تفاصيل الخبر

تداعيات العصيان المدني وقطع الطرقات على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي!

01/11/2019
تداعيات العصيان المدني وقطع الطرقات على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي!

تداعيات العصيان المدني وقطع الطرقات على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي!

 

بقلم طوني بشارة

 

التظاهرات عمت كافة المناطق اللبنانية وترافقت مع اقفال تام للطرق الرئيسية وبعض الطرق الداخلية بأشكال مختلفة (ستائر ترابية ــ نساء وسيدات يفترشن الأرض ــ إيقاف السيارات بالطرقات)، ناهيك عن اقفال المعامل والمؤسسات والمحال التجارية.

ومع انتهاء الاسبوع الثاني للانتفاضة، اطل رئيس الحكومة سعد الحريري بتمام الساعة الرابعة معلناً انه ونزولاً عند رغبة المتظاهرين يعلن استقالة الحكومة الحالية، فما اثر مستجدات هذه المرحلة على الأوضاع الاقتصادية، وكي يصف رجال الاعمال تداعيات العصيان وبالتالي الاستقالة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي؟ وهل من حلول ممكن اعتمادها لتجاوز هذه المحنة؟

 

الدكتور فادي جواد ومرحلة العصيان المدني!

بداية مع مؤسس صناعة التدريب في العالم العربي والخبير الاقتصادي في النفط والغاز وتنمية الموارد البشرية الدكتور فادي جواد وكان السؤال المدخل:

ــ هل دخلنا فعليا مرحلة العصيان المدني؟ وهل انت تؤيد هذه المرحلة؟

- لنكن واقعيين نحن حاليا في عصيان مدني شامل منذ يوم 17 تشرين الأول (اكتوبر)! لا مدارس لا مصارف، و70 بالمئة من الشعب في الشارع. الناس لم تعد قادرة على العودة الى العمل قبل تحقيق التغيير الذي تظاهرت لأجله. جميع مؤسسات القطاع الحكومي والخاص مشلولة، الشعب اللبناني في حالة عصيان مدني كامل.

ــ الى ماذا سيؤدي هذا العصيان؟

- سيؤدي حكما الى تحقيق مطالب الناس التي افترشت الشارع بسبب الجوع والقهر والظلم. ومن نتائجه المحتمة استقالة الحكومة وتشكيل حكومة تحاكي أمال الناس. وكل ما طال هذا العصيان كلما زادت ثورة الناس وغضبهم على المسؤولين. افضل مثل على ذلك ما حصل في هونج كونج حيث حمل العصيان الحكومة على التراجع عن اهم قرار سياسي كانت تنوي المضي فيه ويخص اقوى دولة في العالم وهي الصين، فبالتالي ليس هناك دولة في العالم قادرة على الوقوف بوجه أي عصيان مدني وخصوصا مثل الذي نراه اليوم الذي لم يحدث منذ ولادة لبنان.

ــ وهل سيؤثر هذا العصيان على الوضع الاقتصادي؟

- لقد مر لبنان بحالة اقفال وعدم انتاجية عدة مرات على صعيد البلاد بالكامل، حدث ذلك عام 89 وشلت البلد بالكامل من 14 شباط  (فبراير) حتى شهر ايلول (سبتمبر) أي سبعة أشهر، بالاضافة الى اقفال الداون تاون لمدة سنتين بسبب اعتصام الخيم الشهير، وهذان الاعتصامان حصلا من قبل افراد اعضاء الحكومة الحالية! العصيان المدني سوف يؤثر بالتأكيد على الوضع الاقتصادي وسيسبب خسائر كبيرة ولكن في بعض الاحيان هناك مفارق تاريخية يجب أن تأخذها الاوطان.

ــ برأيك كرجل اعمال وخبير اقتصادي، ما هو الحل؟

- لقد وصلنا الى وضع لا نحسد عليه، حيث شعب بالكامل فقد الثقة بحكامه حتى لو قدموا الكثير من التنازلات. وإذا طلبت رأيي كرجل اعمال ومن خبرتي المتراكمة في مواضيع التفاوض، أرى انه قد حان الوقت للجلوس على الطاولة مع الفئة الحاكمة ووضع المطالب والشروط حيث ان الشعب في وضع تفاوضي اقوى وسوف يتمكن من فرض القرارت التي تناسب احلامه ببلد افضل. لكن اخاف من الساعات المقبلة ان يفقدوا دفة القوة وخصوصا اذا تحول الحراك بفعل مندسين الى ساحة صراع في الشوارع. وكرجل اعمال معني بالمشكلة ولو كنت في الشارع لكنت ذهبت فورا الى طاولة التفاوض مع هذه القوة التي املكها، وذلك لكي أحصل على افضل صفقة للشعب الذي امثله!

المطالب المحقة والحل!

 

ــ وهل ترى ان مطالب الناس محقة؟

- برأيي يجب على الحراك تأليف فريق عمل مؤلف من قانونيين، اقتصاديين ورجال اعمال، لوضع خطة عمل وورقة مطالب موحدة، حيث ان المطالب كما يبدو متفرقة، لذا يجب جمعها فورا حتى لا يراوح الحراك مكانه، وجميع المطالب التي اسمعها هي اقل ما يجب ان تحصل عليه الشعوب. في الاسبوعين الماضيين ومنذ بداية انتفاضة الشعب سمعنا ورأينا قصصاً تدمي القلوب لأخواننا في الوطن الذين يعانون من اذلال في عيشهم، ولاحظنا ان هناك أناساً تلقى حتفها على ابواب المستشفيات لعدم قدرتها على دفع ثمن العلاج، فيما هناك شباب عاطل عن العمل واخر ليس لديه قدرة على تكملة تعليمه!

ــ هل تعتبر ان الطبقة الحاكمة صادقة في نيتها للتغيير؟

- سواء كانت صادقة او تريد شراء الوقت، الشعب اللبناني بعد 17 تشرين الأول غير ما قبله. لقد كسر حاجز الخوف من زعمائه ومن السلاح الموجه على صدره، حيث رأينا عيون الناس وانفعالاتهم في الشارع التي أثبتت قولاً قرأته <عندما احترقت أحراج لبنان أمطرت السماء فأنبتت شعباً>. الطبقة الحاكمة الموجودة حاليا او القادمة سوف تكون في قلق دائم من محاسبة الشعب لها.

ــ هل لديك رؤية لمعالجة الوضع الذي وصلنا اليه اليوم؟

- المعالجة الحقيقية هي في تضمين مطالب الشعب على ورقة عمل يقدمها فريق من الاختصاصيين من قلب الحراك ومن اللبنانيين اصحاب الخبرة المنتشرين في جميع دول العالم ويتبوأون مراكز اقتصادية مهمة وحققوا نجاحات وانجازات في مجال اعمالهم، والحرص على ان تحتوي على بنود أهمها: حكومة اختصاصيين حيادية تكون محط ثقة الشعب، ازاحة الموظفين الذين تحوم حولهم شبهات فساد لتكون لهذه الحكومة القدرة على النجاح، فتح جميع ملفات الفساد المبلغ عنها او المذكورة على ألسنة جميع المسؤولين تمهيدا للتحقيق معهم بما ذكروا في السنوات السابقة من معلومات تعتبر اخباراً، استقلالية القضاء وحمايته من التدخلات السياسية، فحص الموازنات السابقة منذ التسعينات، التحقيق في القروض غير القانونية، وقف الهدر وذكر مصادر الهدر مع وضع تواريخ محددة للتنفيذ، رفع السرية المصرفية وتقديم كشوفات حسابات جميع المسؤولين وموظفي القطاع العام، استرداد الاموال المنهوبة ورفع الحصانات، حصر استيراد النفط من خلال الدولة مباشرة، استرداد اراضي المشاع والاملاك البحرية والنهرية والاملاك المبنية عليها والمستولى عليها من قبل المتنفذين، تعزيز المحتوى المحلي Local Content عبر قانون، فرض قانون <الليررة> أي الدفع بالليرة.

بالاضافة الى بندين مهمين هما الغاء قانون مرور الزمن على مواضيع الفساد وسرقة اموال الوطن، ولا ننسى ايضا وضع خطة وطنية لمعالجة بطالة الشباب اللبناني التي لامست رقم 40 بالمئة اي ما يقارب 600,000 عاطل عن العمل.

- بعد استقالة الحكومة، هل سيخف زخم الشارع وتهدأ الأمور برأيك؟

- لا اعتقد، اذ ارى اننا ذاهبون إلى لبنان جديد، الشباب هذا (جيل التسعينات) يختلف بالتفكير عن الجيل السابق، وهذا امر لا يراه السياسيون، هذا الجيل سيذهب إلى الآخر في تحقيق مطالب الشعب، ولن يرضوا اذا ظلوا في الساحات بأقل من تغيير النظام القائم حالياً، ولكن باعتقادي هذا لن يحصل في هذا الحراك بل سيحصل في الحراك المقبل بعد سنتين اذا لم يحدث تغيير الآن.

في الختام اتمنى اعطاء الفرصة لهذا الشباب الثائر الذي هو مستقبلنا ومستقبل لبنان، ليبني لبنان بالطريقة التي يتمنى وليعيش فيه حياة كريمة. المستقبل له وليس لنا وهو الذي سوف ينقل البلاد من حالة الافلاس الى بلد جميل بجمال ثورتهم التي رأيناها، والتي كانت مختلفة عن جميع الثورات التي عايشناها، إذ لدينا شباب خارق في تكوين ما يطمح اليه، لقد كبرت قلوبنا برقيه وحضارته وكيف حول الساحات في لبنان الى ساحات فرح وعلم وثقافة وكشف عن عمق تفكيره ورغبته بالتحرر من الاحباط والقهر.

 

الدكتور فؤاد زمكحل والحركة في الشارع!

 

وننتقل الى رئيس <تجمع رجال وسيدات الاعمال اللبنانيين في العالم> الدكتور فؤاد زمكحل الذي سألناه:

ــ كيف تصفون كتجمع حركة الشارع في الوقت الحالي؟

- نحن كـ<تجمع رجال وسيدات الاعمال اللبنانيين في العالم> نحيي الشعب اللبناني لروحه الديموقراطية العفوية الشفافة والصريحة، ونرى أيضا ان مطالب الشارع مشروعة ومحقة.

الشعب اليوم يبرهن عن وجود مصالحة أهلية حقيقية، مصالحة أهلية مبنية على روح المحبة وحب الحياة والعيش المشترك، مما جعلنا نجزم ونؤكد ولأول مرة لانفسنا وللمجتمع الدولي بأن الحروب المذهبية السابقة صدرت الينا ولم تكن اطلاقا مشروعاً داخلياً وطنياً.

الى جانب هذا الترحيب لا بد من التذكير باننا قد نبهنا كتجمع لبناني عالمي مرات عدة في الماضي من إنفجار القنبلة الموقوتة جراء الأزمة الإقتصادية والإجتماعية المتراكمة. وفي الوقت عينه، القنبلة انفجرت ولكنها عبّرت عن روح محبة غير مسبوقة من قبل الشعب مع إحترام كل الإختلافات وبرهنت عن مصالحة الشعب مع بعضه البعض وخصوصا مع بلده التي لم تحصل قبلاً إثر إنتهاء الحرب الأهلية. وكذلك ابرزت وجه لبنان الحقيقي كبلد الإنفتاح والعيش المشترك والتضامن وحب الحياة.

ــ وما السبب الرئيسي لهذه المشاكل؟

- قبل التطرق الى الأسباب لا بد من الإشارة الى ان عدد المشاركين بالانتخابات النيابية الاخيرة لم يتجاوز المليون ونصف المليون اما عدد المتظاهرين فقارب المليونين لذا علينا التركيز على فكرة وجع الشعب واحتياجاته الاجتماعية، وجعه الناتج عن ازمة اجتماعية تراكمية ترافقت مع ازمة سيولة ومع اجراء غير مقبول من قبل الدولة ومتمثل برزمة من الضرائب والرسوم الجديدة، مما جعل الشعب يخسر ثقته بالطبقة الحاكمة، وهذه الأخيرة فقدت ثقة المجتمع الدولي على اعتبار ان كل المساعدات من سيدر وبروكسل وغيرها لم تؤد اطلاقا الى أي اصلاح بالمقابل، مما افقد الثقة الدولية بالطبقة الحاكمة التي فقدت بدورها ثقة شعبها، هذا الشعب الذي بدأ يطالب للأسف بالمأكل والمسكن أي بمطالب تعتبر بأدنى سلم احتياجات الانسان، فلم يعد بإمكاننا التكلم عن موازنة واصلاحات طالما ان الشعب لديه أولويات هي بأدنى سلم احتياجاته.

ــ ولكن رئيس الحكومة عرض ورقة إصلاحية الغاية منها انعاش الوضع الاقتصادي والخدماتي للشعب وتأمين مطالبهم فيماالشعب لم يوافق على هذه الإصلاحات، فما تعليقك على هذه المبادرة الاصلاحية؟

- ان الورقة الإصلاحية التي أعلنت من قبل رئيس الحكومة وسط التظاهرات الصاخبة في كل المناطق جاءت لسوء الحظ في الوقت غير المناسب، اذ لو قدمت قبل أسبوع كانت ستنال الترحيب والتصفيق من الشعب ومن المجتمع الدولي أجمع.

وتابع زمكحل قائلا:

- جاءت هذه الورقة في وقت نرى فيه مليوني شخص يتظاهرون في الشوارع ويشكون من الفقر والعوز ونقص المال لتأمين حياة كريمة وتأمين الطبابة والاستشفاء ودفع الأقساط المدرسية لاولادهم ناهيك عن الشباب والشابات الجامعيين العاطلين عن العمل.

ــ ولكن الا يفترض بكم كتجمع رجال الاعمال الموافقة على هذه الإصلاحات لإنقاذ الوضع المالي والاقتصادي للبلد؟

- ان الإصلاحات المطروحة لن تحل المشاكل اليومية لان الثقة باتت مفقودة بين الشعب وبين السلطة الحاكمة وأيضا مفقودة مع المجتمع الدولي الذي يشاهد نحو مليوني شخص يتظاهرون في كل المدن ضد السلطة، لذا أرى ان الحكومة استقالت لأنها لم تستطع ان تحكم ديمقراطيا بعدما خسرت ثقة الشعب لان هذه الحكومة انبثقت من الشعب وهي في خدمة الشعب.

ــ وهل من اقتراح معين تقدمه كرئيس <التجمع اللبناني العالمي لرجال وسيدات الاعمال>؟

- بالفعل سمعنا مليوني شخص يصرخون ويبكون جراء أوجاعهم المؤلمة، وفي الوقت عينه سمعنا المجتمع الدولي يريد مساعدتنا ودعم إقتصادنا وبلدنا وضخ سيولة لإعادة الحركة المالية والنقدية، وفي الوقت عينه هناك أزمة ثقة بين الشعب والدولة، وبين المجتمع الدولي والدولة، لذا نقترح بناء آلية ولجنة توجيهية تتضمن المجتمع الدولي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبلدان المانحة وشركات التدقيق المالي الدولية والمجتمع المدني اللبناني وقطاع الأعمال ومندوبي الثورة الشعبية ومندوبي السلطتين التشريعية والتنفيذية، لإستقطاب بعض هذه الأموال وضخها في السوق المحلية في أسرع وقت ممكن، وخصوصا للدعم المباشر لكل متطلبات الشعب في الإستشفاء والتعليم وخلق الوظائف وتأمين العملات والسيولة مع تدقيق دولي مبرمج، ومن جهة أخرى نرحب بمشروع الخصخصة بأسرع وقت لتخفيض كلفة الدين العام وتحسين أداء القطاع العام، وأخيرا علينا تطبيق خطة ماكينزي الإقتصادية والإصلاحية مع ملاحقة دقيقة ومراقبة دولية.

 

زمكحل والحكومة المصغرة!

ــ وكأنكم تدعون الى تشكيل حكومة مصغرة، فما قوام هذه الحكومة وما هي التركيبة الأفضل لها في ظل الأوضاع الراهنة؟

­­­- هناك عنصران اساسيان اليوم في البلد، الأول هو الجيش والقوى الأمنية التي قامت بدور وطني كبير من اجل تأمين الحماية للمواطنين المتظاهرين وفي الوقت نفسه منعت كل اعمال الشغب وعمليات النهب والتهريب الذي حاول بعض المندسين القيام بها، والثاني هو القطاع الخاص الذي لا يزال يؤمن بهذا البلد ويستثمر ويوظف رغم كل الظروف الصعبة، لذلك المطلوب اليوم وفي ظل هذه الأوضــــــــــــــــــــــــــــاع تشكيل حكومة مصغرة مختلفة كليا عن الحكومات السابقة التي كانت حكومات اتفاق سياسي، فالحكومة الحالية يجب ان تكون مصغرة من ستة وزراء كحد اقصى، ومختلفة كلياً عن الحكومات السابقة التي كانت حكومات اتفاق سياســـــــــــــــــــــــــــــــي، ويجب إعطاء هذه الحكومة يوم تشكيلها صلاحيات استثنائية من مجلس النواب وذلك للمقدرة على التفاوض بأسرع وقت ممكن مع المجتمع الدولي الذي يبدو انه بإنتظار ذلك.

أي بمعنى آخر على الحكومة المصغرة وضع خطة طوارئ اقتصادية اجتماعية،­­­ وعلى رئيسها في حين تشكيلها ان يبادر فورا الى التوجه للدول المانحة والداعمة للبنان لاطلاعها على التوجهات الجديدة، وباعتقــــــــــــــــــادي انه سينال الدعم المطلوب للسير بعملية الإنقاذ الفوري، وهنا أطالب بلجنة دولية مع لجنة تدقيق داخلـــــــــــــي لمساعدة رجالنا من اجل استقطاب الأموال واستثمارها في الأماكن المناسبة.