تفاصيل الخبر

”سمع هس“.. فالأذن لم تعـد تـعـشــق قـبــل العيــن أحيـانـــاً!  

09/09/2016
”سمع هس“.. فالأذن لم تعـد  تـعـشــق قـبــل العيــن أحيـانـــاً!   

”سمع هس“.. فالأذن لم تعـد تـعـشــق قـبــل العيــن أحيـانـــاً!  

بقلم وردية بطرس

tbl_articles_article_14573_587-----1

من أهم ما أنعم الله به على الانسان نعمة الحواس الخمس: السمع، والبصر، والشم، والذوق واللمس. الى ان الحاسة الأهم التي يعتمد عليها الانسان كثيراً في ممارسة حياته اليومية هي حاسة السمع... فمن خلال السمع يتعلم الانسان النطق والكلام، ويتعلم المهارات اللغوية ومهارات الاتصال والتواصل مع الآخرين. ويساعد السمع في معرفة الأصوات وتحليلها، وتعتمد هذه الحاسة على قدرة التقاط احساس الشخص الاهتزازات والذبذبات الصوتية من خلال جهاز السمع في الجسم ألا وهو الأذن حيث تمر هذه الذبذبات والاهتزازات بالأذن <جهاز السمع> لتصل الى الدماغ الذي يقوم بتحليل الأصوات وفهمها...

الأذن هي عضو متوازن بدقة مخصص أساساً لارسال اشارات سمعية الى الدماغ. فعندما تمر الموجات السمعية في قناة الأذن تهتز طبلة الأذن والعظام الثلاث الصغيرة المرتبطة بها، ويتحرك هذا الاهتزاز عبر الأذن الوسطى وصولاً الى الأذن الداخلية التي تطلق الاشارات العصبية الى الدماغ، وفيه يتم تمييزها على أنها أصوات..

وقد يُصاب بعض الناس بمشاكل في حاسة السمع وهو ما يعرف علمياً بـ<التلوث السمعي> وهو يأتي اما نتيجة ضعف في حاسة السمع، أو نتيجة ضعف في التركيز، او اصابة البعض بارتفاع في ضغط الدم، وكذلك نتيجة التوتر العصبي. وقد تم خلال القرن الماضي والسنوات المنصرمة تطوير الكثير من الأجهزة السمعية الصوتية التي تساعد ضعيفي السمع على تحسين قدرتهم على السمع من خلال السماعات الطبية او من خلال عملية زرع قوقعة تساعد بأن تكون بديلة لجهاز القوقعة الأصلي في الأذن، وذلك في حال كان الضعف في السمع نتيجة خلل في وظيفة القوقعة نفسها. ويستذكر الكثيرون في هذا الباب شعر بشار بن برد: <الأذن تعشق قبل العين أحياناً> أي ان الأذن أداة غرامية قبل العين.. أحياناً.

ويعتبر ضعف السمع أحد الاضطرابات التي تصيب النساء والرجال على حد سواء. وتختلف أسباب الاصابة من شخص الى آخر كما تختلف حدة ضعف السمع من شخص الى آخر. ومن مسببات ضعف السمع: تجمع الصمغ بكميات كبيرة في قناة الأذن الخارجية، والتهاب الأذن الوسطى والداخلية، والتهاب عظم الخشاء الذي يقع خلف صيوان الأذن مباشرة، وتكسر احدى عظميات الأذن الوسطى نتيجة التعرض لحادث او ضربة قوية على الرأس او التعرض لثقب في غشاء طبلة الأذن. ومن الأسباب أيضاً تناول بعض العقاقير كبعض أنواع المضادات الحيوية وعلاجات السرطان الكيميائية، والشيخوخة، والتعرض للضجيج.

يُشار الى ان تعرض الرجال الى ضعف السمع نتيجة الضجيج يسجل نسبة أعلى من النساء نظراً لمزاولة الرجل مهناً تتطلب التعرض لمستويات عالية من الضجيج كالعمل في المناجم وما شابه... وتشير الدراسات الى ان قرابة 13 مليون امرأة في الولايات المتحدة يعانين من ضعف السمع، وقد يؤدي ذلك الى اصابة المرأة بالاكتئاب وبعض المشاكل النفسية الأخرى. كما قد تتعرض المرأة والرجل على حد سواء الى الخطر نتيجة ضعف السمع بسبب عدم القدرة على سماع أجراس الانذار وصوت السيارة عند عبور الشارع. ويوصي خبراء الصحة السمعية بضرورة اجراء فحوص روتينية ودورية في هذا الصدد.

أما بالنسبة الى طنين الأذن فهو مرض يقصد به الشعور بصوت داخل الأذن وليس له مصدر خارجي كسماع صوت شبيه بصوت البحر. أما مسبباته فمنها: التهابات الأذن، تجمع الصمغ بكميات كبيرة في قناة الأذن الخارجية، التوتر النفسي، نقص الفيتامينات، سوء التغذية، ارتفاع ضغط الدم، قصور الغدة الدرقية، وتناول بعض أنواع الأدوية.

حالة <بيتهوفن>

عندما نسمع باسم <بيتهوفن> نرى بأن الارادة القوية تصنع المعجزات، فهذا العبقري الذي أصيب بمرض في أذنيه، لم يمنعه مرضه من المحاولة والنجاح في تحقيق حلمه، حتى أصبح عالماً من أعلام الموسيقى على مستوى العالم كله، إذ انه عزف وأبدع ألحاناً رائعة. ولد <بيتهوفن> في <بون> المانيا في العام 1770، وهو ينتمي لأسرة فقيرة، ولما رأى والده ــ وهو أستاذ موسيقى ــ ما يملكه الفتى من موهبة موسيقية، أصبح يجبره على العزف والوقوف أمام أصابع البيانو وهو في نوبة من البكاء، وكان يعاقبه بشدة عندما لا يعزف. أما والدته التي كانت على حد تعبير <بيتهوفن> أفضل صديق له فقد ماتت وهو في سن السابعة عشرة تاركة له مسؤولية العائلة. وحين بلغ <بيتهوفن> الخامسة من عمره كان يمتلك القدرة على العزف على البيانو والكمان، وتابع تعليمه الموسيقي تحت اشراف أبيه، وقدم أولى حفلاته الموسيقية المعروفة في الثامنة من عمره، وحين بلغ الحادية عشرة من العمر بدأ المارشات وبعض الألحان الموسيقية. ودرس الموسيقى وهو في سن السادسة عشرة تحت اشراف <موزارت> في البداية، وبعد ان بدأت عبقريته تظهر للجميع، قرر الأمير <ماكسيمليان فرانز> ارسال <بيتهوفن> الى <فيينا> التي كانت تعد عاصمة الموسيقى في ذلك الوقت من أجل اكمال تعلم الموسيقى. تتلمذ في <فيينا> على يد <هايدن> الا ان العديد من الخلافات وقعت بينه وبين معلمه، فبدأ يتنقل بين معلمين آخرين مما ساهم في في صقل شخصيته الفنية والموسيقية.

وعندما عزم <بيتهوفن> على تأليف سيمفونيته الأولى، وكان قد بلغ الثامنة والعشرين من عمره، بدأ يفقد تدريجياً قدرته على السمع، فأصيب باليأس وتراجعت حالته النفسية بشكل كبير. وبسبب حالته النفسية السيئة أخذ الناس يبتعدون عنه مما جعله يعتزل البشر ويلجأ الى الطبيعة، وعلى أثر ذلك أبدع في السنوات الخمس الأخيرة من عمره، إذ أن ابتعاده عن الناس جعله لا يجد ملاذاً سوى الألحان، وما تعب عليه طوال حياته، أخرجه ابداعاً في خمس سنوات، ومات وهو يؤلف سيمفونيته التاسعة وكان قد بلغ الثانية والثلاثين من العمر... واذا كنا نتساءل كيف يمكن لشخص أصم ان ينتج عبقرية لا يستطيع سماعها؟ فالجواب هو أنه لا يوجد تحدٍ قد يواجه حلم اي شخص كمثل ذلك التحدي الذي خضع له <بيتهوفن> وهو اصابته بالصم. قد يكون شعر بالاحباط فهذا أمر طبيعي في حال كهذه، لكنه لم يستسلم بل نجح وقدم للعالم أعظم أعماله وهو أصم. ويمكننا ان نتعلم من <بيتهوفن> الموسيقى، لكن الأهم هو ان نتعلم منه الارادة، فبالرغم من انه لم يستطع ان يسمع الألحان التي عاش من أجلها، والتي كانت تملأ حياته، إلا أنه أمضى عمره كله بين <النوتات> والبيانو، فعشقه للفن كان أقوى من كل شيء، وقد قال ذات يوم: <يا لشدة ألمي عندما يسمع أحد بجانبي صوت ناي لا أستطيع انا سماعه، او يسمع آخر غناء أحد الرعاة بينما أنا لا أسمع شيئاً، كل هذا كاد ان يدفعني بيتهوفن------33الى اليأس، وكدت أضع حداً لحياتي البائسة، الا ان الفن، الفن وحده هو الذي منعني من ذلك>.

بالنسبة الى العديد من الناس يمثل ضعف السمع جزءاً طبيعياً من عملية التقدم في السن. وتكون البداية تدريجية تماماً لدرجة أنهم لا يدركون أن قدراتهم السمعية في تراجع، وان ضعف السمع يمكن ان ينتج عن التهابات الأذن او الوراثة او أنواع مختلفة من الأمراض او الصدمات الدماغية او التعرض المطول للضوضاء والضجيج. ويعتبر ضعف السمع احدى أكثر المشاكل الصحية شيوعاً في العالم، وهو أيضاً احدى المشاكل التي يتم تجاهلها، وهذا أمر مؤسف لأن ضعف السمع والكثير من تأثيراته النفسية والجانبية قابلة للعلاج الى حد كبير.. وان ضعف السمع لا يكمن في الاستماع للأصوات بدرجة صوت منخفضة، إذ قد تكون هناك صعوبة في سماع بعض الأصوات الكلامية مثل (ش، ث، ف) أكثر من أصوات أخرى، ولهذا السبب غالباً ما يعبر الأشخاص المصابون بضعف السمع أنهم يستطيعون سماع الناس يتحدثون لكنهم لا يستطيعون فهم او تمييز ما يُقال. ورغم ان معظم الاصابات بضعف السمع لا تسبب ألماً جسدياً الا انها يمكن ان تؤدي الى مشاكل اجتماعية ونفسية أكثر خطورة، لتشمل انعدام القدرة على التواصل الكلامي مع الآخرين، وما يسببه ذلك من مشاكل في التوظيف ومن عزلة اجتماعية قد تؤدي الى الاكتئاب والاحباط وفقدان احترام الذات، كما ان عدم علاج ضعف السمع عند الأطفال يمكن ان يؤدي الى تأخير تطور الكلام واللغة ومهارات التعلم لديهم.

 

الدكتور نعمة ونعمة السمع

فمن هم الأكثر عرضة للاصابة بضعف السمع؟ وما هي العوامل التي تزيد من نسبة حدوث ضعف السمع؟ وكيف يمكن حماية الأذن؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها <الأفكار> على الدكتور جاد نعمة الاختصاصي في جراحة الأذن والأنف والحنجرة، ونسأله عن اصابة ضعف السمع عند الأطفال والكبار وأسبابها فيقول:

- يصيب ضعف السمع الأطفال والكبار أيضاً. وفي أغلب الأحيان يصيب ضعف السمع الأطفال في لبنان لأسباب وراثية خصوصاً مع زواج الأقارب حيث تزداد نسبة تعرض الطفل للاصابة بضعف السمع. وأحياناً يكون الطفل قد تناول دواء في صغره أثر على سمعه ولهذا يجب معالجة المشكلة منذ الصغر. كما ان لضعف السمع علاقة بالأذن الوسطى (وهي عبارة عن تجويف يحوي ثلاث عظيمات تنقل الذبذبات من طبلة الأذن الى قوقعة الأذن الداخلية) ويحدث التهاب الأذن الوسطى عندما تتجمع السوائل فيها، ومن أسباب التهاب الأذن الوسطى وجود ثقب في طبلة الأذن يسبب انتقالاً مباشراً للمياه من الخارج الى داخلها، واذا لم يعالج الالتهاب نلجأ الى العملية الجراحية.

ويتابع:

- أما عند الكبار فان ضعف السمع مرتبط بمسببات لها علاقة بالأذن الوسطى، ومع الوقت يصبح الأمر التهاباً مزمناً ويحدث تكلساً في الأذن، ولكن مع الوقاية منذ الصغر لا يصل الأمر لهذا الحدّ. والمشكلة عند الكبار تكمن في داخل الأذن الوسطى وغالباً ما تتطلب اجراء عملية جراحية لعضمات السمع، ويكون هناك عادة تكلس على العظم الثالث في الأذن وتكون عادة وراثية في لبنان، خصوصاً بعد الحمل عند المرأة اذ لا يعود الصوت يصل الى الأذن، وتُعالج هذه الحالة بواسطة العملية الجراحية (تجدر الاشارة الى ان تكلس عظام الأذن الوسطى ويُسمى أيضاً تصلب عظام الأذن الوسطى هو مرض وراثي حيث تنمو الأذن بشكل غير طبيعي مما يعيق حركتها وبالتالي عملها في ايصال الصوت، ويكون العظم الأكثر اصابة هو العظم الثالث في الأذن). ولكن طبعاً ليس كل امرأة حامل يحدث معها ذلك، الا أن هذه الحالة تظهر عادة بعد الولادة.

ــ ماذا عن نسبة الاصابة بضعف السمع في لبنان؟

- مشاكل السمع في لبنان ناتجة عن عدم وجود وقاية من الأصوات، فمثلاً في السهرات الصاخبة لا يحمي الأشخاص آذانهم من تلك الأصوات المؤذية التي تعلو حدتها عن 90 <ديسيبل> والتي تُصنف كأصوات مؤذية للسمع، إذ قد تعلو حدتها الى درجة 115 او 120 وكأن الشخص جالس بالقرب من طائرة اثناء تحليقها. كما ان الأشخاص الذين يعملون في مجال البناء والتبليط والحدادة تتعرض آذانهم لأصوات مؤذية، ولهذا يجب ان يخضعوا لفحوصات الاذن دورياً.

الدكتور-جاد-نعمة------2وعن علاقة السكري وارتفاع الضغط بضعف السمع يشرح الدكتور نعمة قائلاً:

- يجب التذكير بأن هناك عوامل أخرى تؤدي لحدوث ضعف في السمع، فمثلاً اذا كان الشخص يعاني من المشاكل الصحية ومنها ارتفاع الضغط او السكري، واذا لم يتمكن المصاب بالسكري من السيطرة على مستوى السكر ومعالجة الأمر فسيؤثر ذلك على الأذن، والأمر نفسه بالنسبة للشخص المصاب بارتفاع الضغط. ليس لدينا دراسات حول نسبة الاصابة بضعف السمع في لبنان، ولكنني اقوم بدراسة بعمر معين لنسبة الاصابة في لبنان مقارنة مع دول العالم، ويمكن القول انه ليس هناك في لبنان من تدابير وقائية من قبل الأشخاص خصوصاً انهم لا يهتمون للأمر من الناحية الصحية، فكما ان المريض المصاب بالسكري يتابع وضعه الصحي تفادياً لحدوث مشاكل في النظر او الكلى الى ما هنالك، عليه أيضاً أن يهتم اذا واجه مشكلة في الأذن تفادياً لحدوث ضعف في السمع. وأهم ما في الأمر ان يستشير المصاب الطبيب المختص عند حدوث مشاكل في الأذن لئلا يصل الى مرحلة متقدمة حيث قد يفقد حاسة السمع.

وأضاف:

- هناك أنواع من ضعف السمع: ضعف السمع الخفيف، وضعف السمع المتوسط، وضعف السمع العميق. فاذا تدارك الشخص المشكلة عند اصابته بضعف السمع الخفيف وخضع للعلاج، فلن تتطور حالته، ولكن اذا كان الشخص في الستين من عمره وأصيب بضعف السمع العميق فلن يتحسن السمع لديه، اذ اما عليه ان يستخدم السمّاعة او ان يخضع لعمليـــــة زرع القوقعـــــة، ولكن الأشخـــــاص الذيــــــن يبلغون الأربعين من عمرهم او الخامسة والأربعين ويصابـــــون بضعف السمع فالأمــــــر يكون متعلقـــــاً بالجينات لديهم.

ــ ولكن حتى لو لم يكن المرض وراثياً، هل يضعف السمع كلما تقدم الانسان في العمر؟

- ان ضعف السمع عند المتقدمين في السن ليس مرضاً، إذ انه يصيب الانسان كلما تقدم في العمر، فخلايا الأذن تشيخ وتضعف قدرتها كما خلايا العين والجلد وغيرها. وإن ضعف السمع يصيب عادة الانسان مع التقدم في السن اي بعدما يتجاوز سن الخامسة والستين او السبعين سنة. وتزداد نسبة الاصابة بضعف السمع كلما أهمل الانسان صحته أثناء شبابه او انه تعرض للأصوات الشديدة والمؤذية للأذن. واذا لم يُعالج ضعف السمع وتتطورت الحالة فقد يؤثر ذلك على وعي المصاب وادراكه. وبالتالي لا يجب التساهل مع مشاكل الأذن عند حدوثها في البداية تجنباً لحدوث الضعف العميق الذي قد يتسبب بفقدان حاسة السمع.

ــ كيف نحمي الأذن؟

- لا شك ان مشاكل السمع تبدأ منذ الصغر، ولهذا على الأهل ان يتنبهوا للأمر عما اذا كان ابنهم يعاني من مشكلة في الأذن وان يصطحبوه للطبيب المختص في فترة الطفولة، وطبعاً يجب البدء بذلك بعد ولادة الطفل لتدارك الأمر منذ البداية. ويجب اصطحاب الطفل الى الطبيب المختص عندما يكون في مرحلة الطفولة، لأنه كلما تلقى العلاج المناسب بشكل مبكر نحميه من الاصابة بضعف السمع. وطبعاً ننصح الكبار دائماً بضرورة الوقاية فعند حدوث اي التهاب قد يؤدي ذلك الى مشاكل ولهذا يجب الخضوع للعلاج المناسب. كما ننصح بألا يتعرض الشخص للأصوات المؤذية للأذن كما ذكرت في سياق الحديث، وأهم ما في الأمر الا يتساهل الشخص عند حدوث اي مشكلة في الأذن لأن الحالة تتطور أحياناً بسبب الاهمال وعدم تلقي العلاج في الوقت المناسب.