تفاصيل الخبر

صمت عربي يعكس تجاهلاً لتشكيل حكومة دياب و”اهتمام“ دولي مشروط بالاصلاحات والنأي بالنفس!

30/01/2020
صمت عربي يعكس تجاهلاً لتشكيل حكومة دياب و”اهتمام“ دولي مشروط بالاصلاحات والنأي بالنفس!

صمت عربي يعكس تجاهلاً لتشكيل حكومة دياب و”اهتمام“ دولي مشروط بالاصلاحات والنأي بالنفس!

 

لن يكون من الصعب ان تنال حكومة الرئيس حسان دياب ثقة مجلس النواب، فالكتل التي تألفت الحكومة من ممثلين عنها <جاهزة> لمنح الثقة، وهذا أمر منطقي انطلاقاً من ان 69 نائباً سموا الرئيس دياب لتشكيل الحكومة قد يخرج منهم نواب الحزب السوري القومي الاجتماعي الثلاثة نظراً لعدم تمثيلهم في الحكومة، ويبقى 66 نائباً لتأمين نصاب جلسة الثقة من جهة، ثم لمنحها من جهة ثانية، علماً ان ثمة جهات قد تفرض في كلماتها في المجلس بعض <الشروط> على الرئيس دياب ووزرائه، لكنها في النهاية ستمنح الثقة.

إلا ان المهم في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، ليس فقط الحصول على ثقة مجلس النواب، بل الحصول على دعم عربي ودولي للحكومة كي تستطيع أن <تقلّع> من الحد الأدنى من التأييد تمهيداً للحصول على مساعدات تقيها شر الدخول في أزمة اقتصادية أكثر حدة مما هي عليه الآن. وفي هذا الإطار تتحدث مصادر مطلعة باستغراب عن نوعين من ردود الفعل على تشكيل حكومة دياب، الأول غياب أي دعم عربي معلن وأي ترحيب عربي بتشكيل الحكومة في صمت مطبق ومريب في آن، والثاني ردود الفعل الخارجية التي راوحت بين الترحيب والتمنيات، كما فعل الأوروبيون وفي مقدمهم الرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون>، لكن هذا الترحيب أتى مشروطاً بتحقيق الاصلاحات المرجوة، لاسيما ما التزم به لبنان في مؤتمر <سيدر>. أما النوع الثاني من الترحيب الخارجي فكان أميركياً لكنه لم يصل الى درجة الدعم المطلوب بل <المراقبة> لمتابعة ما ستحققه الحكومة لجهة محاربة الفساد واخراج لبنان من أزمته المالية والاقتصادية. وتبقى ردة الفعل الخارجية الأبرز تلك التي صدرت من مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، والتي أتت مشروطة أيضاً باعتماد سلسلة اجراءات وتدابير اصلاحية قادرة على تلبية طلبات الشعب اللبناني.

 

جولة خليجية

وتتوقف المصادر المطلعة عند غياب أي ردة فعل عربية على تشكيل الحكومة باستثناء ما يرد من حين الى آخر في وسائل الإعلام العربية التي لا تعكس بالضرورة <اهتمام> الدول التي تصدر منها. وسعت هذه المصادر الى تفسير سبب هذا الغياب من خلال ادراج سلسلة ملاحظات أبرزها تلك المتصلة بانشغال معظم الدول العربية بالأزمات الاقليمية التي تعيشها بلدانهم ولاسيما منها تلك التي تشهدها منطقة الخليج العربي المزنرة بنيران المواجهات بين اليمن شرقاً والخليج العربي غرباً، ناهيك بالتطورات الأخيرة الناتجة عن التوتر الإيراني ــ الخليجي، والإيراني ــ الأميركي، وتلك الناجمة عن القطيعة القائمة بين قطر وجاراتها الخليجية الأربعة التي تقاطعها ــ ولو جزئياً ــ وتحاصرها ولو موسمياً. وتضيف المصادر انه قد يكون لكل بلد عربي <مبرراته> في عدم الخوض بالعمق في تطورات الأزمة اللبنانية وفي حدث تشكيل حكومة بعد أسابيع من الفراغ الحكومي، لكن اللافت في هذا السياق ان الرئيس دياب الذي أعلن انه سوف يقوم بجولة عربية بعد نيل حكومته الثقة يبدأها بدول الخليج، لم يسمع أي ترحيب بهذه الجولة ولم يتلق أي ردة فعل ايجابية حيالها وكأن الدول المعنية أدارت أذناً طرشاء لعدم سماع رغبة الرئيس الجديد للحكومة الذي دخل للتو نادي رؤساء الحكومات متطلعاً الى دعم عربي يمكنه من مجاراة <زملائه> رؤساء الحكومة السابقين الذين لهم مواقعهم في الدول العربية عموماً، ودول الخليج خصوصاً.

وفي مقابل <التبريرات> التي توردها المصادر، فإن ثمة من يرى ان الأحداث التي تقع في عدد من الدول العربية ولاسيما الخليجية منها، لا يمكن أن تشكل سبباً وجيهاً للقطيعة مع لبنان وعدم الاهتمام به ولو حتى بتسجيل موقف عما يجري على ساحته منذ أن اندلعت <ثورة 17 تشرين> وما شهدته الساحة اللبنانية من متغيرات حكومية وسياسية واقتصادية ومالية. وتضيف ان الأمر لا يتصل فقط بما سيكون عليه شكل العلاقة مع حكومة الرئيس دياب، بل ما ستكون عليه صورة العلاقة مع الدولة اللبنانية ككل ومع الشعب اللبناني، خصوصاً بعدما بدا ان كل قرارات الدعم العربي للبنان ظلت حبراً على ورق، لاسيما منها آخر مؤتمر خليجي عقد في الإمارات قبل بدء الانتفاضة والذي انتهى الى سلسلة مبادرات لم تبصر النور بل أتت أحداث 17 تشرين الأول (أكتوبر) لتجمدها كلياً. وبعد ذلك وخلال انعقاد المؤتمر الخاص بلبنان في باريس لمجموعة الدول الداعمة، كان الحضور العربي محدوداً ولم يترجم بأي دعم عملي سوى مواقف عامة لم تترجم على الأرض، حتى ان المندوب السعودي حضر الى قاعة الاجتماع والتقى الجانب الفرنسي ثم غادر قبل أن تبدأ الاجتماعات! حتى ان بعض الدول الخليجية لا تزال تطبق قرار حظر سفر رعاياها الى لبنان، ومن رفع منها هذا الحظر اعلامياً، أبقاه سرياً ونصحت رعاياها بعدم المجيء الى لبنان. وثمة من يرى ان من أسباب الموقف الخليجي المتشدد حيال لبنان، مواقف الدولة اللبنانية عموماً ومواقف وزير الخارجية السابق جبران باسيل خصوصاً، حيال الملف السوري لاسيما خلال المؤتمر الاستثنائي الذي عقد في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية العرب للبحث في التوغل التركي في شمال سوريا، حين طالب باسيل بإعادة سوريا الى حضن الجامعة العربية والوقوف الى جانبها كي لا يضيع شمال سوريا مثلما ضاع الجولان السوري. وقيل يومها ان هذا الموقف هو الذي شل كل المبادرات التي سعى إليها الرئيس سعد الحريري في حينه لاستدعاء الدعم الخليجي للبنان وإحياء الدور العربي في ساحة عليها أن تبرهن للخليجيين انها ليست من الساحات التي تسيطر عليها إيران من ضمن العواصم العربية الخمسة التي تقول طهران انها تؤثر في قراراتها.

ويرى المطلعون ان الحصول على موقف خليجي داعم لحكومة دياب لن يكون بالأمر السهل لاسيما وان الدول المعنية لا تزال ترى لبنان من خلال <قناعتها> بسيطرة حزب الله على القرار اللبناني، وان هذا البلد الشقيق الأصغر بات في حضن الجمهورية الاسلامية الإيرانية ما دام يغطي حزب الله بكل قراراته وتصرفاته. لذلك لا يمكن فهم المقاطعة العربية تجاه لبنان وانعدام ردود الفعل المرحبة بالحكومة الجديدة، من دون العودة الى تلك المرحلة وما تبعها من مواقف لا تزال قائمة حتى الساعة ولن تتبدل في الوقت القريب، خصوصاً وان الدول المعنية لا تزال ترصد طبيعة تركيبة فريق الرئيس دياب وتوجهاته قبل أن تقرر الخطوة التالية وهي <الترحيب> بزيارات رئيس الحكومة إليها أو الاعتذار بلباقة من خلال عدم تحديد الوقت اللازم لها. وثمة من يقول ان الأمور سوف <تتحلحل> بعد نيل الحكومة الثقة إذ لن يكون في مقدور الدول العربية <الصامتة> أو <الممتنعة> عن الترحيب بحكومة دياب، أن ترفض التعاطي مع سلطة منبثقة من ارادة المؤسسات الدستورية ولاسيما منها مجلس النواب، ما يعني توقع حصول تبديل في الموقف لصالح الحكومة الجديدة رئيساً وأعضاء.

 

موقف أوروبي مشروط!

 

وإذا كان الموقف العربي <غائباً عن السمع>، فإن الموقف الأوروبي كان حاضراً بشروط عكسها اتصال الرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون> بالرئيس عون للتهنئة بالحكومة، لاسيما وان <ماكرون> لفت الى ضرورة اقرار الاصلاحات التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر <سيدر>، أي انه قال بلغة ديبلوماسية مهذبة ان دعم فرنسا وأوروبا للحكومة مرتبط بتحقيق هذه الاصلاحات. وأتى موقف <مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان> ليصب في الاتجاه نفسه خصوصاً لجهة المضي قدماً في اصلاحات فورية وطويلة الأمد تماشياً مع التزامات لبنان السابقة لوقف تدهور الوضع الاقتصادي واستعادة التوازن النقدي والاستقرار المالي ومعالجة أوجه القصور الهيكلية الراسخة في الاقتصاد اللبناني. وذهبت المجموعة الى حد وضع <خارطة طريق> للحكومة الجديدة من خلال <التشجيع> على اتخاذ الاجراءات الحاسمة اللازمة لاستعادة استقرار نموذج التمويل للقطاع المالي وديمومته بما في ذلك التبني الفوري لموازنة فعالة للعام 2020 وتنفيذ خطة اصلاح الكهرباء والمؤسسات الاقتصادية التابعة للدولة واقرار وتطبيق قوانين فعالة للمشتريات الحكومية (المناقصات). كما تضمنت <خارطة الطريق> دعوة الى مكافحة الفساد والتهرب الضريبي من خلال تبني وتطبيق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وقانون هيئة مكافحة الفساد ودعم واستقلالية القضاء، مؤكدة على ضرورة الحفاظ على الاستقرار الداخلي وحماية حق التظاهر السلمي. ولم تنس المجموعة الدولية ان <ترشد> الحكومة الجديدة الى ضرورة تطبيق سياسة <ملموسة> للنأي بالنفس عن النزاعات الخارجية كأولوية مهمة مذكّرة بأهمية تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة والالتزامات السابقة التي تتطلب نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة في لبنان حتى لا تكون هناك أسلحة أو سلطة في لبنان سوى تلك التابعة للدولة اللبنانية. وفي تقدير المجموعة انه بمجرد تطبيق الاجراءات ستبدأ عملية استعادة الثقة بالاقتصاد من قبل اللبنانيين والمجتمع الدولي مما سيسهّل استدامة الدعم الدولي.

 

أميركا تراقب الالتزامات!

في المقابل كان الموقف الأميركي <باهتاً> واقتصر على كلام قاله وزير الخارجية <مايك بومبيو> ركز فيه على دور حزب الله في <تقويض> سلطة الدولة، وكلام آخر قاله مساعده لشؤون الشرق الأدنى <دايفيد شنكر> مفاده ان الولايات المتحدة الأميركية ستتابع عن كثب إن كانت الحكومة الجديدة ملتزمة بمحاربة الفساد واخراج لبنان من أزمته المالية. ومعلوم ان الموقف الأميركي كان دائماً يصب في اتجاه تشجيع بروز قوى جديدة غير تقليدية في الحياة السياسية اللبنانية.

في اختصار تدل الإشارات الدولية الأولى، سواء من الأمم المتحدة أو مجموعة الدعم الدولية أو فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة انها جاءت بشكل أساسي <مترقبة> وتراهن على الاصلاح أولاً، فيما يسود صمت عربي في انتظار الضوء الأخضر من واشنطن التي يصح توصيف ما صدر عنها من مواقف، سواء عن <بومبيو> أو <شنكر>، بأنه استخدام لسياسة العصا والجزرة، علماً ان ثمة من يقول ان الرسائل الخفية التي يتم تداولها بين القوى اللبنانية وواشنطن تدور حول نقاط ساخنة، وستكون أكثر سخونة في مستقبل لبنان والشرق الأوسط اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، هذا عدا عن الرسائل المتداولة أو تلك المتوقعة بين طهران وواشنطن والتي ستحدد في جانب كبير مستقبل الأزمة في لبنان وموقف الادارة الأميركية منها لاسيما لجهة القدرة على الخروج من النفق.

وفي الانتظار، تبدو حكومة الرئيس دياب في حالة انتظار مزدوجة: هي تنتظر مواقف الدول العربية والغربية منها، وهذه الدول تنتظر تصرفات الحكومة وأسلوب تعاطيها مع المواضيع المطروحة، داخلياً واقليمياً ودولياً. لكن الأكيد ان ثمة من يتفاءل بأن الإشارات الأولى أوحت بأن الغرب لن يتفرج على سقوط لبنان، ولا مانع لدى دوله من إعطاء فرصة للحكومة الجديدة لتثبيت كل المعطيات التي يجري الحديث عنها وادراجها في البيان الوزاري الذي سيكون أول الغيث الذي سوف تبني الدول عليه مواقفها من الحكومة لاسيما لجهة اعتماد خطوات سريعة كي تساهم في منع التراجع على المستويات الاقتصادية والمالية والمعيشية. أما مقاربة الشؤون الاقليمية وحروب الجوار اللبناني، فإن اعتماد النأي بالنفس قولاً وفعلاً هو المعيار!