تفاصيل الخبر

طبخة حكومية على نار حامية.. مَن تعيس الحظ؟

19/08/2020
طبخة حكومية على نار حامية.. مَن تعيس الحظ؟

طبخة حكومية على نار حامية.. مَن تعيس الحظ؟

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_80372" align="alignleft" width="506"] الدمار الكبير في المرفأ ومحيطه .. حكومة على انقاض وطن[/caption]

انتقلت حكومة الرئيس حسّان دياب إلى الرفيق الأعلى، وما عاد ينفع سوى الترحّم عليها، هذا في حال كانت تجوز عليها الرحمة. المرحلة اليوم لولادة حكومة جديدة تكون على قدر المسؤولية وتستحق أن تحمل وسام الشرف والوفاء بعد الدماء التي سالت في بيروت، والأبرز أن تكون خارجة عن السلطة الحالية، وليس خارجة على سلطة ستتسلّم زمام جميع المبادرات بعد أن تنال ثقة الشعب وحده.

هل تعود التسويات؟

وأي كلام لا يُشبه حُزن بيروت وحجم الدمار والخراب الذي خلّفته سلطة غير مأسوف على شبابها، لا بد وأن يواجه هذه المرّة، بهزّة شعبيّة، يكون ارتدادها على السياسيين، أكثر خراباً من ذلك الذي الحقه إنفجار المرفأ بالشعب. كل هذا يجب أن يحصل، خصوصاً في ظل الكلام حول عودة التسويات والاتفاقيات الثنائية والثلاثية والرباعية  لانتاج حكومة تُشبه السلطة الحالية، ولو بألوان مُختلفة برّاقة. واللافت في الموضوع، الحديث عن عودة طرح بعض الأسماء لتولّي رئاسة الحكومة مُجدداً، ومن باب إرضاء بعض القوى السياسية، مقابل غض الطرف عن الدعوات لإجراء إنتخابات نيابية مُبكرة.

مقابل هذا الإلتفاف الذي تنتهجه السلطة التي ما زالت حاكمة ولو بالشكل، ومقابل محاولاتها المُستمرة لتقطيع الوقت على قاعدة أن الزمن يُنسي، ومقابل إعادة تثبيت وضعها في الحكم من خلال وعود كاذبة وتعهدات ما زالت يتيمة الأب والأم، فإن الناس الذين عادوا الى الشارع بقوة وزخم وغضب ظهر جلياً، في سبت المشانق غداة زلزال 4 آب (اغسطس) ، لن يرضوا بأية حكومة أو بالـ"كومبينات" التي باشرت سريعاً القوى السياسية طبخها، من اجل إعادة تعويم نفسها وتسويقها أمام الرأيين العام الداخلي والخارجي، على أنها الجهة الوحيدة القادرة على ضبط البلاد، وأن ذهابها في هذه المرحلة يعني خراب لبنان، وصولاً إلى تلويح بعضها بفرضيات متعددة لعل أبرزها، عودة الحرب الأهلية.

حظوظ نوّاف سلام

[caption id="attachment_80370" align="alignleft" width="449"] السفير السابق نواف سلام .. رفض شيعي لاسمه[/caption]

المؤكد أن زيارة الرئيس الفرنسي"ايمانويل ماكرون" الى لبنان عقب إنفجار المرفأ، رسمت معالم جديدة أو خريطة طريق للنظام السياسي الذي يجب أن تكون عليه البلاد في المرحلة المقبلة، هذا في حال أراد السياسيون فعلاً الخروج من الأزمات التي تعصف بلبنان من كل حدب وصوب، وإذا أرادوا حقاً ان تتحقق الوعود الدولية بالنسبة الى المساعدات والهبات، وخصوصاً الموضوع المتعلق بصندوق النقد الدولي. ويبدو ان الفصل الاوّل في هذه الصفحة تشكيل حكومة حيادية مستقلّة عن الطبقة السياسية الحالية التي تُجمع دول العالم على عدم الثقة بها بدليل ان مساعداتها ستتوجّه مباشرة الى الشعب اللبناني المنكوب وعبر منظمات غير حكومية، وذلك من دون المرور بالمؤسسات الحكومية. 

وبحسب مصادر سياسية بارزة فإن الحكومة الجديدة يرجح ان تكون برئاسة الدبلوماسي والقاضي في محكمة العدل الدولية في لاهاي نواف سلام بدعم اميركي-فرنسي - سعودي مشترك، كما أن الاجواء الدولية والاقليمية الاخرى بمعظمها تميل الى تأييد تسمية سلام لرئاسة الحكومة الجديدة، على أن تضم الحكومة وزراء متخصصين مستقلين لديهم خبرة في التعاطي مع الازمات الاقتصادية والمالية، لأن لبنان في أمسّ الحاجة الى هذا النوع من الوزراء.

ولفتت المصادر نفسها، الى أن الاسماء التقليدية التي تُطرح دائماً عند استحقاق تشكيل الحكومة لم تعد تُصرف شعبياً ودولياً. فلا الثوّار الغاضبون سيقبلون بعودة الرئيس سعد الحريري الذي يعتبرونه جزءاً من الطبقة السياسية الحالية، ولا المجتمع الدولي يرغب بتكرار التجارب السابقة في تشكيل الحكومات، معتبرة أن حكومة مستقلّة برئاسة نواف سلام ستُعيد الثقة الشعبية والدولية بالبلد وتفتح باب المساعدات الموعودة الذي اوصد بسبب إنعدام الثقة بالطبقة السياسية الحالية.

ماذا عن حظوظ الحريري؟

لكن ماذا بالنسبة للثنائي الشيعي حركة "أمل" و"حزب الله" وموقفهما من مجيء سلام الى رئاسة الحكومة؟ في هذا المجال تُشير مصادر مقربة من "الثنائي" إلى أنه في الوقت الحالي، لا يوجد لديهما بديل

[caption id="attachment_80368" align="alignleft" width="516"] الرئيس سعد الحريري... حظوظ وتحفظ[/caption]

عن الحريري وهما مستعدان للدخول في معارك سياسية عنوانها "كسر عظام" لمنع وصول سلام الى رئاسة الحكومة، كونه بحسب ما يؤكدان يلتزم السياسة الأميركية.

وتلفت المصادر الى أن الدليل على رفض "الثنائي" هذا الطرح، يكمن في اجتماع عين التينة الذي جمع الاسبوع الماضي الرئيس نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والنائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، والذي خرج على ما يبدو باتفاق، ليس الحزب "التقدمي الاشتراكي" بعيداً عنه، تماماً كتيار "المستقبل"، يقضي بالذهاب نحو حكومة تحظى بموافقة القوى السياسية، في مقابل التخلّي عن طرح الانتخابات النيابية المبكرة، وتالياً الانتخابات الرئاسية المبكرة.

وفي السياق، تبرز إشكالية في غاية الأهمية بين المجتمع الدولي الذي يُبدي رغبته بتدويل الأزمة اللبنانية، وبين أي حكومة مستقبلية تُفصّل على قياس السلطة الحالية. وأبرز هذه الإشكاليات: هل ستقبل السلطة الحالية الإتجاه نحو إجراء إنتخابات نيابية مُبكرة؟ وهل ستقبل بوضع مراقبين دوليين على كل المعابر البرية بين لبنان وسوريا؟ وهل ستحقّق إنجازات في موضوع الحد من الهدر والفساد وأبرز هذه الإنجازات محاسبة المسؤولين، خصوصاً وأن من بينهم سياسيين فاعلين في التركيبات السياسية والطائفية والحزبية؟

وعلى خط فرضية عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، عبّر نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي عن أنه لا مفر من الذهاب الى حكومة لم شمل وهذه ارادة المجتمع الدولي، سائلاً أيهما أفضل أن يذهب السياسيون بعيداً في انقساماتهم أو الذهاب الى توحيد الصفوف كما يريد المجتمع الدولي، مشدداً على أن هناك دفعاً كبيراً من المجتمع الدولي لتشكيل الحكومة سريعاً لذا لا يمكن التلكؤ في ذلك.  وقال: هناك مكون سني في لبنان يجب الاعتراف به ولا بد من ان يكون جزءاً اساسياً من التشكيلة الجديدة في البلد سواء عبر الرئيس الحريري شخصياً أو من يختاره.

عين التينة : لن نسمح باستغلال الوضع

[caption id="attachment_80369" align="alignleft" width="375"] الرئيسان ميشال عون ونبيه بري... المصلحة واحدة[/caption]

في عين التينة، الأرض توازي بحماوتها، حجم اللهيب الذي خلّفه إنفجار المرفأ. الرئيس بري يُعطي كل المساحات لأي تحقيق يُمكن أن يُفضي الى كشف ملابسات التفجير. وفي الوقت عينه، لن يسمح بحسب مصادر عين التينة، باستغلال ما حصل لكي يُمرّر البعض روزنامات لا تتناسب مع الوضع اللبناني الداخلي. من هنا تؤكد المصادر في عين التينة على ضرورة قيام المشاورات قبل الاستشارات ليكوّن رؤساء الكتل خياراتهم، معتبرة انه من المبكر الحديث عن رئيس الحكومة المقبل.

وعن الكلام أن الرئيس ميشال عون موافق على السفير سلام لترؤس الحكومة، اشارت المصادر إلى أن الجو العام يتجه نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية ولكن التوجه حول نوعية الحكومة ودورها ومهمتها لا يمكن أن يحسم إلا بعد جس نبض الكتل النيابية. وفيما اذا كان طرح اسم نواف سلام خلال زيارة "ماكرون" إلى بعبدا، أوضحت المصادر أن الرئيس بري شدد على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية ولكن لم يجر طرح أسماء. وقد أبدى الرئيس الفرنسي احترامه الكامل للدستور اللبناني، واللعبة الديموقراطية في البلاد

من "بيت الوسط" إلى حزب الله

من جهة "بيت الوسط" والحديث عن احتمال عودة الحريري من عدمها، فقد أكدت مصادر تيار "المستقبل" انّ الهَم الوحيد للرئيس سعد الحريري حالياً هو مساعدة أهالي بيروت على تجاوز تداعيات الكارثة التي أصابت العاصمة جرّاء انفجار المرفأ، لافتة الى انّ هذا الملف يشكل أولوية لديه في هذه المرحلة انطلاقاً من كونه رئيس تيار المستقبل ونائباً عن بيروت.

خلال هذه اللحظة، يبدو أن الثابت للسياسيين الذين يتوّلون البحث في كيفيّة إنشاء حكومة، تنال موافقة الجميع، أن لا حكومة حيادية بل حكومة وحدة وطنية، وذلك يفضّل بري، على الأقل أن يكون الحريري على رأسها، من دون ممانعة ظاهرية من التيار الوطني الحر. أما حزب الله، فما يعنيه أمران لن يساوم فيهما: الأول، لا حكومة حيادية، والثاني، لا قبول بأسماء مستفزة من قبيل ما يسرّب في الإعلام، كاسم سلام أو النائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري، وما رفضه حزب الله سابقاً بعد استقالة الحريري في 29 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي لن يقبله اليوم.

القوّات اللبنانية: هنا مربض الفرس

[caption id="attachment_80371" align="alignleft" width="516"] رئيس الحزب التقدمي الاستراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ... المشاركة الأكيدة[/caption]

مصادر في حزب "القوات اللبنانية" تُشير الى انه قبل الدخول في كيفية مقاربة مسألة الحكومة لا بد من التطرق الى كل الأمور السياسية برمتها، مشيرة الى توافق بين "القوات" و"التقدمي" و"المستقبل" على إجراء انتخابات نيابية مبكرة والقيام بالإصلاحات المطلوبة. ولفتت إلى أن أي حكومة ستُشكل قبل تحقيق هذه الانجازات لن يُكتب لها النجاح وسيكون مصيرها التعطيل والفشل، فالقوات تنطلق من نظرة ثابتة تعيد الأمور الى شاطئ الأمان، وطالما هذه الأكثرية ممسكة بمفاصل السلطة عبثاً السعي لإصلاحات حقيقية في البلد قبل كف يد هذا الفريق.

ورأت المصادر "القواتية" أن استقالة حكومة دياب شكلت صفعة قوية لفريق 8 أذار، وقد كلف حكومة دياب وصولاً الى الاستقالة، لبنان ملايين الدولارات، لذلك يجب الذهاب الى مسار دستوري وتشكيل حكومة جديدة عليها ان تعيد الثقة بلبنان.

الاشتراكي: التشكيل لن يطول

من جهته، لفت عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" النائب فيصل الصايغ الى أن تشكيل الحكومة لن يطول، فهناك دينامية جديدة واتصالات دولية تضغط باتجاه تشكيل حكومة بأسرع وقت تكون أشبه بحكومة طوارئ تعالج المشاكل القائمة في موضوع الكهرباء او في موضوع الإصلاح أو الاعمار او في الموضوع الاقتصادي والمعيشي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

وكشف الصايغ عن اشارات وصلت الى الحريري من شخصيات محلية ودولية تتمنى عليه ترؤس الحكومة لكن شروطه قد لا تناسب ترؤسه لمثل هكذا حكومة. وأضاف: المطلوب حكومة تكون متوافق عليها بالحد الأدنى، وليس بالضرورة ان تتشكل من شخصيات سياسية، وأن تعرف كيف تخاطب المجتمع الدولي الذي وقف معنا وبادر الى مساعدتنا في لحظة المأساة، حكومة قادرة ان تخاطب كل العالم ويكون لديها برنامج واضح تعيد الثقة بلبنان وتقوم بالاصلاحات المطلوبة.

في الخلاصة، ثمة ثابتة واحدة في عالم السياسة في لبنان. تقول الثابتة إن هذا البلد مبني على أسس مذهبية وطائفية لا مكان فيها لأصحاب الكفاءات والأيادي النظيفة. بلد قائم من ولادته على الهدر والفساد والمحسوبيات وضرب مؤسسات الدولة لصالح إنعاش المؤسسات الحزبية الرديفة الجاهزة دوماً، للإنقضاض على الفريسة. من هنا، فإن أي رئيس مقبل للحكومة، لن يكون سعيد الحظ، إنما سيكون تعيس الحظ والقدر معاً.