إذا كانت القيادات السياسية اللبنانية انشغلت الأسبوع الماضي في متابعة تطورات موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري وأركان الطائفة الشيعية من دعوة ليبيا الى المشاركة في القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في 20 كانون الثاني (يناير) الجاري وعدم دعوة سوريا إليها، إلا ان ذلك لم يحل دون بقاء الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء لحكومة الرئيس سعد الحريري المعتبرة مستقيلة لإقرار موازنة 2019 استناداً الى سابقة حصلت في العام 1969 في حكومة رئسها يومها الرئيس الشهيد رشيد كرامي.
ولعل العنصر الجديد الذي طرأ على هذه المسألة، كان تلميح الرئيس الحريري الى امكانية التجاوب مع الدعوات لعقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء للبحث في مشروع قانون موازنة 2019 تمهيداً لإحالته على مجلس النواب لدرسه واقراره، وذلك بعدما كان رفض في السابق مبدأ عقد الجلسة للحكومة المعتبرة مستقيلة وأيده في موقفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي لم يكن متحمساً للفكرة لأنه اعتبر ان الأولوية هي لتشكيل الحكومة الجديدة التي دخلت عملية تأليفها الشهر الثامن!
إلا ان الرئيس الحريري وقبيل ترؤسه الأسبوع الماضي للاجتماع الوزاري الذي خصص للبحث في أضرار العاصفة الثلجية التي ضربت لبنان، ردّ على سؤال صحافي عما إذا كان هذا الاجتماع الوزاري يمهد لعقد جلسة لمجلس الوزراء، بأن <كل شيء وارد>، فاتحاً بذلك الباب أمام امكانية الدعوة التي يستمزج رئيس الجمهورية في شأنها، علماً ان جدول أعمال أي جلسة للحكومة ينبغي أن يقترن بالموافقة الرئاسية وفقاً للقاعدة المعتمدة بعد تعديل الدستور استناداً الى اتفاق الطائف الذي أعطى رئيس الحكومة حق دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد، وأبقى لرئيس الجمهورية حق الدعوة الى جلسات استثنائية بالاتفاق مع رئيس الحكومة.
تبدل في موقف <المستقبل>
وفيما بدا ان بعبدا لا تزال على موقفها حيال إعطاء الأولوية لتشكيل الحكومة الجديدة قبل الخوض في الدعوة الى <تعويم> الحكومة ولو لمرة واحدة، لاحظت الأوساط السياسية تبدلاً في مواقف نواب في تيار <المستقبل> كانوا متشددين في السابق حيال دعوة مجلس الوزراء لحكومة تصريف الأعمال، لكنهم باتوا يتحدثون عن ان المسألة تقع بين حدّين: الأول ضرورة إقرار الموازنة لجهة الانتظام المالي العام، والثاني يخشى أن يترك هذا الأمر انطباعاً سيئاً على غياب الحكومة وكأن الوضع بات طبيعياً. ويضيف هؤلاء ان موضوع إقرار الموازنة قد يكون <أكثر دقة> من <تشريع الضرورة> الذي اختبره مجلس النواب مراراً في زمن الفراغ الحكومي، إلا ان اقرار الموازنة قد يلاقي الاصلاحات، أو بالأحرى يفترض أن تلاقي الموازنة العامة الاصلاحات التي يفرضها مؤتمر <سيدر>. وأوحت مواقف هؤلاء النواب ان اقرار الموازنة يمكن أن يمر عند كتلة <المستقبل> ومن باب <الضرورة> أيضاً، على رغم ان لبنان تخطى المهل الدستورية في مسألة الموازنات وتجاوز المدة، بمعنى انه لو أقرّ الموازنة في شهر كانون الثاني (يناير) الجاري، فإنها ستكون موازنة متأخرة وسط التساؤلات المشروعة والمستمرة حول قطع الحساب خلال سنة 2018 التي مضت من دون أن ينفذ التعهد الذي كانت الحكومة التزمته خلال إقرار موازنتي 2017 و2018.
وسط هذا التبدل الجزئي في موقف تيار <المستقبل> ورئيسه، لا يزال المعترضون على عقد جلسة مجلس الوزراء يصرون على اعتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار هذه الخطوة غير دستورية وتحمل في طياتها مؤشرات غير مشجعة حول مسار تشكيل الحكومة الجديدة، معتبرين انه من غير الجائز أن تقرّ حكومة مستقيلة الموازنة العامة التي هي بند تشريع أول في سلم التشريع، متسائلين هل تلتزم الحكومة الجديدة ــ متى شُكلت ــ بموازنة وضعتها حكومة مستقيلة، في وقت يمكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن أن يكون للحكومة الجديدة تصور مختلف للوضع الاقتصادي والمالي في البلاد، إضافة الى وجود معالجات مختلفة أيضاً لعملية النهوض الاقتصادي التي يتطلع إليها عهد الرئيس عون ويؤيده في ذلك الكثير من القيادات السياسية.
<سابقة 1969>... ليست <سابقة>!
ويرى المعترضون ان المقاربة بين وضع حكومة الرئيس الشهيد رشيد كرامي في العام 1969 (حين أقرّ مجلس النواب الموازنة) لا يمكن مقارنته مع الظروف الراهنة للبلاد مع الاقرار بأن الوضع الاقتصادي سيء ولبنان مثقل بالديون ويرزح تحت أعباء اقتصادية ثقيلة. إلا ان هؤلاء يؤكدون ان الظروف الدستورية في العام 1969 تختلف عما هي عليه الآن، إذ تظهر محاضر مجلس النواب ان مجلس النواب عامذاك أقرّ موازنة أحيلت إليه قبل استقالة حكومة الرئيس الشهيد كرامي، أي انه عندما تمت الإحالة كانت الحكومة غير مستقيلة وأقرّ مشروع الموازنة في جلسة لمجلس الوزراء قبل أن يقدم الرئيس الشهيد استقالة حكومته وتدخل مرحلة تصريف الأعمال. أما المجلس النيابي فقد درس مشروع الموازنة وعندما أقرها كانت الحكومة مستقيلة، وبالتالي فإن الوضع يختلف راهناً لأن حكومة الرئيس الحريري مستقيلة حكماً بعد بدء ولاية مجلس النواب قبل أن تدرس مشروع موازنة 2019 لتحيله على مجلس النواب، ما يعني استطراداً ان حكومة الرئيس الحريري مدعوة الى درس الموازنة قبل احالتها، وهي في مرحلة تصريف الأعمال، على عكس ما كانت عليه حكومة الرئيس الشهيد كرامي. وتبيّن العودة الى محاضر مجلس النواب في تلك الحقبة ان الرئيس الراحل صبري حمادة ترأس أربع جلسات ما بين 18 شباط (فبراير) 1969 و24 منه ودرس مشروع قانون الموازنة، في حين ان الرئيس الشهيد كرامي قدم استقالته في 24 نيسان (ابريل)، لكن الرئيس الراحل شارل حلو أعاد تكليفه تأليف الحكومة لكنه <اعتكف> نتيجة الاشكالات التي حصلت بفعل الخلافات بين الجيش والمقاومة الفلسطينية آنذاك والتي استمرت حتى 3 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه إثر التوصل الى اتفاق القاهرة.
في أي حال، وبعيداً عما تورده محاضر مجلس النواب، وذاكرة بعض النواب السابقين الذين عايشوا تلك المرحلة، فإن ثمة مراجع سياسية تعتقد ان التبدل الجزئي الذي طرأ على موقف نواب <المستقبل> وكلام الرئيس الحريري عن ان <كل شيء وارد>، سيجعل كرة دعوة مجلس الوزراء في ظل حكومة تصريف الأعمال، في ملعب الرئيس عون الذي يمكنه أن يقبل عقد جلسة لمجلس الوزراء كما يمكنه أن يرفض ذلك، والذين التقوا رئيس الجمهورية في الأسبوعين الماضيين لاحظوا انه لم يبد أي حماسة لانعقاد مجلس الوزراء وكان يجيب سائليه ان الأولوية يجب أن تكون لتشكيل الحكومة الجديدة!