تفاصيل الخبر

شركات السلاح العالمية: إلى آسيا در!

08/09/2017
شركات السلاح العالمية: إلى آسيا در!

شركات السلاح العالمية: إلى آسيا در!

بقلم خالد عوض

بشار-الاسد

إنه الاقتصاد أو بمعنى أدق، الحالة الإجتماعية للشعب... الرئيس الكوري الشمالي، إبن الثلاثة وثلاثين عاما، يحكم ٢٥ مليون شخص بنظام ستاليني دكتاتوري، ولكن بناتج محلي لا يتجاوز الثلاثين مليار دولار، أي بمدخول فردي سنوي يناهز ١١٠٠ دولار فقط أي أقل من مئة دولار في الشهر للمواطن الكوري الشمالي. في ظل هذا المستوى من الفقر الشعبي، لا يمكن لأي دكتاتور، حتى لو كان بشراسة <كيم>، أن يحكم طويلا، مهما كانت سلطته وجبروته المخابراتي الداخلي.. إلا إذا تمكن من صنع عدو له في الخارج يوحّد به الشعب وراءه.

كم كان يمكن أن يستمر في الحكم الزعيم الكوري الشمالي شاغل الكون في هذه الأيام من دون صواريخه الباليستية ومن دون أن يهدد أكبر العواصم الاقتصادية والمالية في العالم مثل <طوكيو> و<سيول>؟

ينقل عن وزير الخارجية الأميركي السابق <هنري كيسنجر> والذي احتفل منذ فترة بعيد ميلاده الرابع والتسعين أن الطريقة الأمثل للقضاء على أي دولة ديكتاتورية هي تشجيعها على الانفتاح الاقتصادي، لأنه يفجرها من الداخل. لذلك كان من شبه المستحيلات أن يتمكن حاكم كوريا الشمالية من أن يحافظ على حكمه للأبد في ظل التواصل الإعلامي والتكنولوجي الحالي. فحتى لو كان غسيل الأدمغة في كوريا الشمالية يبدأ مع الأطفال من سن الثانية، وحتى لو كان تقديس الرئيس هو خبز كل الكوريين اليومي، يبقى التسلل إلى العالم من خلال الـ<فايسبوك> أو <الإنستغرام> أقوى تأثيرا على عقول الناس من أي شيء آخر.  لذلك لولا الاستعراض الباليستي الذي يقوم به <كيم> لكان الربيع الكوري هو الضيف الآتي إلى شوارع <بيونغ ينغ> عاجلا أو آجلا.

وهنا لا بد  من التساؤل: من استدرج الآخر حقيقة <كيم> أو دونالد>؟

ليس من مصلحة الولايات المتحدة اليوم إنهاء الحماوة مع كوريا الشمالية. بالعكس فإن هذا التسخين يساعدها من كل النواحي، فمن جهة أصبحت معنية مباشرة بالشؤون الآسيوية وبالدفاع عن حلفائها، ومن جهة أخرى تضغط على الصين لأخذ موقف واضح من جارتها الكورية، مع العلم أن الصين تعيش كابوس نزوح ملايين الكوريين الشماليين إليها في حالة نشوب حرب. ولكن الأهم من كل ذلك هو حجم الصفقات التي تبرمها شركات السلاح الأميركية مع تايوان وكوريا الجنوبية واليابان. هناك مليارات من الدولارات تتحضر للخروج من هذه الدول لشراء طائرات ومنظومات أميركية متطورة لدرع الصواريخ.

نظرياً، يمكن للولايات المتحدة وفي خلال أيام أن تقضي على كل منصات إطلاق الصواريخ الموجودة في كوريا، ولكنها اختارت طريق العقوبات الاقتصادية الدولية لأنها سلاح بطيء يتعب كوريا الشمالية ويبقي كل kim-jong-un دول آسيا المعرضة لجنون <كيم> في حالة تأهب قصوى أو في حالة شراء دائم للسلاح الأميركي الهجومي والردعي.

لا بد من الرجوع إلى الشفافية الاستثنائية التي تميزت بها الولايات المتحدة خلال عهد الرئيس <جورج دبليو بوش>. وزيرة الخارجية يومذاك <كوندوليزا رايس> بشرت بشرق أوسط جديد وبما يسمى <الفوضى الخلاقة>. الرئيس الأميركي <بوش> أعلن عن محور الشر الممتد من كوريا الشمالية إلى إيران وسوريا. هذه لم تكن تصاريح فضفاضة بقدر ما كانت ترجمة لنظرة الولايات المتحدة المتوسطة المدى إلى المنطقة والعالم. الفوضى هي سيدة الشرق الأوسط اليوم تماما كما توقعت <رايس> ولكنها لم تصبح خلاقة حتى اليوم. كما أنه لم يعد خافيا أن هناك تعاونا عسكريا وثيقا إيرانياً - كوريا شمالياً خاصة في مجال بناء الأنفاق العميقة تحت الأرض وفي مسألة الصواريخ الطويلة المدى. كذلك تأكد التعاون السوري - الكوري الشمالي في المجال النووي قبل بداية الثورة السورية عام ٢٠١١. كل ذلك يدل أن المحور العسكري الكوري - الإيراني - السوري موجود منذ مدة ولم يكن زلة لسان من <بوش>.

 يبدو اليوم أن الوقت حان للتصدي الأميركي الحقيقي لهذا المحور، رغم وجود غطاء روسي - صيني له، أو على الأقل الاستفادة منه بأقصى طريقة ممكنة، إن من خلال صفقات السلاح، أو من خلال إلهاء الصين في أزمة قريبة منها ستكون لها نتائج اقتصادية غير مريحة، أو عبر التدخل الأميركي المباشر في آسيا وهذا ما يحضر له الأميركيون منذ مدة.

يبدو من كل ما تقوم به الولايات المتحدة، وليس مما يقوله <ترامب>، أن خيار الإبقاء على <كيم> هو الأفضل استراتيجيا، تماماً كما هو اليوم خيار الإبقاء على بشار الأسد. فالإثنان لن يتمكنا من إحياء بلديهما اقتصادياً وإجتماعياً، وبالتالي لا بد أن يسقطا بالنقاط أي بالعجز الاقتصادي طالما أن الضربة القاضية أي الحسم العسكري لم ينجح. بشار الأسد و<كيم يونغ أون> لا يناسبهما السلام أبدا لأنه يكشفهما اقتصاديا. وحتى لو كانت روسيا وإيران رافعتين عسكريتين قويتين في سوريا فإنهما غير قادرتين وحدهما على توفير الدعم الاقتصادي الكافي للحفاظ على استقرار النظام فيها.

الذين لا يريدون أن يستمر الرئيس السوري على رأس الحكم يجب على العكس أن يطالبوا ببقائه، لأنه ببساطة غير قابل للحكم اقتصاديا. فهو إن نجح في الحفاظ على شعبيته من خلال التخويف ببعبع الإرهاب، فإنه سيصعب عليه النهوض ببلده وحل مشاكل الناس الإجتماعية والمالية التي تضاعفت وتراكمت بسبب الحرب. مثله مثل الرئيس الكوري الشمالي الذي هو اليوم بأمس الحاجة لعدو كبير يبرر بقاءه أمام شعبه.

قد يكون هناك بارقة أمل وحيدة بالنسبة للشرق الأوسط من خلال الأزمة الكورية، فإذا إنفتحت الأسواق الآسيوية أمام صفقات السلاح، قد تنفك عنا قليلا هذه الشركات ويخف <اهتمامها> بالدول العربية... إلا إذا وصل الطمع المالي إلى أن تصبح الحاجة إلى السوقين وربما أكثر، ساعتئذ نكون قد دخلنا في مواجهات عسكرية عالمية أكبر بكثير مما شهدناه حتى اليوم..