عضو كتلة التنمية والتحرير الوزير السابق ياسين جابر بكل شفافية:
التعطيل سمة تطبع الوضع السياسي اللبناني بدءاً من الفراغ الرئاسي المتمادي منذ 25 أيار/ مايو الماضي الى مجلس النواب العاجز عن تأمين النصاب سواء لانتخاب رئيس جديد أو للتشريع، لاسيما إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي يعتصم ويضرب لأجلها الأساتذة والمعلمون وموظفو الإدارات العامة ويهددون بعدم التصحيح بعدما تنازلوا ووافقوا على إجراء الامتحانات الرسمية بشرط تعليق التصحيح، الى مجلس الوزراء الذي لم يتفق أعضاؤه بعد على آلية ممارسة الصلاحيات في غياب الرئيس، ما يضع البلد على كف عفريت ويدخله في الفراغ الكلي. فماذا يقول المعنيون؟!
<الأفكار> استضافت في مكاتبها عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ياسين جابر وحاورته في هذا الخضم، خاصة وأنه ذو عقل اقتصادي ومالي وسبق أن تولى حقيبة وزارة الاقتصاد ويعرف دقة المرحلة الاقتصادية والمالية التي يعيشها لبنان.
وسألناه بداية:
ــ كبرلماني نسألك: هل صحيح ان عدم رقابة البرلمان على الحكومة يجعلها غير شرعية؟
- تعطيل المؤسسات الدستورية في هذه الظروف جريمة، سواء السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية، خاصة وأن البلاد تمر بأزمة والمنطقة كلها على برميل بارود، وحيث لا يجوز تعطيل أدوات الحكم في البلاد. وبالتالي نرتكب جريمة بحق اللبنانيين... وعلى كل حال، فالدستور أصبح وجهة نظر في هذه الأيام وموضع خلاف بين القوى السياسية. وبطبيعة الحال فالحكومة التي لا تخضع للرقابة تصبح فالتة لكنها أصلاً لا تعمل في ظل الخلاف حول الصلاحيات، وهذا موضوع شائك لا بد من حله.
ــ الفراغ الرئاسي المتمادي الى متى؟
- سبق وأشرنا الى احتمال التعطيل منذ أربعة أشهر، وبالتحديد عندما قمنا بجولة على الكتل النيابية بعدما كلفنا الرئيس نبيه بري بهذا الأمر، حيث بدأ المشهد أننا ذاهبون نحو التعطيل إذا لم يحصل خرق بين الكتلتين الرئيسيتين وهما: 8 و14 آذار، ولن تكون هناك إمكانية لانتخاب رئيس خاصة وأن الدستور ينص على الوفاق، بمعنى ان حضور جلسة الانتخاب يجب أن يحضرها ثلثا عدد أعضاء المجلس، وهذا ما لا يمكن أن تؤمنه أي كتلة منهما، وبالتالي فالخرق ضروري وقد جرت محاولات من قبل الجنرال ميشال عون ولم يصل الى نتيجة بعد، بعد محاولات انفتاحه على كل الأطراف، لاسيما تيار <المستقبل> مع علمه بأن الخلافات داخل الصف المسيحي لا تسمح بوحدة الموقف، وهذا ترجم في اجتماع بكركي للقادة الأربعة الكبار من الموارنة.
الأقطاب الأربعة وعدم التوافق
ــ كيف كان اجتماعكم كلجنة آنذاك مع كل من العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وأين المشكلة عند كل واحد منهما؟
- الخلاف واضح بينهما من خلال ترشيحهما وعدم القبول بالتنازل، والبطريرك بشارة الراعي عندما اجتمعنا معه اعترف صراحة بأنه لم يستطع توحيد موقفهما، ولم يحقق التوافق بين الأقطاب الأربعة على مرشح واحد يختارونه أو على الأقل على واحد من خارج إطارهم، بل احتفظ الوزير سليمان فرنجية بحقه في عدم تأمين النصاب، وعبّر عن موقفه آنذاك سواء أمام البطريرك الراعي أو أمامنا، وبالتالي نحن نستمر في حالة الجمود هذه حتى يصبح هناك قناعات مختلفة.
ــ هل ننتظر التوافق الداخلي أم ان كلمة السر الخارجية هي صاحبة اليد الطولى؟
- يستطيع الداخل في حالة الضياع الخارجي أو الانشغال الخارجي بالازمات السياسية والأمنية التي تصيبه، أن يمرر وينجز الاستحقاق الرئاسي دون تدخل خارجي او دون عرقلة إذا حصلت تنازلات وتم التوافق على شخصية معينة، لكن حتى الآن لا يبدو أن الأمور تنحو باتجاه إيجابي.
ــ يعني أننا ذاهبون الى التمديد مرة أخرى للمجلس النيابي طالما الاستحقاق الرئاسي مؤجل؟
- ليس بالضرورة، فالامر مرتبط بالظروف ولا رابط بين انتخاب الرئيس والانتخابات النيابية، حيث ان التمديد يلزمه أكثرية برلمانية، لكن إذا لم تتأمن هذه الأكثرية، فبالتأكيد لن يحصل التمديد، وستتم الانتخابات في الخريف المقبل، خاصة وان المواقف الظاهرة للكتل ترفض التمديد وتريد الانتخابات.
ــ لكن البعض يقترح إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية لاختيار رئيس مسيحي يمثل الشريحة المسيحية من خلال صندوقة الاقتراع، لطالما أن لا أكثرية الآن لأي طرف. أليس هذا الأمر وارداً؟
- لا أحد يعرف ما سيحصل لا سيما وأن التطورات تسير بشكل متسارع، وان هناك أجندة إقليمية كبيرة ومحادثات أميركية إيرانية تتقدم باستمرار، وبالتالي لا بد من النظر الى الصورة الأكبر، وما يحدث بين الإيرانيين ومجموعة الخمسة زائد واحداً، وبين الأميركيين والإيرانيين الذين يجلسون لأول مرة الى طاولة واحدة بدون شركاء، وهذه مسألة لا تحدث لو لم يؤسس لتوافقات مسبقة، لاسيما وان مفاوضات الكواليس شغّالة على مدار الساعة، وهذه المفاوضات تمهد لاتفاق لاسيما وأن المواقف تدل على إمكانية التوافق.
التوافق المفقود حتى الآن
ــ يعني ستجري الانتخابات؟
- كل شيء وارد، والانسان يشعر أن الأمور تأتي في النهاية كسلة واحدة، بمعنى يأتي التوافق الرئاسي والتوافق على قانون الانتخاب وعلى الانتخابات النيابية والتوافق على الحكومة التي ستأتي بعد الانتخابات.
ــ هل يتطلّب الأمر اتفاق دوحة جديداً؟
- نحن ندفع بالامور لكي يحصل مثل هذا الاتفاق، وبدءاً من استمرار مقاطعة المجلس والحكومة وتمادي الفراغ الرئاسي، ما يدل على تأزيم لا بد أن ينفرج عبر اتفاق ما، ولكن لا بد من انتظار التفاهمات الإقليمية حتى ينضج التوافق الإقليمي وينعكس إيجاباً على الداخل اللبناني لاسيما وان التفاهمات الاقليمية والدولية ستشمل المنطقة ولبنان من ضمنها.
ــ هل ما حدث في العراق يعجل بولادة هذا التفاهم لاسيما وأن <داعش> تهدّد الجميع؟
- أكيد.. فما يجري في العراق يهدّد الجميع ويشغلهم.. فمن يتصور أن يعيش تحت تأثير وتكفير <داعش>؟! فكل إنسان لا يتفق معهم فكرياً محكوم بالإعدام في عقيدتهم ولديهم منشار كهربائي يجز الرؤوس، وبالتالي فالعالم كله مشغول بما يحصل هناك، وأتصور أن هذا الأمر أكبر من فكرة <داعش>، بحيث يدخل آلاف المسلحين ويجتاحون المنطقة في ساعات دون مقاومة من الجيش العراقي. فالأكيد أن شيئاً ما حصل من الداخل لجهة الخيانة والتواطؤ من قبل عسكريين واحتضان شعبي لـ<داعش> ولغيرها. وفي تقديري أن من فعل ذلك سيندم مستقبلاً، بعدما ساهم في دخول فكر جاهلي الى المدن العراقية، تماماً كما حال السوريين الذين ندموا على مساندة الفئات المتطرفة، وكما ندم العالم كله نتيجة دعمه للمعارضة السورية.. فالغرب الذي فكر لفترة أن ما يحصل في سوريا قد يكون مفيداً له، يعيد النظر وهو نادم وخائف على مجتمعاته من ارتداد هذا الفكر الى الداخل الأوروبي والأميركي، بدليل ما حصل من تغطية إعلامية للانتحاري الإرهابي الأميركي الذي فجّر نفسه داخل سوريا، فهذه مخاوف تشمل العالم كله، وبالتأكيد لن تترك الأمور في المنطقة على غاربها لتحكمها <داعش> وأمثالها.
ــ يعني سنشهد تقارباً إيرانياً - أميركياً وأوروبياً قريباً؟
- أكيد، فمن يقرأ خطاب وزير الخارجية الأميركية <جون كيري>، يعرف ان أولوية الغرب تكمن في محاربة الإرهاب، وقد تحدث عن أن لبنان يجب أن يقوم بدوره في هذا المجال. واليوم الأجندة العالمية هي لمحاربة الإرهاب، والعراق سبق وحارب الإرهاب بدعم أميركي، وإذا شهدت هذه الحرب نكسة نتيجة تواطؤ الداخل لاسيما من قدامى البعثيين وبعض العسكريين، فإن هذه الحرب ستشتعل من جديد.
ــ هل هناك فورة سنية عراقية مثلاً؟
- لا.. فالشعب العراقي <معتر> ولا يريد الحرب الأهلية، وهو أسير المجموعات المتطرفة التي تتحكم في مناطقه وتأخذه رهينة، وليس صحيحاً أن شعب الموصل تواطأ، بل كان ضحية لمجموعات ناشطة من البعثيين والجماعات المتطرفة وبعض العسكريين الذين تعاونوا مع <داعش> وانقلبوا على الحكم المركزي.
ــ هل هناك خوف من الفتنة المذهبية طالما أن المشروع الاسرائيلي يغذي هذه الفتنة، ويريد تفتيت المنطقة مذهبياً وطائفياً واتنياً؟
- الأمر ليس جديداً وسبق أن حاولوا زرع الفتنة عندما فجروا مقام الإمامين في سامراء منذ سنوات، وبالتالي فالفتنة المذهبية شغّالة ولم تتوقف واتخذت أشكالاً وأدواراً وانتقلت من منطقة الى أخرى، لكنها لم تنجح حتى الآن بشكل كامل وشامل، ونحن في لبنان حسناً فعلنا عندما شكلنا الحكومة الحالية بعدما وصل التأزيم الى مرحلة متقدمة، فجاءت هذه الحكومة وساهمت في تنفيس الأجواء المحتقنة ومكّنت من مواجهة الإرهابيين. فنحن في المنطقة نحتاج الى تحالف المعتدلين والاعتدال بين كل الطوائف والمذاهب والاتنيات، لاسيما بين أولئك الذين يؤمنون بإمكانية العيش مع الآخر مهما كان دون تكفيره، بل التحاور للوصول الى قواسم مشتركة حول كل العناوين. ومن المفترض أن نكون في لبنان النموذج، وبالتالي المطلوب التخفيف من الدعوات المتشنجة وإراحة الأجواء لما فيه مصلحة كل الناس.
ــ وماذا عن المخطط التقسيمي للمنطقة؟
- لا أحد يستبعد شيئاً، والكلام عن التقسيم قائم دائماً، ولكن ليس بالضرورة أن ينجح، وسبق أن حكي الكثير عن التقسيم في لبنان ولم يحصل ذلك، ولا أعرف ما إذا كان الذي حصل في العراق سيؤدي الى فيدرالية، خاصة وان الإقليم الكردي قائم، لكن الأكيد أن هناك ديناميكية سريعة لا أحد يتصور ما سيحصل، لكن لا أتصور أن <داعش> ستوسع وستنشئ دولة ما في المنطقة، فهذا حلم، لأن الفكر التكفيري كالحية يلدغ كل من يقترب منه. وبالتالي لن ينجح هذا الفكر في استمالة الناس، لأنه فكر تكفيري تدميري لا يستطيع الاستمرار ولن يؤيده أحد، ولذلك سيتحالف الجميع ضد هذه الظاهرة وتعود الأمور الى طبيعتها في العراق، تماماً كما حصل في سوريا لجهة الإقبال على الانتخابات ورفض التطرف والإرهاب رغم الانتقاد الموجود ضد النظام، فـ<داعش> في النهاية ظاهرة جاهلية لا يمكن القبول بها، وأعادتنا الى عصر الجاهلية رغم ادعاء هذا التنظيم الإسلام، وهو أبعد ما يكون عن الإسلام في نظري، لأن الإسلام دين تسامح ورحمة وتواصل ولا يكفر الآخر ولا يلغيه.
الحوار مدخل لإقرار سلسلة الرتب
ــ سلسلة الرتب والرواتب هي الشغل الشاغل للناس وهيئة التنسيق تتهم النواب بشتى الصفات أقلها حيتان المال.. فهل السلسلة ستصرف في النهاية وما مدى تأثيرها على التضخم والخزينة العامة؟
- نحن ككتلة نيابية وقفنا الى جانب إعطاء الحقوق لأصحابها، ولكن حسب أرقام السلسلة والواردات التي اتفق عليها وهي 1350 مليار ليرة، وبالتالي لم تعد هناك مشكلة في المجلس حولها، ولكن الخلاف هو حول مسألة ما إذا كانت تكفي أم لا.. ونحن مع إعطاء الموظفين التصحيح اللازم لأجورهم، لكن دون أن يؤثر على معيشة بقية اللبنانيين، ومن خلال إطلاق حملة تضخم كبيرة ومن دون أن تؤثر على خزينة الدولة وتوقعها في المزيد من الإفلاس. والنقاش هو حول الواردات والمبلغ بشكل حقيقي لكي نصل في النهاية الى نتيجة.
كلام حاكم مصرف لبنان
ــ ألم يقل الرئيس بري ان انقلاباً حصل على ما اتفق عليه؟
- النقاش لم يعد مفيداً الآن، والانفاق حصل وانتهى الأمر، لكن يجب ألا ننسى انه تم نشر موازنة 2014 التي خلقت نقزة عند الأطراف، لاسيما وان العجز السنوي وصل فيها الى أكثر من 5 مليار ومئة مليون دولار، أي الدين سيرتفع الى 70 مليار دولار، ولذلك فالمفروض أن يحصل توافق على إعطاء الحقوق. وأعتقد أن التقسيط أمر حاصل خاصة وأن المدفوعات ستصرف فوراً والواردات ستجنى بعد سنة، ولا أحد يريد الوقوف في وجه الموظفين، وكلنا متفهمون لموجة الغلاء، لكن المثل الشعبي يقول: <على قد بساطك مد رجليك>، و<لا يكلف الله نفساً إلا وسعها>، ولهذا فالدولة هي دولة اللبنانيين وليست دولة العثمانيين أو الفرنسيين، وإذا قمنا بخطوة ناقصة تؤذي الدولة وكل اللبنانيين، بمن في ذلك المستفيدين من الزيادات.
وأضاف قائلاً:
- لذلك فالمطلوب هو المزيد من التفاهم والحوار والوصول الى حلول مشتركة على أساس التوازن بين النفقات والإيرادات، خاصة وأن وزير المالية علي حسن خليل عضو في كتلتنا، وهو معني بالسلسلة ولا نريد خلق أزمة مالية له، لكن النقاش في الموارد يلزمه استكمال ويتم بشكل لا يسبب أي تضخم وانقلاب في الأسعار، ولا يدخلنا في أزمة مالية. وأنا كنائب مضطر أن أستمع الى حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة، خاصة وأن اللجنة الفرعية التي يرئسها الزميل ابراهيم كنعان طرحت أرقاماً خيالية تصل الى 2750 مليار، وحصل نقاش بين النواب الذين لا يملكون خبرة مالية بأكثريتهم، وارتأينا أن نطلب من حاكم مصرف لبنان أن يقول كلمته، وفعلاً تحدث معنا في اللجان المشتركة وقال كلاماً جعل النواب يستوعبون الموضوع وأهميته. وأنا هنا أحمّل مسؤوليته للنقابيين الذين رفعوا السقف عالياً وبدأوا شتم النواب، فليس هكذا يتم طرح المطالب، بل لا بد من حوار بين كل الأطراف حول السبل التي تؤمن الأموال اللازمة لأننا في المبدأ جميعاً مع إعطاء الزيادات.
ــ هل الخطأ كان عندما أعطي القضاة والأساتذة الجامعيون زيادة 121 بالمئة دون غيرهم من باقي الموظفين؟
- النقابيون كانوا يريدون زيادة معاشات ولم يذهبوا للمطالبة بالسلسلة، لكن الحكومة الماضية للأسف الشديد حاولت الهروب من تصحيح الأجور عندما اعطي للقطاع الخاص وطالب القطاع العام بها، وكان يمكن آنذاك إعطاء زيادات تصل الى 700 أو 800 مليار ليرة، لكن الحكومة هربت من هذا الاستحقاق ووعدتهم بالسلسلة ودخلنا في المأزق. والآن هناك فرصة في إعادة الأمور الى نصابها، وبدأت العقلنة من خلال إجراء الامتحانات كما حصل، والخطاب الناري هدأ بعض الشيء ولا بد من الحوار والتواصل للتوافق على الموارد التي تؤمن نفقات السلسلة.
ــ وهل أنت مع زيادة الضريبة على القيمة المضافة؟
- لا خلاف على زيادتها، إنما الخلاف حول زيادتها بحيث يقول فريق اننا نريدها واحداً بالمئة على كل شيء، وفريق آخر يقول بزيادتها فقط على الكماليات، والنقاش هنا وليس حول المبدأ، ومشروع اللجنة الفرعية اعتمد زيادة على القيمة المضافة على الكماليات، لكن في الوقت ذاته وضع زيادة على الجمارك، ما يعني أن لا فارق هنا، وبالتالي لا بد من نقاش عملي، بعيداً عن المزايدات السياسية والشعبوية للوصول الى حل. فيجب أن تدار شؤون البلد بشكل عقلاني وعلمي ولا يجوز اللعب بأرزاقنا جميعاً وبمستقبل أجيالنا في الأمور المالية.