تفاصيل الخبر

صـيــــدا غـرســـــة نـضـالـيـــــة وعـمــــــران سيـاحــــــي!

07/03/2019
صـيــــدا غـرســـــة نـضـالـيـــــة وعـمــــــران سيـاحــــــي!

صـيــــدا غـرســـــة نـضـالـيـــــة وعـمــــــران سيـاحــــــي!

بقلم وليد عوض

 

وفي الذكرى الرابعة والأربعين لاستشهاد معروف سعد في 6 آذار/ مارس من العام 1975 التي كانت شرارة الحرب الأهلية، تبقى مدينة صيدا ثالث مدينة نضالية في لبنان، فمنها انطلقت جموع الزاحفين على الأرض المحتلة ليفسحوا طريقاً لدخول قوات المجاهدين في المستعمرات الاسرائيلية وغمار التجمعات الاسرائيلية المقاتلة للعرب، وكانت جحافل المهاجرين من صيدا برئاسة المجاهد معروف سعد ومعه الزعيم الطرابلسي فوزي القاوقجي وقد توصل الاثنان الى استرجاع بلدة المالكية، وكان في متناولهما أن يحررا بلدة ثانية لولا أن انسحبت منهما الأسلحة الضرورية للمعركة.

وصيدا كما هي موئل للزعيم الشعبي معروف سعد كذلك هي المعقل الكبير للنائب الراحل الدكتور نزيه البزري الذي كان يسمى طبيب الشعب ومعه ولده الدكتور عبد الرحمن البزري. كذلك اشتهرت بأنها مدينة بطل الاستقلال رياض الصلح الذي انطلقت منه مبادئه الإصلاحية العربية وجاء بها الى بيروت دون أن يغيب عنها أي ذكر لنضالها الطويل.

والمثل الأعلى لنضال أهالي صيدا تمثل في المواجهة الكبيرة التي خاضوها ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي دون أن تغمض عين في صيدا عمّا يجري فيها وحولها، وقد اضطرت عائلات بالجملة الى ترك منازلها يوم الاجتياح الاسرائيلي والمبيت فوق تراب الشاطئ دون أن تفرق هذه العائلات بين حبة رمل في البيت وحبة رمل في الشارع فأصبحت الحبتان ثنائياً حجرياً للبيت الصيداوي.

وعلى مرّ الأيام حافظت صيدا على أصالتها النضالية فأعطت مقعدها النيابي مرة للنائب نزيه البزري ثم لمعروف سعد ومن بعده لابنه مصطفى وبعده ابنه اسامة سعد، جامعة بين الكفاح العائلي والكفاح الشعبي ومنهما تكوّن النضال الوطني في المدينة.

وكان في إمكان الرئيس فؤاد السنيورة أن يخوض معركة الانتخابات الماضية ويحافظ على المقعد الى جانب شريكته النائب السيدة بهية الحريري، ولكن الرجل  ترك لعقله أن يزن الأمور بالميزان النضالي فأدرك أن قانون الانتخاب الجديد يفسح في المجال لنائب من خارج الإطار التقليدي وأدرك أن الجموع الشعبية تناصر أسامة سعد، ورأى أن عدم خوضه المعركة أفضل بكثير من اقتحامها حتى لو اجتمعت معه كل القوى الإدارية والمالية.

وكان القرار حكيماً من الدرجة الأولى. فقد فاز أسامة معروف سعد بالمقعد الثاني ليمثل جموع الشعب المكافح بعربات النقل وواجهات الخضار والفاكهة وبيع الأقمشة وصيد الأسماك لبناء صيدا جديدة. وقد عرفت صيدا هجمات غريبة منها مشروع احتكار صيد السمك على طول الساحل اللبناني الذي جاء به الرئيس كميل شمعون الى صيدا باسم <بروتيين> وتسبب هذا المشروع في مصادرة الرزق لمدينة صيدا. وكان طبيعياً أن تنشب تظاهرات واشتباكات بالأيدي بين جماعات معروف سعد وجماعات الدولة اللبنانية!

 

الآن ما هو وضع صيدا؟!

صيدا وفية بلا تحفظ للرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أعطاها كل إمكانات الانتعاش والرقي كما هي وفية كل الوفاء للمجاهد معروف سعد. ومن الوفاء للمجهادين تمارس حالتها النضالية وترعى شؤونها الحياتية.

ولقد كان لافتاً عدم امتثال أسامة  سعد لنداء اللقاء التشاوري المؤلف من النواب: جهاد الصمد وفيصل كرامي والوليد سكرية وقاسم هاشم وعدنان طرابلسي وعبد الرحيم مراد للمشاركة في اللقاء وحجته في ذلك أن التكتلات تحتاج الى مبادئ خلاقة وركائز نضالية متقدمة وأن الانفراد عن هذه التكتلات يفسح للنائب بأن يتواصل مع الجميع. وقد ثبت أن الرجل على حق، بحيث يستطيع أن يمد يده الى عكار مثلما يستطيع أن يمد يده الى البقاع الغربي والى طرابلس والى بيروت والى الضنية.

وقد أحسن عضو اللقاء التشاوري الوزير حسن عبد الرحيم مراد عندما أوثق الصلة مع كل من الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري. كذلك أحسن العلاقة بالمحافظين وكانت كلمته عند المحافظ أشبه بالمرسوم، ويستطيع حسن عبد الرحيم مراد أن يغوص في مشاكل البقاع الغربي والبقاع الشمالي وعكار وباقي المناطق استنهاضاً للمشاريع التي يمكن أن تزدهر بها المناطق النائية،  كذلك يستطيع أن يتابع مشاريع رمال صيدا ومياهها كما يتابع المشاريع العائدة الى الأطراف.

وسوف يأتي عصر على صيدا تسترد فيه زمان الأمير فخر الدين المعني الذي اهتم بالقلعة الشهيرة في العاصمة الثالثة.

وبقدر ما تتوظف المشاريع العمرانية العائدة الى مدينة صيدا بقدر ما تنتشر المشاريع المائية والاقتصادية.

ومع الأيام لن تكون صيدا بعيدة عن بيروت، فكل ما يظهر على الخريطة بين بيروت وصيدا يدل على أن المدينتين تتعانقان وأن الزمان الآتي سيجعل منهما مدينة واحدة باسم صيدا.

 

صيدا وبيروت وطرابلس!

 

في مخطط اللقاء التشاوري أن لا تكون عكار بعيدة عن طرابلس خصوصاً بمعمل الكهرباء وأن لا تكون كهرباء صيدا بعيدة عن كهرباء قاديشا بمعنى أن تتوحد المصالح المشتركة فلا تكون ضيعة هنا وقرية هناك.

وتملك طرابلس جبلاً ترابياً هو جبل تربل الغني بالتراب، وتراب هذا الجبل يستطيع أن يبني مدينة بكاملها.

وفي عودة الى صيدا نقول إنها آتية الى موسم <الأكي دنيا> وهو موسم ينهال عليه مزارعو أكثر مناطق الجنوب وسوف يتهافت عليه طلاب الفواكه الصيفية. وهذه الثروة الزراعية مورد زراعي لأهالي صيدا من الأهمية بمكان. ومنذ الآن يتحضّر المزارعون في صيدا والجوار لأن يعدّوا العدة لفاكهة <الأكي دنيا> على أساس تسفيره الى الخارج ولاسيما دول الخليج والشرق الأدنى.

لكن كل هذا الغنى الزراعي لا يلغي الطابع النضالي لمدينة صيدا، ولن تنطلق رصاصة واحدة من المناطق الحدودية باتجاه الداخل حتى تهب صيدا مثل باقي كل مدن الجنوب بالرد وقطع دابر كل محاولة للإيقاع الأمني في البلاد.

لقد رسمنا لكم مستقبل صيدا لعام 2019 فلا يأتي عام 2020 عام الذكرى المئوية لاستقلال لبنان إلا وتكون ثروة زراعية خصبة قد توجهت الى مطار بيروت وجمرك بيروت وجمرك طرابلس لدخول أسواق المنطقة.

صيدا مقاتلة، نعم، ولكن بالنضال والقوة الزراعية، ومن عاصمة الجنوب لكم ألف سلام.

وصيدا بتركيبتها مدينة سياحية ترفدها أثار تراثية مثل قلعة صيدا وشاطئ طويل عريض يبقى من مَوَاطن الألق السياحي. وكان لها في الجانب الأيمن من المدينة فندق سياحي متميز يغني عن المبيت في بيروت لكن الظروف المالية المحدودة لهذا الفندق حكمت بالاستغناء عنه والتفكير في إنشاء فندق جديد يحمل علامات التطور السياحي الكبير في لبنان.

تبقى الثروة السمكية التي هي من أفضل غلال بحر صيدا، وتبقى كذلك شركات لاستثمار الثروة السمكية التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الكينونة الاقتصادية للمدينة ناهيك عن أسواق الأقمشة التي تتميز بها صيدا وعن الثروات الزراعية التي تأتي مع فصل الربيع.

صيدا مدينة تجمع بين عنصر النضال والعين المفتوحة على الخطر الاسرائيلي واللهفة السياحية والاقتصادية التي يستفيد منها أهل المدينة، ولا بد أن يكون المستقبل جزءاً لا يتجزأ من عمران المدينة والجنوب خصوصاً وأن الجنوب هو موقع نهري الليطاني والأولي. وقد جاء حينٌ من الدهر أبدى فيه رئيس دولة الإمارات المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان اهتمامه الكبير بنهر الليطاني وضرورة استيعابه كقوة مائية تخدم المنطقة وترفدهما بالخصوبة، ولكن هجمة العدوان الاسرائيلي عطّلت كل المشاريع المائية والسياحية في المدينة وأنشأت التفكير في فرص أخرى الى وقت لاحق.

وكان يقال عن صيدا إنها مدينة الصنّارة والشبكة، لكنها الآن مرشحّة لأن تصبح مدينة الصنّارة والشبكة العريضة الواسعة المرافق السياحية.