تفاصيل الخبر

تـعمّقـــوا فـي الـمـيـثـــــــاق

17/03/2016
تـعمّقـــوا فـي الـمـيـثـــــــاق

تـعمّقـــوا فـي الـمـيـثـــــــاق

 

بقلم سعيد غريب

SAM_5208

مما لا شك فيه أن الأوضاع في لبنان وقد وصلت الى ما وصلت إليه من انحلال وتحلّل، باتت تتطلّب أقصى درجات اليقظة والتنبّه والحكمة والتضحية وإنكار الذات وتجاوز الماضي، وإظهار الوطن كأننا كلنا له ليكون كله لنا. علماً أن الأوضاع التاريخية المعقّدة لا تستدعي عند نضوجها سوى جهد بسيط جداً لحلّها أو لتفجيرها.

وليست التطوّرات المتسارعة على الساحة السورية، وكان آخرها قرار روسيا سحب قواتها العسكرية من سوريا، سوى إشارة إضافية الى ما يُحاك للمنطقة من مشاريع أقل ما يُقال عنها أنها مجهولة أو غير واضحة.

إنها فرصة جديدة لنا لكي نحاول من جديد أن يكون لبنان بالفعل النموذج الإنساني الذي طالما عُرِف به وتغنّى به الإرشاد الرسولي.

فإما أن نُحسن الإفادة من اللحظة التاريخية التي تمرّ بها المنطقة، وإما أن نعلن إفلاسنا ونحكم على أنفسنا بالفشل وعدم أهليتنا للحياة.

إنها فرصة جديدة لنا لإبعاد كؤوس مرّة سيُلزمنا الكبار على تجرّعها، ولإطاحة حلول تراوح بين السيئ والأسوأ، بين الفيدرالية والتقسيم، وربما إزالة الكيان اللبناني من الوجود!

ويحضرنا هنا كلام للرئيس الراحل صائب سلام قاله في محاضرة له بعنوان <لبنان واحد لا لبنانان>!

<ليست الأوطان هدايا فتُمنح، ولا ضرائب فتُفرض، وإنما تنشئها في الأرض وترسخها وشائج وروابط وتقاليد ومصالح وآلام وآمال مشتركة. قوتها في اتحاد بنيها وإرادتهم وتصميمهم، وازدهارها ومجدها من نظام يرتاحون إليه ويتمكنون في ظله من تنمية شخصيتهم وإنشاء حياتهم. لم يكن كل ذلك ميسوراً لهذه البلاد قبل العام 1943.. فبفضل الميثاق الوطني كان الاستقلال الذي ننعم به اليوم.. فإذا اللبنانان لبنان واحد، صف واحد وقلب واحد، لا مسلم ولا مسيحي، ولا سلبي ولا إيجابي، وإذا التأييد يلقى تجاوباً في الأقطار العربية من القاهرة الى دمشق فبغداد فالرياض، أصوات كلها تنادي بتعزيز استقلال لبنان>.

إلى هذا، وبعد عقود على هذا الكلام، اهتزت العواصم والدول الآنفة الذكر، ويمكن القول إن أحد أسباب السقوط العربي من جهة والارتجاج من جهة أخرى، هو نتيجة عدم تعزيز استقلال لبنان.

ويقول في مكان آخر:

<وأما لبنان، فله كما يعرف الجميع ظروفه الخاصة. كنا دائماً واضحين في نظرتنا إليه، صريحين في الجهر بها، فهناك أسباب خاصة تجعلنا نتمسك بكيان لبنان واستقلاله تمسكاً تاماً، كما تجعل اخواننا في الأقطار العربية، منفردين أو مجتمعين، يقرون موقفنا السليم المنبثق من إرادتنا المجتمعة المتوافقة في لبنان، فيتمسكون هم أيضاً بهذا الكيان وهذا الاستقلال تمسكاً مخلصاً كريماً لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه>.

نعم، إن ما يحزّ في نفوس اللبنانيين اليوم، هو أن يروا لبنان يموت بعيداً من سمع بُناته وبصرهم، ويؤلمهم أن معجزة الإنقاذ قد لا تأتي على أيدي من ورثوا أو من تسنى لهم أن يتحكّموا بالبشر والحجر ويدمّروا ما لم تستطعه حرب استمرت خمس عشرة سنة، ويعملوا في سبيل محوه بعدما اعتبروا أن لبنان مجرد مرحلة..

لقد حلم شباب لبنان بدولة مدنية تليق بهم وتحترم حقوق الإنسان، وضاع حلمهم بإرادة من تبعوهم والتصقوا بهم في الرابع عشر من آذار عام 2005، بإرادة سياسيين بنوا أحلامهم هم الآخرون على أمجاد هؤلاء الشباب، أحلام للبقاء في السلطة وتكديس الثروات.

صحيح أن المذاهب والأحزاب أقدر على التأثير في الناس عموماً والشباب بصفة خاصة، ولكن الصحيح أيضاً أن هؤلاء الناس سيظلون يؤمنون بلبنان ويراهنون على الوقت الكفيل وحده بإعادة الأمور الى نصابها، وعودة الحق الى أصحابه، وإحالة من أساء الى لبنان على <مزبلة التاريخ>.

شباب لبنان شبعوا خداعاً وكذباً وخطابات <ديماغوجية> لم تعد صالحة في الالفية الثالثة.

شباب لبنان فضحوا كل شيء، وعرّوا المرتكبين، فضحوا المؤامرات والسمسرات والصفقات والسرقات، وسيقودون في وقت ليس ببعيد حملة إصلاح لا تشبه حملات من هذا النوع مورست قولاً لا فعلاً.

شباب لبنان في حاجة الى قيادة صالحة نظيفة نقية ذكية مثقفة تسير أمامه في سبيل عودة لبنان صالحاً نظيفاً نقياً ذكياً ومثقفاً.

لقــــد أصبح استمــــرار لبـــنان وإنقاذه من المحنة أهمّ من كل شيء، أكبر من أي اختــــلاف، وفـــــوق كل الأشخاص والشخصيات.

ولن يكون نوم بعد اليوم على أمجاد لبنان وإرثه الكبير، بل سيكون تعمّق أكثر في مضمون الميثاق الوطني، هذه <الصيغة الفذة> كما كانوا يسمونها والتي بفضلها صار للبنانيين وطن وانتماء وهوية وحرية وكرامة.

هذا الميثاق الذي جعلوا منه عقداً تجارياً بل شركة استثمار للمناصب والوظائف العامة والفساد، مطلوب التعمّق في مضمونه وجوهره ومحتواه.

<إن المسيحية والعالم المسيحي بغنى عن لبنان المسيحي، والإسلام والعالم الاسلامي بغنى عن لبنان المسلم>..