تفاصيل الخبر

شيء من الجغرافيا وقليل من التاريخ!

15/05/2015
شيء من الجغرافيا وقليل من التاريخ!

شيء من الجغرافيا وقليل من التاريخ!

صنعاء بعد دخول الحملة العسكرية السعودية على اليمن أسبوعها الرابع... وقيام ما سمّي بالتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، بغاراتها الجوية على اليمن والتي تجاوزت 4 آلاف غارة. عند قراءة هذه السطور، يطرح السؤال الآتي: اليمن الى أين؟ والجواب الذي ربما نستطيع مقاربته في نهاية هذا المقال، ولا أقول الإجابة عليه قطعاً. فهنالك وقائع لا بد من الإشارة اليها. وأسئلة لا بد من طرحها. بداية لا بد من الإضاءة على الخريطة الجغرافية والديموغرافية لليمن <السعيد>، وكذلك الاوضاع العسكرية والميدانية، التي تزيد هذه الخريطة وضوحاً من جهة، وتعقيداً من جهة أخرى. تقارب مساحة اليمن الـ 528000 كلم مربع اي أكثر من 750 مرة مساحة مملكة البحرين؟ وتتنوع طبيعة الأرض بين صحراوية وجبلية، وغابات، وأحراج. وتقارب حدود اليمن مع الجارة السعودية الالف كلم. وأكثر من 1900 كلم شواطئ بحرية. ويفوق عدد سكان اليمن الـ27 مليون نسمة. وهنالك حوالى مليوني يمني بالفعل والهوية، يستوطنون المملكة العربية السعودية بالإضافة الى ملايين من أصل يمني من حضرموت وجيزان ونجران وعسير. ولليمن تاريخ عريق يعود الى آلاف السنين. ويتميز الشعب اليمني بطبيعته التي تتناسب مع تاريخه وجغرافيته، وهو مقاتل كفؤ، صبور، وشجاع. ويمتاز اليمنيون بالإباء وعزة النفس رغم الفقر. وأهل اليمن مسلمون منهم الزيود <الزيديون>، يمثلون أقلية بـ30 بالمئة (كانوا 60 بالمئة عام 1962)، والآخرون <شوافع>. ولم يلاحظ اية فروق او تفرقة حتى أمد قريب بين هؤلاء وأولئك. فهم متزاوجون في ما بينهم بنسبة كبيرة ويصلّون في جامع واحد ووراء إمام واحد. كذلك في أعيادهم وطقوسهم وتقاليدهم. والزيود أقرب الى المذهب <الحنفي> بالفقه، وللشيعة بالعقيدة (التعلق بآل بيت الرسول، شأنهم شأن المصريين). واليمن بلد فقير إلا انه ليس معدوماً، فلديه خيرات جمة اذا أحسن استثمارها. ومعدل النمو الحقيقي فاق العشرة بالمئة عامي 2011- 2012، وقد حُكم أكثر من ثلاثة عقود من قبل الرئيس السابق اللواء علي عبد الله صالح بعد مقتل العقيد عبد الله الغشمي أواخر السبعينات في ظروف مشبوهة، وقبله العقيد ابراهيم الحمدي بحقيبة متفجرة أرسلها له رئيس اليمن الجنوبي. بعد إقالة او استقالة علي عبد الله صالح عل اثر الحراك الشعبي تسلم سدة الحكم عام 2012 نائبه عبد ربه منصور هادي (عسكري سابق) باتفاق رعته السعودية وسمي بالمبادرة الخليجية، ولم يحسن الرجل وهو جنوبي الاصل، إدارة الحكم او المحافظة على وحدة اليمن. فبدا الحراك الجنوبي مطالباً بالانفصال وتوسعت القاعدة في جنوب اليمن. وانتشر الحوثيون وأنصارهم من <صعده> التي أمست تحت سيطرتهم منذ 2009 الى باقي المحافظات وأهمها العاصمة صنعاء عام 2014. الى ان وصل الأمر الى استقالة الرئيس ثم هربه الى الجنوب، وأخيراً وليس آخراً الى الحضن السعودي.

اليمن قبل <عاصفة الحزم>

بعد هذه المقدمة التي لا بد منها يطرح السؤال عن الخريطة العسكرية قبل الحملة العسكرية الجوية وحتى الساعة. عشية انطلاق <عاصفة الحزم> كان على الارض اليمنية جيش يقدّر بـ 60 ألف عنصر، 95 بالمئة منهم من القوات البرية مع ألف دبابة وأكثر من 1200 عربة مدرّعة يضاف اليهم أكثر من 200 الف في الاحتياط. وفي اليمن أكثر من 6 ملايين قطعة سلاح. أكثر من نصف الجيش اليمني انحاز الى الحوثيين. خمسة ألوية من اصل سبعة، بالإضافة الى قوات الحرس الجمهوري، وما تبقى من الفرقة المدرعة الاولى، التي كانت تحت قيادة اللواء علي محسن الأحمر. منهم من اتخذ قراره لأسباب عقائدية وجغرافية وديموغرافية، ومنهم من بقي على ولائه للرئيس السابق علي عبد الله صالح. ومن تبقى من القوات المسلحة انسحب الى قبيلته وقريته ومدينته، وانضمت بعض قطاعات الجنوب (لا تتجاوز 10 بالمئة ) الى الحراك الجنوبي والميليشيات المؤيدة للرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، اما سلاح الجو، والدفاع الجوي الضعيف أصلاً (لا يتجاوز عديده 3500 عنصر)، فقد تفكك او تم تحييده او إخفاؤه وتمويهه. ودمرت الغارات الجوية قسماً كبيراً منه، وهذا ما يفسّر عدم إسقاط اية طائرة من طائرات التحالف. وبعد أكثر من ثلاثة أسابيع من الغارات الجوية اليومية والحديث عن <الاستعداد> او البحث في اطلاق حملة برّية، يطرح السؤال الآتي: ما هي الأهداف Targets ومن ثم الاستراتيجية objectives لهذه الحرب؟ حتى هذه الساعة شمل القصف الجوي مجمل مناطق اليمن وسقط حوالى 4000 ضحية أكثرهم من المدنيين، فبالإضافة الى الأهداف العسكرية من قواعد ومطارات ومخازن وقوافل، حيث ادعى الناطق العسكري السعودي انها مستهدفة حصراً، يؤكد المراقبون ان القصف استهدف البنى التحتية للدولة من خزانات الوقود والمياه والحبوب ومخيمات ومناطق سكنية... إلخ. ويتساءل المراقبون عن الأهداف الاستراتيجية والسياسية لهذه الحرب غير المسبوقة، من بلد عربي على بلد عربي آخر. فنجيب بموضوعية انه من الواضح انها تهدف الى تغيير التوازن العسكري لصالح الرئيس المستقيل رئيس حكومة المنفى عبد ربه منصور هادي وحلفائه من القبائل والميليشيات الجنوبية وما تبقى من الجيش، وصولاً الى اجبار الحوثيين وحلفائهم وأنصارهم على إلقاء السلاح والاعتراف بالهزيمة وبشرعية عبد ربه هادي. فهل يتحقق ذلك؟ أولاً وفي العلم العسكري، ان الضربات الجوية هي عنصر مساند وليست عنصراً حاسماً وهي لمساعدة قوات أرضية وليس للحلول مكانها. وهي وان استمرت ولو لأشهر، ستؤدي الى مزيد من التدمير ومزيد من القتل ومزيد من <الحقد>. فهل الهجوم البري هو الحل؟ الجواب: لا ولا (مكررّة)، لأن الميدان في اليمن مستنقع خطير ورمال متحركة ومطبات بارزة. ومن لم يصدق ذلك ومن لا يقتنع، عليه العودة الى الجغرافيا والتاريخ وما ذكرناه في مقدمة المقال. وإذا كانت قوات <درع الجزيرة> قد عبرت منذ عامين الجسر الفاصل بين المملكة السعودية ومملكة البحرين، فإن بين السعودية وكيري-سلماناليمن كما ذكرنا ألف كلم مليئة بالجسور الوهمية والأخرى غير المرئية والمطبات الخفية وعبورها مغامرة ومقامرة، والعودة غير مضمونة. ويطرح السؤال لماذا وصلت الأمور الى ما وصلت إليه؟ أولاً: تعتبر المملكة العربية السعودية اليمن حديقتها الخلفية كما البحرين حديقتها الامامية، او العكس. وان ما يحصل في اي منهما او كليهما لا بد وأن ينعكس سلباً أو ايجاباً على المملكة، فصحيح ان الاستقرار في البلد المجاور هو مفيد وإيجابي في المطلق، إلا انه من وجهة نظر الرياض يجب ان يبقى تحت المراقبة والسيطرة. كذلك إرساء الديموقراطية، التي هي مطلب حق لا ينكره احد، إلا ان الديموقراطية من جهة اخرى تشبه <الفيروس> الذي ينتقل عبر الحدود، دون تأشيرة او إذن. ويفتح ابواباً ونوافذ لا حاجة لفتحها لأن الوقت لم يحن بعد لتلقي رياحها ويصعب اغلاقها. ثانياً: ان سيطرة ايران على مضيق <هرمز> لا يمكن إنكارها. وقد أثبتت خلال مناوراتها البحرية المتكررة وآخرها <الرسول الإعظم رقم 9> في شباط/ فبراير الماضي، انها تستطيع إغلاق هذا المضيق ساعة تشاء. لاسيما اذا رأت ان أمنها قد يتعرض للخطر. ثم جاءت مسألة <باب المندب> وهو الممر الوحيد المتبقي لتصدير النفط السعودي من موانئ <جدة> و<ينبع> على البحر الاحمر الى باقي العالم، وإلا فعبر قناة السويس الى البحر المتوسط. وإذا أراد الحوثيون وحلفاؤهم السيطرة على هذا الممر الاستراتيجي، فذلك يكمن من خلال سيطرتهم الميدانية على ميناءي الحديدة وعدن وبينهما مدينة <تعز>. ترى الرياض بأن طهران من خلال تأثيرها على الحوثيين تستكمل السيطرة على مداخل الخليج بأسره وتتحكم بمصالح الدول المطلة على البحر الاحمر كافة، من مصر الى جيبوتي مروراً بالسودان والصومال وأرتريا وغيرها. ولم ينكر الحوثيون علاقتهم بإيران، ولم تنكر ايران تأييدها لهم رغم انه لم يسجل اي وجود ايراني في اليمن. ورغم هذه الحقائق والمعطيات هل يستحق ذلك إشعال حرب في المنطقة، يعرف الجميع كيف تبدأ ولا يعرف أحد كيف تنتهي؟ الجواب لدى كل عاقل وكل صادق وغير منافق، <لا>. ويتفق مع هذا الرأي أكثر من دولة عربية وغربية وحتى من أيّد هذا القرار، كأميركا وبريطانيا والاتحاد الاوروبي التي ورد صراحة في بيانات تأييدها للقرار السعودي، ان العمل العسكري ليس حلاً ولا بد من المفاوضات والحل السياسي، اما عن الدول العربية المؤيدة كما جاء ضمناً في اجتماع القمة، فهل ان مصر والاردن وتونس تعتبر ان ايران هي العدو الاول للعرب؟ وان التصدي لنفوذها في الخليج ومناطق أخرى تستوجب حرباً؟ وماذا عن موقف كل من العراق والجزائر وعمان ولبنان وسوريا. فهل لهذه الحرب اجماع عربي؟ وماذا عن الباكستان ومنذ متى أعطيت هوية عربية؟ صحيح ان ايران معنية ومهتمة بما يجري في اليمن وقد حركت قطعاً بحرية في المياه الدولية مقابل ساحل عدن، ولم تدخل المياه الاقليمية لأية دولة، وان ايران هي <أعقل> من ان تتورط في حرب مباشرة مع السعودية او اي طرف آخر مهما جرى. إلا ان لإيران أدوات أخرى ووسائل عدة يمكنها اللجوء اليها. ولن يكون ذلك في مصلحة السعودية او الخليج برمته، او العرب بأي حال. أما عن الموقف الاميركي فهو غير مستغرب لمن يعرف أميركا ومواقفها، فهي التي حرّضت <صدام حسين> لإعلان حربه العبثية على ايران، تسع سنوات ومليون قتيل، وتدمير لأقوى دولة عربية وأقوى دولة اسلامية دون منتصر او مهزوم. والسعوديون يعرفون ذلك، وقد مولوا قسماً كبيراً من هذه الحرب. وأميركا أعطت الضوء الاخضر او على الاقل الضوء الاصفر، لصدام حسين لاحتلال الكويت عندما أفصح عن نياته للسفيرة <غلاسبي> وأجابته حرفياً <هذا شأن داخلي>. فهل كان <جون كيري> ليعطي الضوء الاخضر للمملكة بدخول اليمن؟ لا أعتقد ذلك، فالظروف تغيّرت. لقد عملت أميركا عن سبق تصور وتصميم على تدمير الجيش العراقي وتفكيك ما تبقى منه عام 2003 وحتى اليوم، ولم تتم إعادة بنائه. كما قامت مع الحلف الاطلسي بتدمير الجيش الليبي، وليبيا اليوم شاخصة أمامنا وأمامها. وقسمّت أميركا السودان واعطت <البشير> براءة ذمة وإخلاء سبيل ووقف التعقبات من المحكمة الدولية مكافأة على خدماته.

خلاصة الجولة

وحاولت أميركا تدمير الجيش السوري فلم تفلح. وتحاول اليوم تدمير الجيش اليمني بسلاح عربي ودولي، تقاضت عداً ونقداً ثمناً له بمئات المليارات من الدولارات، واللائحة تطول. وبعودة الى أحداث اليمن ومصيره، فالوضع الميداني يتلخص خلال أكثر 27 يوماً من القصف بالآتي: - قصف يومي على البنى التحتية للدولة ومراكز الجيش وانصار الله وقوافلهم وكذلك على المخيمات مما أسفر حتى الآن سقوط آلاف الضحايا عدا عن آلاف الجرحى. - مرواحة الوضع العسكري دون احراز اي تقدم دراماتيكي للقوى التي تساندها <عاصفة الحزم> مع تسجيل تقدم للحوثيين وانصارهم في <عدن> و <الضالع> و<يحج> و <شبوه> وفي محافظة <إب> في الوسط حيث تقدم الجيش. - توسع القاعدة وسيطرتها على <المكلاّ> عاصمة حضرموت الشرقية ثم على قاعدة عسكرية قرب <فوخ> على الحدود مع السعودية، وتابع الجيش تقدمه في <المكلا>ّ رغم القصف الجوي. - لم تسجل ولم تعلن اية ضربات جوية تستهدف مركز القاعدة... حتى طائرات <DRON> الاميركية التي كانت تقصف هذه المراكز توقف نشاطها فجأة قبل انطلاق <العاصفة> بأكثر من اسبوعين، وعادت بغارات على عدد أصابع اليد. وعلى المسرح السياسي انتقلت باكستان من موقع الفريق المطلوب تدخله عسكرياً الى موقع الوسيط بعدما صوت البرلمان الباكستاني بأكثريته في العاشر من نيسان (أبريل) على عدم التدخل، بل الدخول كوسيط في تسوية سياسية. كذلك تركيا بعد زيارة <رجب طيب اردوغان> الى ايران. وأعلنت مصر انها لن تتورط بالدخول الى الارض اليمنية، ورغم ان الرئيس الواعد عبد الفتاح السيسي مدين للمملكة العربية السعودية بدعمه مادياً وسياسياً وهو وفي بطبعه، كما تشير التقارير، الا انه وهو تلميذ جمال عبد الناصر يعلم جيداً التداعيات السلبية للتورط المصري في حرب اليمن زمان الستينات وسقوط عشرات الآف القتلى من الضباط والجنود، والذي كان من الاسباب الرئيسية لهزيمة مصر في حرب 1967، ثم انه يدرك بأن لمصر موقعاً مميزاً، كموقع الأخ الاكبر بين الاخوة العرب ولا بد من استعادته وعدم التفريط به. ويعلم الرئيس السيسي علم اليقين، ومن موقع المجرّب بأن <القاعدة> التي تقتل الضباط والجنود المصريين في سيناء وسائر مصر بواسطة فروعها وأخواتها، هي المستفيد الاول مما يجري في اليمن والقاطف الاول لثماره الدامية. وإذا رأى بعض العرب بأن قتال الحوثيين وقتلهم باعتبارهم <كفرة> وأعواناً لإيران هو أولى من قتال <القاعدة> <الابنة الضّالة>، فإن الشعب المصري ليس من هذا الرأي. والحقيقة الأخرى هنا وليس الاخيرة، تتعلق بالجيوسياسية وبالتوقيت، وان ما جرى وما يجري في اليمن لا يمكن فصله عما يجري في المنطقة، وما يقال عن هيمنة ايران على أربع عواصم عربية وعن هواجس المملكة السعودية من توسع النفوذ الايراني وعن بدء الحرب على اليمن عشية التوقيع على اتفاق لوزان، وعن خشية المملكة من انحسار نفوذها جراء المصالحة التاريخية المرتقبة بين ايران وأميركا. يتفهم الكثيرون هذه المخاوف والهواجس، إلا انهم يرون فيها تضخيماً ومبالغة، فليس هنالك من شهر عسل مرتقب بين طهران وواشنطن. فالملفات كثيرة ومعقدة والمصالح تتقاطع في مكان وتتشابك في أكثر من مكان. فللسعودية دور لا يمكن تجاهله او انكاره سواء في حجمها المالي والاقتصادي او في موقعها السياسي والجغرافي. وهي تحوي كعبة المسلمين، لذا هي قبلتهم. وكما تعيد أميركا دائماً حساباتها ومواقفها هنالك فرص تاريخية أمام المملكة لتعيد تموضعها كقطب كبير وقادر في العالم العربي يستقطب المسلمين العرب كافة، سنة وشيعة، كمذاهب وفرق، وتبحث عن أسباب <السخط> الذي تحدث عنه الرئيس الاميركي وتزيله، عندئذ سترى بأن نفوذها قد اتسع، ولم ينحسر. وقد ثُبّت، ولم يُنزع. والآن الى أين يذهب اليمن؟ هو أمر واحد، الحل السياسي بعد وقف القتال بأسرع وقت بإشراف الامم المتحدة والجلوس الى طاولة حوار في مكان محايد تطمئن له الاطياف اليمنية كافة التي لا يمكن لأي منها إلغاء الآخرين. أي حل يمني صرف برعاية عربية وإشراف أممي. اما استمرار الغارات الجوية، وربما تدخل بري وحرب استنزاف لسنوات كما في سوريا والعراق، مع بعد التشبيه والمقارنة، واستطراداً الى الاسوأ كالوضع الليبي او المستنقع الصومالي الذي لم ينجح المجتمع الدولي في تجفيف مياهه الآسنة بعد ربع قرن، لذا سمعنا امس بوقف <عاصفة الحزم>، وقف التدمير والهدم. وبدء مرحلة <الأمل>. هذا ما نراه ويراه كل صادق وغير منافق، وهذا ما قلناه قبل وقف العاصفة. واليكم التاريخ شاهد، واليمن ليس الصومال. و<صوملة> اليمن كارثة على الجميع. في اليمن هزم العثمانيون قبل هزيمتهم في اي مكان آخر. وفي اليمن خسر عبد الناصر خسارة تعادل نكبة، وفي اليمن سقطت الشيوعية قبل سقوط الستار الحديدي. وما ذلك إلا لأن ولاء الشعب اليمني للوطن يأتي قبل اي كيري-عبد-ربه-منصور-هاديولاء آخر. هذا هو الواقع بكل موضوعية وهكذا نرى الحقيقة بكل صدق ولو كنا مخطئين. أما لماذا توقفت هذه <العاصفة>؟ فإليكم الأسباب: 1 - أيقن الاخوة السعوديون كما اقتنع الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي ولو متأخراً، ان لا مجال لعودته تحت وطأة القصف. 2 - توالت المبادرات لوقف الحرب. من المبادرة الخليجية الى المبادرة الروسية، الى المبادرة العمانية، الى مبادرة <بان كي مون> بعد القرار 2216 الذي جاء مبتوراً وغير مقبول. 3 - تحرك ايران البحري وتبعه تحرك حاملة الطائرات <روزفلت> والمدمرة <نورماندي>. والخشية من اي احتكاك يمكن ان يشعل فتيل الحرب في وقت ينتظر العالم اتفاقاً تاريخياً. السؤال الثاني:هل حققت هذه الحرب أهدافها كما قال الناطق العسكري السعودي؟ الجواب نعم ولا. نعم. إذا أسرعت بدفع الجميع الى طاولة الحل السياسي وكان يمكن ذلك دون تدمير أكثر من نصف البنى التحتية ونصف الجيش وسقوط الآلاف. ولا. حيث كان من أهدافها إجبار الحوثيين على الاستسلام، والرضوخ والاعتراف بشرعية حكومة هادي. وأخيراً وليس آخراً، ان وقف الاشتباكات في اليمن ووقف نهائي لإطلاق النار ورفع الحصار يلزمه وقت وهو أمر ملّح ولا ينتظر. وأسئلة أخرى لا تزال تنتظر. منها اين ستجري المفاوضات السلمية، ومتى، وعلى اية أسس؟ هذا ما ستجيب عنه الايام المقبلة. وليس لنا ولكل اليمنيين سوى <الامل> في <مرحلة الامل> كما قال الاخوة السعوديون عند استبدال الاسم. لكل رأيه، إنما <صديقك من صدقك لا من صدّقك> وقد قال الخليفة عمر بن الخطاب(رضي): <عليك بالصدق ولو قتلك>.

* جنرال سابق في الجيش اللبناني. - دكتور في العلوم الانسانية. - رئيس مركز الشرق الاوسط للدراسات والعلاقات العامة.