تفاصيل الخبر

تعددت الأسباب والنتيجة واحدة: لا حكومة قريباً ومحاولات جدية للقبول بـ”إنعاش“ المستقيلة!

19/12/2019
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة: لا حكومة قريباً ومحاولات جدية للقبول بـ”إنعاش“ المستقيلة!

تعددت الأسباب والنتيجة واحدة: لا حكومة قريباً ومحاولات جدية للقبول بـ”إنعاش“ المستقيلة!

شهران وبضعة أيام مرت على بداية <ثورة 17 تشرين> ولا شيء يوحي بأنها ستنتهي على نتيجة فعلية تتحقق فيها شعارات رفعها <الثوار> باستثناء استقالة الحكومة وتعطيل جلسات مجلس النواب. أما الأضرار التي لحقت بالبلاد نتيجة الأيام الماضية فهي كثيرة ومتشعبة، لعل أقساها الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يطل مع العام الجديد ليجعل من أيامه، عذاباً على اللبنانيين الذين سوف يدفعون غالياً ثمن ما حصل على مختلف المستويات، وما الضائقة المالية التي يعيشها اللبنانيون اليوم إلا إحدى نتائج انكشاف الواقع الاقتصادي وتراجع الحضور المالي الذي طالما ميّز لبنان على مر السنين. إلا ان القطاع المصرفي الذي كان لأيام خلت رأسمال لبنان وسمعته الخارجية، لم يصمد كما كان متوقعاً وهو مهدد بالسقوط ما لم تتسارع الحلول لمحاولة انقاذه.

هذا الواقع المؤلم الذي يستقبل اللبنانيون السنة الجديدة في ظله لم يعجل في الحل السياسي الذي يبدأ بتشكيل حكومة جديدة يفترض أن تمسك بالملفات من جديد وتحمل معها أملاً ولو محدوداً بامكانية الخلاص، ولو تدريجياً، من المعاناة التي غرق بها الوطن من جنوبه الى شماله، مروراً بعاصمته وبقاعه وجبله... وكل المؤشرات تدل ان لا حكومة قريباً بصرف النظر عما إذا كان التكليف حصل أو لم يحصل ما يعني استطراداً ان تصريف الأعمال سيستمر حتى اشعار آخر، الأمر الذي دفع أحد كبار المسؤولين الى إثارة مسألة <انعاش> الحكومة المستقيلة والطلب الى أعضائها العودة من جديد الى وزاراتهم (وهم لم يهجروها أصلاً) وممارسة أعمالهم كما لو ان لا استقالة حصلت ولا من يستقيلون...

أما اسباب تعذر تشكيل الحكومة في وقت قريب فهي كثيرة حسب ما تقول مصادر سياسية مطلعة، تبدأ من الواقع المحلي لتصل الى الواقعين الاقليمي والدولي ما يعني عملياً استحالة الوصول الى تركيبة حكومية قادرة على الصمود في المرحلة الراهنة.

على الصعيد المحلي، تقول المصادر، إن الآراء منقسمة حول تركيبة الحكومة بين من يدعو الى حكومة من الوزراء التكنوقراط، ومن يدعو الى حكومة تكنوسياسية تؤمن غطاء للوزراء التكنوقراط، أو ما يصطلح على تسميته <وصاية> سياسية على الوزراء غير السياسيين. ويتوقع أن يستمر الخلاف حول طبيعة الحكومة العتيدة عبر تمسك كل طرف بموقفه غير آبه للتدهور الذي يحيط بالبلاد اقتصادياً ومالياً. وثمة من يرى أيضاً ان المطلوب عدم الاتفاق على صيغة محددة للحكومة لكي يتمكن كل طرف من أن يستمر في تعطيل الحل. فوزارة من تقنيين أو اختصاصيين كما طالب الرئيس سعد الحريري ومعه <القوات اللبنانية> وحزب الكتائب وآخرون لا يمكن أن تقف في وجه الأحزاب والكتل النيابية وهي لن تكون قادرة ــ استطراداً ــ على تمرير الاصلاحات التي تم الاتفاق عليها في الحكومة المستقيلة قبل أيام قليلة من استقالتها. كما ان الوزراء التكنوقراط لن يتمكنوا من اتخاذ أي تدبير اصلاحي أو مكافحة الفساد في ظل غياب الغطاء السياسي الذي يسهل في مثل هذه الحالات تطبيق الاجراءات أو عرقلتها.

خطة اقتصادية ومكافحة الفساد!

وتضيف المصادر بأن إقرار الخطة الاقتصادية التي أعدت بالتعاون مع مؤسسة <ماكينزي> سيكون صعباً على الوزراء التكنوقراط إذا لم يكن هناك وزراء من الأحزاب، مهما كان عددهم قليلاً، ليأخذوا بـ<صدورهم> ما دعت إليه الخطة من برامج وخيارات لعل أبرزها تحويل الاقتصاد اللبناني من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج، بما يعني ذلك من تبديل جذري في الخيارات الاقتصادية اللبنانية التي اعتمدت منذ الاستقلال. وفي هذا السياق تقول مصادر معنية ان الحكومة الأولى في العهد التي وضعت خطة <ماكينزي> بإشرافها لم تتمكن من تأمين اجماع عليها في الأوساط السياسية على رغم المحاولات التي بذلت على هذا الصعيد فانتقلت الخطة الى الحكومة الثانية في العهد التي لم تتمكن هي الأخرى، حتى في عزّ قوتها، من اقرارها، فتم ترحيلها للحكومة العتيدة، وكل ذلك يعني عملياً ان الغطاء السياسي الذي توافر في الحكومتين السابقتين لم يكن كافياً للاتفاق على صيغة جديدة للاقتصاد اللبناني، فكيف إذا كانت الحكومة خالية من اي وجود سياسي يعطيها مناعة للخوض في المسائل العالقة ومنها خطة <ماكينزي> التي كلفت الدولة مليوناً و300 ألف دولار أميركي فقط!

أما ملف مكافحة الفساد الذي فتح على مصراعيه، فإن الحكومة العتيدة إذا شُكلت من تكنوقراط فقط، لن تكون قادرة على المضي فيه لأن الحاجة الى الغطاء السياسي على هذا الصعيد، أساسية خصوصاً أن الفساد المستشري في ادارات الدولة ومؤسساتها، ناجم عن التغطية السياسية المتوفرة للفاسدين ورعاتهم الذين استباحوا كل شيء وضربوا المؤسسات والادارات وجعلوها <محميات> لهم. من هنا ــ تضيف المصادر ــ ان تلك المسألة هي من الأسباب الجوهرية لتعذر الاتفاق على صيغة حكومية موحدة لأن كل فريق سياسي غير راغب بالتخلي عن <المكتسبات> التي حققها والتي يصر على الاحتفاظ بها، وبالتالي فإن استمرار الوضع على ما هو عليه يساعد على تحقيق غاية هؤلاء وأطماعهم والمحافظة على هذه المكتسبات.

من يمثل الحراك؟

وفي تقدير المصادر نفسها ان لا اتفاق بين الأطراف اللبنانيين إلا على الحد الأدنى من القواسم المشتركة وقد ازدادت حدة التباعد في الآونة الأخيرة خصوصاً بعد بروز <الحراك الشعبي> الذي أوجد حالة خاصة غير مسبوقة في الحياة السياسية اللبنانية. حتى ان مشاركة هذا <الحراك> في الحكومة العتيدة له من يؤيده ومن يرفضه، ولكل من الفريقين الحجج المناسبة لتبرير موقفه والتمسك به. فثمة من يرى من الرافضين ان لا قيادة موحدة لهذا الحراك ليصار الى التفاهم مع أركانها، وقادته غير معروفين باستثناء أولئك الذين يطلون على الشاشات ووسائل الإعلام من دون أي اعتراف بقيادتهم من <الحراك> على الأرض، لا بل على العكس فإن ثمة من أنكر على هؤلاء الحق بالتكلم باسم <الثوار>! ولعل تجربة رئيس الجمهورية في هذا الإطار خير دليل لأن دعواته الى التحاور ظلت من دون صدى.

ثمة من يتحدث عن وجود سبب إضافي لتعذر تشكيل الحكومة الجديدة، وهو الخلافات التي نشأت بين الأطراف اللبنانيين في مقاربة مرحلة التكليف والتي امتدت أسابيع وشهدت تبديلاً في المواقف والتحالفات كان آخرها عدم دعم <القوات اللبنانية> للرئيس الحريري في حاجته الى تغطية مسيحية لتسميته رئيساً مكلفاً بعدما تخلى <التيار الوطني الحر> عن دعمه وانهارت <التسوية> التي استمرت ثلاث سنوات. إضافة الى خلافات حصلت بين أطراف سياسيين في مقاربة مسألة التكليف قبل الوصول الى التأليف ما ينذر برحلة طويلة من تصريف الأعمال والبقاء من دون حكومة... وبالتالي محاولة البعض <انعاش> الحكومة المستقيلة.

أسباب عربية واقليمية!

 

أما في الأسباب العربية والاقليمية، فثمة من يرى ان الملف اللبناني دخل في غياهب الخلافات العربية والاقليمية لاسيما بعد الذي يجري في العراق والحرب الأميركية على النفوذ الإيراني في دول المنطقة ومنها لبنان لأن هناك اعتقاداً بأن تشكيل حكومة يتمثل فيها حزب الله يعني عملياً انتصاراً للنفوذ الإيراني في لبنان، وهو ما تسعى الولايات المتحدة الى اسقاطه من خلال الحصارين المالي والسياسي على لبنان مع توقع المزيد من الاجراءات على هذا الصعيد بحق لبنانيين تباعاً. وفي هذا السياق ــ تشير المعلومات الى ان الضغط الأميركي كبير لعدم إشراك حزب الله في الحكومة العتيدة وان <نغمة> التكنوقراط هي لتحقيق هذه الغاية، وتمارس واشنطن شتى أنواع الضغوط لمنع الوصول الى نتيجة ايجابية في الشأن الحكومي لإبقاء حزب الله خارج التركيبة السياسية اللبنانية مع علم واشنطن ان هذا الأمر صعب التحقيق نظراً لوضع الحزب وقاعدته الشعبية الكبيرة داخل الطائفة الشيعية. والرسالة التي تريد واشنطن ايصالها الى المعنيين بأن لا حكومة جديدة بوجود ممثلين عن حزب الله فيها، ولا نهاية للأوضاع الاقتصادية والمالية قبل الوصول الى حل في موضوع الحزب وسلاحه. وعليه فإن الضغط سيستمر للحؤول دون تشكيل الحكومة بهدف الوصول الى مرحلة من السقوط حتى ينقلب اللبنانيون على الحزب ويورطونه في معارك داخلية. وهذا الأمر تعمل قيادة حزب الله على تجنبه وتفادي الفتنة الداخلية من خلال ضبط النفس وعدم الانجرار وراء محاولات ادخال الحزب في مواجهات في الشارع الداخلي. وثمة إشارات توحي بأن زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية السفير <دايفيد هيل> للبنان ابتداء من اليوم الجمعة 20 كانون الأول (ديسمبر) الجاري تصب في هذا الاتجاه، لاسيما وان إشارات عدة سبقت زيارة <هيل> تحمل ما يكفي من مؤشرات حول طبيعة هذه الزيارة غير المتوقعة لا في الزمان ولا في المكان.

هل يعني كل ما تقدم ان لا حكومة جديدة في الأفق؟

بكل أسف، تجيب المصادر، هذه هي الأسباب التي تجعل تشكيل الحكومة صعباً، سواء انتهت مرحلة التكليف وبدأت مرحلة التأليف... ما يعني ان على اللبنانيين أن ينتظروا <انفراجاً> في العلاقة الأميركية ــ الإيرانية تكون له انعكاسات ايجابية في سوريا والعراق... ولبنان!