تفاصيل الخبر

طبيب الأسنان الدكتور جمال يونس باع كل أملاكه لاستملاك أرض المتحف بمساحة 4500 متر مربع!  

31/07/2015
طبيب الأسنان الدكتور جمال يونس باع كل أملاكه لاستملاك أرض المتحف بمساحة 4500 متر مربع!   

طبيب الأسنان الدكتور جمال يونس باع كل أملاكه لاستملاك أرض المتحف بمساحة 4500 متر مربع!  

بقلم عبير انطون

IMG_8821 عندما تنوي التعرف الى موقع سياحي لبناني، أول ما يراودك زيارة مغارة جعيتا العالمية، وفجأةً يستوقفك على طريقها مجسّم من الباطون هو الاقدم لباخرة حربيّة فينيقية الطراز بطول 40 متراً وارتفاع 7 أمتار وبعمق 13 متراً بمجازيفها العديدة ورأس حصان في مقدمتها لتنتهي بذيل سمكة، فيخيّل اليك ان البحر تمدّد صعوداً ليصل حتى جعيتا، وعند استيضاحك متسائلاً عن هوية هذا العملاق الرابض، يأتيك الجواب من أبناء المنطقة المزهوين بالإنجاز اللبناني الاكبر في الشرق الاوسط انه <متحف الحياة البرية والبحرية>.

من صور التي ولد فيها منذ عشر سنوات انتقل المتحف بعد إقفاله في عروس البحرالى جعيتا الكسروانية بعد ملاحظات كثيرة تطلب من مالكه الدكتور جمال يونس <الذي لم يزر جعيتا الا أثناء رحلة مدرسية الى مغارتها وهو طفل> نقل متحفه الى منطقة لبنانية تشكل نقطة التقاء وسطية بين جميع المناطق. تم اختيار جعيتا، واشترى يونس بعد ان باع كل أملاكه قطعة أرض تبلغ 7 آلاف متر ليبني <المشروع - الحلم>. حفر المتحف وسط الجبل على عمق 13 متراً داخله وكان الاختيار الجغرافي صائباً، ليس من ناحية التكامل مع مغارة جعيتا الطبيعية وزوارها فحسب، وإنما لإغناء لبنان بموقع سياحي إضافي فريد، فكانت المغارة الاصطناعية الاكبر من نوعها في العالم بحسب يونس، وما تقدمه من دهشة للعين والعقل في نحو الفي قطعة محنطة على مساحة 4500 متر مربع. فالمكان الواقع في طبقات ثلاث تحت الأرض يدهش زائره لغنى ما يراه ويسمعه فيه من معلومات والتي لم يكن يعلَم ولو حتى القليل عنها.

قرش.... و<بوا>...

 بـ<الاهلا وسهلا> يبدأ الاستقبال من قبل إدارة المتحف الذي <فتح أنيابه> في الخامس عشر من شهر نيسان/ أبريل الماضي بعد بناء وهدم لأكثر من مرة حتى يأتي بقدر أمل صاحبه وتوقعه. تدخله إرادياً بين فكي قرش يشكل بوابة العبور للقاء أكثر من ألفي حيوان وحشرة ونجمة بشكلها الاصلي تستقبل الوافدين اليها من زوار واختصاصيين وطلاب المدارس الرسمية والخاصة في أسعار مخفضة عن ثمن البطاقات التي لا تتجاوز أصلاً العشرين ألفاً. بابتسامة حارّة ترافقك زوجة مؤسس المتحف الدكتور جمال يونس التي تتشارك وزوجها وأولادها هواية جمع الحيوانات IMG_8825النادرة وتحنيطها، وتدعوك لبدء الرحلة التي تستهلها معها بمجموعة من الاسئلة:

 كيف لطبيب اختصاصي في الأسنان وتقويمها الدخول في مشروع مماثل مع التخطيط والتنفيذ في خطوة بعيدة كل البُعد عن مسيرته الطبية؟ ما الذي جعله يهتم بجمعِ حيوانات وحشرات وزواحف وأسماك نادرة ومتحجرة تعود لملايين السنين، فضلاً عن أحجار ثمينة وصخور مرجانية رائعة بأشكالها وألوانها؟ ومن أين ذاك الصبر والجلد لهندسة بناء محيط طبيعي مشابه لتلك التي كانت تعيش فيه الحيوانات برية وبحرية من غابات فيها الأشجار الاصطناعية العملاقة والصحارى والمغاور المائية وبينها <مغارة الحورية>، مع كل ما استلزم ذلك من جهود وتحديات لبناء متحف فريد بـ<شق النفس> وبمبادرة خاصة حتى يأتي المشروع متكاملاً لا بل نادر الوجود بنوعه وتنوعه؟

ويأتيك الجواب: الدكتور جمال يونس الذي تخصص في رومانيا هو ابن مدينة بحرية، صور، وُلِدَ على ساحلها فكان البحر ملعبه، غطس فيه واصطاد.. ترعرع على صوت أمواجه وهي تتكسر على شاطئها كما على أصوات صياديها ودعواتهم العديدة للسكان لمشاهدة أبرز ما يعلق في شباكهم وخاصةً غير المألوف من قبلهم. فشاطئ صور بحسب ما يشرح محمد ابن الدكتور يونس والذي يدرس كوالده الطب ايضاً: <بحر صور هو الاغنى بما هو فريد ونادر لقربه من اسرائيل حيث يمنع هناك صيد الاسماك النادرة في دعوة حازمة منهم للمحافظة عليها وعدم انقراضها>. كذلك فقد استهوى يونس الأب تحنيط الحشرات من أصغرها حتى أكبرها برية وبحرية وكل ما يحمله الأزرق الواسع من الحيوانات الأليفة أو المفترسة أو الزواحف والحشرات التي قد تكون سامة في بعض الأحيان. وكان لعلم التشريح الذي تلقاه الدكتور جمال يونس خلال دراسته طب الأسنان في رومانيا صلة الوصل بينه كهاوٍ وبين تلك المخلوقات.

 

لؤلؤ..ومرجان ..

IMG_8876

هذا المتحف الذي تم افتتاحه في 15 نيسان/ أبريل الماضي يضُم حيوانات وحشرات وأسماك وطيوراً برية وبحرية عابرة ومستوطنة وأحجاراً وأصدافاً بينها صدف اللؤلؤ الشهير فضلاً عن مختلف الأصناف البرية والبحرية النادرة والتي سعى ويسعى الدكتور يونس للبحث والحصول عليها لتحنيطها منذ أكثر من عشرين عاماً، يوم دخل صف التشريح الطبي وقال: <وجدتها>، قاصداً كيفية تحنيط الحيوانات البرية. اما تلك البحرية فقد اكتشف كيفية تحنيطها بنفسه مبتكراً طريقة خاصة وهذا أمر نادر نقله الى أولاده كسرّ المهنة بينهم يبقى في العائلة. كما باتت له اليوم شهادة يحملها فيها، اذ ان تحنيط الاسماك صعب جداً بسبب حساسيتها ويصعب الحفاظ على لونها وتماسكها بشكل يختلف عن الحيوانات البرية . اما الشكل العام للحيوانات فيسعى الدكتور يونس الى جعله الاقرب الى الطبيعة، والعينان فقط تستبدلان بما هو صناعي لأنه لا يمكن الحفاظ عليها كما كانت. والجدير بالذكر أيضاً أن بعض الموجودات في المتحف حائز على شهادات من أكبر المنظمات البيئية العالمية كمنظمة المحافظة على أسماك القرش في العالم ومنظمة المحافظة على البحر الابيض المتوسط، اذ يضم المتحف حوالى 40 نوعاً من أسماك القرش واحد منها يبلغ تسعة امتار (قرش الشماس)، و30 نوعاً من النجوم و400 نوع من أصداف البحر الأبيض المتوسط وهي مجموعة فريدة من بين جميع دول البحر الأبيض المتوسط. وبين <النوادر> ايضاً نموذجان من سمكتي <سيف> تعيشان على عمق ألف متر وطول 120 سنتم وسماكة 3 ملم فقط، جراد عملاق، سمكة ترسل شحنات كهربائية عند شعورها بالخطر فتردي من يقترب منها، سمكة - قنفذ، سمكة الطائرة، خروف برأسين، دجاجة بأربعة أرجل وذيلين، بومة عملاقة، سلحفاة افريقية بحرية - نهرية - برية لديها رقبة أفعى وأنف خنزير ومخالب نمر، أفعى <البوا> التي نفقت في سيرك أثناء عروضه في لبنان فاتصلوا بالدكتور يونس لضمها الى مجموعته. كذلك يواجه زائر المتحف رأساً محنطاً لحيوان الضبع والثعلب والنيص وأبو غرير والقنفذ والسنجاب والذئب والخلد، وهناك طيور اللقلق و النسر والباشق و النورس ومنها ما هي عابرة اذ يشكل لبنان اكبر الممرات للطيور المهاجرة ومنها ما هي مستوطنة وصولا ًالى التماسيح والضفادع والسلاحف البرية والمائية أيضاً وغيرها والكثير الكثير .. اما اللافت فكان تشديد الدكتور يونس على عدم قتل اي حيوان لتحنيطه، فهو لا يستلمه الا اذا كان نافقاً، داعياً الى عدم الصيد او القتل اذ ان هدف المتحف هو توعية المواطنين والهيئات الرسمية على أهمية الحفاظ على الانظمة البيئية في لبنان، فمن يزور المتحف سيكتشف الكنوز التي فيه ويعمل بالتالي على المحافظة عليها.

 ويروي يونس قصة الدلفين التي وجدت في بحر صور مؤخراً واكتشف انها كانت حاملاً فعمل على تحنيطها مع الجنين ما شكل زائرة جديدة للمتحف تنضم الى رفيقاتها. حتى قصتها فإن يونس يعرفها: <علقت الأنثى في الشباك وحاول ذكرها انقاذها فعلق معها. لدي الصور الاولى لهما ويظهران دامعي العيون لأن الدلافين حساسة جداً ولديها روابط قوية ببعضها البعض>. وستكون فقمة منطقة دالية الروشة آخر وأهم عضو ينضم الى المتحف بانتظار <نادر جديد> في متحف يستحق ان يدخل في سجل الزيارات السياحية من داخل لبنان وخارجه.