تفاصيل الخبر

صحيفة ”السفير“.. القهوة مُرّة هذه المرّة

13/01/2017
صحيفة ”السفير“.. القهوة مُرّة هذه المرّة

صحيفة ”السفير“.. القهوة مُرّة هذه المرّة

 

12منذ فترة والحديث عن أزمات يُعاني منها الإعلام في لبنان لا يهدأ، فالصعاب اصبحت كثيرة في ظل غياب الدعم المادي، سواء المحلي أو الخارجي العربي الذي كانت تخصصه بعض الدول العربية لمجموعة من الصحف اللبنانية، لاسيما منها المملكة العربية السعودية التي كانت تقتطع من ميزانيتها جزءاً غير قليل لدعم هذه الصحف سنوياً وعندما تستدعي الحاجة.

اليوم وبما أن العجز الداخلي قد طفح وبما ان أولويات الدول العربية قد تبدّلت منذ بداية ما اصطلح على تسميته بـ<الربيع العربي>، فكان لا بد أن تتحضّر بعض وسائل الإعلام اللبنانية وعلى رأسها جريدة <السفير> وربما <النهار> من بعدها، للإحتضار والتهيّئ لمرحلة جديدة عنوانها تجويع مئات العائلات التي كانت بالكاد تسد رمقها من خلال كلمات تُنشر على صفحات بيضاء قد يُستعاض عنها غداً، بصفحات الوفيات.

بدأت  الصحافة الورقية تعاني في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين من ازمات عدة، ابرزها التطور التكنولوجي وارتفاع اسعار الورق والمطابع بالإضافة الى الازمات الاقتصادية والاجتماعية، وهي الامور التي ادت الى انخفاض اعداد التوزيع من الملايين الى مئات الآلاف ثم الآلاف لتتراكم الديون وتضطر مجموعة من الصحف الى ايقاف طبع النسخ الورقية والاكتفاء بالمواقع الالكترونية. ويُسجلّ للبنانيين انهم امتازوا عن غيرهم من الشعوب العربية بأنهم كانوا أول من مارس الصحافة ممارسة فعالة وعلى نطاق شعبي واسع إن في بلادهم او في سائر البلدان العربية والأجنبية. ويُروى ان الجنرال <نابليون بونابرت> استعان باثنين من اللبنانيين كمترجمين، ولا شك ان هذين اللبنانيين ساهما بصورة غير مباشرة في تحرير اول صحيفة عربية في العالم وهي <التنبيه>.

كل هذه الأمور، انعكست وجعاً على الجسم الصحافي في لبنان بعدما تأكد خبر أن جريدة <السفير> التي طبعت عددها الأخير مطلع الاسبوع الماضي، سوف تغيب عن البصر ولن يستمتع قُرّاؤها بعد اليوم بملامسة ورقها ولن ينسدل حبرها على اصابع ساعات الفجر الاولى، لكنها حتماً ستبقى في الذاكرة في وجدان كل من عايش زمن الاجتياح الإسرائيلي وحروب الأخوة الداخلية. واكثر من سيفتقدها، هم من لا صوت لهم.

الرسم <الكاريكاتوري> الذي اعتمدته جريدة <السفير> طوال الاعوام السابقة، كان عبارة عن رسومات للشهيد ناجي العلي الفلسطيني الذي اغتالته اسرائيل، وكان رسمه الدائم، شخصية <حنظلة> الذي اشتهر بإعطاء ظهره للعرب تعبيراً عن حال من <القرف> من العصر الذي تمر فيه الأمة العربية. لكن هذه المرّة، فقد طبّقت الصحيفة القول بالفعل، حيث أدارت ظهرها للعالم تماماً كما فعل حنظلة، بعدما شعرت بـ<قرف> الوضع الصحافي ومدى الاستنسابية في التعاطي المذهبي والطائفي، مع مهنة لها في ضمير كل حر، ذكرى لن تُمحى بسهولة، وغصّة ستُختلط بدموع الأعين عندما يقف ذاك العجوز بالقرب من <كشك> الجرائد في شارع الحمرا، وهو يبحث عن جريدة السفير، أملاً أن تُكّذبه عيناه أو أن يجد عدداً قديماً منسياً، بين مجموعة صحف تُصارع للبقاء على قيد الحياة.

غداً ثمة من سيدخل مبنى <السفير>، لكنه لن يحظى بابتسامات موظفيها ولن يُسأل عن نوع القهوة التي يُحب شربها، أحلوة؟ أم وسط؟. ولو قُدّر للعامل المسؤول عن الخدمة في مطبخ الخدمات في الصحيفة أن يعود ولو لبرهة من الوقت، لقدم قهوة مُرّة لجميع الموظفين والزائرين عن روح الكلمة الحرة وعن روح الصفحات التي كانت تُشرق كل يوم من النقطة الواقعة ما بين فندق <البريستول> وسينما <السارولا> في شارع الحمرا.