تفاصيل الخبر

سيناريو حرب عالمية مصغّرة أم تنظيف الساحة السورية حتى يتفرّغ الجميع لمحاربة... الارهاب؟

18/02/2016
سيناريو حرب عالمية مصغّرة أم تنظيف الساحة السورية  حتى يتفرّغ الجميع لمحاربة... الارهاب؟

سيناريو حرب عالمية مصغّرة أم تنظيف الساحة السورية حتى يتفرّغ الجميع لمحاربة... الارهاب؟

 

بقلم خالد عوض

geagea-2 كل من يمارس من شبان مصر شهامة الموقف والدفاع عن الشرف يسمونه الجدع. وكل من يخوض معركة من أجل أهله أو بلدته أو وطنه يطلق عليه لقب الجدع. هذا التعبير يكاد يكون خاصاً بالمجتمع المصري ولكنه ينطبق اليوم لبنانياً على الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع، كل واحد لاعتبارات مختلفة عن الآخر.

الأول جاء إلى ذكرى إستشهاد والده وفسر تأييده للوزير سليمان فرنجية بأنه دفاع عن الحق والواجب الدستوري الذي يفرض على الجميع رفض الفراغ مهما كانت التنازلات المطلوبة لذلك. أما الثاني فيدافع عن الصوت المسيحي في الدستور الذي من المفروض أنه أقر المناصفة. وترشيحه العماد ميشال عون نابع من صلب قناعته بأن الشريك المسلم في البلد يجب أن يطبق ما قاله <الطائف> نصاً وروحاً ويقر بالخيار الأكثري المسيحي.

الاثنان يدافعان عن حق، الحريري عن الحق الدستوري وجعجع عن الحق الميثاقي. وكما يرفض الحريري الفراغ الدستوري في الرئاسة الأولى يرفض جعجع الفراغ المسيحي في السلطة السياسية. ولعل ما ينطبق على الاثنين اليوم هو العبارة الشهيرة التي اطلقها الرئيس المصري الراحل أنور السادات في مطار دمشق عام ١٩٧٧. فقبيل توجهه إلى إسرائيل عرج الرئيس المصري على الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ليشرح له مفهومه لعملية السلام ورفض الرئيس السوري يومها المسار الذي اقترحه السادات وعبر الأخير عن الاختلاف بالقول: <الرئيس الأسد وأنا متفقان على الاستراتيجية ومختلفان على التكتيك>.

 

<الطائف> هو المشكلة... وهو الحل

 

والاستراتيجية هنا هي <الطائف> بينما التكتيك هو في التفسير التطبيقي لمضمونه وتنفيذه خاصة أن المناصفة في الحكم اليوم يشوبها الكثير من الخلل. ولذلك يشعر فريق كبير من المسيحيين بالغبن تماماً كما كان يشعر فريق كبير عند المسلمين قبل سنة ١٩٧٥. من هنا يعتبر حزب الله أن ملء الفراغ بأي طريقة لن يحل المشكلة السياسية في البلد لأن المطلوب بحث أعمق في الدستور وآليات تطبيقه. وتمسكه بالعماد عون يعبر عن رفضه الاستمرار بـ<الطائف> كما هو. فمع تسليمه بأنه من الصعب الاتفاق في هذه المرحلة على دستور جديد إلا أنه يرى ضرورة التفاهم حول <طائف ٢> يحمل بعض ما جاء به مؤتمر الدوحة عام ٢٠٠٨ مثل مفهوم الثلث المعطل وغيرها من الأمور التي تضمن للحزب الغطاء الداخلي الكامل وحصة مهمة في القرار السياسي، الداخلي والخارجي. ولذلك تبدو جلسة ٢ آذار (مارس) المقبلة جلسة جديدة من جلسات تكريس الفراغ لأن المشكلة ليست مع إسم المرشحين لرئاسة الجمهورية، أكانوا من ١٤ آذار أو ٨ آذار أو الوسطيين، بل هي مع الشكل الدستوري للسلطة.

جلسات الحوار تنتج الرئيس

كيري-لافروفوليس جلسات الانتخاب

لذلك، من المجحف إعتبار جلسات الحوار الحالية جلسات فولكلورية. فإذا توفرت النية الحقيقية عند الجميع يمكن أن تصبح طاولة الحوار المخرج الحقيقي من الأزمة والطريق الأسرع إلى ملء الفراغ الرئاسي. يكفي الاتفاق على بعض البنود التي لم يلحظها <الطائف> وتفسير البعض الآخر بطريقة توافقية وتفعيل جوهر المناصفة عن طريق إعطاء صلاحيات إضافية إلى رئيس الجمهورية حتى نصبح أقرب بكثير إلى إنتخاب الرئيس مما يحصل حالياً، أي من تسجيل حضور عقيم في جلسات الانتخاب التي يدعو إليها الرئيس نبيه بري. ويجب الاعتراف أن مجرد وجود طاولة الحوار اليوم يعني أنه هناك خللاً ما في <الطائف> يجب التحدث عنه بصراحة وتصحيحه. فحتى لو افترضنا أننا نجحنا في إنتخاب الرئيس ألن نبقي على طاولة الحوار كوسيلة احتياطية لدرأ الفتنة؟ وهل يقبل الرئيس المقبل أن يدار البلد بالتوازي بين مؤسسات <الطائف> وشبه مؤسسات خارجة عن <الطائف>؟ الحلول لكل ذلك يمكن إستنباطها من خلال طاولة الحوار التي من المفروض ألا تستمر بعد إنتخاب رئيس للجمهورية وانتظام المؤسسات. كل هذا يفترض أن النيات الوطنية صادقة عند الجميع. ومع الأسف حتى النيات لا تبدو اليوم كافية. فالكلمة الفصل في المسار الانتخابي تتنقل بين اليمن وسوريا، وهي اليوم أقرب إلى مدينة اعزاز على الحدود التركية من ساحة النجمة في بيروت.

 

<حلب>... التوقعات والخيبات

فحتى يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض في معركة حلب وإذا ما كان الروس سيحكمون الحصار عليها من خلال سد المنفذ الأخير لها مع تركيا بالاستيلاء على <أعزاز>، تبقى المنطقة كلها في الثلاجة الدولية. فسقوط <أعزاز> لن يحصل إلا بموافقة أميركية، وهذا معناه أن النفوذ التركي في سوريا لا مستقبل له. أما بقاء <أعزاز> في حضن المعارضة السورية وبالتالي الحضن التركي يعني أن الأميركيين يريدون تصعيب مهمة الروس في سوريا ويحرصون على إبقاء الدور التركي فيها... حتى إشعار آخر. ولكن حتى سقوط <أعزاز> لا يعني بالضرورة سقوط حلب حتى لو سهل ذلك المهمة كثيراً. فالتعزيزات والمؤن في المدينة تكفي شهوراً طويلة ولذلك من الصعب أن يؤدي حصار حلب إلى اسقاطها بسرعة. وهذا يعقد مسألة الرهان على أن الحل في لبنان سيأتي من حلب في أول الصيف كما يروّج المتفائلون بالحسم العسكري الروسي، لأنه في الحروب من الصعب أن تأتي النتائج مثل التوقعات بل الأرجح أن تتخللها الخيبات.

 

وحده الفكر الارهابي

 يكسب من معارك حلب

ومعركة حلب هي معركة إنهاء المعارضة السورية المعتدلة أو ما تبقى منها. وإذا كانت نتيجتها العسكرية في يد الروس والإيرانيين حتى الآن إلا أن مفاعيلها ستكون في مصلحة <داعش> لأن ما تبقى من معارضة سيرى في التنظيم الارهابي الخلاص الوحيد أمامه للإنتقام، خاصة أن مهاجمي حلب هم في معظمهم غير سوريين ومرتبطون إما بحزب الله اللبناني أو بـ<لواء بدر> و<حزب الله النجباء> العراقيين. ولذلك فالرابح الأول من معارك شمال سوريا التي لا تزال الولايات المتحدة تتعامل معها بغض الطرف هو <داعش> وليس النظام السوري كما يعتقد البعض. فمهما كانت نتيجة معركة حلب، التنظيم يتحول إلى مغناطيس للشباب السني، بل الأسوأ من هذا كله أنه بدأ يكسب تعاطفاً كبيراً لدى مجموعة متعاظمة من النازحين في تركيا والأردن ولبنان مما يحول مخيمات هؤلاء في المرحلة المقبلة إلى قنابل موقوتة.

مناورات-رعد-الشمال-1 

مصير الأسد قبل محاربة الارهاب

وعندما تدق ساعة محاربة التنظيم التي لا غنى للعالم كله فيها عن التحالف الاسلامي بقيادة السعودية سيكون البند الأول الذي سيطلب العرب من العالم تنفيذه هو إقصاء الرئيس السوري بشار الأسد. تريدون محاربة الارهاب إذن أزيحوا الحجة التي يستخدمها الارهابيون لتجييش الشباب، وإلا فالمعركة ستكون طويلة وخاسرة معنوياً مهما كانت الانتصارات العسكرية على الأرض. وليس هناك دولة عربية أو اسلامية مستعدة أن تتحمل غضب الشارع السني إذا بدأت الحرب ضد <داعش> والأسد لا زال موجوداً.

لا يبدو من التطورات العسكرية ولا من المسار السياسي البطيء جداً أن الحل في سوريا قريب. هل هذا يعني بالضرورة أن يستمر لبنان من دون رئيس؟ الجواب لن يكون في البرلمان ومن اللعبة الديمقراطية بل من على طاولة الحوار والتوافق على صورة جديدة لـ<الطائف> تناسب القرن الواحد والعشرين وتحصن لبنان من ويلات ما يدور حوله.