تفاصيل الخبر

شروط سورية ولبنانية تُعيد تهريب البشر

22/07/2020
شروط سورية ولبنانية تُعيد تهريب البشر

شروط سورية ولبنانية تُعيد تهريب البشر

بقلم علي الحسيني

 

[caption id="attachment_79684" align="alignleft" width="500"] الموت إحدى تكاليف عمليات التهريب[/caption]

 خلال الفترة المنصرمة، عاد الأمن العام اللبناني ليفتح مُجدداً الحدود أمام السوريين الراغبين بالعودة الى بلادهم، وذلك بعد إقفالها لأشهر طويلة بسبب إنتشار  ​فيروس كورونا. لكن اللافت في الموضوع أنه لم يسجّل أي ارتفاع في أعداد العائدين إلى بلادهم بل على العكس فقد شهدت الحدود والمعابر غير الشرعية، عمليات تهريب لمواطنين سوريين الى لبنان بينهم أطفال وذلك على الرغم من غلاء المعيشة التي يشهدها لبنان منذ شباط (فبراير) الماضي بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية التي أصبحت في الحضيض.

التهريب بالاتجاهين

 منذ أشهر قليلة، تلقى لبنان تنبيهات دولية حذرته من مغبة مواصلة عمليات التهريب على أنواعها على الحدود بينه وبين سوريا وبالاتجاهين وذلك بعد أن ظلـت عمليات التهريب ولفترة سنوات طويلة تحصل باتجاه واحد أي من سوريا إلى لبنان إما عبر الجبال والسهول وممرات غير شرعية، أو من خلال عمليات تمويه داخل السيارات والشاحنات عبر المعابر الشرعية. لكن في مجمل الأحوال وبعد أن كثرت عمليات التهريب منذ اندلاع الحرب في سوريا وتخطت المعقول والواقع بحيث أصبحت تتعلق بأمن المنطقة جراء تهريب السلاح والبشر بالإضافة إلى عمليات تبييض للأموال، كان لا بد من توجيه هذا التحذير للبنان بهدف تشديد الرقابة الحدودية خصوصاً وأن عدد المعابر غير الشرعية قد تجاوز الخيال ووصل الى حد بات يُهدد اقتصاد لبنان بالدرجة الأولى بالإضافة إلى كثرة الجرائم التي انتشرت بشكل مُخيف خلال الفترة القليلة الماضية.

يُضاف إلى عمليات تهريب المنتجات الزراعية والصناعية والسلع والمواد الغذائية والمحروقات وبيع العملة الصعبة في السوق السوداء، عمليات تهريب البشر من سوريا إلى لبنان، وبالعكس، خلال الفترة الماضية، بعدما باتت منظمة بإشراف مباشر من مافيات تتبع لاحزاب وتنظيمات وميليشيات سواء في الداخل السوري أو في لبنان أو عبر مجموعات تُشكّل عصابات ضمن مناطقها. وتقول مصادر مطلعة إن أبرز الطرق التي يسلكها النازحون من سوريا باتجاه الأراضي اللبنانية هي الطرق الجبلية والوديان الوعرة، على جانبي نقطة المصنع الحدودية. وتؤدي تلك الطرق إلى بلدة مجدل عنجر اللبنانية وإلى بلدة الصويري. هذا بالإضافة إلى الطرق الحدودية الواصلة ما بين بلدة سرغايا السورية وبلدتي معربون وحام اللبنانيتين.

مساهمة "الفرقة الرابعة" في التهريب

[caption id="attachment_79688" align="alignleft" width="500"] فحوصات الكورونا الإجبارية عند الحدود[/caption]

 يتواصل السوريون الراغبون بمغادرة سوريا، بسبب خضوعهم للملاحقة الأمنية أو الطلب للخدمة العسكرية، مع مُهربين من أبناء المناطق الحدودية الذين ينسقون بدورهم مع ضباط من الفرقة الرابعة في الجيش السوري، التي تحدد وتعطي للمُهربين نسبة من أجور التهريب، عن كل شخص يصل الى الأراضي اللبنانية. وتُؤمن الفرقة الرابعة سيارات تحمل لوحات عسكرية لنقل السوريين النازحين من سوريا، لضمان عدم اعتراضهم من قبل حواجز عسكرية لميليشيات أخرى. وتنقل السيارات النازحين إلى نقطة التجمع، التي غالباً ما تكون في مناطق نفوذ حلفاء أو محسوبين داخل الأراضي السورية وعلى مقربة من الحدود. ومن هناك، تبدأ قافلة النازحين، التي لا يزيد عددها عن عشرة أشخاص، مسيرها مع حلول الظلام برفقة ما يُسمونه بـالدالول حتى مسافة قصيرة ضمن الأراضي اللبنانية، حيث يتسلمهم مُهربون لبنانيون يعملون ضمن بوتقة واحدة، لاكمال المسير داخل الأراضي اللبنانية. ولا يخلو المسير في الأراضي اللبنانية من المخاطر بسبب الألغام الفردية والتي غالباً ما تتسبب بوقوع قتلى وجرحى بين النازحين.

وتؤكد المصادر أن أجور التهريب تبدأ بـ100 دولار للأشخاص غير الملاحقين أمنياً ممن يجدون صعوبة بدخول لبنان بشكل رسمي بسبب تعقيد الإجراءات على الحدود، والذين غالباً ما يكون سفرهم إلى لبنان بغرض زيارة أقارب في المخيمات. في حين تبدأ تكاليف تهريب الملاحقين أمنياً والمطلوبين للخدمة العسكرية بـ500 دولار وتصل إلى 1500 دولار. وأحياناً تتخطى هذه المبالغ، بحسب إمكانيات الأشخاص الهاربين المالية، وقدرة عناصر الفرقة الرابعة والمُهربين على تحصيل أكبر قدر ممكن من المال منهم.

أسباب الهروب من لبنان إلى سوريا

 المؤكد أن ارتفاع سعر الدولار في مقابل الليرة اللبنانية، قد أرخى بذيوله على المواطن السوري الذي يعمل في لبنان بشكل كبير وكذلك الامر بالنسبة إلى اللاجئين الذين رُفعت عنهم المساعدات التي كانت تمنحها لهم الأمم المتحدة. من هنا أصبحت عودة السوريين الى ديارهم أكثر من ضرورة، لكن عبر المعابر غير الشرعية وذلك لأسباب كثيرة أبرزها: فرض الأمن العام اللبناني عليهم إجراء فحوصات pcr وعلى نفقتهم الخاصة بالإضافة إلى قرار الدولة السورية فرض على كل مواطن سوري يريد دخول أراضي بلاده، ان يصرّف مبلغ مئة دولار على الحدود السورية، وأن يستبدلها بعملته الوطنيّة وذلك في محاولة من ​السلطات السورية لإدخال عملة الدولار الى الخزينة، في ظلّ الحصار التي تتعرض له ​سوريا المترافق مع "قانون قيصر"​ الذي يمنع على أيّ دولة من الدول التعاون العسكري والمالي والإقتصادي مع السلطات السورية.

وفي السياق تؤكد مصادر معنيّة بملف تهريب البشر بين لبنان وسوريا، أن هناك حركة نشطة اليوم لتهريب السوريين الى داخل ​الأراضي السورية من منطقة المصنع وبلدة الصويري في ​البقاع الغربي ومن ​وادي خالد في ​الشمال وعمليات التهريب هذه يقوم بها مهربون لبنانيون وسوريون مقابل بدلات ماليّة عن كل شخص، ولكن بكلفة تشير المصادر إلى انها أقل بكثير من دفع كلفة فحص الـPCR  ومن شراء مبلغ مئة دولار وصرفها على الحدود بالعملة السوريّة التي تتراجع يوماً بعد آخر مقابل سعر صرف الدولار.

تسهيل الأمن العام وتخوّف أممي

منذ فترة أصدر الأمن العام اللبناني بياناً حول عدد اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى بلدهم، منذ عام 2017. وأشار البيان إلى أن عمليات عودة اللاجئين تمت بالتنسيق بين الأمن العام اللبناني وسلطات النظام السوري، واستناداً إلى تفويض من السلطة اللبنانية، متمثلة بالرئيس اللبناني ميشال عون. والمعروف أن الأمن العام اللبناني ينظّم بالتعاون مع النظام السوري عودة لاجئين سوريين من لبنان إلى قرى القلمون الغربي وريف حمص في سوريا، على دفعات عدة. وتتلخص آلية العودة بتسجيل الأسماء عند رؤساء البلديات اللبنانية، الذين يرفعون بدورهم تلك الأسماء إلى الأمن العام اللبناني، ثم يرفعها الأمن

[caption id="attachment_79686" align="alignleft" width="414"] رحلات التهريب[/caption]

العام إلى حكومة النظام السوري، من أجل دراسة الأوضاع الأمنية للأشخاص الراغبين بالعودة وإعطائهم الموافقة، حيث يُنقلون بحافلات توفرها حكومة النظام السوري من لبنان إلى سوريا.

في المقابل تتخوّف المنظمات الإنسانية والحقوقية خصوصاً تلك التي تعمل تحت جناح الأمم المتحدة على مصير اللاجئين العائدين إلى سوريا، خاصة أن النظام السوري لا يسمح لتلك المنظمات، ومن بينها الأمم المتحدة، بمرافقة اللاجئين في أثناء عودتهم والاطمئنان على أوضاعهم المعيشية والأمنية. لكن الأمن العام اللبناني ورغم كل المعوقات التي يتم وضعها سواء من الداخل والخارج، يؤكد في كل مرة، مواصلة العمل بآلية العودة ذاتها، بالإضافة إلى استمرار الإجراءات الإدارية المعتمدة على المعابر الحدودية لتسهيل عودة النازحين الذين يرغبون بالعودة، لا سيما الذين خالفوا نظام الإقامة أو دخلوا الأراضي اللبنانية بطرق غير شرعية. وتشير الأرقام الأممية إلى أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان لا يتجاوز مليون لاجئ، في حين تقدّر الحكومة اللبنانية أن عددهم يفوق 1.5 مليون سوري.

اتهام حزب الله.. والحزب يرد

خصوم "حزب الله" يُصرّون على اتهامه بالوقوف وراء عمليات التهريب على أنواعها بين لبنان وسوريا ومن ضمنها عمليات تهريب البشر التي ازدادت في الآونة الاخيرة بسبب غلاء المعيشة في لبنان، وفي ظل الشروط التي تفرضها الحكومة السورية على مواطنيها الذين يُريدون العودة إلى بلادهم. ويُشير هؤلاء إلى صور وفيديوهات تداولتها وسائل الإعلام لشاحنات محملة بأكياس الطحين والصهاريج المحملة بالمازوت والتي يتم تهريبها من لبنان إلى سوريا، بحراسة مقاتلي "حزب الله".

ويؤكد الخصوم أن قيمة التهريب منذ خمس سنوات وحتّى اليوم، قد فاقت الـ20 مليار دولار، لأن المواد المهربة من قمح وطحين ومحروقات وغيره مدعومة من مصرف لبنان بنسبة 85 بالمئة. وبالإضافة إلى عمليات التهريب، يتهم خصوم الحزب بأنه يعمل على سحب الدولارات من لبنان في سبيل تأمين الأسواق السورية.

وكان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، قد تطرق إلى ملف "التهريب" خلال كلمة ألقاها في 13 أيار (مايو) الماضي قائلاً: إن الحديث عن التهريب يحتاج إلى تدقيق، لأنه هنالك الكثير من المبالغات، مضيفاً: لا أحد ينكر أنه يوجد تهريب ويوجد معابر غير شرعية، لأن عندنا حدوداً طويلة جداً مع سوريا. واعتبر أن التهريب مشكلة تاريخية منذ أن قامت دولة لبنان ولم تتم معالجته حتى في ظل سيطرة الجيش والجمارك اللبنانية على الحدود. وقال السيد نصرالله يومها: إن الجيش اللبناني إذا انتشر على كل الحدود اللبنانية السورية بالعتاد والتجهيزات، لن يقدر أن يمنع التهريب، لأن حدودنا وقرانا وعائلاتنا متداخلة، الموضوع معقد على الحدود، هذا الأمر طريقه الوحيد أيضاً هو التعاون الثنائي بين حكومتين وجيشين وأمنين، بين لبنان وسوريا.

وأضاف: سوريا اليوم هي حاجة لبنانية، حاجة اقتصادية بكل ما للكلمة من معنى، وإذا كانت توجد التباسات لها علاقة بالدولار، بسعر العملة، بتهريب مواد غذائية معينة، بالحركة التجارية، فهذا كله يمكن أن يعالج من خلال ترتيب العلاقة ومن خلال الحوار والتواصل. واعتبر أن أحد أشكال المعالجة المنطقيّة هو ترتيب العلاقة مع سوريا، داعياً لفتح الحدود والمعابر والتعاون على وقف التهريب وضبط الأمور.

[caption id="attachment_79685" align="alignleft" width="333"] تهريب عبر جبل الشيخ.[/caption]

إنجازات القوى الأمنية

في مقابل كل ما يجري، لا بد من تسجيل إنجازات قوى الأمن الداخلي في مكافحة عمليات تهريب الأشخاص عبر الحدود بين لبنان وسوريا وداخل القرى الحدودية والتي تتخذ منها عصابات التهريب، مقراً للتجمّع، قبيل الإنطلاق برحلة المخاطر إلى لبنان بأشكال مختلفة وملتوية. وفي المقابل، تبدو فاعلية الإجراءات التي تتخذها القوى الأمنية لمنع هذه العمليات، لافتة ومتصاعدة، وأصبحت هي الجهة التي تُحدد مسار ومصير هذه العصابات، وذلك لأسباب عدة، أبرزها: عمليات الرصد والمتابعة، بالإضافة إلى دقّة التوقيت والمداهمات.

ومن المعروف أن القرارات التي كانت اتخذت في مجلس الوزراء والتي طالبت الأجهزة المعنية بتفعيل الرقابة على الحدود كافة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدعوة التي أطلقها المجلس الأعلى للدفاع في الإتجاه نفسه، بدأت منذ فترة تأخذ مكانها الفعلي في العمليات الميدانية التي تقوم بها مُجمل القوى العسكرية والأمنية المعنية بمراقبة الحدود والمعابر غير الشرعية. وحتى اليوم، يُمكن الجزم بأن نسبة عالية من التعقبات والعمليات التي تقوم بها القوى المعنية، تؤتي ثمارها بشكل كامل، وبحرفية عالية لا تترك مكاناً للشك، بأن عمليات التهريب قد خفّت بوتيرة ملحوظة، قبل أن تعود وترتفع في الأيام الأخيرة للأسباب الآنفة الذكر.