تفاصيل الخبر

تداعيات الصدام السعودي - الإيراني  حصرتها الاتصالات الديبلوماسية السريعة!

22/01/2016
تداعيات الصدام السعودي - الإيراني   حصرتها الاتصالات الديبلوماسية السريعة!

تداعيات الصدام السعودي - الإيراني  حصرتها الاتصالات الديبلوماسية السريعة!

بقلم جورج بشير

السفارة-السعودية-1

عند نشوب أزمة العلاقات بين السعودية وإيران بفعل حرق وتدمير مقر البعثة الديبلوماسية السعودية في طهران ومشهد رداً على إعدام الشيخ الشيعي السعودي نمر النمر، أُصيب الشارع اللبناني وحتى العربي بحال من التوتر والتشنّج ما زال مستمراً بالتفاعل والوقد السياسي والحزبي التحريضي من هنا وهناك. ولعلّ الشارع اللبناني كان الأكثر تأثراً جراء هذا التطوّر السلبي غير المسبوق الذي حدث على صعيد العلاقات السعودية - الايرانية برغم النداءات التي أُطلقت من الولايات المتحـــــــــدة وروسيا والدول الأوروبية وحتى بعض الدول الشرق أوسطية لحصر ردود الفعل هذه وإبعاد المنطقة والعالم عن شفير المواجهات والمصادمات العسكرية. ولعل الشارع اللبناني كان ولا يزال الاكثر تأثـــــــــــــراً وحساسية في هذا المجال، نظراً للتداعيات السياسية والطائفية وحتى المذهبية للحرب الدائرة في سوريا منذ خمس سنوات على الداخل اللبناني وتأثره المباشر بها، وردود الفعل السياسية والطائفيـــــة التي حدثت في هذا الشارع اللبناني عقب إطلاق سراح الوزير السابق ميشال سماحة، خصوصاً على صعيد المواقف السياسية التي كانت واضحة، وكأن <القضية ليست رمانة بل قلوب مليانة>، كما يقول المثل، مع أن القضية تتعلّق بالقانون والنظام العدلي المعتمد في لبنان وبانتظام العدالة وإحلالها، وهذا أمر مسؤول عنه السياسيــــــــــون والحكام من وزراء ونواب ورؤساء جمهورية وحكومة وليس الشعب أو الشارع، كون تعديل القوانين وإنشاء أو إبطال المحاكم وقراراتها هو من مسؤولية واختصاص السياسيين والنواب والوزراء وليس من مسؤولية الشارع كي يتم تحريكه بهذا الشكل الذي حصل في الأسبوع الماضي من دون الأخذ في الاعتبار أن <طوابير خامسة> كانت وما تزال تتربّص بلبنان لمحاولة زجّه في أتون الحرب والصراع الدامي المدمّر الدائرين في المنطقة وبالتحديد على الحدود اللبنانية القريبة، حيث نجح الجيش وسائر القوى الأمنية اللبنانية والإرادة الدوليـــــــة والعربية الى اليوم بسهـــــــــــرها الدؤوب والمضني على الأمن الداخلــــــــي في إبعاد النار عن لبنان وإبقاء هذا البلد الحساس بعيداً عن أتون الحرب والصراع في سوريا والمنطقة وفي منأى عنهما.

أين المبادرات العربية؟

 

منذ اندلاع النزاع والصدام غير المباشر بين الرياض وطهران، تخوّف لبنان كما هو معروف من انتقال تداعيات الوضع المتأزم الى ربوعه ولا يزال. وحال التخوف هذه تجاوزت لبنان لتمتد الى دول عربية وشرق أوسطية وعالمية حتى أن بعض المسؤولين الحكوميين في عدد من الدول حذر نتيجة حال التخوّف هذه من اندلاع حرب في الشرق الأوسط قد تمتد لتتحوّل الى حرب عالمية ثالثة لا سمح الله.

طبعاً، لاحظ المراقبون أن الاتصالات تسارعت بين موسكو وواشنطن وعواصم أوروبية وعربية، لدرء مخاطر الصدام المحتمل، حتى ان المشاورات البعيدة عن الإعلام التي دارت بين بعض وزراء خارجية الدول العربية في كواليس جامعة الدول العربية في القاهرة على هامش اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب ركّزت على ضرورة حصر الخلاف والصراع في إطار المعالجات الديبلوماسية والحؤول دون توسّعه مقدمة لإيجاد إطار عربي - دولي للحل المنشود للخلاف الناشب بين المملكة العربية السعودية والدولة الإيرانية، ويمكن القول إن هذه المشاورات صبّت ماء بارداً على الأزمة وحالت دون امتدادها ومنعت محاولات الاستغلال من جانب اسرائيل لتعكير أجواء المنطقة، فيما انصرف بعض وزراء الخارجية العرب ومنهم وزيرا خارجية عُمان والمغرب الى البحث عن طرق اتصال ديبلوماسية تصب المزيد من المياه الباردة على الأزمة توطئة لإمكانية عقد لقاء مشترك سعودي - ايراني، أو خليجي - ايراني، ضمن الأطر الديبلوماسية الرسمية للبحث في إزالة الذيول التي تركها إعدام الشيخ النمر من جهة، والاعتداء الذي تعرّضت له البعثة الديبلوماسية السعودية في العاصمة الايرانية طهران من جهة ثانية.

معالجة هذه الأزمة الحساسة بين الرياض وطهران كانت تتطلّب في البداية تبريد الأجواء وحصر هذه الأزمة ضمن حلقات معينة ومنعها من الامتداد للولوج الى البحث عن حل سياسي ديبلوماسي. فكان تأكيد السعودية وإيران أولاً بعد الاتصالات المباشرة التي أجراها وزيرا الخارجية الأميركي <جون كيري> والروسي <سيرغي لافروف> عن نية البلدين (السعودية وإيران) الاستمرار في دعم الجهود الآيلة الى عقد اجتماعات الحل السياسي السلمي لسوريا في جنيف وعدم التأثر بتداعيات أزمة العلاقة بين العاصمتين السعودية والإيرانية. ومن ثم انتقال الوزير الأميركي <جون كيري> يوم الأحد الماضي الى فيينا لعقد محادثات لهذا الغرض مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف أسفرت في المرحلة الأولى عن اتفاق جديد بين واشنطن وطهران، أدى الى تبادل لوجهات النظر والاقتراحات في شأن سبل إنجاح اللقاء الحواري في جنيف بين الأطراف السورية من جهة، والى البحث أيضاً في الحلول الآيلة الى إزالة أسباب الأزمة الناشبة بين الرياض وطهران وتبريد هذه الأزمة تمهيداً لتحضير لقاء على مستوى ديبلوماسي وزاري بين الطرفين، وجاء الاتفاق الأخير بين طهران وواشنطن يوم الأحد الماضي ليشجع مبادرات التبريد الدولية.

دور الكويت

 

معروف عن أن الكويت كانت ولا تزال المبادر رقم واحد بين المجموعة العربية للقيام بمبادرات أو بخطوات مركزة لإيجاد حلول للأزمات العربية أوجورج-بشير الشرق أوسطية منذ القدم، خصوصاً منذ أن تسلّم أميرها الحالي الشيخ صباح الحمد الصباح مقاليد وزارة الخارجية، وبعد ذلك الإمارة، ودوره ودور الكويت في هذا المجال معروفان ومحفوظان في ذاكرة العرب وفي أرشيف حكوماتهم وديبلوماسياتهم، وخصوصاً في ضمائر اللبنانيين بالنسبة للدور الكويتي لإيجاد حلول للأزمات التي واجهها لبنان.

ولقد كانت الزيارة الرسمية التي قام بها نقيب الصحافة اللبنانية عوني الكعكي مع وفد ضمّني إلى جانب الزميلين جورج سولاج وعبد الكريم الخليل، مناسبة لاستكشاف الوضع من خلال اللقاءات المكثفة التي عقدها الوفد مع كبار المسؤولين الكويتيين من سمو الأمير وليّ العهد الشيخ نواف الأحمد الصباح، وسمو الرئيس الشيخ ناصر الصباح، ووزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود الصباح، وكبار معاونيهم من وكيل وزارة الإعلام طارق المزرم، ومدير الإعلام الخارجي فيصل المتلقّم، ورئيس وأعضاء جمعية الصحافيين. وقد أفسحت هذه الزيارة وما تخلّلها مجالاً واسعاً للإضاءة على الوضع في المنطقة، وعلى العلاقات المتينة بين لبنان والكويت، بالتحديد كون هذه العلاقات تتأثر دوماً بالأسس التاريخية التي قامت عليها وترسخت الى اليوم، والى تشابه البلدين الشقيقين الكبير في الإيمان بالحرية والديموقراطية وحقوق الانسان واحترام الآخر والعيش المشترك والتعددية، واعتبار الأمن والوحدة الوطنية خطاً أحمر.

وهذا ما لمسه الوفد في زيارته الأولى من رئيس الحكومة الكويتية ووزير الخارجية ايضاً، لكن سمو الأمير ولي العهد الشيخ نواف الصباح ووزير الإعلام الشيخ سلمان الصباح دعيا إيران الى القيام بخطوة متقدمة الى الأمام لحل الأزمة بتقديم الاعتذار الى المملكة العربية السعودية لأن الاعتدائين اللذين تعرضت لهما بعثتها الديبلوماسية في كل من طهران ومشهد، مستنكران ومرفوضان ليس من دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية فحسب، إنما من جميع دول العالم كون البعثات الديبلوماسية المعتمدة في كل دولة مهامها واضحة على صعيد صون العلاقات والحفاظ عليها بين البلدين، ومن واجب الدولة المضيفة أن تضمن وتصون سلامة ومهام أعضاء البعثات الديبلوماسية المعتمدة لديها والمقيمة في أراضيها وفق قواعد النظام الدولي.

إذاً، مطلوب مبادرة أولى من الجانب الإيــــــراني بالاعتذار من السعودية، ومن ثم يكون لكل حادث حديـــــــث، أي بعد هذه المبادرة يُصار الى البحث في قيام المبادرة المطلوبــــــــة سواء من الدول العربية أو من الدول الأجنبية، وهذا ما يعرفه الضالعون في أصول التعامل الديبلوماســــــي في كل دولة تقيم علاقات مع دولة أخرى ومنها إيران.

إن لبنان يعتبره المسؤولون الكويتيون من أقرب البلاد الى ولي العهد، والى الوزراء وخصوصاً وزيري الإعلام والخارجية، وهم يبادرون مع معاونيهم عن السؤال عن لبنان وأوضاعه وشعبه من منطلق حرصهم على استقراره ووحدته وأمنه، مترجمين هذا الحرص عبر الدعم الذي يوفرونه للبنان في جميع المجالات، لكن على اللبنانيين، وبخاصة على المسؤولين السياسيين أن يترجموا هذا الحرص من خلال ممارسة مسؤوليتهم تجاه وطنهم وشعبهم في إيجاد الحلول لمشاكله وتوفير مناخات الأمن والاستقرار وملء الفراغ الحاصل في السلطة من القمة الى القاعدة.