تفاصيل الخبر

سيدات «سوق الطيب » يرسلن أطايب لبنان الى الخارج واحدى المناسبات لذلك كان عرس نور عصام فارس في فرنسا!  

14/08/2015
سيدات «سوق الطيب » يرسلن أطايب لبنان الى الخارج  واحدى المناسبات لذلك كان عرس نور عصام فارس في فرنسا!   

سيدات «سوق الطيب » يرسلن أطايب لبنان الى الخارج واحدى المناسبات لذلك كان عرس نور عصام فارس في فرنسا!  

بقلم عبير انطون

GeorginaBayahZainabKashmar هن سفيرات اللقمة اللبنانية الشهية في لبنان وخارجه. سيدات <سوق الطيب> يحملن جنى الطبيعة اللبنانية ويجلن بها في مطابخ العالم يعرفن عن منتوجاتنا، عن مأكولاتنا التراثية، وقد وصلن حتى بالفلافل والتبولة ومناقيش الكشك والزعتر الى اليابان وفرنسا وقريباً بلجيكا. من زغرتا، والاقليم، والبقاع والجنوب، من ارض لبنان الخصبة الغنية بالفواكه والخضار يجتمعن كل نهار سبت في <سوق الطيب> مع زملاء وزميلات لهن يقدمن للبنانيين خيرات طبيعتنا على سجيتها دون أدوية ولا كيماويات. وقد يرتفع السعر الا ان ذلك كله يهون أمام الصحة والعافية.

فما هو <سوق الطيب>؟ من أسس الفكرة الناجحة حتى بدأت تجوب العالم كله؟ لماذا أصبح قبلة اللبنانيين الميسورين في الخارج يطلبون اطايبه في الافراح والليالي الملاح؟ وما الذي حملته سيدات <الطاولة> الى عرس نور عصام فارس في فرنسا وقد أصرت العروس شخصياً على طلبهن لسهرات العرس الاسطوري؟

في لقاء <الافكار> مع عينة من سيدات ثلاث حضرن العرس الفرنسي وحضّرن اطايبه اللبنانية كانت كل التفاصيل..

 قرّب عالطيّب!

في العام 2004، أسس كمال مزوق الذي عمل رئيس طهاة ومقدماً لبرنامج تلفزيوني <سوق الطيب>. كان الهدف دعم صغار المزارعين في المناطق كافة وإنعاش طقوس المطبخ اللبناني وخصائصه ومأكولاته التقليدية التي تصل جميعها من المزارع او المنتج الى المستهلك مباشرة دون وسيط. بحسب مزوّق، <بات مطبخ كل بلد هوية المواطن أينما يحل في الاغتراب>. خضار، فواكه، زيتون، عسل، أجبان، خبز الصاج، مناقيش، فاصوليا حمانية، عكوب، مورقة (نوع من الحلويات)، دبس العنب والرمان والخرنوب وماء الزهر والورد وجميع مكونات المونة البيتية على أصولها موجودة هنا، في <سوق الطيب> الذي يفتح ذراعيه كل سبت الى زواره عند محلّة الصيفي <فيلادج> في وسط بيروت.

 ولـ<سوق الطيب> طاولة تسمى <طاولة سوق الطيب> وهو مطعم يحمل هذا الاسم نسبة لما يقدمه من مأكولات تشمل الاطباق التي تشتهر بها المناطق اللبنانية المختلفة ويمكن لـ <الطاولة> ان تتنزه بين المناطق والاقضية فتحط في هذه البلدة او تلك وتسمى الطاولة باسمها في احتفالات متنقلة. هذا الاسبوع هي <طاولة عميق> في منطقة البقاع تدعو الجميع الى المشاركة والجلوس اليها في جو ودي حميم.

 الى الطعام الصحي يذهب <سوق الطيب> الى ما هو أبعد، الى روابط توثق اللبنانيين بعضهم ببعض حتى انه ساهم في مد يد العون الى سيدات فلسطينيات وعراقيات ومؤخراً الى لاجئات سوريات لتحسين مستواهن المعيشي ولإخراجهن من الضغط النفسي الذي يعانينه، فيشعرن بأنهن منتجات، وذلك بدعم من مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع <كاريتاس> لمساعدة اللاجئات عبر تحضيرهن اطباقاً نموذجية تقليدية سورية تحت عنوان <أطايب زمان> مثل <اللحمة بالكرز> من حلب و<كويسات الخضار> و<كبة البيت> من الحسكة و<كباب الباذنجان> من ادلب و<كبة الراهب> من جسر الشغور و<المحمرية> من دير الزور إلخ. كذلك فإن لـ<سوق الطيب> برنامجاً مدرسياً موجهاً للأطفال لزيادة وعيهم بأهمية الاكل الصحي وعادات الطهو السليمة وتراث مطبخنا اللبناني، فضلاً عن برنامج دولي لتبادل خبرات المزارعين عبر بعثات بين الدول. ولم ينسَ <سوق الطيب> العمل على مشروع يطلق عليه اسم <بيت لبنان>، فضلاً عن دليل طهو للأطفال باللغة العربية ودليل آخر عن كل المأكولات اللبنانية ومراكز انطلاقتها. اما الأبرز، فيبقى RimaMassoudترسيخ السوق للقيم البيئية وهي أشد ما نحتاجه اليوم في لبنان، اذ يشجع <الطيب> السيدات على استخدام الاكياس والادوات القابلة جميعها للتدوير.

لساني طيب..

 

السيدة زينب قشمر ناشطة جداً في <سوق الطيب>. ابنة منطقة <الحلوسية> في قضاء صور هي ربة عائلة تتألف من صبيين وبنت. بفخر تعلن عن عمرها: <ما بستحيش قول عمري>، تقول لنا بلهجتها الجنوبية المحببة اذ ما من أحد يصدق بأنني <بنت خمسين>. تعرفت زينب الى <سوق الطيب> من خلال <تعاونية الحلوسية> التي نجحت في انتزاع عرض لمنتجاتها المميزة طوال شهر كامل في <سوق الطيب> بعد المسابقة التي فازت بها التعاونية وذلك في العام 2008. <كان هناك تجمع تعاونيات لـ<دبل> وعين ابل و<الحلوسية> وغيرها تضم منتجين من مختلف الطوائف،  نساء ورجالاً دون اية تفرقة. رحنا نعرض منتجاتنا جميعاً في <سوق الطيب>، وكانوا كلما أرادوا التسويق لمنتج لإحدى تعاونياتنا يوكلون إليّ بالمهمة. اكتسبت خبرتي بنفسي. فأنا <لساني طيب مثل أكلي> وأتحدى - أنا التي تركت المدرسة في الصف الثالث متوسط - كل من يحمل إجازة في التسويق من أكبر الجامعات ان يوازيني شطارة. وبابتسامة عريضة تزيد زينب: <رحت مرة اسوق لرب البندورة الحلو، اي كالمربى الذي يدخله سكر، وهو فعلاً منتج طيب. لما كنت اقول للزبائن في السوق: <تذوقوا مربى البندورة> كانوا يعرضون عنه للتو! فكرت بأن لا أذكر اسمه فأقول لهم: تذوقوا هذا المنتج الجديد واعطوني رأيكم فكانوا يتذوقونه ويستزيدون، كما انني حتى أشجع عليه اخترعت جائزة انه مقابل كل مرطبان هناك واحد ببلاش لأفضل متذوق، فبعت الكثير ولم يربح الجائزة سوى واحد.. وتضحك زينب من قلبها: <أنا أعشق ما أقوم به، أحب العمل والإنتاج وتأمين مدخول جيد يوفره لنا السوق مشكوراً وربما يكون شغفي بهذا العمل تعويضاً عن الدراسة التي كنت أتمنى لو أكملتها>.

تتميز <الحلوسية> بزيتونها الذي تعرضه في <سوق الطيب> على مختلف انواعه وبمذاقاته كافة حاراً وحلواً ومطحوناً ومرصوصاً ومجرّحاً وفيه الجوز إلخ، كما تتميز بأطباق أخرى لم تكن زينب تتقنها كلها الا انها ولما طلب منها الشيف كمال المشاركة ايضاً في <مطعم الطاولة> للأطباق التراثية راحت تزور كبار السن من جيرانها في الضيعة وفي الضيع المجاورة للنبطية ومرجعيون وتقف عند أقدم المأكولات التراثية وأكثر ما تفضله زينب فيها يبقى طبق <الفراكة> حيث يمتاز اللحم النيئ بأطيب البهارات.

 شاركت زينب في أعراس ومناسبات كثيرة خارج لبنان منها الاحتفال الكبير الذي أقيم في منطقة <مارسيليا> الفرنسية حيث طبخت حوالى 40 كيلو من الفريك باللحمة والخضار لأكثر من ستمئة شخص وعاونتها سيدة من الرميلة على الصاج والمناقيش، كما ساهمت مؤخراً في إعداد الطعام اللبناني لزفاف نور عصام فارس من الكسندر خوام حيث كان عملها في <المسخن> وهو عبارة عن خلطة الدجاج مع البصل والسماق في الخبز المرقوق. <تهافت علي الحاضرون وكنا نسخن على الصاج الخاص نقدمها طازجة بعد ان كنا  قد حضرناها مسبقاً وكل من تذوقها عشق طعمها>..

 الى فرنسا التي تعود زينب إليها في ايلول/ سبتمبر المقبل لتقديم احد صفوف الطبخ اللبنانية في باريس، كذلك فقد سبق وسافرت الى الدانمارك للمشاركة اللبنانية ايضاً في المأكولات..<متذوقو مطبخنا اللبناني التراثي لا يقتصرون بأي حال على اللبنانيين المقيمين في الخارج، الاجانب ايضاً يحبونه>. وتبتسم زينب حين تتذكر كيف انها أطعمت هؤلاء الاجانب الفراكة وهو اللحمة النيئة مع الخلطة المناسبة والتي يحجم عن أكلها نيئة عادة اي اوروبي. وبين الاكلات التي تختص بها زينب من أيامنا الغابرة نراها تستعيد اليوم الملفوف بالشومر والبرغل باللوبية وكبة الحيلة بالصلصات المختلفة والتي تطلب على نطاق واسع..

 سعادتو والفلافل..

صورة-الشيف-كمال-مزوق 

من جهتها، تشارك السيدة جورجينا البايع في <سوق الطيب> من بلدة كفردلاقوس في قضاء زغرتا، وهي ام لثلاثة شبان. كانت البايع تسمع بـ<سوق الطيب> عند لحام المحلة بعد ان كانت قد أسست مطبخها المحترف الخاص في منطقتها تقدم فيه المأكولات اللبنانية التراثية بحسب الطلب في مطعم خصصته لذلك ولا تزال. اتصلت البايع بالسيدة جيهان شهلا المسؤولة عن النوعية وطلبت منها ان تتذوق مأكولاتها مع الشيف كمال. وبدأت المشوار معهما في <مطعم الطاولة> ايضاً مركزة بشكل كبير على الأكلات النباتية فضلاً عن الاطباق التي تشتهر بها منطقة زغرتا والكبة تحديداً وهي تقدمها في 12 نوعاً مختلفاً.

في <سوق الطيب>، وجدت جورجينا المتعة بالتعرف الى أشخاص باتوا أصدقاء. تعلمت الطبخ من والدتها وجدتها التي لا تنسى مذاق اللوبية بقدرة الفخار من بين يديها كما ان حماتها في البيت كانت شاطرة ايضاً. تعتقد جورجينا ان أكثر المناطق اللبنانية غنى في الاطباق التراثية هي منطقتها اي زغرتا.

 خارج لبنان، سافرت جورجينا الى فرنسا في اليوم الوطني الفرنسي في باريس حيث أعدت التبولة والمتبلات الشهية، وهي لا تنسى تجربتها في الدانمارك في مطعم الـ<نوما> العالمي،  كما انها تعتز بمشاركتها في مؤتمر حول الطبخ في العام 2013 عن الجرأة والتحدي في المأكولات، فأعدت اكلة <الفوارغ> اللبنانية أمام 600 شيف من حول العالم..  وللمفارقة فإنها اكتشفت ان هناك ضيعة صغيرة في ايطاليا تعدها بطريقتنا اللبنانية عينها. اما في العرس الفاخر لابنة النائب السابق عصام فارس فإنها أعدت الفلافل على مدى ثلاث ساعات وقد أحبها المدعوون جداً حتى ان أحد كبار السياسيين تناولها بشهية ويبقى الاسم ضمن السرية التامة. فالسرية مطلوبة في عمل سيدات <سوق الطيب> اللواتي يدعين الى اكبر الاعراس والمناسبات داخل لبنان وخارجه، وها هن اليوم يتحضرن لحدثين كبيرين في بروكسل عاصمة بلجيكا..

تحاول جورجينا ان تجدد الاطباق اللبنانية من خلال مواد لبنانية حصراً، فمنذ مدة وجيزة استبدلت مع <الشيف> كمال حشوة كبة اللقطين التقليدية بالسبانخ والحمص بطاجن الحمص وكانت مميزة. اما حول المكونات اللبنانية التي لا تجدها أثناء سفرها فيأتي السماق في اول اللائحة. وعن تجاوب الجيل الجديد مع الاطباق التراثية تؤكد جورجينا ان سوق الطيب ساهم فعلياً في ذلك لأنه يعيد الناس الى الاكل الصحي بحسب قولها، شاكرة القيمين عليه على إيمانهم بها هي وزميلات لها.

 

مقر ثابت..

صورة-2-كمال-مزوق

السيدة ريما مسعود تنتمي الى جمعية <حماية الثروة الحرجية> في منطقة الرميلة بالقرب من نبع الصفا.

 شاركت في برنامج <مؤسسة رينيه معوض لتنمية قدرات المرأة اللبنانية>، وكانت مسعود بين سبع نسوة في الضيعة انتمين الى البرنامج في دورات تدريبية في الاقتصاد والتسويق والانتاج والمونة وعبرهن تعرفت الى <سوق الطيب>. وتشرح مسعود لـ<الافكار> عملها:

- أنا أخبز منذ زمن ولم ادخل لعائلتي يوماً الخبز الجاهز، فطلبوا مني النزول مع <صاجي> الى السوق. كان الأمر صعباً علي في البداية ولم أكن اقوَ على الخبز أمام الناس. تجرأت ونزلت ووجدت المحبة من الجميع ما جعلني أكمل على الرغم من الصعوبات. وعن رأيها في استمرار هذا التراث في الخبز وإعداد المناقيش او المأكولات التراثية وتوريثها الى الجيل الجديد تقول مسعود: أشعر بأننا الى انقراض. احياناً أشعر بالتعب وأنا في السوق فأفتش عمن يمكن ان يحل مكاني ولا أجد من يعرف. كانت اختي تعينني الا انها مضطرة للمكوث مع والدي المسن في البيت. انا الآن مع زميلاتي منذ 11 عاماً في السوق، نقدم منتجات المواسم حتى في مناقيشنا من بقلة وزعتر وجبنة وكشك في الصيف ونضيف اليها القرص عنة والـ<شبيك> والهندباء البرية في الشتاء، فنحرص على تقديم الخضار الى الزبون في مواسمها ونهتم ايضاً بمزروعاتنا في حدائقنا وبساتيننا، فنبيعها بدون ادوية ولا كيماويات وبات اهتمامنا بالزراعة العضوية اساسياً خاصة انها باتت مطلوبة أكثر من الزبائن.

إضافة الى <سوق الطيب>، تعمل ريما ايضاً في مطعم <الطاولة> منذ العام 2007. هي ايضاً لا تنسى رحلتها الى اليابان مع سيدة أخرى لإعداد المناقيش اللبنانية حيث لقيت رواجاً كبيراً والأمر سيان في الكويت التي زارتها ريما للغرض عينه. ريما التي تعلمت الخبز على يدي والدتها وجدتها بشكل خاص من قبلها تؤكد ان الخبز والطعام بشكل اساس هو <نَفَس>. الجميع يعجن بالمواد عينها الا ان النتيجة لم تكن يوماً الا لصالها في ضيعتها والجوار..

تفتخر ريما بانتمائها الى <سوق الطيب> ومطعم <الطاولة> الذي حلّ في المرتبة الثامنة على صعيد العالم في أطيب ما يمكن ان يقدم. الجميل برأيها ان هذه الطاولة تجمع مختلف الطوائف والاطياف وتسودها الجذور الواحدة واذا كانت المنافسة بين السيدات على الاكلة الأطيب، فإنها تكون بمحبة متناهية، وتبقى الاسرار الصغيرة للمهنة مطلوبة. طبقها المفضل شخصياً هو الهريسة من بين الاطباق التقليدية وتحب ايضاً الكبة بلبن والعكوب وهذا صعب جداً في تجميعه من الاحراش وتنقيته وتنظيفه وقليلون من الناس يعرفونه. اما زبائن السوق، فإنهم يقصدونها من مختلف المناطق الا ان غالبيتهم تأتي من بيروت ومناطق جبيل وهم بشكل عام أبناء الطبقة الميسورة، ذلك ان الإنتاج العضوي مكلف وسعره مرتفع نوعاً ما. أما لو قدر لريما طلب تتقدم به فهو التفات الدولة لـ<سوق الطيب> وإيجاد مكان دائم مخصص له على غرار ما رأته في الخارج، الدانمارك مثلاً، فيكون السوق مسقوفاً ومكيفاً يقيهم ومنتجاتهم حر الصيف وصقيع الشتاء، كما انها تتمنى لو يكون السوق ليومين في الأسبوع بدل اليوم الواحد. فلقاء الأحبة في السوق من أروع ما يكون!