تفاصيل الخبر

تبايــن قـانونــي ودستــوري حــول إمـكانـيــة الـتـشريــع في ظــل حكومــة تصريف الأعمال وخـارج العقــد العــادي!

03/08/2018
تبايــن قـانونــي ودستــوري حــول إمـكانـيــة الـتـشريــع  في ظــل حكومــة تصريف الأعمال وخـارج العقــد العــادي!

تبايــن قـانونــي ودستــوري حــول إمـكانـيــة الـتـشريــع في ظــل حكومــة تصريف الأعمال وخـارج العقــد العــادي!

  

أثار انعقاد اللجان المشتركة في مجلس النواب بعد أقل من أسبوع على تشكيلها، وموافقتها على عدد من مشاريع واقتراحات القوانين تمهيداً لعرضها على الهيئة العامة، علامات استفهام حول إمكانية التشريع في ظل حكومة تصريف الاعمال، لاسيما بعدما ألمح رئيس مجلس النواب نبيه بري الى أن مشاريع واقتراحات القوانين التي تمت الموافقة عليها ستعرض على الهيئة العامة. وبرز في هذا الاتجاه رأيان: الأول يقول بجواز التشريع في ظل حكومة مستقيلة انطلاقاً من كون المجلس <سيّد نفسه>، والرأي الثاني يناقض الأول ويرى أصحابه أن لا تشريع قبل تشكيل الحكومة الجديدة ومثولها أمام مجلس النواب ونيل الثقة. ولأن معظم الخطوات التي تتخذها المؤسسات الدستورية، سواء رئاسة الجمهورية أو مجلس النواب أو الحكومة، تثير ردود فعل مختلفة، فإن النقاش انتقل من فعالية اللجان النيابية المشتركة وحماسة الأعضاء فيها والتي ميزت جلستها الأولى في ساحة النجمة، الى قانونية ودستورية التشريع فيما الحكومة تصرف الأعمال.

المدافعون عن حق المجلس في التشريع ينطلقون من آراء دستورية وقانونية ترى أن المجلس النيابي لا يجوز أن ينتظر تشكيل الحكومة ليقوم بدوره التشريعي طالما أن قيامه بالدور الرقابي معطل لغياب السلطة التنفيذية في الوقت الحاضر، لأن مبدأ فصل السلطات المكرّس دستورياً يمكن <سلطة> مجلس النواب من القيام بالمهام الموكولة اليها، وأهمها التشريع، لاسيما وأن أصحاب هذا الرأي ينطلقون في موقفهم من أن حضور الوزراء الجلسات النيابية ليس حتمياً أو اجبارياً ويمكن للوزراء أن يحضروا عندما يشاؤون. ويضيف هؤلاء أن البرلمان سلطة قائمة بذاتها وله الحق بالتالي أن يجتمع ويشرّع، على أن تبدي الحكومة بعد تشكيلها ملاحظاتها على القوانين الصادرة التي تبقى مشاريع قوانين الى أن يصدرها رئيس الجمهورية بالسلطات الثابتة التي يمنحه إياها الدستور. ويتساءل المدافعون: ماذا لو بقيت الحكومة العتيدة أشهراً عدة ولم تشكل، فهل من الجائز أن يخسر النواب من عمر مجلسهم وهم ينتظرون؟ ويضيفون بأن الواقع الراهن (عدم وجود حكومة جديدة) يشكّل سبباً إضافياً كي يعمل المجلس على الموافقة على ما لديه من مشاريع واقتراحات  قوانين، لأنه لا يجوز أن تتجمّد كل السلطات في انتظار حكومة قد تأتي وقد لا تأتي في مدى قريب. وفي هذا السياق يتحدث المنادون بالجلسة التشريعية أن فلسفة الدستور هي للعمل وليس للتعطيل، لكن ما قيمة أي تشريع تقره الهيئة العامة إذا لم يقترن بمراسيم تطبيقية التي تحتاج بدورها الى حكومة فاعلة؟ خصوصاً أن أهل القانون يعتبرون أن المراسيم التطبيقية هي تكملة لقوانين شرّعها مجلس النواب، أي انها تقع في سياسة تصريف الأعمال بحيث لا تخلق واقعاً جديداً او تحمّل المواطن أعباءً ضرائبية جديدة.

 

أين توازن السلطات

وتعاونها؟!

في المقابل، يبرّر الرافضون لفكرة التشريع في ظل تصريف الأعمال موقفهم بالقول إن أي قانون أو اقتراح قانـون توافـق عـليه اللجان المشتركـة أو بـدورها الهيئة العامة للمجلس، لا بد أن يرتب نفقات مالية أو اوضاع ادارية جديدة قد تتناقض مع أوضاع قائمة، وبالتالي فإن دور الحكومة أساسي في هذا السياق لجهة الاعتراض أو الموافقة، وهذا أمر لا يتم على نحو متأخر، بل لا بد أن يواكب عملية التصويت على مشروع القانون أو اقتراح القانون. واستطراداً فإن المجلس النيابي، وإن كان سيّد نفسه، فهو لا يمكنه أن <يصادر> مسؤولية السلطات التنفيذية - أي الحكومة - ودورها، من هنا وجب حضور الوزراء للاشتراك في المناقشة وتسجيل الملاحظات - إذا وجدت - وذلك سلباً أو ايجاباً. ويضيف هؤلاء إن مقدمة الدستور التي تحدثت عن <فصل السلطات> تحدثت ايضاً عن ضرورة تعاون هذه السلطات وتوازنها، فكيف يتم التعاون اذا كانت الحكومة غير موجودة؟ وكيف يكون التوازن بين مجلس يشرّع وحكومة لا تمارس صلاحياتها إلا في الحد الأدنى؟ كذلك فإن الأعراف البرلمانية قضت بأن يحضر الوزراء الجلسات ويجب الاستماع اليهم، فكيف لوزراء باتوا مستقيلين أن يبدوا آراء أو ملاحظات قد تتناقض ربما مع وجهات نظر من سيخلفهم في المواقع الوزارية المعنية بموجبات هذا القانون الذي أقر أو ذاك؟

وانطلاقاً مما تقدم تقول مصادر قانونية إن عمل اللجان النيابية المشتركة هو عمل تحضيري، ومتى عاود المجلس جلساته التشريعية في حضور الحكومة رئيساً وأعضاء، فإنه بالإمكان عقد جلسات تشريعية مكتملة الأوصاف لتأخذ مشاريع القوانين المتفق عليها طريقها الى التنفيذ. وثمة من قال ايضاً إن مجلس النواب هو حالياً في دورة استثنائية طالما أن الحكومة معتبرة مستقيلة، وهذه الدورة هدفها مواكبة تشكيل الحكومة العتيدة لمناقشة البيان الوزاري ومنح الثقة أو حجبها، ولا يمكن استطراداً توسيع اطار تفسير الدورة الاستثنائية لأن لا نص دستورياً يجيز انعقاد المجلس في ظل تصريف الأعمال، كما أن لا نص دستورياً يمنع ذلك في الوقت نفسه. من هنا كان النقاش حول شرعية انعقاد الجلسات التشريعية في ظل الحكومة المستقيلة أو عدمها، مادة جدلية قد لا تجد جواباً حاسماً لها وسط التجاذبات السياسية الحادة التي ترزح تحتها الحياة السياسية راهناً. أما نظرية <المجلس سيّد نفسه>، فإن مصادر قانونية تؤكد أن المجلس له استقلالية واضحة، وعندما يتحدث شركاء الحكم عن مندرجات الدستور يغيّب بعضهم قسراً، ان مسألة تصريف الاعمال محددة في <حدّها الأدنى>، وهي تنسحب على مجلس النواب في غياب الحكومة أي على الذراع التنفيذي للقرارات المجلسية، وعملاً بمبدأ التماثل - وهو مبدأ دستوري أيضاً - فإن مجلس النواب ملزم بانتظار تشكيل الحكومة ليصار الى عقد جلسات تشريعية بعد نيل ثقة المجلس، وإلا فإن السلطة التشريعية تكون قد <طغت> على السلطة التنفيذية ووضعتها أمام الأمر الواقع، وهو ما يناقض مبدأ فصل السلطات وتعاونها وتوازنها.

ومعلوم أن اللجان المشتركة وافقت في اجتماعها الاول بعد تشكيلها على قانون لإدارة النفايات الصلبة، على رغم الاصوات المعترضة التي صدرت عن نواب كتلة الكتائب والنائبة بولا يعقوبيان الذين رفضوا خيار اقامة معامل للتخلص من النفايات تعتمد مبدأ التفكك الحراري، على رغم الشروحات التي قدمت عن سلامة مثل هذه المعامل التي باتت متقدمة جداً في دول أوروبا. ومن شأن هذه الموافقة أن ترفع منسوب النقاش /حول صوابية خيار معامل التفكك الحراري في القرى والبلدات اللبنانية، في وقت تبدو الطرق والساحات اللبنانية مهدّدة بـ<اجتياح> النفايات لها كما حصل قبل سنة تقريباً!