تفاصيل الخبر

تأثير الدخان المتصاعد من حريق مرفأ بيروت على صحة الناس

16/09/2020
تأثير الدخان المتصاعد من حريق مرفأ بيروت على صحة الناس

تأثير الدخان المتصاعد من حريق مرفأ بيروت على صحة الناس

بقلم وردية بطرس

  [caption id="attachment_81157" align="alignleft" width="214"] الدكتور جورج جوفيليكيان: ستزداد نسبة الاصابة بالسرطان بعد انفجار مرفأ بيروت[/caption]

رئيس قسم الأمراض الصدرية والعناية المركزة في مستشفى الروم الدكتور جورج جوفيليكيان: ينتج عن احتراق المطاط وزيوت القلي في المرفأ مواد عدة تسبب الطفرات وتؤدي الى السرطانات على المدى الطويل

بعد شهر من وقوع إنفجار مرفأ بيروت اندلع حريق ضخم في العاشر من أيلول (سبتمبر) في مستودع لاطارات السيارات وزيوت للقلي في السوق الحرة في مرفأ بيروت، فغطى الدخان الأسود الكثيف مدينة بيروت وامتد الدخان الى بقية المناطق. تكمن خطورة تنشق الدخان المتصاعد جراء الحريق الذي وقع في المرفأ والذي يشير من لونه الأسود الى أن المواد الناجمة عنه مواد مسرطنة وهي مضرة جداً بالصحة.

الدكتور جوفيليكيان وأضرار احتراق الدواليب وزيوت القلي

فإلى أي مدى يشكل تنشق الدخان الأسود المتصاعد من حريق مرفأ بيروت على صحة الانسان تحديداً على الجهاز التنفسي؟ وهل تؤدي المواد الناجمة عن احتراق اطارات السيارات وزيوت القلي الى الاصابة بالسرطان؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها (الأفكار) على رئيس قسم الأمراض الصدرية والعناية المركزة في مستشفى الروم الدكتور جورج جوفيليكيان الذي سألناه بداية عن أضرار احتراق اطارات السيارات وزيوت القلي على صحة الناس فقال: - أولاً الجزيئات التي تنبعث من حريق الخشب مثلاً تختلف عن احتراق البلاستيك او الزيوت او البطارات وغيرها. ثانياً حجم الجزيئات، إذ إن الأمر مرتبط عما اذا كانت الجزيئات كبيرة لأنه حسب حجمها وحسب الرياح والتيارات تقدر ان تصل الى أماكن أكثر من غيرها. فكلما كان الحريق أقرب كلما كان احتمال وصول الجزيئات أكثر وبأحجام مختلفة. وكما شاهدنا في نشرات الأخبار فقد احترقت اطارات السيارات وزيوت القلي في مرفأ بيروت، فالزيوت والمطاط وحدهما يكفيان للتسبب بمشاكل صحية كبيرة أي على المستويات التي ذكرتها والتي لها علاقة بحجم الجزيئات، اذ عندما يحترق المطاط ينبعث منه كربون وثـاني أوكسـيـد الـكـربون CO2 و Carbon Monoxide (CO)، وهذه تؤثر على التنفس طبعاً وتسبب التسمم. وأيضاً ينبعث من المطاط جزيئات التي نراها اي الشحتار الأسود الموجود على البلاكين او شرفات المنازل فهذه الجزيئات تعطي هذا اللون. واذا قمنا بفحصها على الميكروسكوب يتبين لنا أن أحجامها تتراوح بين 2 ميكرومتر لغاية 10 ميكرومتر لأنه أكثر من ذلك لا تسقط ولا تطير ولكنها تقدر ان تصل الى مسافات وذلك حسب الرياح والتيارات الهوائية. ويتابع: - لقد قرأت مقالاً يفيد بأن التيارات الهوائية في اليوم الذي وقع فيه الحريق الثاني في مرفأ بيروت منذ بضعة أيام كانت جنوبية ووصلت الى مناطق غرب بيروت والى مدينة صيدا لأن الأمر متعلق بالرياح والجزيئات الصغيرة التي هي أقل من 2 ميكرومتر، وتبقى الجزيئات في الهواء لفترة أطول بكثير وذلك حسب الرياح اذ قد تبقى لأيام ولكن المشكلة ليست هنا بل اذا تنشقناها، لأنه عندما نتنشفها تدخل الى أعمق مكان في الرئة التي هي أكياس الهواء، اذا وصلت الجزيئات الى وحدات التنفس وكانت صغيرة تقدر ان تمر من وحدات التنفس الى الدم أي تمر بالشرايين وبذلك تدخل الجزيئات الى الجسم وتقدر ان تكون نوعاً من أنواع المعادن الثقيلة مثل الزئبق وقد تكون لها علاقة بمواد مسرطنة حسب ماذا احترق في مرفأ بيروت من مطاط وزيوت للقلي، وما ينتج عن حريق الاثنين معاً وذلك حسب حرارة الحريق خصوصاً اذا كانت الحرارة مرتفعة جداً حيث يتبخر وتنبعث منه مواد عدة تقدر ان تسبب طفرات على المدى الطويل وممكن أن تؤدي الى سرطانات. وعن المواد المسرطنة الناتجة عن احتراق المطاط يشرح الدكتور جوفيليكيان: - عندما يحترق المطاط الذي هو من مشتقات البترول والزيوت التي قد تكون من المشتقات او قد تكون نباتية

[caption id="attachment_81158" align="alignleft" width="383"] الدخان المتصاعد من انفجار المرفأ.. يزيد حالات الاصابة بالسرطان.[/caption]

وغيرها ولكن كلها عندما تحترق على درجات عالية ينتج عنها مواد ممكن أن تكون مسرطنة. وهناك ثاني أوكسيد النيتروجين فهذه أيضاً تسمم، وهناك ثاني أوكسيد الكبريت وهو ينتج أيضاً عن حريق هذه المواد، وعندما يحترق ثاني أوكسيد الكبريت عندما يتفاعل او ويندمج مع الماء او (اتش أو دو) يصبح (سيلفيريك أسيد) او حمض الكبريت، وعندما تمطر يسمونه (أسيد راين) أو أمطار حمضية يعني هذا أسيد يلحق الضرر بالحجر والبشر، ولكن الرياح ساعدت بأن يتبدد الدخان بسرعة أكثر لأن قوة الرياح كانت أقوى أكثر وبالتالي لا يبقى في مكان واحد لكي يؤذي أكثر، ولكن هذا لا يعني أنه ليس هناك خطر ولا يعني أن الناس الذين تعرضوا للدخان المتصاعد لم تظهر عليهم أعراض مزمنة ولكن الضرر كان أخف مما لو لم يكن هناك أي رياح كما حصل في ذلك اليوم.

من هم الأكثر عرضة للاصابة بالمشاكل عند تنشق دخان الحريق؟

* ومن هم الأكثر عرضة للاصابة بمشاكل عند تنشق الدخان المتصاعد من الحريق؟ - الأشخاص الأكثرعرضة للمشاكل الصحية هم الأشخاص الذين يعانون من الحساسية، وأيضاً الأشخاص المصابون بمشاكل في الرئة مثل الربو المزمن او الذين يدخنون وأصيبوا بانسداد رئوي مزمن او المصابون بالتحسس الموسمي. من الأمور التي لا يعرفها الناس ان الشخص المصاب بالربو او لديه حساسية مزمنة فاذا وجد في مكان فيه نسبة تلوث عالية يصبح الربو أشد وطأة عليه. بمعنى آخر ان الملوثات تؤذي وتزيد التحسس وتزيد من أعراضه وتبعاته أكثر بكثير من ألا توجد في المكان، وبالتالي الناس الذين لديهم مشاكل بالتحسس ولديهم مشاكل في التنفس تزيد مشاكلهم كثيراً عندما يتعرضون للدخان والسموم. اذاً هناك مشاكل على مستويات عدة: هناك مستوى يتعلق بالأشخاص الأصحاء ولا يعانون من شيء ولكنهم يتعرضون لكمية كبيرة وهذه لها علاقة بحجم الجزيئات مثل أي شيء يتنشقه وحسب كم يتنشق منه اذ ممكن ان يسبب له مشاكل على المدى القصير والطويل. والأشخاص الذين لديهم مشاكل في التنفس يكونون معرضين أكثر بكثير ومشاكلهم أكثر بكثير وتطول مدة المشكلة لديهم ولها تبعات أكثر. وهناك أشخاص لديهم استعداد للاصابة بمشاكل السرطان في المستقبل اذ عندما يتعرضون لذلك يزداد احتمال الاصابة بأمراض سرطانية على المدى الطويل.

* وهل الضرر نفسه عند الأشخاص المقيمين بالقرب من مرفأ بيروت او المناطق المجاورة عما اذا كانوا يقيمون بعيداً عن مدينة بيروت؟ - طبعاً الضرر ليس نفسه عند الحالتين، انما الضرر موجود ولكنه بنسبة أقل اذ لم يكن الشخص بالدائرة التي تعرضت للدخان المتصاعد. هناك أمران أساسيان يجب التنبه لهما: الأشخاص الذين لديهم تحسس هم ليسوا بحاجة لكميات كبيرة ولكن حتى الأشخاص الذين ليس لديهم تحسس عندما يتعرضون لكمية كبيرة سيشكل ذلك ازعاجاً كبيراً فتتعب أجسامهم. بالتالي الضرر ليس بالنسبة نفسها لدى الأشخاص الذين كانوا قريبين من انفجار مرفأ بيروت او بعيدين. هناك أمر يجب القاء الضوء عليه لأن ليس له علاقة بما حصل بحريق مرفأ بيروت مباشرة ولكن له علاقة أنه المبدأ نفسه. عندما بدأ وباء الكورونا وتم اغلاق البلد كان من التبعات المفيدة التي لم تكن مقصودة هي أنه أي شخص تصفح الـ"غوغل" ورأى صوراً عن لبنان وجد ان الغيمة الصفراء والحمراء التي كانت تغطي لبنان وخصوصاً في مدينة بيروت قد خفت كثيراً. وهذا الأمر له علاقة بعوادم السيارات بالدرجة الأولى. نحن في لبنان لدينا تلوث دائم ناتج عن عوادم السيارات لكن للأسف الآن أشعر أنه سيزيد لأن وضعنا الاقتصادي أصبح أصعب، والناس يقومون بتصليح سياراتهم بنسبة أقل ولا يقدرون ان يغيروها عند اللزوم ولهذا تصدر عن عوادم السيارات انبعاثات في الهواء والتي هي تقريباً الانبعاثات نفسها التي نتجت عن حريق المطاط أو حتى حريق الزيوت التي لها علاقة بحريق البنزين. وهنا نتحدث عن مشكلة، عن حريق بنزين وحريق زيت السيارات. للأسف لدينا في لبنان مشكلة لها علاقة بعوادم السيارات التي تصدر انبعاثات يومية ومتواصلة تقريباً وهي عبارة عن سموم بدرجات طبعاً أخف من الحريق الذي وقع في مرفأ بيروت ولكن بطريقة متواصلة، وعلى المدى الطويل يصبح الضرر منه كبيراً على صعيد التنفس، فالشخص الذي لديه مشكلة الحساسية او أمراض الربو المزمنة وحتى الأشخاص الذين ليس لديهم عوامل خطورة بالمستقبل معرضون للاصابة بأمراض سرطانية.

نسب التلوث العالية في لبنان وسرطان الرئة

* سبق أن صدرت تقارير طبية تفيد بأن نسبة تلوث الهواء في لبنان عالية خصوصاً في مدينة بيروت، فمع وقوع انفجار مرفأ بيروت وما تبعه من حرائق هل أصبح الخطر على الصحة أكبر وهل ستزداد نسبة الاصابة بسرطان الرئة بسبب تلوث الهواء؟ - طبعاً ستزداد نسبة الاصابة بالسرطان ولا ننسى أمراً مهماً هنا، فعندما حصل الحريق في مرفأ بيروت بعد مرور أربعين يوماً على انفجار المرفأ لم يتمكن الكثير من الناس الذين يقيمون بالقرب من المرفأ من تركيب زجاج النوافذ وغيرها بعدما تحطمت نتيجة الانفجار، حتى إنهم لا يقدرون ان يتحملوا تكاليف تركيبها لأن البيوت لا تزال مشرّعة وبالتالي تعرّضوا لكمية أكبر مما لو كان بامكانهم اغلاق نوافذهم وتشغيل المكيفات الهوائية لمنع دخول الدخان اليهم وتخفيف الضرر عليهم. يمكن القول إن الحريق في مرفأ بيروت هي اهانة جديدة للناس المتضررين من انفجار المرفأ من ناحية التعرّض لمخاطرها والتبعات الصحية.

مسؤولية كل فرد لحماية نفسه من الكورونا

* يردد الناس هذا القول (سنموت إما من الكورونا او من الانفجار) واليوم مع التلوث الناتج عن حرق الدواليب والزيوت في المرفأ هل نحن أمام مشكلة صحية كبيرة؟ - هذا صحيح ولكن هنا أحب ان أضع المسؤوليات بمكانها إذ إن انفجار مرفأ بيروت ولاحقاً الحريق هما من ضمن مسؤوليات ربما المسؤولين عن المرفأ على مدى سنوات ولا نعلم ما اذا كانت بسبب الاهمال او التواطؤ والتقصير الى ما هنالك، ولكن المواطن العادي الذي لا علاقة له بالمرفأ لا حول له ولا قوة. اما الكورونا فهي مسؤولية كل فرد في المجتمع ويمكن القول إن مستقبلنا مع الكورونا رهن بما نقوم به على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد الاجتماعي. للأسف لا يكترث الناس لهذه المشكلة خصوصاً عندما يرددون انهم سيموتون بأي حال من الأحوال سواءً بسبب الكورونا او الانفجارات وكل هذا الكلام أتفهّم خلفياته والاحباط واليأس الذي يشعر به الناس ولكن يجب ان يدركوا أن أي مصيبة لدينا في لبنان ستزداد أكثر مع الاصابة بالكورونا، وبالتالي مع ارتفاع الاصابة بفيروس كورونا المستجد ستزداد المشكلة وقريباً اذا أكملنا بهذه الطريقة لن يقدر الجهاز الطبي في لبنان أن يستقبل عدد المصابين بالكورونا الذين هم بحاجة للاستشفاء.

وعن أقسام معالجة مرضى الكورونا في مستشفى الروم يقول: - كما تعلمين قبل انفجار مرفأ بيروت الذي أدى الى خسائر كبيرة في مستشفى الروم كان لدينا قسم من أكبر الأقسام لمعالجة مرضى الكورونا في لبنان، بل كانت من الأفضل اذا لم تكن الأفضل، والسبب اننا كنا قد اتبعنا نظاماً فصلنا به الأماكن التي يوجد فيها حالات كورونا مثبتة تماماً عن الأماكن التي لا يوجد فيها مرضى الكورونا بشكل مؤكد. وهناك منطقة في الوسط التي هي حالات محيّرة أي غير مؤكدة، أما الذي تظهر نتيجة الفحص عنده سلبية فنرسله الى منطقة آمنة للجميع سواء للمرضى او الطاقم الطبي والتمريضي وللموظفين. وكنا نفتخر بهذا النظام الذي اتبعناه في المستشفى وبالتالي هذه الأقسام كانت ربما الأفضل في البلد ولكن للاسف تدمرت جراء انفجار مرفأ بيروت، ومنذ وقوع الانفجار اي منذ أربعين يوماً ليس لدينا الامكانية لاستقبال مرضى الكورونا في مستشفى الروم من اجل سلامتهم وسلامة الطاقم الطبي ونحاول ايجاد الحلول لهذه المشكلة، وإن شاء الله سنجد طريقة نستطيع من خلالها استقبال مرضى الكورونا مجدداً. محزن جداً ما حصل في مستشفى الروم التي هي من أكبر المستشفيات المهمة في لبنان التي تلقت ضربة شبه قاضية اذ ليس هناك مستشفى في لبنان تضرر بشكل كبير كما حصل في مستشفى الروم، وان يخرج مستشفى الروم عن الخدمة لمدة عشرين يوماً فذلك أمر لم يحصل على مدى 140 سنة اي منذ بناء المستشفى، ويمكنك ان تقدري مدى حجم الأضرار الحاصلة في هذا المستشفى، فمع كل ما حصل في البلد منذ بداية جائحة الكورونا ومع المشاكل الاقتصادية وغيرها نشكر الله أننا استطعنا ان نبدأ العمل في المستشفى والذي يزداد من أسبوع لآخر لكي نقدر ان نستقبل المرضى، اذ تقريباً هناك 25 مريضاً كلما فتحنا قسماً في المستشفى لنقدر ان نلبي حاجات مجتمعنا قدر المستطاع لأنها مسؤوليتنا تجاه مرضانا.

الوقاية من مخاطر حرائق المرفأ

* ماذا عن الوقاية من الدخان المتصاعد من حرائق المرفأ سواء اذا وجدنا بالقرب من الحريق ام في مناطق أبعد؟ - هناك كمامات تحمي من الجزيئات، فاذا كان الأشخاص في مناطق معرضة للحريق عليهم ان يبللوا الكمامة قليلاً لكي يلتصق الدخان عليها وبهذه الطريقة لا يتنشقون الدخان، واذا كان الشخص في البيت والحريق قريب من بيته عليه ان يبلل قطعة من القماش ويضعها تحت الباب لكي لا يمر الدخان عبره الى داخل البيت. وعليه ان يغلق الفجوات قدر المستطاع ليظل الهواء داخل المنزل نظيفاً، وهنا أشدد ان يقوم الناس بهذه الأمور قدر المستطاع لأنه لا نقدر ان نمنع الضرر مئة بالمئة ولكن علينا القيام بهذه الأمور للحد من مخاطرها.