تفاصيل الخبر

طبيب الأمراض النفسية الدكتور شارل يعقوب: الطفل ”المتوحد“ يحتاج الى فريق عمل متكامل لمعالجته!

23/11/2018
طبيب الأمراض النفسية الدكتور شارل يعقوب:  الطفل ”المتوحد“ يحتاج الى فريق عمل متكامل لمعالجته!

طبيب الأمراض النفسية الدكتور شارل يعقوب: الطفل ”المتوحد“ يحتاج الى فريق عمل متكامل لمعالجته!

 

بقلم وردية بطرس

<التوحد> هو اضطراب النمو العصبي الذي يتصف بضعف التفاعل الاجتماعي، وضعف التواصل اللفظي وغير اللفظي، وبأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة، وتتطلب معايير التشخيص ضرورة ان تصبح العوارض واضحة قبل ان يبلغ الطفل من العمر ثلاث سنوات. ويؤثر <التوحد> على عملية معالجة البيانات في الدماغ وذلك بتغييره لكيفية ارتباط وانتظام الخلايا العصبية ونقاط اشتباكها، ولم يفهم جيداً كيف يحدث هذا الأمر. ويعتبر <التوحد> أحد ثلاثة اضطرابات تندرج تحت مرض طيف <التوحد>، ويكوّن الاضطربان الثاني والثالث معاً متلازمة <أسبرجر> التي تؤدي الى التأخر في النمو المعرفي وفي اللغة، وللتوحد أسس وراثية قوية، على الرغم من ان جينات <التوحد> معقدة، وأنه من غير الواضح ما اذا كان يمكن تفسير سبب <التوحد> من خلال الطفرات النادرة، او من خلال وجود مجموعات نادرة من المتغيرات الجينية المشتركة.

ويُصاب بمرض <التوحد> حوالى 1-2 من كل 1000 شخص في جميع أنحاء العالم، ويُصاب به الأولاد 4 مرات أكثر من البنات، وقد أفادت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها انه تمت اصابة 1.5 بالمئة من أطفال الأمم المتحدة (واحد من كل 68) بـ<التوحد>، وذلك اعتباراً من العام 2014، بزيادة بلغت نسبتها 30 بالمئة عن العام 2012 حيث كان يُصاب فرد من كل 88. ولقد زاد عدد المصابين بالمرض بشكل كبير منذ الثمانينات، ويرجع ذلك جزئياً الى التغيرات التي حدثت في تشخيص المرض، والى الحوافز المالية التي خصصتها الدولة لتحديد أسبابه، ولكن لم تتم الاجابة ما اذا كان انتشار المرض قد زاد فعلياً أم لا، ومن غير المعروف حتى الآن ما اذا كان هذا الازدياد هو نتيجة للكشف والتبليغ الأفضل عن الحالات، ام هو ازدياد فعلي وحقيقي في عدد مصابي مرض <التوحد>، أو أنه نتيجة هذين العاملين سوية. وبالرغم من عدم وجود علاج لمرض <التوحد> حتى الآن الا ان العلاج المكثف والمبكر قدر الامكان يمكنه ان يُحدث تغييراً ملحوظاً وجدياً في حياة الأطفال المصابين بهذا الاضطراب... وعادة ما يلاحظ الآباء مؤشرات <التوحد> في العامين الأولين من حياة الطفل، وتتطور هذه المؤشرات تطوراً تدريجياً، ولكن بعض الأطفال المصابين بهذا المرض يتطورون في النمو بشكل أكثر من الطبيعي ثم يبدأون في التراجع او التدهور، وتساعد التدخلات السلوكية والمعرفية والخطابية الأطفال المصابين بـ<التوحد> على اكتساب مهارات الرعاية الذاتية ومهارات اجتماعية ومهارات التواصل.

 

الدكتور شارل يعقوب واسباب حدوث <التوحد>

 

فهل من عامل يؤدي لحدوث حالة <التوحد>؟ وكيف يلاحظ الأهل ان طفلهم متوحد؟ وماذا عن أهمية التشخيص والعلاج؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها <الأفكار> على طبيب الأمراض النفسية الدكتور شارل يعقوب ونسأله ما اذا كان هناك عامل او مسبب لحدوث <التوحد> فيقول:

- أولاً يجب توضيح أمر انه لغاية الآن ليست هناك أسباب واضحة للاصابة بـ<التوحد>، وبالتالي هو بجزء منه وراثي وبجزء آخر جيني اي يجب ان يدرك الأهل انه اذا أُصيب ابنهم او ابنتهم بـ<التوحد> فليس هناك سبب لحدوثه، وذلك ليس خطأهم لأنه أحياناً يحاول الأهل البحث عن سبب حدوث <التوحد>، وما اذا كانت المرأة قد تناولت دواءً معيناً أثناء الحمل سبّب هذه المشكلة، وبالتالي كل هذه الأمور التي يفكر بها الأهل غير صحيحة لأنه كما ذكرت ان الطفل يصاب بحالة <التوحد> بدون اي سبب.

وعن حالات <التوحد> يشرح الدكتور يعقوب:

- بالنسبة لحالات <التوحد> فهذا متعلق بشدة العوارض وبحسب قدرة الولد على التواصل، اذ هناك حالات توحد حيث يقدر الولد ان يتكلم ويعبّر عما يشعر به او يريده، فيما هناك حالات توحد لا يعبّر فيها الولد ولدينا حالات توحّد حيث تكون العوارض شديدة. وبما يتعلق بحالة <التوحد> فلدينا مشكلة جذرية بموضوع التواصل، وأيضاً مشكلة بالتعبير، ومشكلة على صعيد الحركات الترددية. أولاً بما يتعلق بالتواصل فعلينا ان نعرف كيف يرى الولد المصاب بـ<التوحد> الأمور من حوله والأشخاص المحيطين به اذ هو يراهم كأشياء وليس كأشخاص. ثانياً لدينا مشكلة بالتعبير سواء البصري او السمعي. ثالثاً: الحركات الترددية اذ يقوم الولد بحركات بيديه ويكررها مرات عديدة بدون سبب. وطبعاً لكل حالة طريقة بالمعالجة، ولكن الولد الذي يعبّر يتجاوب أكثر مع العلاج بينما الولد الذي لا يقدر ان يتواصل مع الآخرين فيكون علاجه أصعب. لا شك اننا نصل الى نتيجة اذا استطاع الولد ان يتواصل مع أفراد أسرته والأشخاص المحيطين به، لأنه أحياناً الولد <المتوحد> يرى أمه او ابيه كمثل شيء مثلاً كرسي او طاولة اذ ليس لديه كيان ولا يقدر ان يرى كما نحن نرى الأشخاص من حولنا وهنا تحدث مشكلة التواصل، وطبعاً تتحسن حالته بمساعدة الاختصاصيين وأفراد الأسرة والمعلمين في المدرسة.

 

العوارض

ــ كيف يلاحظ الأهل ان طفلهم متوحد؟

- أهم ما في الأمر هو التواصل البصري، اذ عادة الولد حتى لو كان صغيراً في السن يقدر ان يتواصل مع أمه، ولكن في حالة <التوحد> لا يقدر الطفل ان يتواصل مع أمه او أفراد أسرته، وعندئذٍ يلحظ الأهل ان هناك مشكلة في هذا الخصوص، اذاً هذه واحدة من الأمور الأساسية التي يجب ان يراقبها الأهل. ولا يغيب عن البال هنا ان الأهل يعانون لأنهم يسعون الى تصحيح الأمور وأحياناً قد يكون ذلك بطريقة خاطئة، مثلاً عندما يلاحظ الأهل المشكلة يهرعون الى المدرسة ويبحثون ما اذا كان هناك سبب أدى الى حالة <التوحد>... كما انه من الأمور الخاطئة التي يقوم بها الأهل دون ان يعلموا ان ذلك لن يساعد طفلهم الا وهو ارساله الى مدرسة عادية في الوقت الذي يكون الطفل بحاجة الى مركز متخصص او ان يتابعه استاذ متخصص في هذه الأمور لكي يعرف كيف يتعامل معه. طبعاً التشخيص المبكر أمر أساسي لكي يتابع الأهل حالة الطفل منذ البداية، ولوضعه في الاطار المناسب سواء من خلال طلب مساعدة استشاري الحركة، وأيضاً اختصاصي تقويم النطق واللغة، وفي بعض الأحيان يحتاج الطفل الى مساعدة الطبيب، فللطبيب دور بتشخيص الحالة ومساعدة الطفل المتوحد في حالة اصابته بالصرع، اذ هناك حالات مرضية ممكن ان ترافق حالة <التوحد> ومنها الصرع اذ قد تكون هناك مشكلة واضطرابات مسلكية حيث تكون منطقة في الدماغ غير مكتملة من حيث النمو وممكن ان تظهر عوارض شبيهة بحالة <التوحد>، ولهذا يجب ان يخضع الطفل لفحص تخطيط الكهرباء وفحوصات أخرى لمعرفة ما اذا كانت هناك مشكلة الصرع أيضاً.

ويتابع:

- كما تعلمين انه عندما تبدأ مشكلة صحية فهي تؤدي لحدوث مشاكل أخرى مثلاً ارتفاع الضغط يؤدي الى حدوث مشاكل في القلب، وبالتالي عندما تكون هناك حالات توحد فقد تصاحبها أيضاً حالات مرضية مثل الصرع اي تزداد المشكلة أكثر بالنسبة للطفل المتوحد. وهناك الاضطرابات المسلكية اذ يتصرف الولد بطريقة عنيفة او قد يضرب الأشخاص المحيطين به، وهنا يكمن دور الطبيب بالمتابعة ليقدر ان يعالج العوارض التي تصاحب <التوحد> لتسهيل الأمر على المريض، وطبعاً الدور الأكبر يقع على عاتق فريق العمل الذي يتابع حالة الولد ككل. وأهم ما في المسألة ان يدرك الأهل ان لا علاقة لهم بما يحدث مع طفلهم اي عليهم ان يتقبّلوا الموضوع والا يشعروا بالهلع، لأنه اذا رفض الأهل فكرة ان طفلهم مصاب بـ<التوحد> وتأخروا بطلب مساعدة الاختصاصيين فعندئذٍ تصبح المشكلة أكثر صعوبة، وبالتالي عندما يعرف الأهل المشكلة ويستشيرون الاختصاصيين يوفرّون العناء على طفلهم وعلى أنفسهم.

ــ وما هو دور المدرسة في هذا الخصوص؟

- اذا لم يكن التشخيص واضحاً فمن المفروض ان تستدعي ادارة المدرسة الأهل لاعلامهم بأن لدى المدرسة شكوكاً أن هناك علامات او عوارض <التوحد> تظهر لدى طفلهم، وطبعاً تنصح المدرسة الأهل بضرورة استشارة اختصاصيين لمعالجة طفلهم. والأهم من كل هذا انه يجب عدم ارسال الولد المتوحد الى مدرسة عادية، بل يستوجب ارساله الى مركز متخصص او ان يرافقه استاذ متخصص في المدرسة التي يتعلم فيها لكي يساعده ولتنمية قدراته، اذ تجدر الاشارة هنا انه تبين في ربع حالات <التوحد> أن لدى الأطفال نسبة ذكاء عالية، وبالتالي يجب ان يتعلموا في مراكز متخصصة او ان يتابعهم استاذ متخصص كما ذكرت ليعرفوا كيف يتواصلون مع الآخرين وما شابه.

نسبة حالات <التوحد> في لبنان

ــ يُلاحظ ان نسبة حالات <التوحد> في لبنان تزداد فهل ذلك صحيح؟

- لا شك ان حالات <التوحد> كانت موجودة في مجتمعنا منذ سنوات طويلة، ولكن في السابق لم يكن الأهل على دراية بهذه الأمور وبأن طفلهم متوحد، ولكن اختلف الأمر في يومنا هذا وذلك بفضل حملات التوعية التي ساعدت بتوعية الأهل بكل هذه التفاصيل، كما لا يغيب عن البال بأن عدد السكان في لبنان قد ازداد وبالتالي سترين حالات <التوحد> أكثر من الماضي. طبعاً التشخيص المبكر جعلنا ندرك بأن هناك حالات توحد في يومنا هذا أكثر، كما ان الأهل لم يعد يخفون الأمر كما في الماضي، اذ يصطحبون أولادهم الى المراكز المتخصصة لمعالجتهم وبالتالي تكون النتيجة أفضل مما لو اخفى الأهل الأمر ولم يتقبلوا ان ابنهم متوحد، ولكن طبعاً ترين ردة فعل الناس عند رؤية ولد متوحد غير مقبولة، اذ أحياناً يبدي البعض دهشتهم اذا رأوا ولداً متوحداً يتصرف بعنف او يقوم بحركات ترددية، وقد يسخرون منه او يشفقون عليه وهذا يسبب الازعاج والقلق لدى الأهل، ولهذا يتوجب على الأهل ان يتقبلوا الأمر بأن ابنهم متوحد وعليهم ان يواجهوا كل المواقف التي يتعرضون لها.

ــ وماذا عن التشخيص؟

- على الأهل ان يتنبهوا للأمر اذا ظهرت العوارض لكي يخضعوا ابنهم للفحوصات اللازمة، ويجب عدم التساهل مع الأمر عندما تظهر العوارض، وان يستشيروا الاختصاصيين منذ البداية لتفادي حدوث مشاكل اكبر وأصعب.

 

العلاجات والتوصيات

ــ وماذا عن العلاج؟

- من المهم ان يدرك الأهل بأن فريق العمل المتكامل يجب أن يتألف من: اختصاصي في تقويم النطق، واختصاصي في الحس الحركي، واختصاصي في العمل الانشغالي، وبالتالي جميعهم يعملون سوياً لمعالجة حالة <التوحد>، اذ ان دور الطبيب ثانوي لمعالجة الطفل <المتوحد>، لانه يحتاج الى فريق عمل متكامل كما ذكرت لمساعدته. ولكن طبعاً دور الطبيب مهم اذا كانت لدى الولد عدائية فعندئذٍ يتدخل لمعالجته او اذا كانت هناك حالة صرع، ولكن العلاج يتم بواسطة فريق العمل المتكامل لنصل الى نتيجة، والمفروض ان يُرسل الولد المتوحد الى مركز متخصص، اذ كما يحتاج الولد عادة الى استاذ في الحساب، وأستاذ في اللغة، وأستاذ في التاريخ الى ما هنالك، هكذا يحتاج الولد المتوحد الى اختصاصيين في النطق والسمع والحس الحركي لكي يتلقى العلاج المناسب لحالته، وكما ذكرت ان العلاج يكون أسهل بالنسبة للولد الذي يقدر ان يعبّر، ولكن هذا لا يعني انه لا نقدر ان نعالج الولد الذي لا يقدر ان يعبّر، ولكن طبعاً تبقى هناك حالات صعبة حيث يمكن ان لا نصل الى نتيجة.

ــ هل من نصائح موجهة للأهل او المدرسة؟

- أولاً أود ان أتوقف عند نقطة ألا وهي: ان مجتمعنا صغير وفي المجتمعات الصغيرة يختلف الأمر اذ يكون هناك نوع من الاستغراب وما شابه، بينما في أوروبا مثلاً حيث يعيش الناس بمختلف الأعراق والجنسيات، هناك تقبّل لحالات <التوحد> او ذوي الاحتياجات الخاصة أكثر من مجتمعنا، ولهذا يسهل الأمر على الأهل هناك أكثر مما هو الوضع عندنا. ويجب ان يدرك الأهل انه عندما يولد طفل متوحد فلا علاقة لهم بما حدث لطفلهم، وان ذلك لم يحدث بسبب تناول الأم دواءً معيناً أثناء فترة الحمل أدى لولادة طفل متوحد، وبالتالي نؤكد للأهل بأن لا ذنب لهم اذا ولد لهم طفل متوحد لأن ليس هناك خطأ من قبلهم، ولأن ما يحدث هو خطأ في الجينات وبدون سبب ما يؤدي الى حالة <التوحد>، والأهم ننصح الأهل دائماً الا يهربوا من الواقع وان يتأقلموا مع حالة ابنهم، وان يرسلوه الى مركز متخصص لمعالجته دون تردد او خوف او خجل من نظرة الناس والمجتمع لهم.