تفاصيل الخبر

"شينكر" لممثلي المجتمع الأهلي في لبنان: وحدوا صفوفكم كي تحققوا التغيير المطلوب !

09/09/2020
"شينكر" لممثلي المجتمع الأهلي في لبنان:  وحدوا صفوفكم كي تحققوا التغيير المطلوب !

"شينكر" لممثلي المجتمع الأهلي في لبنان: وحدوا صفوفكم كي تحققوا التغيير المطلوب !

[caption id="attachment_81002" align="alignleft" width="444"] الرئيس "إيمانويل ماكرون" يتفقد منطقة المرفأ[/caption]

  ليس من قبيل الصدفة أن يغط مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الاوسط السفير "ديفيد شينكر" في بيروت بعد ساعات قليلة من مغادرة الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" الأراضي اللبنانية بعد لقاءات كثيرة أسفرت عن قرار بتسهيل مهمة الرئيس المكلف الدكتور مصطفى أديب لتشكيل الحكومة وفق أجندة عمل وضعتها باريس ووافق عليها القادة اللبنانيين من سياسيين ورسميين. وليس من الصدفة ايضاً أن يحصر "شينكر" لقاءاته مع ممثلي المجتمع المدني ونواب مستقلين، في حين كانت لقاءات "ماكرون" مع الرسميين والسياسيين التقليديين وعدد من أفراد المجتمع المدني. وليس من الصدفة ايضاً وايضاً أن يقول "شنكر" كل ما يتحدث فيه عن "اختلافات صغيرة" مع الفرنسيين، فيما ترّوج باريس بأن مبادرة رئيسها في لبنان "منسقة" مع الأميركيين....

 يقول مراقبون أن لا خلاف عميقاً بين واشنطن وباريس في ما خص الملف اللبناني في خطوطه العريضة، لكن الولايات المتحدة الاميركية بدأت تشعر أن الفرنسيين دخلوا في تفاصيل كثيرة من الحياة السياسية اللبنانية تذكر بمرحلة ما قبل الاستقلال، في وقت تريد واشنطن هي الاخرى ان يكون لها رأيهـا في ما يجري على الساحـة اللبنانية لاسيما وانها قـــــادرة على "الفركشة" عند الضرورة. من هنا، يضيف المراقبون، اتت زيارة "شينكر" الى بيروت لتقول للفرنسيين "نحن هنا"، وانه لا بد من التشاور معنا في مستقبل هذا البلد الصغير، صحيح ان فرنسا هي امه الحنون، لكن النفوذ الاميركي فيه لا يستهان به خصوصاً ان واشنطن تمسك بشكل او بآخر بورقة مهمة فيه هي ورقة المؤسسة العسكرية التي ترى الولايات المتحدة انها المؤسسة الوحيدة التي "صمدت" في وجه المغريات ولا تزال تنسق مع الاميركيين في كل شاردة وواردة...

 الم يقل "شينكر" لوفد التقاه ما حرفيته: "مساعداتنا ستصل فقط الى الجيش اللبناني عبر قيادته، وهذا قرار اتخذناه منذ سنوات عندما كان الجيش يحارب الارهاب في البقاع والشمال وسررنا لدوره وجهوزيته وكفاءاته، والزيارات المتعددة التي قام بها قائد الجيش العماد جوزف عون الى واشنطن ستستمر، واكدت له خلال لقائي اياه اننا لن نغير او نبدل في ما اتفقنا عليه حول المستجدات وتدريب ضباط الجيش اللبناني في الولايات المتحدة مع اننا ندرك ان تشويشاً سياسياً حصل في بعض المحطات على تواصلنا مع قائد الجيش والاكثرية في لبنان تعلم علم اليقين من قام بهذه "الخربطة" لدواع سياسية وانتخابية رئاسية....".

 لقد اعطى "شينكر" بكلامه عن الجيش قائداً وافراداً اشارة واضحة الى من يهمهم الامر ان الجيش اللبناني "خط احمر" وهو محصّن اميركياً مادياً ومعنوياً على حد سواء ولن يكون من السهل اختراقه سواء من فرنسا او من غيرها وبالتالي فإن ملعب الفرنسيين كبير ومتشعب في لبنان، لكن عليهم ان يبقوا بعيدين عن المؤسسة العسكرية. والواضح ان الفرنسيين فهموا الرسالة وظلوا على مسافة من الجيش باستثناء التنسيق القائم بين الوحدات الفرنسية العاملة في الجنوب والوحدات العسكرية اللبنانية تحت مظلة "اليونيفيل" المكلفة تطبيق القرار 1701 الصادر عن مجلس الامن. غير ان اقتصار التنسيق العسكري الفرنسي- اللبناني على الوضع في الجنوب فقط لا يعني في المقابل ان باريس لن تقدم مساعدات للجيش خصوصاً في المجالات التي يريدها استكمالاً للسلاح الفرنسي الموجود لدى الجيش، والعين الفرنسية على سلاح البحرية حيث سبق ان فاوضت باريس بيروت على مجموعة من الزوارق العسكرية لتعزيز المراقبة البحرية التي تدخل ايضاً ضمن عمل "اليونيفيل"، لكن منافستها لم تكن مع الاميركيين، بل مع الايطاليين الذين سعوا للحصول على الصفقة البحرية قبل ان ينهار الاقتصاد اللبناني وتتراجع القدرة الشرائية للدولة اللبنانية...

"توصيات" للمجتمع المدني

 في اي حال لم يكن كلام "شينكر" عن الجيش، الكلام الوحيد الذي لفت انتباه المراقبين، فاللقاءات التي عقدها مع ممثلي المجتمع المدني كانت لافتة هي ايضاً وما قاله لممثلي هذا المجتمع شكل تطوراً مهماً في مسار الازمة اللبنانية من جهة، ومسار التعاطي الاميركي مع هذه الازمة. المطلعون قالوا ان "شينكر" ردد لازمة واحدة لممثلي المجتمع الدولي: "نظموا انفسكم كي تحاوروا المجتمع الدولي... اذا بقيتم مفككين ومبعثرين لن يأخذكم احد على محمل الجد... وحدوا صفوفكم وشكلوا قوة التغيير وستتمكنون اذ ذاك من فرض مواقفكم على الجميع". واردف "شينكر" لافتاً ممثلي المجتمع المدني الى ان موضوع الانتخابات النيابية متروك للبنانيين، اما مسألة الحكومــــة الجديدة فقد اكـــد "شنكر" ان هناك توافقاً فرنسياً اميركياً على حكومة مصطفى اديب، "لكن علينا انتظار مهلة الـــ 15 يوماً التي منحت للرئيس اديب الذي نريد ان نعرف ما هو برنامجه ومن هم الوزراء الذين سيكونون الى جانبه في الحكومة والاصلاحات التي ينوون تحقيقها، لأن كل هذه الامور مجتمعة هي التي ستدل ما اذا كانت هناك جدية في العمل ام لا.... لكن رسالة "شنكر" الى مجموعات الحراك المدني كانت واضحة وإن قالها بصورة موجزة بصيغة سؤال: "اين هي مجموعات الثورة وماذا فعلتم من تشرين  الاول (اكتوبر) الماضي الى اليوم.... يجب ان تتوحدوا لتكونوا قوة حقيقية.. تنظيم الثورة والمعارضة امر اساسي امام المجتمع الدولي". وصارح "شينكر" ضيوفه "المنتفضين" ان لدى واشنطن شروطاً لدعم الحكومة... والمساعدات الاميركية لن تسلم لأي طرف حكومي لأننا لا نثق بمؤسسات الدولة، بل سترسل الى الجمعيات المدنية مباشرة. اما الدعوة الى الانتخابات النيابية فقد وجدها "شينكر" مناسبة لحضّ ممثلي الهيئات المدنية التي التقت به، على الاستعداد للمشاركة في الانتخابات متسائلاً عما اذا كانوا جاهزين لهذه المهمة ام لا، فجاءه الجواب واسعاً اذ قال هؤلاء انهم عازمون على التغيير عبر الآليات الديموقراطية والانتخابات وان هناك احزاباً جديدة تولد وقوى تبني نفسها خرجت من رحم الاحتجاجات التي شهدها لبنان منذ "انتفاضة 17 تشرين".... والناس عازمة على التغيير وايصال شخصيات تستطيع ان تحدث تغييراً داخل المؤسسات انطلاقاً من وصول ممثلين منها الى المجلس النيابي. ولما سأل "شينكر" ممثلي الهيئات المدنية عن استعدادهم لدخول الحكومة الجديدة، اتى الجواب بأنهم يرفضون الدخول في حكومة "ممسوكة" من النظام السياسي القائم ولا تستطيع إحداث تغيير جذري "لكننا موجودون وهناك جدية في العمل من قبلنا لاحداث تغيير"...

عقوبات... عقوبات

[caption id="attachment_81003" align="alignleft" width="444"] السفير "ديفيد شينكر" خلال اجتماعه مع النواب المستقيلين[/caption]

 واذا كان حديث "شينكر" مع ممثلي المجتمع المدني، ركز على دور هؤلاء في "إحداث التغيير"، فإن ما قاله امام النواب المستقيلين الذين التقاهم عند رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، اختلف بعض الشيء لاسيما عندما تحدث عن "رزمة جديدة من العقوبات" ستصدر خلال اسبوع من دون ان يدخل في تفاصيل هذه العقوبات وما اذا كانت تشمل اسماء جديدة من حزب الله او حلفاء له او جمعيات او مؤسسات تابعة للحزب. ومع اصرار الحاضرين على معرفة تفاصيل اضافية عن العقوبات، دعاهم "شينكر" الى "الصبر" لأن "كل شيء بوقتو حلو" ( قالها بالانكليزية) علماً ان عدد الاشخاص ليس كبيراً... ورفض "شنكر" - على حد ما رواه احد الحاضرين- الفصل بين الجناحين السياسي والعسكري لحزب الله، كما فعل الرئيس "ماكرون"، معتبراً ان لا مبرر منطقياً لمثل هذا التمييز لانهما يتبعان قيادة واحدة، كما ان الحزب يتدخل في الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية ويرعى مجموعات تعمل لزعزعة الاستقرار فيها ويشكل الذراع الامنية والعسكرية لايران!.

 في حديثه مع النواب المستقيلين، شدد "شينكر" على ان الاولوية تبقى للاصلاحات ومكافحة الفساد، ومن دون تحقيقهما فلن يتمكن لبنان من الحصول على مساعدات مالية واقتصادية تؤدي الى انتشاله من الهاوية التي يوجد فيها الان. واعتبر ان المبادرة الفرنسية ما هي الا خريطة طريق لحل مرحلي ينطلق من تحقيق الاصلاحات المالية والادارية، على ان يأتي لاحقاً البحث في الاصلاحات السياسية. وفسر بعض من التقاهم "شينكر" اصراره على حصر لقاءاته بقائد الجيش العماد جوزف عون والنواب المستقيلين وممثلين عن المجتمع المدني، بأنه اراد ان يقطع الطريق على من يحاول التذرع بأن اجتماعاته بأركان الدولة وباطراف معنية بتأليف الحكومة الجديدة ادت الى تأخير ولادتها، بسبب تدخله في عملية التأليف. ناهيك ان "شينكر" ليس في وارد تعويم هذا الفريق او ذاك مع بدء المشاورات لتشكيل الحكومة، وبالتالي غابت مثل هذه اللقاءات عن جدول اعماله، ولم تشمل اركان الدولة ولا اسماء في الحكومة الراحلة. وتجنب "شينكر" التعليق على قول عدد من النواب المستقيلين، إنهم يخشون من ان تكون الحكومة الجديدة رديفة لسابقتها، خصوصاً ان الجميع ينتظرون تشكيل حكومة لن تكون على شاكلة حكومة الرئيس حسان دياب وتعمل لانقاذ البلد. وتطرق الى الازمة الاقتصادية والمالية، وقال ان لبنان يمر في ازمة غير مسبوقة، وانه في حاجة الى مساعدات مالية مشروطة باقرار خطة الطريق الفرنسية، على ان تتجاوز الدفعة الاولى 4 مليارات دولار.

 وأكد "شينكر" انه عائد الى بيروت قبل نهاية هذا الشهر، للبحث في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل في ظل تعذر الوصول الى تسوية، وقال انه كان يتمنى ان يدرج اقتراح البطريرك الماروني بشارة الراعي بدعوته للحياد النشاط كبند في خريطة الطريق الفرنسية.

 وابدى تفهمه لعدم ادراج مطلب الدعوة لاجراء انتخابات نيابية مبكرة في الورقة الفرنسية، وقال ان هذه الدعوة تبقى مثالية وليست واقعية، ونحن نلتقي مع "ماكرون" في هذا الخصوص، نظراً لوجود عوائق دستورية تحول دون انجازها قبل موعدها، لأن المعبر للوصول اليها يواجه صعوبة ما دامت اكثرية النواب لا يوافقون على التقدم باستقالاتهم التي تدفع باتجاه حل البرلمان، وعندها توجه الدعوة لاجراء انتخابات مبكرة. ولفت "شينكر" الى ان التأزم الذي يمر فيه لبنان لا يسمح بربط مصير انقاذه بما بعد اجراء الانتخابات الرئاسية الاميركية، وقال ان من يراهن على تبدل الموقف الاميركي في حال وصول "جو بايدن" الى البيت الابيض، سيكتشف ان رهانه ليس في محله، لأن الثوابت السياسية الاميركية لا تتبدل، خصوصاً بالنسبة الى التمدد الايراني في المنطقة والموقف من "حزب الله".

أجواء واشنطن مختلفة

وسط هذه المعطيات من الداخل اللبناني، كانت اجواء واشنطن مختلفة اذ اشارت الى ان لا حلول عملية في الافق تساهم في اعادة لبنان الى الحياة على رغم الحركة النشطة التي قام بها الرئيس "ماكرون" اضافة الى السفير "شينكر". واعتبرت مصادر متابعة في العاصمة الاميركية ان الحراك الفرنسي يتم في "الوقت الضائع"، بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الاميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لاسيما وان الازمة في لبنان لا تنطبق عليها شروط التعامل مع ملفات السياسة الخارجيـــة الأخرى التي تسعى ادارة الرئيس "دونالد ترامب" الى تحقيق "انجازات" فيها، والاستثمار فيها مرهون بملف ايران المؤجل الى ما بعد الانتخابات لمعرفة اي اتجاه ستشكله العلاقات الاميركية - الايرانية، ويقول متابعون للموقف الاميركي ان ادارة الرئيس "ترامب" لم تظهر اي "حماسة" للمواقف التي اطلقها الرئيس "ماكرون" خلال وجوده في بيروت لاسيما تلك التي تناول فيها حزب الله فاصلاً بين شقه السياسي وشقه العسكري،  وحرص المتابعون على القول إن الموقف الاميركي الرسمي من "حزب الله" تحكمه قوانين صوت عليها الكونغرس ووقع عليها الرؤساء الاميركيون، وبالتالي لا يمكن التعامل مع تنظيم الارهابي، بمعزل عن الشكل الذي يمكن ان تلتف عليه بعض الاجتهادات الخاصة لدى بعض المسؤولين في الخارجية وتشير تلك الاوساط الى طي الحديث عن مساهمة واشنطن في اعادة اعمار مرفأ بيروت. وكذلك عن مساعدات مباشرة عبر بطاقات ائتمان باشراف الامم المتحدة لتوزيعها على المحتاجين.

وتشير الاوساط نفسها الى استمرار اعتراض واشنطن على تقديم مساعدات "لاعادة اعمار" لبنان اذا شكلت حكومة بوجود "حزب الله" بينما "ماكرون" رهنها بالاصلاحات رغم وجود الحزب. حتى تهديدات "ماكرون" للطبقة السياسية اللبنانية بأنها قد تتعرض للعقوبات اذا لم تلب شروط المجتمع الدولي من الآن حتى كانون الاول ( ديسمبر) لا تتطابق مع ملاحظات واشنطن التي تحمل تلك الطبقة المسؤولية عما آلت اليه اوضاع البلد، ولا تحبذ اعادة تكليفها في هذه المرحلة على الاقل مسؤولية اخراج البلد من ازماته. 

 وتخشى تلك الاوساط ان تكون هذه الطبقة السياسية قد تلاعبت بالرئيس الفرنسي وباعته وهماً، عبر تكليف مصطفى اديب لتشكيل حكومة جديدة، بعدما شاركت كلها في تسميته، وليس فقط "حزب الله" او التيار العوني، مقابل موافقته على التعامل مع الحزب لحسابات فرنسية ضيقة.