشال عون بالتنحي عن ترشيحه لرئاسة الجمهورية، فهذا الامر لم يكن ولن يكون>.

وفي هذا السياق، علمت <الأفكار> أن البطريرك الراعي الذي كان قد التقى قبل عيد الميلاد بالنائب فرنجية وعده بالطلب من وفد حزب الله الذي كان طلب موعداً لزيارة التهنئة الميلادية بالتدخل لدى العماد عون، إلا أن البطريرك فوجئ بردة فعل وفد حزب الله، إذ ان السيد ابراهيم أمين السيد اعتذر عن عدم التجاوب مع طلب البطريرك لجهة إقناع <الجنرال> بالتخلي عن ترشيحه للرئاسة، داعياً البطريرك لتفهّم موقف الحزب الملتزم أخلاقياً وسياسياً مع العماد عون، <وبالتالي لن يكون دورنا إقناعه بالانسحاب>.

ثالثاً: وجه السيد رسالة غير مباشرة الى النائب فرنجية تعليقاً على ما صدر عنه في المقابلة التلفزيونية التي لم تترك ارتياحاً لدى قيادة الحزب، إذ قال السيد عن أن <ما سُمي بالمبادرة> هي ليست فقط مسألة مبدئية إنما تحمل قضايا وبنوداً تفصيلية و<السياسة بالنسبة إلينا هي أخلاق وليست كذباً ومناورات(...)، لذلك فإن الطروحات والمبادرات الموجودة كي تؤدي دورها أو تصل الى نتائجها المقبولة يجب أن تتم عبر قبول الجنرال عون بهذا الموضوع>. وتقول المصادر السياسية إن السيد أعاد الكرة التي قذفها فرنجية في وجه الحزب، الى ملعب الرابية، تاركاً للعماد عون أن يقرّر الخطوة التالية. وبذلك، تضيف المصادر نفسها، بات واضحاً أن موقف الحزب لم يعد قابلاً للتأويل أو الاجتهاد، وأن ما قيل في بكركي يضع حداً نهائياً لموقف حزب الله ويقطع الطريق أمام أي كان للإدلاء بتفسيرات معينة وتكهّنات محدّدة حول ما يعتزم الحزب اتخاذه من مواقف، فما قيل في بكركي قد قيل وبعده لا حاجة لمزيد.

وفيما لم يترك كلام رئيس المجلس السياسي لحزب الله مجالاً إضافياً للاجتهاد والتحليل، بدا الحسم الذي ظهر من كلام السيد ابراهيم أمين السيد أن الحزب لم يعد في وارد الدخول في نقاش حول الملف الرئاسي قبل أن يقول العماد عون كلمته في ما خص مسألة ترشيحه، فإذا لم يصدر عن الرابية أي موقف جديد مغاير للمواقف السابقة، فإن قيادة الحزب غير معنية بالتحركات السياسية التي تحصل واللقاءات التي تُعقد سواء شارك فيها وزراء أو نواب الحزب أم لم يشاركوا، لأن الموقف من الاستحقاق الرئاسي قد اتخذ ولا تبديل فيه إلا إذا بادر العماد عون الى ذلك. إضافة الى ذلك، فإن الحزب لا يعتبر نفسه شريكاً في <التسوية الباريسية>، ولا هي تمت بالتنسيق معه، بل هو <أخذ علماً بها> والفارق كبير بين التنسيق و<أخذ العلم>. وذكّرت المصادر بمواقف سابقة للسيد حسن نصر الله أكّد فيها أن حزب الله لن يقبل تحت أي ظرف أن <يكسر> العماد عون، وأن أية تسوية تلغيه لا يمكن أن تمرّ!

 

... والسفير الإيراني: بلادي على الحياد

الراعي-فتحعلي 

واستكمالاً لموقف وفد حزب الله، والإيحاءات بدور تعطيلي للاستحقاق الرئاسي تلعبه ايران، شكلت زيارة السفير الإيراني في بيروت محمد فتحعلي لتهنئة البطريرك الراعي بالأعياد، فرصة للتأكيد على أن طهران ليست في وارد التدخل في الانتخابات الرئاسية لأن هذا الاستحقاق هو لبناني بامتياز، وأن ايران التي تدعم لبنان في كل المجالات لا يمكنها لا تعطيل الاستحقاق الرئاسي ولا التدخل لانتخاب هذا المرشح أو ذاك، لأن ذلك من مسؤولية اللبنانيين. وأتت توضيحات السفير فتحعلي بعد عرض قدّمه البطريرك وألمح فيه الى الصعوبات التي تواجه عملية انتخاب الرئيس العتيد، سائلاً عما يمكن أن تقدمه طهران للمساعدة في إنجاز هذا الاستحقاق، لاسيما وأنه سبق لباريس أن سعت لدى طهران للهدف نفسه من خلال زيارات السفير <جان فرانسوا جيرو> المتتالية للعاصمة الإيرانية والتي توقفت بعدما أحال المسؤولون الإيرانيون الديبلوماسي الفرنسي الى الأفرقاء اللبنانيين ولاسيما حزب الله. وتكرر هذا الأمر ثلاث مرات أدرك بعدها الفرنسيون أن لا مجال لسماع موقف إيراني ملتزم بعيداً عن رأي حزب الله في هذا المجال.

وما لم يقله السفير فتحعلي بوضوح أدركه البطريرك الراعي لجهة <حصرية> النقاش بالموقف من الملف الرئاسي مع قيادة حزب الله التي تترك قراراتها أثراً في صفوف القيادة الإيرانية وليس العكس، لأن الحزب أدرى بالتفاصيل اللبنانية من السفير الإيراني أو غيره من الزوار الدوريين الذين يأتون من طهران وغيرها. وهذا المعطى دفع بالبطريرك الراعي - وفق مصادر مطلعة أبلغت <الأفكار> - الى سؤال السفير الإيراني وقبله وفد حزب الله، <هل يجب أن نبقى من دون رئيس إذا لم يغيّر الجنرال رأيه>؟، لكنه سمع تأكيداً من السفير الإيراني بأن بلاده ليست في وارد التدخل في الملفات اللبنانية، وأن <الاتهامات> التي تُوجه إليها بالوقوف وراء تعطيل الاستحقاق الرئاسي لا أساس لها من الصحة. غير أن البطريرك كرّر أمام السفير فتحعلي الدعوة الى <حضّ> حزب الله للنزول الى البرلمان وانتخاب رئيس جديد لأن مجلس النواب هو المكان الطبيعي للحوار والانتخاب، فردّ السفير بأن طهران دعت جميع اللبنانيين الى انتخاب رئيس جديد، لكنها لا تريد التدخل في الشأن اللبناني حتى لا يُقال إنها تمارس <وصاية> على فريق أو على آخر، وبالتالي فإن كل ما نُسب الى طهران عن <مباركة> لترشيح هذا الزعيم أو ذاك غير صحيح، لاسيما وأن حزب الله <مستقل> في قراراته، والقيادة الإيرانية <تأخذ علماً> بها فقط ولا تشارك في صنعها أو رفضها أو الدعوة الى تغييرها.

 

التحرّك الخارجي... حركة بلا بركة!

في أي حال، تذكر مصادر معنية أن الموقف المعلن للسفير الإيراني في بيروت ولعدد من المسؤولين الإيرانيين، لا يلغي حقيقة قائمة تتصل بالتأثير الإقليمي على مسار الاستحقاق الرئاسي اللبناني، سواء أعلن المعنيون ذلك أو لم يعلنوا، لاسيما وأن التطورات المتسارعة في الجوار اللبناني يمكن أن تحمل تغيّرات ميدانية تفرض نفسها عند البحث في <الواقع الجديد> للدول المجاورة ومن بينها لبنان، سواء كان هذا الواقع ذا طابع سياسي أو جغرافي. من هنا تتحدّث المصادر الى ان الاتصالات الداخلية والخارجية لحل العقدة الرئاسية اللبنانية لم تنضج بعد، ولا بدّ من متابعة مرحلة ما بعد التطبيق العملي للاتفاق النووي، بدءاً من الشق الأهم بالنسبة لطهران والمتعلق بالرفع التدريجي للعقوبات المالية والاقتصادية، مروراً بانعقاد مؤتمر <جنيف3> في 25 الشهر الجاري، وصولاً  الى الزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني حسن روحاني لباريس والتي تأجلت بعد الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها العاصمة الفرنسية.

وفي رأي المصادر نفسها، ان هذه التطورات يُفترض أن ترسم ملامح التسوية المرتقبة للوضع اللبناني الداخلي، بما في ذلك الاستحقاق الرئاسي في ظل وجود مرشحين اثنين من 8 آذار، هما: العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، يحظى الأول بدفع حزب الله وقوى 8 آذار، ويحظى الثاني بدعم الرئيس سعد الحريري، لكنه يلقى معارضة معلنة من قوى في 14 آذار مثل القوات اللبنانية، وغير معلنة مثل حزب الكتائب وعدد من <المستقلين>.

 

هل ينسحب فرنجية؟

 

إلا أن المصادر المعنية تدعو الى ترقّب نتائج الاتصالات التي تتمحور حول مسعى يقوم به عدد من السياسيين والديبلوماسيين من أجل إيجاد تفاهم بين العماد عون والنائب فرنجية على بتّ مسألة ترشيح أحدهما للإفساح في المجال أمام الآخر للفوز بالمقعد الرئاسي، خصوصاً أن الخيار بأن يكون الرئيس من 8 آذار أسقط كل الخيارات الأخرى بما في ذلك <الرئيس التوافقي> الذي كان  خياراً متقدماً للرئيس الحريري وقوى 14 آذار، وتراجع بعد الإعلان عن <مبادرة الحريري>.

وتضيف المصادر الى أنه من غير المستبعد أن يعلن فرنجية أن معطيات ترشيحه لم تكتمل بعد، مما يفسح في المجال أمام بقاء العماد عون مرشحاً وحيداً لقوى 8 آذار، ويتم الاتفاق على انتخابه بعد توفير <ضمانات> بحيث <لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم>، وسط مظلة إقليمية ودولية ترعى التزام الأطراف المعنيين بالضمانات التي ترضي العماد عون وفريقه والرئيس الحريري وفريقه، ليس أقلها عودة الحريري الى السرايا الكبير، خصوصاً أن ثمة من يؤكد بأن عودة الحريري الى رئاسة الحكومة لن تتم إلا إذا كان الرئيس العتيد هو العماد عون نفسه، وذلك انطلاقاً من معادلة ان الرئيس القوي يستوجب الإتيان برئيس حكومة قوي، فيما <الرئيس التوافقي> سيُقابل برئيس حكومة وسطي، ومثل هذه المعادلة لا يقبلها تيار <المستقبل> خصوصاً.

نمر-النمر-2

تداعيات إعدام النمر إقليمياً ولبنانياً

وترى المصادر المعنية أن أي تفاهم حول المخرج الرئاسي يحتاج الى غطاء إقليمي يقوم على معادلة الرياض - طهران، لاسيما وأن الرئيس السنيورة كشف عن أن مبادرة ترشيح فرنجية ما كانت لتتمّ من دون تفاهم سعودي - ايراني غير مباشر، وأنه تمّ <إقناع> الأميركيين والأوروبيين بها، وليسوا هم اصحابها. إلا أن <الاتكال> على تفاهم سعودي - ايراني حول الرئيس العتيد يعني ان الاستحقاق الرئاسي الى مزيد من التأخير، خصوصاً بعد التوتر الذي ساد العلاقات السعودية - الإيرانية على أثر إعدام السلطات السعودية للمعارض السعودي الشيخ نمر باقر النمر، وردود الفعل السلبية التي صدرت عن كل من طهران والرياض والتي زادت في الخلافات بين البلدين الى حد قطع السعودية علاقاتها الديبلوماسية مع إيران. وكان لهذه التطورات صدى واسع في بيروت حيث أصدر حزب الله بياناً شديد اللهجة تبعه هجوم غير مسبوق من السيد نصر الله على السعودية وقيادتها، ما استوجب رداً من الرئيس الحريري.

وفي رأي المصادر نفسها أن إعدام الشيخ النمر ستكون له مضاعفات سياسية وأمنية في غير مكان، ما يضع مجدداً التوافق الإيراني - السعودي على هوية الرئيس العتيد على رف الانتظار، وبالتالي يمدّد الفراغ وسط مخاوف من مواجهات سياسية وأمنية حادة تصل شظاياها الى الداخل اللبناني، لاسيما وأن استمرار الشغور الرئاسي في الموقع الرئاسي والشلل في مجلسي النواب والوزراء، تشكل بيئة ملائمة لأحداث دراماتيكية في الداخل، وهو ما تخشاه مراجع أمنية رسمية باتت تتخوّف من تطوّرات أمنية تخلط الأوراق وتدفع في اتجاه إجراء الانتخابات الرئاسية <على السخن> بدلاً من الاتفاق على إجرائها <على البارد>، مع الإشارة الى أن الاهتمام الدولي والإقليمي التقليدي بلبنان، لم يعد في العام 2016 كما كان عليه في الأعوام الماضية، لاسيما العام 2008، ما يعني أن أي انتكاسة أمنية بسيطة يمكن أن تتطور الى ما يتجاوز هذه الانتكاسة الى توصيف آخر لا يقل خطورة.