تفاصيل الخبر

" ست الدنيا" بعينيّ المهندس المعماري فؤاد فرح : معرضي ليس بكاءً على الاطلال إنما بعض من رد الاعتبار لبيروت!

13/01/2021
" ست الدنيا" بعينيّ المهندس المعماري فؤاد فرح :  معرضي ليس بكاءً على الاطلال إنما بعض من رد الاعتبار لبيروت!

" ست الدنيا" بعينيّ المهندس المعماري فؤاد فرح : معرضي ليس بكاءً على الاطلال إنما بعض من رد الاعتبار لبيروت!

 

بقلم عبير أنطون

 

[caption id="attachment_84801" align="alignleft" width="355"] البيت الزهر .[/caption]

  خمسةً واربعون لوحة بالألوان المائية تصور بيروت من خلال عيني المهندس المعماري فؤاد فرح الذي آلمه ما حلّ بالعاصمة، حتى من قبل انفجار مرفئها، فأراد ان يعيد لون الأصالة الى وجهها الجميل، وبعض الذكريات الى ناسها،"علّنا نستعيد جميعاً عظمة هذه المدينة بمعالمها وناسها وحركتها

التي لا تهدأ". فبيروت هي ابنة الشمس والبحر، هذه ترفدها بالنور والطاقة والقوة وذاك يمدّها بالاوكسيجين والانفتاح والحياة. انطلاقاً من ذلك، لم يقم المصمم – الرسام، بإعادة بناء الشوارع والمنازل التاريخية والأسواق بدقة المهندس وحسب، إنما أضاف اليها غرس طبقة قوية من العاطفة مع كل ضربة فرشاة. هو تقصّد ان يغفل في اللوحات الإشارة المباشرة الى السماء والشمس، رمزا العاصمة،  ليدع  نور وقوة أهل بيروت تتحدث عنهما، داعياً محبي

[caption id="attachment_84803" align="alignleft" width="333"] المرفأ[/caption]

بيروت ، بعد انتهاء فترة التعبئة الى زيارة المعرض فنسمع "ست الدنيا" تحدثنا عن نفسها، ونعيد معها الحياة اليها، حاملين منها جزءاً يدخل وجداننا فيصبح كلاً معنا .

تفاصيل المعرض والعديد من الاسئلة طرحناها على المهندس المعماري فؤاد فرح الذي وضع المسطرة والبيكار جانباً ليستل الريشة ويغرق في تفاصيل من دونها تبقى اللوحة ناقصة وسألناه بداية:

-كم استغرق التحضير للمعرض، وما الهدف منه؟

   أنا مهندس وأدرّس في الجامعة ولدي مكتبي وعملي الخاص، ومع توقّفنا عن العمل مع اعلان التعبئة العامة الأولى بسبب جائحة كورونا، كرّست وقتي لبيروت حبيبة الجميع، في رد اعتبار لها. وبما

[caption id="attachment_84802" align="alignleft" width="370"] الحياة ..والسلال والغلال.[/caption]

أنني  أملك هذا التوجه الهندسي ورسم الاكواريل، استعدت صوراً من بيروت، من مفهوم بيروت، بناسها وسياراتها وجدرانها وشوارعها وحركتها، أبعد بكثير من رسم  البيت اللبناني التقليدي والقرميد والشجرة. إنها بيروت الحنين، النوستالجيا، المستقرّة في ذاكرة الناس التي عرفتها والاولاد الذين كبروا وعاشوا بين احضانها وما زالت حياتهم تعبق بالذكريات من تلك الشوارع والأحياء. هذا ما حاولت ان امرره من خلال لوحاتي هذه.  

 -هل أنت من أبناء العاصمة؟

انا من جونية، صربا تحديداً، وأعرف بيروت كما بيتي. لقد درستها، ودرّست عنها وعن بيوتها وعن هندستها، وأعرف سيكولوجية أحيائها.

- هل رسمت لوحات المعرض جميعها قبل انفجار الرابع من آب؟

نعم، وقد شعرت بجرح عميق بعد حوادث الشغب والتكسير التي طالتها، فرأيت انه من واجبي رد الاعتبار لها  كما هو شعور الكثيرين تجاه العاصمة، وبدأت هذه اللوحات المستعادة عن صور تحتفظ بها جمعيات عديدة بينها "بيروت تراثنا" والدكتور سهيل منيمنة مشكوراً .الصور صغيرة جداً، لذلك رسمتها بأحجام أكبر (39×59) ، كتأريخ لهذه المناطق والاحياء واستعادة للجو الذي كان. الصور في 95% منها   باللونين الأبيض والاسود، وعدت وأعطيتها نفساً جديداً، بحيث ينظر المشاهد الى اللوحة، فيشعر،

[caption id="attachment_84808" align="alignleft" width="156"] فؤاد فرح: بيروت عظيمة.[/caption]

إن كان يملك العين الفنيّة، بأنها مختلفة عن الصورة الاصلية.

 وأود أن أشير، ان هذه اللوحات الخمس والاربعين لم تكن معدة بهدف العرض او البيع على الاطلاق،  إنما لرضى ذاتي كانت تولده فيّ. الى ان تعددت اللوحات وزاد عددها، وتسنت لي الفرصة مع صديق لي من ان نتخذ مساحة في الصيفي فيلاج على الطريق العام في ساحة البرج، وفي خلال خمسة ايام اقمنا المعرض وأضحى متاحاً للعامة. كما أنني نشرت بعضاً منها على مواقع التواصل الخاصة بي في فيسبوك وانستغرام، ويمكنني بتواضع كبير القول إنني اشتغلتها بطريقة محترفة "وهاي اند".  

ويشرح فرح:

من خلال هذه اللوحات التي فيها الجميزة وسوق النورية وساحة البرج وغيرها العديد من المعالم ،أردت ان اقول هذه مدينتنا وهذه هويتنا. الى هذه الدرجة بيروت كبيرة وعظيمة، ولا تستخفوا بما عندنا اياه. بيروت هي صورتنا، وأردت ان اترك مروحة الوانها كما هي، اذ لبيروت "باليت" من الألوان الخاصة بها. انا لم أُدخل السماء ولونها الأزرق، فالسماء تظهر على الارض، في الشوارع، في البيوت... احاول ان اؤرخ هذه المدينة التي أحبها بطريقة مبّسطة، وهناك مشروع كتاب اعمل عليه يضم هذه اللوحات التي سيتم طبعها بطريقة محترفة ، تستعيد بأرفع مستوى ما يليق بالعاصمة وتاريخها. لا يمكن لكم ان تتصوروا الشغف الذي عملت به ولا السعادة التي ولّدها فيّ رسم هذه اللوحات..لقد شعرت بأن الأمر يعنينا كلنا، لذلك كانت هذه المحاولة .   

[caption id="attachment_84805" align="alignleft" width="174"] بيروت ...بناسها .[/caption]

وبالعودة الى انفجار الرابع من آب يقول فرح :

 إن بيروت تتنفس من البحر، اوكسيجينها من الأزرق الواسع، من هنا فإن انفجار المرفأ جعلنا كما العاصمة نشعر بالاختناق. في الرابع من آب، كلنا انفجرنا وليس المرفأ . في اليوم التالي، وحتى أبث بعض الطاقة الايجابية رسمت "البيت الزهر" في القنطاري، وهي اللوحة التي لم أضمّها الى لوحات المعرض، وتستقر في مكتبي الآن. انا بالعادة لا اضع تاريخ اليوم على اللوحة واكتفي بالشهر، الا ان هذه شكّلت استثناءً، ووقعتها بتاريخ الخامس من آب 2020 ،اليوم التالي للكارثة.

 

طاقة إيجابية...

 

[caption id="attachment_84806" align="alignleft" width="351"] تحت شمس بيروت .[/caption]

- لماذا اخترت "البيت الزهر" تحديداً، وهو ايضاً ما شكل موضوعاً لفيلم لبناني شهير انتج في العام 1999 عن عائلتين تتقاسمانه بسبب تبعات الحرب، ويشتريه رجل اعمال ليهدمه بهدف بناء برج مكانه؟

 بابتسامة يجيب :

 ربما لأنه زهر ... شدتني صورته . أردت ان ارسم ما يعكس صورة بيروت الحلوة، علما انه غير مرمم.   لم اشأ رسم المرفأ ولا التكسير ولا الانفجار بل قلب الصور، اظهار طاقة ايجابية، وهذا ما يبرزه هذا البيت من خلال هندسته، الظلال عليه ، لونه، الـ"كاراكتير" الخاص به ،"التخباية اللي مخباها بين الشجرات"، وكأنه "كوكون"، ملتفّة على نفسها.

- استخدمت الألوان المائية، الأكواريل، في جميع ما رسمته لماذا؟

 لا أجد افضل من الاكواريل لابراز الشفافية التي تتميّز بها بيروت، الى هذه الدرجة عاصمتنا شفافة والالوان المائية تمكّننا من التعبير عن "ست الدنيا"، وهو ايضاً العنوان الذي أطلقته على المعرض وشكل من جانبه عنواناً لفيلم عن بيروت أيضاً. للحق، لا أجد اسماً اكثر ملاءمة يليق بمدينتنا.

- الى اية سنوات تعود الصور التي استعدتها في لوحاتك؟

تمتد من فترة الستينات حتى اوائل التسعينات، مع بعض الصور من زمن الخمسينات، ولم تكن جميعها واضحة تماماً او يمكن قراءتها بشكل واضح. حاولت ان استعيد الشوارع، الاحياء، الجدران، السيارات  والاسواق طبعاً، فالسوق موجود في تاريخ بيروت وكذلك البوابات والأدراج.

[caption id="attachment_84807" align="alignleft" width="175"] حركة ..وبركة .[/caption]

-حتى متى يستمر المعرض؟

كان مفترضاً ان يبقى حتى الثامن عشر من الجاري، الا انه مع قرار الاقفال التام، سنعود لنفتحه ما ان يعلن عن رفع حال الطوارئ.

- هل تعود وتزور المعالم التي رسمتها بعد انجازها فتتوقف عند ما تغير فيها؟

  طبعاً أزورها وأنا بالأساس أعرفها، وأعرف الشوارع كلها كمثل الشارع الذي تقع فيه بلدية بيروت حيث ما عاد مبنى الاوتوماتيك الشهير موجوداً، ومثلها بعض المعالم في الجميزة وسرسق ومار مخايل والكرنتينا وكل المنطقة المحيطة.

- في لوحاتك أيضاً شخصيات بطربوشها وعباءتها وأزيائها ومعداتها،هل تقصّدت ذلك؟    

بيروت بلا ناسها وأشخاصها لا معنى لها، وكذلك سياراتها وشمسها، شمسها بشكل خاص. نحن بلد الشمس، من هنا فإن لعبة الظل والضوء موجودة وواضحة في مختلف اللوحات المرسومة. لقد استعدت  هذا الـ"مود"،هذه الـ"نوستالجيا"والحنين لتلك الاماكن والسنوات التي لن تعود، واحاول من خلال هذه اللوحات ان اعيدها. هذا ليس مطلقاً بكاء على الاطلال، ونحن كمهندسين نعرف تماماً ان المدن تعيش وتتطور مهما عصف بها . المدينة هي تماماً مثل الشجرة التي، حتى ولو فقدت ثمارها او تساقطت أوراقها، فإن الجذع موجود.

- هل تخشى على البيوت التراثية التي عصف بها الانفجار،هل ستعود الى سابق عهدها؟

هذا ما يجب ان يتم الانتباه له. التفاصيل مهمة. كما الصورة التي إن لم تُقرأ تفاصيلها جيداً، تفقد قيمتها. واحياناً ان شوهت الوجه لا يعود يشبه نفسه.

هناك اليوم جمعيات تعمل.. وهناك اقسام . بينها ما يتم ترميمه حتى تعود الناس اليه وهناك البيوت التراثية. لا يمكن التغاضي عن الضربة التي وقعت ولما "تفك القطب"سيظهر الجرح الذي ترك علامته،

[caption id="attachment_84804" align="alignleft" width="171"] الناس والسيارات ..[/caption]

وهنا ضرورة الانتباه لاعادتها الى سابق عهدها.

- البعض يقول ان هذه الندوب ستعطي المباني قيمة أكبر بعد الانفجار الهائل... 

هذا يكون بحسب التدخل الترميمي والحرفية التي تم بها، ومتى وكيف واين ترمم. كله خاضع لعوامل عدة، خاصة وان هذه البيوت بعضها "بياخد العقل" من الداخل ومن الخارج ، من دون ان ننسى التكاليف المرتفعة التي يتطلبها الأمر ومن يقوم به. كذلك ، حتى تلك المباني التي تعود الى الخمسينات والستينات في بعض الشوارع هي صورة لبيروت، ويجب العمل عليها بدقة وحرفية. الامر سيتطلب وقتاً...  

 - هل كل مهندس هو رسام نوعاً ما ؟

من المفترض للمهندس ان يعبّر من الرأس الى الاصابع، وأول حركة هندسية تكون باليد، وهذه هي المدرسة الصحيحة وانا انتمي اليها، لذلك تجدون طريقة التصوير الفنية لدي متطورة واستطيع ان اعبر بسهولة.