تفاصيل الخبر

طاولة الحوار المستديرة في وادٍ، والشعب المتظاهر في وادٍ آخر. هل ينضم ممثلو الحراك الى الطاولة؟

18/09/2015
طاولة الحوار المستديرة في وادٍ، والشعب المتظاهر في وادٍ آخر. هل ينضم ممثلو الحراك الى الطاولة؟

طاولة الحوار المستديرة في وادٍ، والشعب المتظاهر في وادٍ آخر. هل ينضم ممثلو الحراك الى الطاولة؟

 

بقلم جورج بشير

tamam-salam-dubaii شعبية حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي في لبنان والعالم العربي ليست على ما يرام... وأما في العراق، فهذا يعود الى الشعب العراقي ولا دخل لنا في هذا الأمر. لكن القرار الذي أصدره رئيس الوزراء العراقي يوم الأربعاء الماضي بإقالة عدد لا يُستهان به من المدراء العامين ونواب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ووكلاء الوزارات، أو بإخضاع الكثيرين منهم للتحقيقات العدلية والقضائية بتهمة الفساد الذي نشروه في العراق ونشروا روائحه الكريهة في طول المدن والمحافظات العراقية وعرضها، هذا القرار الذي اتخذه رئيس الحكومة العراقية اعتُبر ضربة قاصمة وقاضية على آفة الفساد و<جماهير> السياسيين ومسؤولي الدولة الفاسدين والمفسدين، أولئك الذين رفع المتظاهرون في شوارع بغداد وسائر المدن العراقية الصوت عالياً - وهؤلاء يمثلون الشعب العراقي وصوته الصارخ -  للمطالبة بالاقتصاص من الفاسدين وإقصاء سماسرتهم المفسدين عن مراكز السلطة في الدولة وإخضاعهم للمحاكمة بعد إجراء التحقيقات القضائية معهم، والهدف من ذلك استرداد المال العام المنهوب الذي هو مال الشعب من جهة، ومن جهة ثانية إعطاء درس ولو لمرة واحدة لباقي المسؤولين والسياسيين وأرباب الإدارة ومسؤوليها في القطاع العام بأن عليهم أن يأخذوا العِبرة ويعرفوا بأن يوم الحساب آتٍ، وأن الجميع سيخضعون للمساءلة والمحاسبة يوماً...

طبعاً كانت لقرار الرئيس العراقي هذا ردود فعل إيجابية عبّر من خلالها الشعب العراقي وممثلوه عن ارتياحهم لأن مسؤولاً عراقياً في أعلى مراتب السلطة، مارس سلطته وتحمّل مسؤوليته، ودافع عن مصلحة الشعب وماله وحرمة المال العام... ويبقى على الرئيس العراقي بالنتيجة أن يوفي بالتزاماته ويلاحق هذا القرار على صعيد التنفيذ، كون تجار الهيكل الكثر في دولة كالدولة العراقية كما سماها الرئيس حيدر العبادي شخصياً، ملائكتهم <حاضرة ناضرة> ويمكن أن تكون متمتعة بالحصانة أو بالتأثير لتطويق وضرب مفاعيل قرار رئيس الحكومة العراقية بطريقة ما.

في أي حال، يمكن القول ان رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي سجل خطوة غير مسبوقة في عالم سرايات الحكم والحكومة في هذا الشرق العربي التعيس، لا بدّ أن تكون قد أحدثت تداعيات رادعة في صفوف السياسيين والمسؤولين الإداريين، لتوقف مسلسل الفساد والإفساد وتضع حداً له عبر هذه الخطوة تاريخية!

 

... وأما الفساد في لبنان؟!

 

روائح الفساد والفاسدين الكريهة انتشرت في مدن وقرى وشوارع لبنان بشكلٍ دفع بعشرات الآلاف، لا بل بمئات الآلاف من الشباب اللبناني، الى تجاوز انتماءاتهم السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية للنزول بأعداد غير مسبوقة الى هذه الشوارع لمناداة المسؤولين اللبنانيين والسياسيين ومسؤولي الدولة بأقذع العبارات والتسميات بعد أن ضاقت صدور هؤلاء اللبنانيين بروائح تلال النفايات المرمية بشكل عشوائي على يمين ويسار جميع طرق لبنان في مدنه وخاصة عاصمته، وبالتالي نشر  صورة قبيحة جداً عن لبنان في جميع دول العالم.

ولو أن ما حصل في لبنان، أقله على صعيد النفايات، حصل في أية دولة من دول العالم، لكانت الحكومة استقالت والوزراء المعنيون بالتقصير والإهمال والفساد أُحيلوا الى القضاء للتحقيق معهم، وكذلك المسؤولون الإداريون، إلا في لبنان، إذ ان مناقصة النفايات أُلغيت بصورة عشوائية ومن دون مبرر، كون بعض الذين شاركوا فيها وتقدموا إليها كانت الأسعار المقترحة فيها مع الشروط من جانبهم تضاهي أسعار وشروط <سوكلين>، ومع ذلك تم الإعلان عن إلغاء المناقصة ليُكشف النقاب بعد ذلك كله عن أن مشروع الحل الجديد المقترح من اللجنة الوزارية التي شكلها مجلس الوزراء برئاسة الوزير أكرم شهيّب، يقضي بإجراء مناقصة تلزيم للنفايات من دون منافسة، بل بطريقة الـ<BOT>، وهذا منافٍ لشروط المزاحمة ويفسح في المجال أمام الكثير من التساؤلات والتكهنات التي تثير الرأي العام وتشكل إحراجاً كبيراً للسلطة أي للحكومة، كما هو الحال الذي وصل إليه الحل المقترح من جانب اللجنة الوزارية برئاسة الوزير شهيب المعروف عنه الاستقامة نتيجة مواقفه السابقة من موضوع كسارات ضهر البيدر وتوابعها...

... وأما في لبنان، فإن أحداً لم يستقل أو تراوده لسوء الحظ فكرة الاستقالة، لأن القطار ماشٍ.. والتظاهرات الشعبية <قائمة قاعدة> في كل الاتجاهات مع الاحتجاجات التي لم تعد تشمل الحراك الشبابي فحسب، إنما هي شملت ومن دون تنسيق مسبق حزب التيار العوني الذي قاد تظاهرات مماثلة على صعيد الشارع فاجأت الدوائر الرسمية المسؤولة من حيث ضخامتها... وإذا ما اعتُبرت التظاهرتين الأولى أو الثانية على اختلاف الداعين الى كل منهما، فتُعتبران من دون شك قيمة مضافة إن دلت على شيء فإنما تدل على أن كيل الشعب اللبناني، كيل أطيافه قد طفح، ولا يمكن اعتبار جلسة الحوار التي انعقدت في الأسبوع الماضي والتي ستتكرر لاحقاً، مجرّد <تنفيسة> للاحتقان لدى الرأي العام الذي يتكوّن بفعل ملفات ضخمة من الفساد والإفساد والأزمات، وفي طليعتها الأزمة السياسية النابعة من أزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية وإصرار الفريق المسيحي على أن يكون الرئيس العتيد من بين المرشحين الأقوياء، فضلاً عن ضرورة سن قانون جديد للانتخابات النيابية وإجراء هذه الانتخابات لتفرز مجلساً نيابياً جديداً ينتخب هو الرئيس العتيد، ناهيك عن أزمة الدين العام العام (70 مليار دولار) وأزمات الكهرباء والمياه والسير والأقساط المدرسية واستخراج الغاز والنفط وتسويق هذه الطاقة لما فيه مصلحة البلاد والخزينة، كونها ذات مردود مقدر سلفاً بـ200 مليار الحواردولار أميركي على الأقل...

إن الأزمات المتراكمة، نابعة أصلاً من حال الفساد والإفساد التي أبطالها معروفون من كبار السياسيين والقادة السابقين واللاحقين وبعضهم بات يسميها بالشركة الخماسية الشهيرة في سوريا زمن الخمسينات.

هذا الكيل قد طفح مما جعل الرأي العام اللبناني يخبط خبط عشواء تارة بالتظاهر، وطوراً برفع المطالب واللافتات المستنكرة لهذا الوضع الذي وصل إليه لبنان، فيما الذين تحاوروا في ساحة النجمة تفصلهم عن شعبهم حيطان الأسلاك الشائكة، وفهم في غير محله وواقعه للمطالب الشعبية المرفوعة، بحيث ان الشعب الذي بات يشكو من البطانة السياسية وبعض البطانة الحاكمة بات في وادٍ، وفي وادٍ آخر أولئك الذين جلسوا حول الطاولة المستديرة بعضهم لا يسمع لأسباب صحية، والبعض الآخر لا يسلّم بأن الشعب بات يتطلع فعلاً الى حلول ثورية للأزمات التي تكويه وتؤلمه غير الحلول المطروحة لأزمة النفايات، ولا تلك المطروحة لفضائح الكسارات وتعويضاتها المفروضة بحكم من القضاء، ولا الى التمديد الفضائحي الذي جرى لعقد إيجار المناطق الحرة في مطار بيروت الدولي وأسماء أبطال هذا العقد باتت معروفة.

في الحقيقة، الشعب بات يطالب بالمشاركة في تقرير شؤون البلاد والعباد وبتغيير هذه الطريقة المليئة بالرتابة التي اتُبعت في تحديد عدد المشاركين في جلسات الحوار في مجلس النواب عن طريق دعوة ممثلين عن هذا الشعب، كون بعض أو أكثرية المختارين للجلوس على كراسي طاولة الحوار في برلمان ساحة النجمة، باتوا غير معتبرين أنهم يمثلون فعلاً شرائح الشعب اللبناني والمجتمع المدني... وهذه الحقيقة التي لم يسلّم بها الى اليوم الداعون الى هذا الحوار في ساحة النجمة، سيضطرون الى التسليم بها لاحقاً بفعل الضغوط الشعبية التي يمارسها أولئك الذين باتوا يمثلون جماهير الشوارع والذين لا يمكن وصفهم من أهل الحكم كما في الماضي بأنهم جميعهم من <الرعاع ومثيري الشغب>، بل ان أكثرية هؤلاء باتت في نظر الجميع تمثل شرائح كبيرة من مكوّنات الشعب اللبناني، وخاصة منها الشعب المثقف والواعي والمراهن على البقاء في لبنان وبناء مستقبله في وطنه الأم، وليس في ديار الغربة.

 

الرئيس تمام سلام، هل يقدم؟!

معروف عن الرئيس تمام سلام أنه بزّّ أيوب بصبره... لكن الصبر لا يمكن أن يكون العلاج الشافي للوضع الذي وصل إليه لبنان. فهذا الوضع بات يحتاج الى مسؤول يقدم على خطوات إنقاذية شبيهة إن لم تكن موازية لتلك الخطوات التي أقدم عليها رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي وخطوات مماثلة للخطوات التي اتخذها الرئيس العراقي وإن كانت بعيدة عن مزاج الرئيس تمام سلام، فإنها تظل العلاج الشافي للوضع الذي يعاني منه لبنان، خصوصاً وأن أسماء الذين يمكن أن تتضمنهم لائحة الفساد والفاسدين في لبنان معروفة ومحفوظة ومتداولة لدى الرأي العام، ومجرد سؤال المدعي العام المالي القاضي الكبير علي ابراهيم عن الموضوع، فإن خمسين بالمئة من هذه اللائحة يمكن أن تتوافر فوراً من دون عناء كبير لرئيس حكومة لبنان تمام سلام إن أراد أن يفعل ويخطو خطوة تاريخية شبيهة الى حدٍ ما بخطوة نظيره العراقي... فهل يفعل؟!