لا يزال لبنان يتخبط في أزماته السياسية والأمنية دون أن يتمكن أهل الحكم من التوافق على الحد الأدنى من الملفات العالقة بدءاً من انهاء الفراغ في رئاسة الجمهورية الى التشريع في مجلس النواب، وإن لاحت بوادر إيجابية للتفاهم على جلسة تشريعية قريباً لإقرار ملفات الضرورة، فيما الواقع الأمني يزداد سوءاً وأزمة العسكريين المخطوفين تتعقد وسط شروط الخاطفين. فإلى متى سيستمر الوضع في الجمود بهذا الشكل وهل من حلول في الأفق؟!
<الأفكار> استضافت في مكاتبها عضو كتلة <المستقبل> النائب محمد الحجار وحاورته في هذا الملف الشائك، بالإضافة الى الوضع في إقليم الخروب، لاسيما بالنسبة لملف النازحين السوريين بدءاً من السؤال:
ــ قدمتم ترشيحكم للانتخابات رغم علمكم أن التمديد حاصل، فهل يمكن أن تحصل الانتخابات أم الترشيح من باب الاحتياط؟
- عملية ترشيحنا هي للتأكيد أننا جاهزون لمواجهة هذا الاستحقاق ولا نتهرب منه مع إدراكنا وفقاً للمعطيات الحالية ان الانتخابات لن تحصل خصوصاً مع السقف الذي وضعه الرئيس سعد الحريري بأن لا انتخابات إذا لم تحصل الانتخابات الرئاسية، لكن يمكن أن يحصل انتخاب للرئيس، ويقول وزير الداخلية (نهاد المشنوق) إن الوزارة جاهزة لإجراء الانتخابات وقادرة على تغطيتها، وبالتالي نكون نحن جاهزين لخوضها، فالترشيح يؤكد أننا جاهزون لكل الاحتمالات وأن عملية تداول السلطة بالنسبة إلينا أمر مقدس نرفعه شعاراً ونمارسه.
التمديد دليل مرض
ــ يعني أنتم الآن نواب بالقوة بانتظار أن تكونوا نواباً بالفعل؟!
- نعرف أن التمديد غير مرغوب ونحن في وضع لا نحسد عليه، بما يعني أن التمديد بحد ذاته هو مؤشر ضعف ومرض وليس مؤشراً صحياً، لكن المثل يقول: <الذي جبرك على المر هو الأمر منه>، لاسيما وأن الوزير نهاد المشنوق قال إن الوزارة جاهزة لوجستياً وفنياً لإجراء الانتخابات، لكنها أمنياً غير قادرة.
ــ وما رأيك الشخصي في ذلك؟
- طبعاً، فالموضوع الأمني ضاغط وبالأمس قطعت الطرقات في معظم المناطق اللبنانية احتجاجاً على خطف العسكريين. والأهالي محقون في تحركهم وصرختهم، لكن كيف التصرف في هذه الحالة إذا كنا في يوم انتخابي؟! يخطئ من يظن أننا نبحث عن التمديد، فنحن نريد للاستحقاق الانتخابي أن يتم في موعده لأنه دليل عافية وصحة، والتمديد دليل مرض وضعف.
ــ البعض يطرح التفاوض للإفراج عن العسكريين المخطوفين ومبادلتهم بموقوفين إسلاميين. فماذا تقول هنا؟
- أنا وراء الحكومة في أي قرار تتخذه ولا اشترط أي أمر أو أن أضع العصي في دواليب أي قرار، فالحكومة بوزرائها ورئيسها تقوم بالمستحيل لإطلاق سراح العسكريين.
ــ الأهالي يقولون العكس. فكيف ذلك؟
ــ هم يظلمون الحكومة ورئيسها تحديداً (تمام سلام)، رغم أنه يقوم بكل ما يستطيع لتحرير الرهائن. وأتصور أن الحكومة لا تضع قيداً على الجيش اللبناني للقيام بكل ما يرتئيه مناسباً للإفراج عن العسكريين. وطبعاً هناك مشكلة تتمثل بعملية المقايضة، وهذا بيت القصيد، لأن الإرهابيين يريدون ثمناً لإخراج العسكريين، يتمثل بالإفراج عن بعض الموقوفين، وهذا الموضوع في يد الحكومة، وهي لم تقبل حتى الآن، لكن رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط قال إنه لا مانع من مقايضة إذا كان لا بد من ذلك، وواضح أن حزب الله يضع شروطاً لأي قرار تتخذه الحكومة لتحرير العسكريين وعدم إعطائها الحرية الكاملة للقيام بما يجب في هذه القضية، رغم أنه يجيزها لنفسه في أماكن أخرى.
هموم إقليم الخروب
ــ على ذكر النائب جنبلاط، أين تلتقي مع نائب إقليم الخروب الثاني الوزير السابق علاء ترو وأين تختلفان؟
- نلتقي على مصلحة الإقليم والمنطقة ونقوم بواجبنا لما فيه مصلحة المنطقة.
ــ من خلال زيارات مشتركة؟
- لا.. كل واحدٍ منا يقوم بواجباته منفرداً، ونحن نعمل لمصلحة المنطقة ولا مشكلة في ذلك.
الفقر وأزمة الحياة
ــ كم تبلغ نسبة الفقر في إقليم الخروب لا سيما وأن 29 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر حسب تقرير الأمم المتحدة؟
- اقتصاد إقليم الخروب قائم بشكل مباشر على الوظيفة، سواء الوظائف الإدارية أو الوظائف العسكرية، وبالتالي نسبة التجار في إقليم الخروب محدودة وكذلك نسبة الصناعيين. وطبعاً نحن ندرك هذا الموضوع وتحركنا كنواب وكتيار<مستقبل> باتجاه خلق الظروف الملائمة لجلب استثمارات الى المنطقة لتحريك الحركة الانمائية فيها. وسبق أن بدأنا بذلك مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري من خلال تأمين البنى التحتية اللازمة، والحمد لله نجحنا الى حدٍ كبير في هذا الموضوع وأنجزنا الطرقات العامة وغيرها، لكن لدينا حاجة للمياه تصل الى حدود 217 ألف متر مكعب يومياً، لا يصلنا منها إلا 2500 متر مكعب. وهذه مشكلة نحاول حلها مع مؤسسة مياه جبل لبنان ووزارة الطاقة والمياه، وتقدمت بطلب لحفر آبار على مجرى نهر بسري، وبالتالي ضخ هذه المياه الى منطقة بسابا لتوزيعها على البلدات، وهذا حل آني لتأمين حوالى 25 ألف متر مكعب من المياه يومياً وقطعنا شوطاً في هذا الاتجاه وننتظر التنفيذ خلال شهرين، لكن الحل الجذري يكون بإقامة سد بسري الذي يغطي آنذاك منطقة إقليم الخروب ومنطقة بيروت وغيرها.
ــ كم يبلغ عدد النازحين السوريين في الإقليم؟
- العدد يصل الى 60 أو 70 ألف نازح وهم موزعون بأكثريتهم في منازل والبعض في مخيمات عشوائية عند بعض القرى، لاسيما في كترمايا.
ــ ألم يتم التعرض لهم كما حصل في مناطق أخرى رغم تنبيه جميع الأحزاب ورفضها لذلك؟
- للأسف، تم التعاطي في بعض الأماكن مع النازحين بطريقة لاإنسانية، وبالنسبة إلينا نعتبر أن السوريين شعب شقيق وقف معنا في حرب تموز/ يوليو عام 2006 واستضاف اللبنانيين في بلاده، ومن واجبنا الإنساني والقومي والوطني أن نستقبلهم، لكن بعدما وصلنا الى مكان أن الإرهابيين الذين طالوا بلدة عرسال باعتداءاتهم من لبنانيين مدنيين وعسكريين، كانت ردة الفعل عند البعض عنصرية تجاه النازحين.
ــ حتى في إقليم الخروب؟
- النسبة أقل من غير مناطق لكن هذا التصرف ساد في بعض مناطق الإقليم.
ــ هل أنت خائف من هذه النزعة؟
- هذه النزعة في الإقليم أقل من غيرها في مناطق أخرى لكنها موجودة في كل المناطق.
ــ ألا يستدرج الفقر الحركات المتطرفة في مناطقكم؟
- لا شك ان الحركات الإرهابية تجد ملاذاً لها في البيئات الفقيرة والمحرومة الى جانب وجود حضن دافئ لها عند المطلوبين، فمن يستجلب هذه الحركات ويؤمن البيئة الحاضنة لها ليس الفقر وحده، وإنما الظلم الذي يشعر به الإنسان ضد أي أفعال تمارس ضده، وهذا ما رأيناه في سوريا والعراق وبلدان أخرى.
ــ هل يستطيع لبنان تحمّل المزيد من النازحين؟
- أبداً... لم يعد لبنان باستطاعته أن يتحمّل المزيد من النازحين لاسيما وأننا نتحدث عن مليون و300 ألف من المسجلين وعن 300 ألف من غير المسجلين عدا عن وجود 400 ألف فلسطيني بالإضافة الى النازحين الفلسطينيين الذين هربوا من مخيم اليرموك، ما يعني أن العدد يماثل نصف الشعب اللبناني. وبالتالي فلا البنى التحتية قادرة على التحمّل ولا الاقتصاد، ولا سيما أن الأمم المتحدة تحدثت عن 7,5 مليارات دولار كتكلفة وكأضرار بسبب النزوح السوري، علماً أن الدول المانحة لم تساعد لبنان بأكثر من 20 بالمئة مما يجب، ولم تقم هذه الدول بواجباتها ولم تفِ بوعودها في مساعدة لبنان.
الوباء الطائفي والمذهبي
ــ هل تخاف مما يجري في المنطقة من مشاريع تقسيم وما شابه؟
- الجو القائم موبوء طائفياً ومذهبياً، ومستوى الاحتقان وصل الى درجة كبيرة، وبالتالي فالمقاربات يجب أن تكون مختلفة، بمعنى أنه يجب تغليب لغة العقل والمنطق والابتعاد عن إثارة الحساسيات الطائفية والمذهبية.
ــ وهل من احتقان في إقليم الخروب؟
- إقليم الخروب بطبيعته معتدل، لاسيما وأنه يضم كل الطوائف والمذاهب من المسلمين السنّة الى الشيعة والى الدروز والى المسيحين بكل مذاهبهم والولاء للدولة هو بحد ذاته يجعل ابن الإقليم مختلفاً عن غيره من أبناء المناطق الأخرى، لكن ما يحصل في المنطقة ولبنان يؤكد أن وحدتنا هي السلاح الوحيد الذي نستطيع من خلاله مواجهة الإرهابيين بحيث تكون المواجهة وطنية وليست فئوية ويترجم ذلك بالتمسك بالدولة والالتفاف حول الجيش والقوى الأمنية الشرعية ونبذ التطرف والتحريض، علماً أن الأمور سائرة نحو حالات خطرة إذا لم يُعدّل الخطاب السياسي ويؤخذ باتجاه أكثر شمولية ووطنية، وإلا فالفتنة آتية لا سمح الله، وهذا هو خوفي الكبير. صحيح أن قرار القيادات السياسية اللبنانية يواجه هذا الأمر، لكن هذا لا يكفي إن لم يترجم عملياً ويساند بأمور عملية. وأنا هنا أطالب حزب الله بانسحابه من سوريا للمساعدة في هذا الأمر رغم أن أسباب قتاله في سوريا تدرجت من مساعدة لبنانيين في بعض القرى الحدودية الى حماية العتبات المقدسة الى الاعتراف علانية بدعم وحماية النظام السوري، كما قال الحزب فيما بعد انه يقاتل لمنع الإرهابيين من الدخول الى لبنان، لكن للأسف أصبح الإرهابيون في لبنان واحتلوا قرية عرسال الشمالية وهم يتمركزون في الجرود اللبنانية.
وأضاف:
- أرى أن تأمين عناصر المواجهة الفعلية لهذا الإرهاب يتم من خلال عدة اتجاهات: الأول، أن يكون هناك موقف حاسم وحازم ضد الإرهاب بكل أشكاله وتلاوينه وبكل مسبباته. وثانياً أن يكون هناك حرص على تعزيز الوحدة الداخلية كأمر أساسي. وثالثاً، فإن ما يعزز هذه الوحدة هو التمسك بالدولة والالتفاف حول الجيش والقوى الأمنية الشرعية التي تستطيع وحدها حمايتنا. ورابعاً، أن يكون الخطاب السياسي رافضاً للتطرف والغلو ومؤكداً على الاعتدال منهجاً وتفكيراً وسلوكاً. وحزب الله يساعد في ذلك من خلال انسحابه من سوريا في هذا الاتجاه.
ــ وهل ينسحب الآن؟
- أعتقد أن هذا الأمر ليس منوطاً به وحده، بل يبدو أنه مرتبط بالإيرانيين، ولكن أن يدفع حزب الله بهذا الاتجاه، هو أمر جيد نظراً للمخاطر والتحديات، ومع ذلك فإذا انسحب حزب الله لن تنتهي الأزمات، ولكن على الأقل هناك قنابل تفجير وذرائع تسحب، وتجعل الموقف اللبناني أكثر توحداً في مواجهة هذا الإرهاب كما كان الحال في مواجهة الإسرائيلي.
ــ عندما سمعت والد الشهيد محمد معروف حمية يقول انه لاعلاقة له بأهل السنّة ولا بالسوريين واتهم المتورطين بمساندة الإرهابيين من آل الحجيري فقط، فكيف تلقيت كلامه؟
- هذه صرخة أبٍ مفجوع عندما يرى فلذة كبده يُعدم بدمٍ بارد.. وأتصور أن آل حمية عشيرة عربية أصيلة تتمسك بالقيم ولا تقتص من أحد بجريرة الآخرين، ووالده كان واضحاً عندما قال انه لا يحمّل أهل السنّة ولا السوريين ولا أهل عرسال هذا الموضوع وحصره في البعض الآخر فقط. وعلى كل حال، هذه العائلة تمت بصلة الى آل حمية في برجا في الإقليم وهي معروفة بوطنيتها وقيمها. وأعرف أن الأب الملتاع والأم المفجوعة يطلقان الصرخة، لاسيما وأن ابنهما قُتل بشكلٍ بربري وبدمٍ بارد وبمنتهى الإجرام، والله لا يجرب أحداً.
ــ يقال إن عودة الرئيس سعد الحريري الآن ضرورة لتهدئة الوضع وتعزيز الاعتدال وفتح حوار مع حزب الله لسحب فتائل أي فتنة. فكيف تقارب ذلك؟
- نحن لم نرفض التواصل مع أحد وكنا السباقين الى هذا التواصل والحوار مع حزب الله أو غيره، ولأن الظرف دقيق وصعب ونريد أكثر فأكثر أن يصل أي حوار الى نتيجة إيجابية ولا تكون هذه النتائج صادقة ولذلك فأي حوار بين<المستقبل> وحزب الله أمر يعوّل عليه جداً، وأفهم ذلك وربما هذا صحيح في كثير منه، لكن الحوار لا بد أن يصل الى النتيجة التي يأملها الناس، ولذلك نقول إننا جاهزون إنما لا بد أولاً من الاتفاق على مرجعية لهذا الحوار وإلا سنكون أمام الفشل، والمرجعية الأساسية هي الدولة أولاً وأخيراً.
ــ وهل ستحاورون الحزب بالرغم من المحكمة الدولية؟
- الرئيس الحريري من باب المحكمة الدولية حسم الموقف بكل نبل وأخلاق.