تفاصيل الخبر

تعديل منهجي التربية الوطنية والفلسفة والحضارات لبناء مواطن فاعل!

26/02/2016
تعديل منهجي التربية الوطنية والفلسفة  والحضارات لبناء مواطن فاعل!

تعديل منهجي التربية الوطنية والفلسفة والحضارات لبناء مواطن فاعل!

 

بقلم عبير انطون

Mr

ورشة كبيرة اطلقتها وزارة التربية عرّابها الوزير الياس ابي صعب، وذلك في مادتي التربية الوطنية والفلسفة والحضارات تحت مظلة <المواطنة الحاضنة للتنوع>، في سياق مشروع <الاستراتيجية الوطنية للتربية على المواطنة والعيش معاً> الذي اطلقته <مؤسسة أديان> بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي و<المركز التربوي للبحوث والانماء> في شراكة نموذجية ما بين القطاعين العام والخاص، وذلك بدعم من السفارة البريطانية في لبنان.

 المشروع المهم انطلق من نقطة بارزة جوهرها إعادة النظر بالتربية الوطنية بشكل خاص بوجه المخاطر التي تتهدد مجتمعنا، فالحاجة اليها اليوم اكثر من اي وقت مضى للتربية على المواطنة بشكل عصري تشاركي وفعال.

كيف انطلقت عجلة الورشة؟ متى تبصر النور عبر كتب متخصصة في المناهج اللبنانية؟ ما هي أبرز اهدافها، ومن يقوم بها ؟

 للاجابة عن هذه الاسئلة التقت <الافكار> كلاً من مدير المشروع في <المركز التربوي للبحوث والانماء> الاستاذ جوزيف يونس، ومنسقة المشروع في <مؤسسة أديان> فانيسا بريدي..

 

المخاطر وسبل المواجهة..

 مخاطر ثلاثة رئيسية تواجه العملية التربوية المرتبطة بمسألة المواطنة والفلسفة والحضارات يوجزها رئيس مؤسسة <أديان> البروفيسور فادي ضو كالآتي: التطرف والطائفية اللذان يضعفان وعي الفرد وقدرته على التفكير النقدي الحرّ وعلى بناء علاقات سليمة مع الآخرين من ناحية، بالإضافة الى اختلال علاقة المواطن بوطنه، وتراجع ثقته بقدرته على التغيير وثقته بالمستقبل من ناحية أخرى. ففي زمن يراهن فيه الجميع على المستوى الاقليمي والعالمي على دور التربية في تعزيز مناعة المجتمعات في مواجهة التحديات الراهنة، اصبحت هذه الخطوة ملحّة لتطوير المناهج التي وضعت في تسعينات القرن الماضي لتأتي موائمة لواقعنا الحاضر، وما اكثر المراهنين على التربية لتكون المنقذ الرئيسي من هذا الانزلاق الحاصل في منطقتنا نحو التطرف والعنف والتشنج المذهبي والطائفي، الأمر الذي يؤدي بالإضافة الى الصراعات المسلحة،الى ما يشبه تفكّك المجتمعات وتراجع ثقة الافراد بأوطانهم وبدورهم المواطني. ويشير ضو الى ان تطوير منهج التربية الوطنية والفلسفة والحضارات يهدف بشكل خاص الى التربية على العيش معاً في سياق المواطنة التي تحمل رسالة إخراج العيش المشترك من دائرة الشعار الى مساحة الحيّز العام، مساحة للتلاقي وحمل المسؤولية المشتركة بين جميع اللبنانيين. وهذه المبادرة تُعطي بصيص أمل للمواطنين وبخاصة للتربويين بحيث انها تؤكد على قدرة لبنان على التجدد والتطوير وحتى الإبداع، وبأن يكون نموذجاً يُحتذى به من قبل الدول الأخرى. وقد ألمح ضو بأن مفهوم المواطنة الحاضنة للتنوّع الثقافي والديني الذي تمّ تطويره في سياق هذا المشروع قد تبنّته اكثر من مؤسسة عربية، وهو اليوم يشكل مادة للحوار ضمن حملة لتجديد المناهج التربوية في العراق.

خبراء وأهل وتلامذة..

ولاجل الوقوف في وجه المخاطر المشار اليها عبر عملية تربوية مثمرة، تم تجنيد ثلاثين خبيراً تربوياً لإطلاق المرحلة التنفيذية لتطوير منهج مادتي التربية الوطنية والتنشئة المدنية والفلسفة والحضارات في الثالث عشر من شباط/ فبراير الجاري في سياق مشروع الاستراتيجية الوطنية للتربية على المواطنة والعيش معاً. الخبراء المشاركون بحسب ما يؤكد لـ<الافكار> مدير المشروع في <المركز التربوي> جوزيف يونس يتمتعون بخبرات عالية وهم من مختلف المناطق والمذاهب اللبنانية، خضعوا لاختبارات أمام لجنة مختصة وتمّ اختيارهم من بين المئات الذين ترشحوا للمشروع. هذا <الموزاييك> من الخبراء للمرحلة التنفيذية يشكلون خليطاً من المختصين في المدارس والجامعات الرسمية والخاصة ويعملون انطلاقاً من تعليمات وزير التربية على بناء منهج تفاعلي، ويُقصد به امران: تفاعلي اولاً مع التكنولوجيا التي لم يعد من بد لها في عصرنا ويستخدمها الطالب عبر اللوح التفاعلي <ACTIVE BOARD>، اما الأمر الثاني فيُقصد به بناء مواطن تفاعلي <ACTIVE CITIZEN> اي ان ينقل مهاراته وما تعلمه فيحوّله الى سلوك، وبذلك نخفض المستوى المعرفي النظري من خلال الحفظ والتلقين ونربط المناهج بواقع حياة الطالب المعاشة، فنضعه عبر المنهج الجديد، الذي لم يطور منذ العام 1997 علماً انه كان ممتازاً في حينه، أمام وضعيات لمسائل مختلفة مرتبطة بمجتمعه فيعمل على حلها، ولا يرمي دائماً بالمسؤولية على السياسيين اذ تقع عليه المسؤولية الاولى في معادلة بسيطة قوامها: <منهج فاعل = مواطن فاعل>.

ويزيد يونس:

- المنهاج القديم أكثر من رائع، الا انه وُضع حينما كان لبنان في فترة الحرب، واليوم بعد 19عاماً من المفترض تطوير المنهج مع الأخذ بعين الاعتبار كل ما طرأ على مجتمعنا اللبناني، خاصة وان إعادة النظر بالمناهج واجبة دورياً، أقله في غضون ثلاث الى خمس سنوات، ولم يقم <المركز التربوي> بذلك سابقاً لأسباب عديدة لا مجال لذكرها الآن حيث كانت الاوضاع برمتها غير مستقرة. أما ربط مسألة كتاب التاريخ وتوحيده، وهو لا يزال موضع جدل، بالتربية على المواطنة، فلا يرى يونس علاقة مباشرة بينهما، فيما يجزم من ناحية أخرى، ان وزير التربية يتابع خطوة التطوير التي تمّت المباشرة بها بشكل شبه يومي، خاصة وان ابا صعب أشار في آخر لقاءاته ان المواد هذه لم تعد مواداً تابعة بل مواد رئيسية في المدارس، وذلك ايماناً منه بأهميتها خاصة في وقتنا الراهن، فهي تحفّز على التفكير الناقد، وتعزّز العمل الفريقي وهذا ما ينقصنا فعلاً في لبنان، فضلاً عن ان مواطننا مؤمن بنفسه ويحلل بعيداً عن الافكار المسبقة والافكار النمطية.. كذلك يأخذ المنهاج الجديد تعزيز المساواة بين الجنسين فلا ترتبط مثلا صورة الممرضة في الكتاب بالانثى وعالم الفضاء بالرجل، وقس على ذلك..

صورة-2-الياس-ابي-صعب--1وعن عملية مشاركة الاهل والطلاب مع الخبراء لتطوير المنهج الجديد، ما يُعتبر خطوة متقدمة في هذا المجال، يشرح يونس:

 - يأتي المنهج الجديد من ضمن مشروع الاستراتيجية الوطنية للتربية على المواطنة والعيش معاً، وهو يقوم على دراسة ميدانية شملت التلامذة والمعلمين والاهل كشركاء أساسيين في عملية التربية على المواطنة، وقد أجاب عليها حوالى 19 ألف شخص من مختلف المناطق اللبنانية، حددوا المواضيع التي يضعونها في أولوياتهم وتلك التي لم تهمهم كثيراً أو التي صارت غير متلائمة مع مجتمعنا، مع ارتكاز على دراسات سابقة في هذا المجال، ودراسة مقارنة للمنهج اللبناني مع مناهج أخرى في فرنسا والولايات المتحدة وسويسرا والهند وايرلندا الشمالية التي تصب جميعها في الإطار المفاهيمي للتربية على المواطنة ومقاربتها على الواقع اللبناني وحاجاته، إضافة الى دراســـــات ميدانيـــــــة، تمّ وضعها كمرتكز بحثي بين ايدي الخبراء العاملين على المناهج حالياً. اما في جانب الفلسفة وتطويرها، فالهدف الاساس هو ربط المسائل الفلسفية للطالب بالواقع المعاش، وهذه المسألة جوهرية في بناء طالب يُعدّ ليكون مواطناً صالحاً وواعياً. فالفلسفة قوامها التحليل والمنطق، وانطلاقاً منها ينشأ المواطن القادر على التحليل المنطقي والاستنتاج السليم، ولا تكون الكتب ولا الامتحانات، كما هي اليوم، حفظا وتلقينا في معظمها.

دعم.. بريطاني!

 لن يبصر المنهج الجديد للتربية والفلسفة النور في كتب منجزة في وقت قريب، ذلك ان الموارد المالية غير مؤمنة، بحسب يونس الذي يشرح:

- لقد وعد وزير التربية الياس ابي صعب خيراً من <مؤتمر لندن> الذي شارك به كوزير للتربية، كما انه يقع من صلب مهمة التواصل مع المنظمات المختلفة لهذا الغرض. ولا يفوت يونس توجيه التحية في هذا الصدد الى السفير البريطاني السابق في لبنان <توم فلتشر> الذي كان يؤمن بالتربية ايماناً مطلقاً، وقد نقله بدوره الى الحكومة البريطانية.

 من جهتها اكدت رئيسة <المركز التربوي> الدكتورة ندى عويجان ان المركز شهد على اكثر من 500 مقابلة لاختيار اللجان لتطوير مناهج المواد كافة والتي ينطلق عملها في هذا الشهر، مؤكدة ان عمل <المركز التربوي> لا يقف عند تعديل المناهج بل يطمح الى تعديل الكتب أيضاً وصولاً الى الكتاب الرقمي حتى تكون التكنولوجيا في خدمة التعليم.

<أديان>.. للجميع!

 

مشروع التطوير الذي تنفذه وزارة التربية و<مركز البحوث والدراسات> يأتي بالشراكة مع <مؤسسة اديان> التي من عندها انطلقت الشرارة.

ورشة-لجان-تعديل-المناهج-1-44وتشرح منسقة المشروع فانيسا بريدي:

- تعمل <مؤسسة اديان> منذ أربع سنوات على تطوير التربية في ما يتعلق بالمواطنة والتنوع الثقافي والديني، وقد تمّ في هذا السياق وضع الشرعة الوطنية للتربية على العيش معاً، وتمّ توقيعها في 15 آذار/ مارس 2013 من القطاعين التربويين العام والخاص، وبمشاركة هيئات المجتمع المدني المعنيّة بالموضوع، وقد تمّ اطلاق المنهج الرديف للتربية على المواطنة الحاضنة للتنوع الديني الصادر في 14 نيسان/ ابريل 2014 بتعميم وزاري رقم 8/م/3151، وفي موازاة ذلك تعمل <مؤسسة أديان> مع المؤسسات الدينية الرسمية في لبنان على تطوير أدلة مشتركة للتربية الدينية على قيم المواطنة والحياة العامة. وها هي اليوم تخطو نحو مرحلة جديدة وحاسمة من هذا العمل على أمل ان تستتبع بالعمل على تطوير سائر المواد، وتهيئة الكادر التعليمي لتحقيق دوره الاساسي في إيصال هذه المفاهيم الجديدة الى الطلاب، وذلك <من اجل استثمار التنوع اللبناني ايجاباً، والمحافظة عليه، عبر بناء الفكر النقدي والمنطقي لدى الطالب بهدف خلق مواطن ناضج يميّز ويحاسب، ويعرف أن الآخر هو جزء من هويته>، الامر الذي يجعل من هذا المشروع <مدماكاً على طريق بناء لبنان الذي نتمناه>.

وتختم فانيسا قائلة:

- أذكّر بأن <مشروع التربية على المواطنة والعيش معاً> يأتي من ضمن مبادرات أخرى تعمل عليها المؤسسة بينها التربية على الصحة الانجابية او البيئية، او تلك المتعلقة بالسير وغيرها، الا ان لهذه المبادرة الرائدة أهميتها على الصعيدين التربوي والوطني، و<مؤسسة أديان> بصدد إطلاق دليل خدمة المجتمع الذي يميّز ما بين التربية على المواطنة وبين مشاريع خدمة المجتمع التي أُقرّت للمدارس والتي لا تعمل الكثير من الثانويات على تطبيقها بمعدل ستين ساعة على مدار السنة. اما التمويل من قبل السفارة البريطانية لمشروع التربية على المواطنة، فضرورته تكمن ليس في عقد المؤتمرات او تحضيرها، اذ لا يكمن الإنفاق الاكبر هنا، انما بالحاجة الى الخبرات المختلفة والقيام بالدراسات العديدة.

الخطوة النوعية والواجبة التي تؤسس لها وزارة التربية اليوم بالتعاون مع <مؤسسة اديان> و<مركز البحوث> قد تشكل ثورة حقيقية في بناء مواطن يقيّم ويستنتج بنفسه بعيداً عن الولاءات والزعامات والمحسوبيات. ففي التربية والقيمين عليها، الامل الاخير، علّها وبحسب ما تؤكده خبيرة التربية الوطنية وخدمة المجتمع وديعة خوري تؤسس لـ<تغيير جذري في سلوك المواطن، ليصبح مواطناً فاعلاً، عقب التمرّن على مواجهة المشاكل التي تواجهه بأفضل سلوك ممكن، وهو المواطنية التي نبحث عنها>..