تفاصيل الخبر

ســلـــــــــــــــة تـــفــــــــــــــــاح  

06/10/2016
ســلـــــــــــــــة تـــفــــــــــــــــاح   

ســلـــــــــــــــة تـــفــــــــــــــــاح  

بقلم سعيد غريب

SAM_5208

أسباب الهجرة اللبنانية معظمها بل كلها تواريخ مرتبطة بصورة مباشرة بتردي الأوضاع الاقتصادية.

البداية الكبرى كانت في العام 1869 تاريخ شق قناة السويس واعتماد السفن التجارية لهذا المسلك الجديد الذي اختصر آلاف الأميال وأبعدها عن الشواطئ اللبنانية.

ما علاقة شق قناة السويس بالهجرة اللبنانية؟

كانت أشجار التوت تغطي المساحات الجبلية ومصدر رزق للمزارعين والصناعيين اللبنانيين الذين أولوا تربية دود القز العناية اللازمة وصنعوا الحرير العالي الجودة لتصديره الى الأسواق الآسيوية والأوروبية، وبعد افتتاح القناة راحت السفن العالمية تشتري الحرير من أسواق أقرب إليها من لبنان كالهند وغيرها، ما جعل التصريف اللبناني في حالة كساد وشلل، وما حمل اللبناني الى الهجرة البعيدة طلباً للرزق ولقمة العيش...

وكانت النتيجة أن اقتلع ما تبقى من أبناء القرى شجرة التوت واستبدلها بشجرة الفتاح لعلّها تعوّض عليهم ما خسره آباؤهم وأجدادهم من شجرة التوت.

افترشت شجرة التفاح الجبال اللبنانية مطلع القرن العشرين، وثبّتها معظم الناس في أراضيهم الى أن جاء ظرف شبيه الى حد ما بظرف اليوم في بداية الخمسينات من القرن الماضي وكان لبنان في عز ازدهاره ورخائه الاقتصادي.

وقد زار وفد من مزارعي التفاح الرئيس كميل شمعون في القصر الجمهوري في القنطاري وعرض له مشكلة كساد التفاح.

استدعى الرئيس شمعون السفير الاميركي <مالكنتوك> وقال له: <سعادة السفير، قرّرنا أن نبيعكم موسم التفاح اللبناني>، فردّ السفير: <ولكن عفواً فخامة الرئيس، نحن بلد مصدّر للتفاح>، فقال الرئيس شمعون: <يمكنكم أخذ التفاح الى الأسطول السادس في المتوسط، وإذا وجدتم فيه فائضاً ارموه في البحر>.

رد السفير: <اعتذر منكم فخامة الرئيس، لا يمكننا أن نقوم بذلك>. وعند انتهاء المقابلة وقبل أن يخرج <مالكنتوك> من الباب قال شمعون لمرافقه: <أطلب لي السفير السوفياتي> عندها استدار السفير الأميركي وعـــــاد قائــــــلاً: <فخامـــــــة الـــــرئيس قررنا أن نشتري التفاح اللبناني>.

فيا حكام لبنان اتعظوا، وأنقذوا تفاح لبنان قبل هجمة تجار البناء الى أرضه، والتسبب بمزيد من الهجرة اللبنانية خصوصاً ان الشعوب البديلة حاضرة لملء الفراغ.

أنتم أيها المسؤولون، عشاق الظهور، بنيتم لنا ولأنفسكم دولة حصان من كرتون وأصبتم نواحي الحياة اللبنانية جميعها بعلة المتاجرة بكل شيء... بالأحـــــزاب، بالثقافـــــــة، بالديــــــــن، بالكلمــــــة، وبعلّة الفســــــاد الــــــذي بــــدأ ينخر في جسمنـــا ويجرّنــــا الى السعي إليه...

<فاللبناني منذ عهد فينيقيا وعهد أفلاطون، وفق الدكتور زكن شخاشيري في زمن الخمسينات، كان ولا يزال ينشد الطمأنينة ويعشقها، قبل كل شيء، ويتفنّن في أساليب الحصول عليها>. فلا تسلبوه راحته وتحرموه من نعمة الحياة الهانئة.

أوجدوا حلولاً للناس لكي تجدوها في نفوسكم وعقولكم، لكم ولأبنائكم، فالقصور خارج لبنان أشد صقيعاً من القصور داخل لبنان، والكوخ اللبناني هو بالتأكيد أكثر دفئاً من القصر اللبناني.

اهتموا بتفاح لبنان لتبقى للبنان طبيعة، أنقذوا مياه لبنان ليبقى للبنان بحر حي.

إن ما يجري في لبنان منذ أربعة عقود لا يصدق، كل شيء فيه إما الى تراجع وإما الى انعدام كالماء والكهرباء، العدالة والمساواة، التربية والمستوى العلمي، البيئة والأخلاق.

إن وضعاً كهذا كان يجب أن يثير ضمائرنا منذ زمن، نحن الذين وقفنا يوماً نذكّر فرنسا بحقوق الإنسان وحقوق الشعوب (إبان حرب الجزائر).

إنها مسؤوليتنا وحدنا نحن أبناء هذا البلد، لا مسؤولية روسيا ولا سوريا ولا بريطانيا ولا اميركا ولا فرنسا ولا العالم بأسره.

مسؤوليتنا أن نقول هذا كله، لأننا بسكوتنا نكون أكبر كذبة ومخادعين في العالم وفي التاريخ.

مسؤوليتنا أن نلفظ كل هذا الطقم السياسي الذي ورث كل الآفات وترك البلاد من دون أية مقومات للحياة.

مسؤوليتنا أن نضع في سلّتنا، سلة لبنان، تفاح لبنان ونبعد السياسيين وحوّاءهم عنه.