تفاصيل الخبر

ســوء استـعـمـــال الـمـضـــادات الحيوية يؤدي الى تكاثر البكتيريا ويـتـسبـــب بـــأمـراض عـديــــدة!

15/09/2017
ســوء استـعـمـــال الـمـضـــادات الحيوية يؤدي الى تكاثر البكتيريا ويـتـسبـــب بـــأمـراض عـديــــدة!

ســوء استـعـمـــال الـمـضـــادات الحيوية يؤدي الى تكاثر البكتيريا ويـتـسبـــب بـــأمـراض عـديــــدة!

 

بقلم وردية بطرس

مقابلة-مع-الدكتور-نادين-هلال-----1

يحذر خبراء الصحة من مضاعفات المضادات الحيوية، بعد ان اصبحت من أكثر الأدوية شهرة وانتشاراً على مستوى العالم منذ سبعينات القرن الماضي، وتتوالى النصائح المحذرة من استخدامها دون ضوابط، حتى ان البعض يلجأون الى المضادات الحيوية ظناً منهم انها صالحة لكل حالة مرضية، لكن الحقيقة هي غير ذلك تماماً، لا بل ان تناولها دون موافقة الطبيب ووفق شروط صارمة قد تكون له عواقب قاتلة.

لقد اكتشف <ألكسندر فليمنغ> البنسيلين، ونجح بعده الكثيرون من العلماء في تطوير علاجات فعالة ضد الجراثيم، وبالرغم من التطور الكبير في مجال المضادات الحيوية في عصرنا الحالي، الا انه يسجل سنوياً وفاة الملايين من البشر جراء الأمراض المعدية على الرغم من توافر المضادات الحيوية والتي يفترض ان تكون علاجاً لهذه الأمراض، ويعزو الخبراء ذلك الى الزيادة الكبيرة التي تبديها البكتيريا في مقاومة المضادات الحيوية، فضلاً عن التكيف الكبير الذي تقوم به الجراثيم لمقاومة المضادات الحيوية واضعاف أثرها عليها، ما يثير التساؤل عن مدى نجاعة المضادات الحيوية في وقتنا هذا. من جهتها، حذرت منظمة الصحة العالمية من ان البشرية تتجه صوب حقبة ما بعد المضادات الحيوية حيث يمكن ان تؤدي الأمراض المعدية الشائعة والاصابات البسيطة الى الوفاة مجدداً، وأفادت منظمة الصحة العالمية ان المضادات الحيوية ستصبح أقل فاعلية في قتل العدوى البكتيرية في ما يعرف باسم <مقاومة المضادات الحيوية>، ذلك ان معدلات مقاومة المضادات الحيوية تتزايد لمستويات عالية على نحو يُنذر بالخطر في أنحاء العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط حيث ان آليات المقاومة الجديدة تنشأ وتنتشر حول العالم لتهدد قدراتنا على معالجة الأمراض المعدية.

وعن أسباب ظهور مقاومة المضادات الحيوية وانتشارها، كشفت المنظمة ان تلك الظاهرة تتفاقم في حالة استخدام المضادات الحيوية للبشر والحيوانات من دون وصفة طبية، مشيرة الى ان وتيرة تفاقم مقاومة المضادات الحيوية تتزايد جراء زيادة جرعات استخدام المضادات الحيوية او انخفاضها او سوء استخدامها لدى المجموعات البشرية والحيوانية، وموضحةً ان هذه البكتيريا المتحولة قد تصيب الانسان والحيوان على حد سواء، ويكون علاج الأمراض المعدية الناجمة عنها أصعب من علاج الأمراض الناتجة عن بكتيريا غير مقاومة.

 

الدكتورة نادين هلال والآثار الجانبية لسوء 

استهلاك المضادات الحيوية

 

وفي لبنان أصبح استهلاك المضادات الحيوية وكأنها سكاكر، مما يؤدي الى تعرض الجسم لمشاكل ومضاعفات عديدة، فما هي مضاعفات استخدام المضادات الحيوية على الجسم؟ وما هي النصائح حول كيفية استخدامها؟ وغيرها من الأسئلة أجابت عنها الدكتورة نادين هلال الباحثة في <مركز ترشيد السياسات الصحية> في كلية علوم الصحة في الجامعة الأميركية ونسألها:

ــ يتم استهلاك المضادات الحيوية في لبنان بشكل كبير، فما هي الآثار الجانبية لسوء استهلاكها؟

- لا شك ان هذه المشكلة قائمة، أولاً بسبب نقص الوعي عند الناس عما اذا كان يجب أن يستخدموا المضادات الحيوية ام لا، ناهيك عن أن المشكلة الأساسية تكمن في ان هناك مقاومة للجراثيم ضد المضادات الحيوية بما معناه ان الجرثومة التي كانت تستجيب لدواء معين لم تعد تستجيب للدواء نظراً لسوء استعماله، اي ان المريض اذا أخذ الدواء فلن ينفعه، مما يؤدي الى تكاثر البكتيريا ويتسبب بالمرض، والأسوأ ان البكتيريا التي أصبح لديها مقاومة للمضادات الحيوية ممكن ان تنتقل للآخرين اي ان المشكلة لم تعد محصورة لدى المريض بل تنتقل الى غيره، وبالتالي يجب ان يتناول المريض المضادات الحيوية في الحالات المرضية الناجمة عن غير الأمراض الفيروسية، وحتى في حالات البكتيريا يجب ان نعرف اي دواء نأخذ لأن لكل جرثومة دواء يتجاوب معها. ومشكلتنا الأساسية هي مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية، وبهذه الطريقة الجرثومة تتكاثر في الجسم لأنها لا تتجاوب مع الدواء، لأن البكتيريا تعرضت أصلاً للمضادات الحيوية فيحدث نوع من التأقلم وتغير في تكوين الجين، وبالتالي تقدر الجراثيم ان تتكاثر فيزداد المرض، والبكتيريا التي لديها مقاومة تنتقل لأشخاص آخرين كما سبق وذكرت ذلك، وهذه المشكلة ليست فردية بل تطال المجتمع وتهدد صحة الناس بشكل عام. ولا يجب تناول المضادات الحيوية بحالات غير الاصابة بالبكتيريا، مثلاً بحالة الاصابة بالرشح العادي فلا يجب ان يتناول الشخص المضادات الحيوية لأن ذلك لن ينفعه بل سيضره، وعندما يكون جسمه بحاجة للمضادات الحيوية فلن يستجيب معها، وفي حالات الاصابة بالجرثومة فلن تنفعه المضادات الحيوية ولن يتجاوب جسمه معها. وهناك أمر الا وهو كيفية تناول المضادات الحيوية اذ لا يكفي ان يأخذها الشخص بطريقة سليمة حيث يذهب من تلقاء نفسه الى الصيدلية ويطلب المضادات الحيوية دون الرجوع الى الطبيب، فهذا أمر يضر به كثيراً، وفي المقابل اذا التزم المريض بتعليمات الطبيب من حيث المدة المحددة التي يجب ان يتناول فيها المضادات الحيوية والطريقة الصحيحة والكمية المحددة فلن تضره، أما اذا لم يلتزم بهذه الأمور فسيفقد الدواء قيمته.

ــ وهل هناك جراثيم تحتاج لمضادات معينة ام تُستعمل المضادات نفسها لكل الجراثيم؟

- هناك مضادات تُستعمل بشكل عام ولكن هناك جراثيم تحتاج لمضادات معينة، وحتى في لبنان أظهرت الدراسات ان الجراثيم التي نراها عند المريض أصبح لديها مقاومة للمضادات الحيوية، واذا استمر الوضع على ما هو عليه فسنصل يوماً ما الى مشكلة كبيرة، فالعديد من الأمراض لن يكون لها علاجات بواسطة المضادات الحيوية نظراً لاستهلاكها بكثرة وبطريقة خاطئة. فالجرثومة عندما تتعرض للمضادات بعد وقت ستصبح ذكية ويحدث تغيّر بمكوناتها الجينية، وهذا التغير او التأقلم يجعلها قادرة على عدم الاستجابة للمضادات الحيوية وبالتالي تتكاثر البكتيريا ولا تعود تؤثر عليها المضادات الحيوية، والمشكلة ان الأبحاث التي تُجرى عن المضادات الحيوية قليلة بالمقارنة مع المشكلة.

ــ العديد من الناس يعتبرون انهم حتى لو لم يأخذوا المضادات الحيوية في البداية فإنهم سيضطرون لاحقاً ان يأخذوها وبالتالي يجدون أنفسهم امام الخيار المناسب الا وهو تناول المضادات الحيوية؟

- هذه مقولة خاطئة، فمثلاً اذا انتقل الفيروس الى جسم الانسان فسيحتاج لبضعة أيام ليُشفى وبالتالي يمكنه ان يتناول المضادات الحيوية منذ البداية. ولكن وفقاً للدراسات ان الاستعمال الخاطىء او الكمية التي يتناولها المريض يجب ان تُؤخذ بعين الاعتبار، لأنه ممكن ان تزيد نسبة مقاومته للدواء وبالتالي حتى عندما يحتاج المريض للدواء فلن يقدر ان يستفيد منه. اذاً هناك حالات معينة يجب ان يأخذ فيها المريض المضادات الحيوية منذ البداية، ولكن أبرز المشاكل التي نواجهها هي ان المريض يقرر بنفسه متى يأخذ الدواء والكمية الى ما هنالك...

أسباب ارتفاع المقاومة المضادة

 

ــ وما هي الأسباب التي تؤدي الى ارتفاع المقاومة المضادة لدى الكائنات الميكروبية؟

- هناك العديد من الأسباب التي تؤدي الى ارتفاع المقاومة المضادة لدى الكائنات الميكروبية، ومنها بعض الممارسات غير السليمة المنتشرة في الوصفات الدوائية مثل وصف المضادات الحيوية من دون ضرورة لذلك، الاختيار الخاطىء للعلاج، او عدد خاطئ للجرعات والتعرض المسبق لأدوية المضادات الحيوية، بالإضافة الى الوصف الذاتي للمضادات الحيوية في بعض الدول حيث تتساهل الصيدليات في بيع المضادات الحيوية من دون اشتراط وصفة طبية متخصصة، عدم التزام المرضى في ما يتعلق بعدد جرعات الدواء والمدة اللازمة لتناول نظام العلاج، استجابة الأطباء لضغوط تلبية توقعات المرضى والخوف مسبقاً من اي مضاعفات محتملة للمرض، وتأثير القطاع الصيدلي والصناعات الدوائية على سلوكيات الأطباء في وصف الأدوية. وان معالجة مشكلة مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية في لبنان، واساءة استخدام المضادات الحيوية او استخدامها بشكل مبالغ به في الزراعة وتربية الحيوانات، تتطلب فرض تشريعات او معايير تضبط تصرفات العاملين في القطاع الصحي بالشكل الكافي. ولقد أثبتت العديد من الدراسات ان الأمراض التي تتسبب بها ميكروبات ذات مقاومة للمضادات الحيوية عادة ما تؤدي الى نسب أعلى من الوفيات ومن التكاليف الطبية، كما وانها تستلزم فترات علاج أطول في المستشفى مقارنة بالأمراض التي تتسبب بها مثيلاتها من الميكروبات التي لا تقاوم المضادات الحيوية.

ــ وماذا عن البحث الذي أُجري في هذا الخصوص؟

- لقد تم اجراء بحث شامل ودقيق حول الحلول التي تستهدف الحد من نسب مقاومة الكائنات الممرضة للمضادات الحيوية، مع الاشارة الى ان البحث استثنى الدراسات التي تركز على أمراض معينة بحد ذاتها. وأظهرت الأبحاث وجود عشر دراسات منهجية تحتوي على عناصر لمعالجة مشكلة مقاومة المضادات الحيوية، وفي ما يلي ملخص لنتيجة البحث حول معالجة مشكلة مقاومة المضادات الحيوية:

على مستوى المرضى: ان الاجراءات المتبعة التي تحث المرضى على التقيد بالعلاج، مثل اعطاء ارشادات أكثر دقة، استعمال موزع دواء، او الاستعانة بخدمات الصيدلي، لها نتيجة غير واضحة بالنسبة الى زيادة تقيد المرضى بالعلاج او التحسن من نتائجه.

edtijkghnbed----2وتتابع:

- أما على مستوى الأطباء فإن تثقيف الأطباء وحثهم على التقيد بالتعليمات وتشجيعهم على استخدام الفحوصات للتشخيص، أثبتت فعالية في تحسين انتقاء نوع المضاد الحيوي، تخفيض مدة العلاج، وتقليص نسبة الوفيات.

وعلى مستويات متعددة (مرضى وأطباء): ان عملية المراقبة والتدقيق والتثقيف على صعيد المرضى والأطباء تؤثر ايجاباً من ناحية تخفيف نسبة الوصف غير الضروري للمضادات الحيوية، تحسين صحة انتقاء الدواء، والتقليل من كلفة العلاج.

أما على مستوى المؤسسات والنظم الصحية فإن لبرامج الاشراف على استخدام المضادات الحيوية نتيجة ايجابية من حيث قدرتها على تخفيض نسبة الاستعمال غير الضروري للعلاجات.

ــ ماذا يحدث للمريض عندما يدخل الى المستشفى ويُصاب بآثار جانبية نتيجة تناول المضادات الحيوية؟

- عندما يدخل المريض الى المستشفى ليخضع لعملية جراحية يكون معرضاً للاصابة بالتهابات جرثومية إذ هناك ما يُسمى بـ<Prophylactic Antibiotics> أي الوقاية المضادة للميكروبات، مثلاً أثناء عملية المصران يكون الشخص معرضاً للاصابة بالالتهابات، وهناك توصيات عالمية تلزم الطبيب باعطاء المضادات الحيوية بالطريقة الصحيحة وبالكمية المحددة، ولكن أحياناً بدل ان يعطي الطبيب المريض كمية معينة من المضادات الحيوية يقوم بزيادة الكمية في حالات معينة، وهنا ندخل بمسألة سوء استعمال المضادات الحيوية، وطبعاً لذلك تأثير خصوصاً على الكبد والكلى والدم، ولهذا تحدث مشاكل بسبب تناول جرعات زائدة من المضادات الحيوية.

 

الجراثيم التي تحتاج

 للمضادات الحيوية

ــ وما هي الجراثيم التي تتطلب تناول المضادات الحيوية لمقاومتها؟

- لقد لاحظنا في لبنان على المستوى الميكروبي ارتفاعاً مستمراً في معدلات مقاومة المضادات للجزيئيات المعزولة لكل من جرثومة <اي كولاي>، و<السالمونيلا>، و<كليبسيلا بنمونيا> و<اسينوبكتيريا> و<الشيغلا>. وتجدر الإشارة انه على مستوى المرضى فقد لاحظنا أن هناك الكثير من المعتقدات الشائعة الخاطئة حول استخدام المضادات الحيوية، أما على مستوى الأطباء فلقد تم تقييم الوصفات العلاجية لأطباء بالمضادات الحيوية حيث تبين ان الوصف العلاجي كان سليماً في 61.5 بالمئة فقط من الحالات التي شملتها الدراسة، في حين تبين انه وفي 52 بالمئة من الحالات كانت الجرعة الموصوفة غير صحيحة وغير دقيقة، وفي 64 بالمئة من الحالات كانت مدة تناول العلاج غير صحيحة وغير دقيقة.

ــ وهل هناك حالات معينة يقدر ان يساعد الصيدلي في هذا الخصوص؟

- دور الصيدلي فعال في هذا الخصوص سواء الصيدلي داخل المستشفى او المؤسسات الصحية لأنه ينصح الطبيب اي نوع من المضادات الحيوية يجب استعمالها، وحتى أنه في الصيدليات يمكن للصيدلي أن يقوم بتوعية المريض حول كمية المضادات الحيوية التي يقدر ان يتناولها وبالطريقة الصحيحة وعليه ألا يسمح له بتناولها بدون وصفة طبيب.

ــ ماذا عن التوصيات حول استخدام المضادات الحيوية؟

- التوصيات هي: تثقيف المرضى وزيادة الوعي بما يؤدي الى انخفاض في عدد الوصفات الطبية غير الضرورية. استخدام حلول تركز على قرارات الأطباء بشأن معالجة الالتهابات واختيار المضادات الحيوية وفترة العلاج للحد من مقاومة المضادات الميكروبية وتحسين النتائج الطبية العيادية. تثقيف الأطباء بشكل تفاعلي وحيوي مستمر هو أحد أنماط التدخل الفعال للحد من المبالغة في استخدام المضادات الحيوية. اعتماد الفحوصات الاضافية وتحديداً فحص بروتين <البروكالسيتونين> يساهم في ارشاد قرارات العلاج. استخدام استراتيجيات الضبط والاقناع لتحقيق نتائج طبية افضل في ما يتعلق بقرارات العلاج واختياره ومدة المعالجة. تبني برامج الإشراف على المضادات الحيوية التي أثبتت فعاليتها في الحد من استخدام المضادات الحيوية، كما أثبتت هذه البرامج أيضاً أنها تحد من التكاليف الاجمالية للمضادات الحيوية، بالاضافة الى خفض معدلات أيام المعالجة والحد من الاستخدامات غير المناسبة ومن التأثيرات الجانبية لاستخدام هذه المضادات الحيوية.

وختمت الدكتورة هلال قائلة:

- على مستوى المرضى فيجب ان يتوافر لدى المرضى فهم واضح للمشكلة المتصاعدة في ما يتعلق بمقاومة المضادات الحيوية وتبعياتها وتداعياتها، وعلى المرضى تجنب اي وصف ذاتي لأدوية سواء بأخذ الأدوية او بعدم أخذها، كما يجب عليهم الالتزام بدقة الارشادات التي يزودهم بها الأطباء واختصاصيو الرعاية الصحية في ما يتعلق بتناول المضادات الحيوية. أما على مستوى الأطباء فيجب توخي الدقة والحرص لاتخاذ القرارات السليمة في ما يتعلق باستخدام علاجات المضادات الحيوية واتباع الارشادات وأنماط المقاومة لاتخاذ قرار حول خيار العلاج وفترة الوصف العلاجي. وعلى مستوى المؤسسات الصحية فهناك حاجة الى اعتماد برامج اشراف شاملة لاستخدام المضادات الحيوية وذلك من خلال تثقيف المرضى والأطباء والعاملين في الرعاية الصحية.