معاودة جلسات الحوار في القصر تتطلّب تفاهماً مسبقاً على مصير «إعلان بعبدا » والاستراتيجية الدفاعية وتمثيل المتحاورين!
أما وقد اجتازت حكومة الرئيس تمام سلام <قطوع> البيان الوزاري، ومن بعده ثقة مجلس النواب، فإن الاستحقاق الاقرب الذي سيواجه الطبقة السياسية اللبنانية، قبل استحقاق الانتخابات الرئاسية، هو معاودة <هيئة الحوار الوطني> اجتماعاتها في قصر بعبدا، كما سبق لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أن وعد في سلسلة الخطب التي ألقاها خلال الاسبوعين الماضيين وربط فيها بين نيل الحكومة الثقة، ومبادرته للدعوة الى اجتماع لـ<هيئة الحوار الوطني> في قصر بعبدا. كذلك فإن البيان الوزاري الذي تقدمت به الحكومة أمام مجلس النواب لحظ في إحدى فقراته <تعهد> الحكومة العمل على تأمين مناخات ايجابية للحوار الوطني الذي يدعو اليه ويرعاه رئيس الجمهورية و<لاستئناف النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية الوطنية>.
<إعلان بعبدا>: إحياء أو إقصاء؟
وفيما كانت دوائر قصر بعبدا تتحدث عن اجتماعات متتالية تعقدها اللجنة التحضيرية للحوار للبحث في موعد استئناف الجلسات الحوارية، كانت مراجع سياسية متابعة تتحدث عن <صعوبات> قد تواجه الدعوة الى انعقاد هيئة الحوار الوطني مجدداً لعل أبرزها الآتي:
أولاً: تباين الآراء حول <إعلان بعبدا> الذي يصرّ الرئيس سليمان على اعتباره من <إنجازات> جلسات الحوار السابقة، ويدعو المشاركين في الحوار الى إعلان التزامه قبل استئناف مؤتمر الحوار، في مقابل عدم إقرار ممثلي فريق 8 آذار - باستثناء الرئيس نبيه بري - بأن المؤتمر الحواري <تبنى> مضمون الاعلان بل <أخذ علماً> بما ورد فيه من أفكار. وفي هذا السياق، تتحدث مصادر قصر بعبدا عن أن <إعلان بعبدا> الذي يعتبره الرئيس سليمان وثيقة تاريخية توازي الميثاق الوطني، يجب أن تعلن الأطراف المشاركة في الحوار أنها لن تعارض بعد اليوم مضمونه وإن كانت نجحت في <إقصائه> كنص قائم عن متن البيان الوزاري بالاسم، واكتفت بالإشارة الى بعض مضامينه. وتضيف المصادر نفسها أنه بعد تشكيل الحكومة ونيلها الثقة سيكثف رئيس الجمهورية لقاءاته مع أطراف الحوار في محاولة لاستشراف مدى تجاوبهم مع الدعوة الى استئناف الجلسات في قصر بعبدا، وذلك لضمان عدم معارضة اي من الشخصيات المدعوة، تلبية الدعوة. فالرئيس سليمان يرى - تضيف مصادره - أن معاودة جلسات الحوار في ظل الظروف الراهنة، سيكون لها الأثر الايجابي على المناخ الوطني العام نتيجة ما يتعرض له لبنان من تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية، إضافة الى ضرورة التوافق الوطني على مواجهة مسألة النازحين السوريين التي تزداد خطورة يوماً بعد يوم، علماً أن اجتماعات هيئة الحوار وإن لم تنفذ قراراتها كما حصل سابقاً - إلا أنها تعكس في رأي المصادر الرئاسية - وجود إرادة وطنية جامعة للتصدي للأخطار المحدقة بلبنان. كذلك فإن معاودة الحوار، يمكن أن يواكب مسار الاستحقاق الرئاسي عبر محاولة توفير الحد الادنى من الظروف المؤاتية لإتمامه في موعده الدستوري.
في المقابل، ترى مصادر 8 آذار ان تمسك الرئيس سليمان بـ <إعلان بعبدا> ودعوته الى التزام مضمونه كشرط لمعاودة الحوار سيضعان الدعوة الى الجلسة المقبلة للحوار أمام خطر عدم الانعقاد لان معظم أعضاء فريق 8 آذار ليسوا في وارد التسليم بـ<نهائية> هذا الاعلان بعدما تمكنوا من إبعاده عن نص البيان الوزاري لاسيما وان لا قيمة دستورية للاعلان، بل هو مجرد <بيان سياسي> يماثل بيانات عدة صدرت وتصدر عن مرجعيات رسمية وسياسية، وان محاولة <نفخه> ووضعه في مصاف النصوص الميثاقية التي صدرت عن مؤتمر الطائف هي ممارسة <مبالغ فيها> لأنه لم يكن يوماً <وثيقة وطنية> ولن يكون، طالما أنه لم يعرض على المؤسسات الدستورية، لا سيما مجلس الوزراء حيث السلطة التنفيذية صاحبة القرار، ومجلس النواب حيث السلطة التشريعية التي سبق أن أقرت <وثيقة الوفاق الوطني> المنبثقة عن مؤتمر اتفاق الطائف وعدلت الدستور بموجبها.
وترى مصادر 8 آذار ان الخبراء القانونيين والدستوريين الذين سألهم أركان هذه القوى أجمعوا على ان <ترحيب> الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية بصدور <إعلان بعبدا> لا يأخذ صفة دستورية أو يحوّل الاعلان الى <قرار> دولي، ذلك أنه سبق للأمم المتحدة ان <رحبت> أو <اخذت علماً> بالكثير من الافكار والصيغ التي تندرج تحت عنوان <الاصلاحات>، أو <الاستحقاقات الوطنية> من دون ان يعني ذلك أن هذه الأفكار والصيغ باتت <ميثاقية> أو تصنف في خانة <النصوص الدستورية> أو <الميثاقية>.
الحسيني: لا قيمة للاعلان
وتستند قوى 8 آذار الى معطيات عدة لتحدد موقفها من <إعلان بعبدا>، وأتى مؤخراً اعلان الرئيس حسين الحسيني ان لا قيمة لـ<إعلان بعبدا> ولا وجود له بالمعنى الدستوري طالما لم يقر لا في مجلس الوزراء ولا في مجلس النواب، ليضيف الى الحجج التي يتذرع بها معارضو اعتبار <إعلان بعبدا> وثيقة وطنية أو دستورية، لاسيما وان الرئيس السابق لمجلس النواب و<أبا الطائف> تساءل في أكثر من مناسبة: <من اخترع إعلان بعبدا، ومن هي الهيئة التي اقرته واي مجلس وزراء، ومن ثم مجلس النواب أقره>. كذلك يتساءل الحسيني عن ماهية طاولة الحوار ومن عين اعضاءها <لاننا للاسف نخترع كذبة ثم نصدقها>، وذلك في معرض حديثه عن رفضه لـ<طاولة الحوار> لانها الغاء لمجلس النواب الذي من مهامه الحوار>.
عقدة الاستراتيجية الدفاعية
كذلك يعتبر البند الابرز لطاولة الحوار - في حال انعقدت مجدداً - الاستراتيجية الوطنية الدفاعية الشاملة بنداً يكمل الكثير من الالتباسات نتيجة عدم الاتفاق على توصيف هذه الاستراتيجية من جهة، ولوجود أكثر من تفسير لها من جهة ثانية، فضلاً عن أن فريق 14 آذار يرفض أي مشاركة لحزب الله في الدفاع عن البلاد، معتبراً ذلك من مسؤولية الدولة ومؤسساتها الامنية الشرعية. في حين يرى فريق 8 آذار ان محاولة <تذويب> المقاومة الوطنية في توصيف عريض هو <الاستراتيجية الوطنية الدفاعية الشاملة> لن تلقى من قبل قواه، ولاسيما حزب الله، أي تجاوب أو دعم، لان المقاومة يجب أن تبقى بعيدة عن اي مؤسسات أمنية نظامية، نظراً لطبيعة تحركها ولدورها ولقدراتها، خصوصاً سرية عملها، وهو أمر غير متوافر لدى المؤسسات الرسمية، السياسية منها والإدارية والأمنية.
من هنا، تقول المصادر المتابعة ان <لا حماسة> لدى الفريقين السياسيين للدخول في نقاش حول الاستراتيجية الدفاعية، وذلك لتخوف فريق 14 آذار من فرض الفريق الآخر صيغة ترضيه على غرار ما حصل في البيان الوزاري لحكومة الرئيس سلام، في مقابل تخوف <8 آذار> من إحياء جدل حول <شرعية> المقاومة الوطنية بعد التأييد العام لها قبل احداث سوريا، والسعي الى وضعها تحت إمرة الدولة ومؤسساتها الدستورية، علماً أن هذا الخيار غير وارد لاعتبارات كثيرة.
إضافة الى ذلك هناك قناعة لدى طرفي الحوار بأن القرارات التي صدرت سابقاً عن هيئة الحوار، يوم كانت في مجلس النواب، ثم بعدما انتقلت الى قصر بعبدا، ظلت حبراً على ورق ولم تعترف بالتنفيذ، باستثناء <المناخ> العام الايجابي الذي كانت تحدثه <الصورة> الجامعة للقيادات حول رئيس الجمهورية. وبالتالي فإن ما كان صعباً ومستحيلاً تحقيقه في منتصف عهد رئيس الجمهورية، لن يصبح ممكناً في نهاية العهد الذي لم يبقَ منه سوى 60 يوماً إذا اعتمد تاريخ 26 آذار (مارس) الجاري موعداً للدعوى الى اجتماع <هيئة الحوار الوطني>.
إعادة نظر في تمثيل المتحاورين
وهنا تبرز مشكلة في تمثيل الأطراف في طاولة الحوار بطبيعتها الجديدة، ذلك أن الاعتبارات التي املت تشكيل هيئة الحوار في العام 2010 تختلف بنسبة معينة عن تلك المماثلة في العام 2014. فالتمثيل السني سيتأثر بغياب الرئيس سعد الحريري عن البلاد نتيجة استمرار الظروف التي حالت حتى الآن دون عودته الى لبنان. والتمثيل الارثوذكسي لا بد أن يتعدل مع تعيين المهندس سمير مقبل نائباً لرئيس مجلس الوزراء في حكومتين متتاليتين وإضافة حقيبة وزارة الدفاع اليه في الحكومة الحالية. أما التمثيل الكاثوليكي الذي كان قد اقتصر في الهيئة الحوارية السابقة على البروفسور فايز الحاج شاهين، فإنه لا يمكن أن يستمر على هذا النحو مع تغييب التمثيل الزحلي عن الحكومة السلامية، فضلاً عن وجود الوزير ميشال فرعون فيها، ما يعني أن الطائفة الكاثوليكية لن تقبل بتغييبها عن هيئة الحوار من خلال ممثليها في مجلس الوزراء والنواب. وفيما لا يوجد أي تبدل في التمثيل الماروني والدرزي والشيعي لعدم حصول متغيرات أساسية، فإن التمثيل الارمني قد يواجه إشكالية عدم جواز استمرار الازدواجيـة بين حزب الطاشناق الارمنـي و<أرمـن 14 آذار> المتحالفين مع تيار <المستقبل>، علماً أن حزب الطاشناق تمسك بأن يكون هو ممثل الارمن في حكومة الرئيس سلام من خلال الوزير آرثور نزاريان، ما سهل على الاقليات ان يتمثلوا بالنائب نبيل دو فريج بعدما كان الرئيس سلام يرغب بتوزير صديقه رئيس الرابطة السريانية حبيب أفرام، لكنه تجاوب مع رغبة <المستقبل> بأن تكون حصة الاقليات من نصيب <التيار الازرق>.
تحضيرات بعبدا
في أي حال، تستعد دوائر قصر بعبدا لاستضافة <هيئة الحوار الوطني> مجدداً في اجتماع قد يكون الاخير في ولاية الرئيس ميشال سليمان التي تنتهي في 25 أيار (مايو) المقبل، وأضيف الى عناوين الاجتماع - اذا حصل - تقييم ما تحقق داخلياً وخارجياً خلال الفترة التي غابت فيها جلسات الحوار، لاسيما لجهة المظلة الدولية للاستقرار اللبناني على أكثر من صعيد والتي ترجمت في اجتماعي نيويورك وباريس لمجموعة الدعم الدولية والخلاصات التي اقرت والتي بوشر بتنفيذها، إضافة الى موضوع تسليح الجيش بعد الهبة السعودية التي ستمول تجهيز الجيش بمعدات فرنسية. وثمة من يتحدث عن إمكان توجيه الدعوة بعد حصول الحكومة على الثقة إذا ما ذللت العقبات التي تظهر في طريق استئناف اجتماعات <هيئة الحوار الوطني>، على أن يكون الموعد المبدئي قبل نهاية آذار (مارس) الجاري، أو في الاسبوع الاول من نيسان (أبريل) المقبل ليوفر الاجتماع الحواري دعماً مطلقاً للأجهزة الامنية، ولاسيما الجيش وقوى الامن الداخلي، في حربها ضد الارهاب التي يفترض أن تتعزز خلال الاسابيع المقبلة بعد إنجاز <التنسيق> بين الاجهزة الامنية اللبنانية الذي تقرر خلال زيارة وزير الداخلية نهاد المشنوق لوزارة الدفاع ولقائه نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي ومدير المخابرات العميد ادمون فاضل، ورافق المشنوق قادة الامن العام وقوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات.
وفيما أكد الرئيس سليمان خلال لقائه الوفد الطالبي الكتائبي الأسبوع الماضي ان الدعوة الى جلسة الحوار يمكن أن تتم بعد نيل الحكومة الثقة، اعتبر مستشار الرئيس سليمان لشؤون الحوار الوطني الوزير ناظم الخوري ان موعد العودة الى الحوار رهن بقرار الرئيس سليمان في ضوء الاتصالات والمشاورات التي يقوم بها مع القوى السياسية لاتخاذ الموقف المناسب. وفي قناعة الوزير السابق الخوري ان معاودة الحوار بعد تشكيل الحكومة يمكن أن تعبّد الطريق أمام إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده، باعتبار ان هيئة الحوار من شأنها أن تخلق مناخاً تفاهمياً لإنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها ضمن اطار معين اي لتفادي ان يكون هذا الاستحقاق تصادمياً، ولفت الى ان الانتخابات الرئاسية وفي ظل الخلافات القائمة لا تبدو أمراً سهل المنال.