تفاصيل الخبر

تـداعـيـــــات الازمــــــــة الاقـتـصـاديــــــــة ومـخـــــــاوف مـــــــن تـحـولـهــــــا الــى مــا يـشـبــــــه المـــــــأزق الـيـونـانـــــــي!

10/05/2019
تـداعـيـــــات الازمــــــــة الاقـتـصـاديــــــــة ومـخـــــــاوف مـــــــن تـحـولـهــــــا الــى مــا يـشـبــــــه المـــــــأزق الـيـونـانـــــــي!

تـداعـيـــــات الازمــــــــة الاقـتـصـاديــــــــة ومـخـــــــاوف مـــــــن تـحـولـهــــــا الــى مــا يـشـبــــــه المـــــــأزق الـيـونـانـــــــي!

بقلم طوني بشارة

منذ شهر تقريبا وحديث البلد هو <الوضع الاقتصادي الدقيق>. رؤساء أحزاب، نواب وسياسيون بمختلف انتماءاتهم ومواقعهم وتوجهاتهم منشغلون بهذه <الأزمة>. أهل الاقتصاد والاستثمار دعوا إلى إعلان حالة طوارئ اقتصادية، وخبراء ومحللون رأوا أن اقتصاد البلد بات على شفير الهاوية. هناك إجماع أن الوضع لم يعد يحتمل.

ثمة من يتخوّف من الوقوع في مأزق يشبه المأزق اليوناني وثمة من إنبرى إلى صناعة بعض الأمل لبثّه في النفوس علّه يساعد على النهوض من قعر مجهول.

 والمتتبع للأوضاع المتردية يرى انه ليس في الأفق الراهن إلا مخاوف وهواجس وتحذيرات تفوق التطمينات، وبالتالي نلاحظ أن المواطن اللبناني الذي يعيش هذا الواقع في كلّ دقيقة من يومه وذلك مع كل دفع لسند بيت او سيارة او لفاتورة كهرباء او مياه، وحتى مع كلّ عملية شراء من الدكان وكلّ جولة في أسواق شبه خالية، ناهيك عن كلّ حلم بتأشيرة سفر أو هجرة، وكلّ نقطة عرق يذرفها من أجل تحصيل أبسط حقوقه... فقد بات يعيش الآن أقصى درجات القلق فيما تزدحم في رأسه أسئلة بالكاد يجد إجابات شافية عليها.

المواطن والتساؤلات!

أسئلة تتمحور حول إمكانية ان ينهار البلد اقتصادياً؟ فهل سيتفاقم غلاء المعيشة؟ وماذا عن وضع الليرة اللبنانية؟ وبالتالي ما الجديد بقضية الإسكان وإمكانية تملك شقق سكنية؟ ماذا عن السلسلة هل سيتم خصم جزء منها؟ وماذا عن فرص العمل بعد قرار تجميد التوظيف لمدة ثلاث سنوات؟ وبمعنى أدق ماذا عن إمكانية العيش بكرامة في ظل انعدام أي مورد للرزق، وفي ظل انتشار مسلسل المؤسسات التي تتهاوى مثل <الدومينو>؟ وماذا عن الضرائب الحالية والأخرى المحتملة التي تلوح اخبارها في الأفق؟ وماذا عن الفواتير المضاعفة من كهرباء ومياه وغيرها في ظل الرواتب الزهيدة والتي من المحتمل ان يلحقها خصم أيضاً؟

الأسئلة كثيرة والهواجس حتماً محقة، واللافت لا بل المؤكد بان الوضع الاقتصادي ليس بخير. هذا واقعٌ ما انفكّت تؤكده معطيات وأرقام ومواقف أهل السلطة والخبرة، وإن اختلفوا حول المسببات والأسباب وتقاذفوا المسؤوليات وتراشقوا الاتهامات. فبين توجيه أصابع الاتهام إلى الهندسات المالية التي أجراها حاكم مصرف لبنان وبين تحميل السلطة التنفيذية مسؤولية ضرب الاقتصاد بسبب سوء السياسة المالية، رصاصة قتل رحيم لا بل حبل اعدام يلفّ على رقبة الاقتصاد وكلّ القطاعات الأخرى حكماً، والمهم والأهمّ هو الخروج بحلول عملية وفعالة والمضي في تطبيقها حماية للإنسان وللبنان.

كمال حمدان والنفق المظلم!

بداية مع الخبير الاقتصادي الدكتور كمال حمدان الذي أكد بأنّ لبنان وللاسف دخل في <النفق المظلم> واعتبر بأنّ <الاجراءات الحكومية لا تطال الا قشور الأزمة>. وفي حين ينتظر الجميع الاطلاع على تفاصيل الموازنة (التي ستقر قبل نهاية شهر ايار/ مايو الحالي وفقا لرئيس الجمهورية)، اعتبر حمدان أنّ لبنان من البلدان النادرة من حيث أنه يستهلك أكثر من الناتج المحلي>.

وأضاف حمدان قائلا:

- الاستهلاك العام والخاص يتجاوز هذا الناتج، فلبنان بلد يستورد ولا يصدّر. ويشير المنحى التاريخي الى أنّ الصادرات اللبنانية لا تغطي سوى ١٠ أو ١٢ بالمئة من المستوردات، في حين كانت تغطي في السبعينات ٥٠ بالمئة... ويستخلص حمدان باننا نستهلك ونستورد أكثر من الناتج، وهذا ما قاد الى <الاقتراض> منذ التسعينات.

وتوقف حمدان عند شرح عمق المأزق الحالي مؤكدا بأنّ الرهان على السلام في المنطقة في التسعينات فشل في الحصول على نصيب من أنصبة الربح التي كان من المفترض توزيعها على دول المنطقة في إطار مشروع اقتصادي مقابل التسويات أو

التوطينات.

وفي ما يتعلق بالطبقة السياسية التقليدية، فقد أكد حمدان بانها اتفقت مع قوى الأمر الواقع بعد الحرب اللبنانية على مبدأ الانفاق الجاري غير المنتج، فتم صرف ٢٢٠ ملياراً في ٢٥ سنة، أُنفق منها ٨ بالمئة على البنى التحتية.

وشدد حمدان على الخط الاقتصادي الريعي الذي تزامن مع فجوة في سوق العمل، التي أدت الى البطالة أو الهجرة، وبدأت المشكلة تتراكم، وفق نظرة الدكتور حمدان في حين لم يحدث أي متغيّر حيث كان السياسيون يطمئنون الى قاعدة الودائع المصرفية التي تنمو ولو كانت خزينة الدولة في عجز، فاعتبر هؤلاء أنّهم يتكّلون على هذه القاعدة، ولكن منذ العام ٢٠١١ ترنحت قاعدة الودائع...

وردا عن سؤال عن فعالية الاجراءات الحكومية، اعتبر حمدان أن تدخلات الحكومة هامشية وتلامس القشور، وركّز على الأساس الذي يتمثّل بتوزيع الثروات، معتبرا ان لبنان هو البلد الثالث في العالم باللاعدالة في توزيع ثرواته، اذ ان 1 بالمئة من البالغين يحوز على ٢٥ بالمئة من الدخل و٤٠ بالمئة من الثروة، ورأى أنّ الضرائب المباشرة وغير المباشرة تطال الطبقة المتوسطة وما دون، واستخلص أنّ المتمولين يدفعون الضريبة بشكل رمزي مقارنة بما يدفعه المتمولون في العالم.

ــ وماذا عن امكانية الخروج من الازمة؟

- للخروج علينا التمسك بالآتي:

- التوجه الى النظام الضريبي التصاعدي.

- توسيع قاعدة الجباية.

- وقف الهدر والفساد.

- إعطاء الثقة للمواطنين لكي يضحوا عبر معالجة الايرادات أي النظام الضريبي، ومعالجة النفقات أي سد مزاريب الهدر.

كما ويجب إعطاء أهمية قصوى، ولبنان على <وشك الانهيار> للتفاوض مع القطاع المصرفي، أو التفاوض مع صقور هذا القطاع الذي أثني على قدراته كثروة لبنانية، واطرح فكرة.. <الاقتطاع الاستثنائي>، لمدة ثلاث أو خمس سنوات، لـ40 بالمئة أو ٥٠ بالمئة من الأرباح ضمانا لديمومة المصارف.

كامل وزنة والوضع الصعب!

وبدوره الخبير الاقتصادي اللبناني كامل وزنة اكد بان الموضوع في لبنان أكبر من خفض لرواتب الموظفين، فلبنان يمر بوضع اقتصادي صعب ويعود ذلك إلى السياسات النقدية المتبعة في البلاد وحجم الفساد والتهرب الضريبي، ولهذا على الحكومة اللبنانية إعادة هيكلة المنظومة الاقتصادية ما يدفعها إلى فرض حالة من التقشف ولكن لا تتوقف على الرواتب والأجور.

واعتبر وزنة <أن نسبة الرواتب تشكل 35 بالمئة من ميزانية الدولة، والحديث عن تخفيض هذه الرواتب بحاجة إلى درس وعناية وذلك لأن خفضها لن يحل الأزمة التي يمر بها لبنان>.

وأكد وزنة قائلا:

- لبنان بحاجة إلى قراءة اقتصادية متكاملة بدءا من توسيع الاقتصاد، وتوسيع الاقتصاد لا يتم إلا عبر استثمارات في جميع المجالات في لبنان.

وخلص كامل وزنة إلى أنه: <من المبكر الحديث عن تأثير هذه التخفيضات على الكلفة الشرائية للمواطن اللبناني باعتبار أن موضوع تخفيض الرواتب لم يقر بعد ولا يزال موضع نقاش، وإنما الخوف من انهيار قيمة العملة اللبنانية مما قد يقضي على

هذا الراتب بأكمله وليس جزءا منه>.

أما بالنسبة إلى الخبير الاستراتيجي في أسواق البورصة العالمية وشؤون الاستثمار جهاد الحكيّم، فأكد لنا بأن الفوائد التي دُفعت نتيجة الهندسات المالية التي قام بها مصرف لبنان مبالغ فيها، وهذا ما أدّى إلى ارتفاع خدمة الدين العام والعجز.

وشدد الحكيّم على انه ما انفكّ منذ العام 2016 ينبّه إلى أنه على مصرف لبنان أن يقرر: إما أن يدعم الليرة أو يدعم قطاع العقارات! وأكد الحكيم بان الجميع يتحمّل المسؤولية، ونوّه قائلا:

- الدولة والمصارف كانا في حال زواج في الفترة الماضية وكلّ طرف استفاد من الواقع، أما اليوم عندما اختلفا فقد باشرا بتراشق المسؤوليات.

ويوافق الحكيّم وزير المال الذي يرى أن المصارف استفادت عبر السنوات من الفوائد المرتفعة على سندات الخزينة، واليوم آن لها أن تتحمّل المسؤولية. لكنّ المشكلة، ودائماً بحسب الخبير، أن ثمة تضارباً بالآراء بين السياسة المالية والسياسة النقدية.

ويصف الحكيّم البلد في الوقت الراهن بقوله إنه <كربج> بفعل ارتفاع معدلات الفوائد، وتوقف الاستثمارات <فرأس المال جبان في ظلّ غياب ضمانات قانونية>، وبفعل ارتفاع الفوائد، اضمحلّت القدرة على الصمود.

وبالنسبة إلى الحكيّم، ثمة حلول كثيرة لكن العبرة في التطبيق، ويرى مثلاً أن فرض ضرائب على الودائع المالية بشكل تصاعدي هو أمر جيّد ويضمن العدالة الضريبية. ويتابع قائلاً:

- المفروض أن يتمّ خفض الفوائد، بالإضافة إلى ترشيد الإنفاق ووضع سياسة جباية ضريبية فعالة، وإعطاء تحفيزات للشركات التي توّظف الشباب، وخلق بيئة حاضنة للاستثمارات، ومحاربة الهدر والفساد بإجراءات فعالة وشاملة وتشريعات، وإعطاء ضمانات للمستثمرين عبر تحديث القوانين والبتّ بالقضايا القضائية بسرعة، وتحسين البنى التحتية، وتفعيل الحكومة الالكترونية، وعدم المسّ بالسلسلة فهي حق مكتسب، والرجوع عن الضرائب التي فرضت في العام 2017... هذه إجراءات وسواها تدخل كلّها ضمن سلة إصلاحات شاملة على لبنان الرسمي أن يبدأ بها.

أما من تيّسر في يده بعض المال، فينصحه الحكيّم بسياسة التنويع في محفظته المالية، لاسيما في هذه المرحلة الدقيقة، اذ يقول للمستثمر:

- لا تضع أموالك كلّها في سلّة واحدة. مثلاً لا تودعها كلّها بالليرة اللبنانية ولا كلّها بالدولار. لا تصرف مالك على شراء العقارات فقط. لا تستثمرها كلّها في مشروع واحد... إنها طرق تفرضها الظروف الراهنة من شأنها أن تحدّ من المخاطر وتخفف من وطأتها!

واللافت أن الحكيّم وفي ظل تردي الأوضاع لا يتردّد بتشجيع المواطنين، وبخاصة فئة الشباب، على الاستثمار والبدء بمشاريع خاصة اذ يقول:

- ثمة قطاعات تنمو أكثر من غيرها في خضمّ الأزمات، ثمّ أن القطاع السياحي ليس مأزوماً كما يُشاع بدليل الأرقام، فلم لا نجرّب الاستثمار في السياحة الريفية مثلاً؟