تفاصيل الخبر

شركــة ”فـابـريـــــك ايد“: نشتـــــــري الألـبـســـــــة ونـبـيـعـهـــــا بـأسـعـــــار رمـزيـــــة لغيــــــر الـقـادريـــــــن!

13/07/2018
شركــة ”فـابـريـــــك ايد“: نشتـــــــري الألـبـســـــــة  ونـبـيـعـهـــــا بـأسـعـــــار رمـزيـــــة لغيــــــر الـقـادريـــــــن!

شركــة ”فـابـريـــــك ايد“: نشتـــــــري الألـبـســـــــة ونـبـيـعـهـــــا بـأسـعـــــار رمـزيـــــة لغيــــــر الـقـادريـــــــن!

من ثغرة في توزيع الثياب للمحتاجين في النظام اللبناني السائد، انبثقت الشركة الناشئة والتي تزدهر باضطراد لكل من الشباب عمر عيتاني، حسام حنوني ولين ابي عاد وهم بعد في عشريناتهم. فعُمَر المؤسس لشركة <فابريك ايد> أراد ان يقدم الخدمة لمجتمعه وها هو يجني ربحا مشروعا في الوقت عينه. ومن موظفين اثنين مع الانطلاقة أصبحت الشركة اليوم تشغّل 22 موظفا وتحصد جوائز رفيعة كان آخرها فوزها بالمركز الأول للشركات الناشئة الاجتماعية في <غلوبال سوشال فانتو كومبيتيشن 2018> التي حصلت في ايطاليا وفوزهم أيضا بالمرتبة الثانية في نيسان/ ابريل الماضي بجائزة مسار الريادة الاجتماعية في منتدى <ام اي تي> لريادة الاعمال في العالم العربي، على أن تستثمر اموال هاتين المشاركتين في الشركة- المشروع.

فما هي هذه الشركة الجديدة في فكرتها ولِم تحظى بهذه الدعاية الكبيرة؟ على اي مفهوم ترتكز في جمعها للمفيد والمربح؟ وأي نموذج تقدم للشباب اللبناني الذي يسعى الى الفرص والى ماذا تتطلع بعد؟

فكرة... ومفاجأة

 مع الاعلان حديثا أن عدد العاطلين عن العمل في لبنان بلغ 660 ألفا نتيجة دراسة دقيقة قامت بها وزارة العمل والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وجمعية <قرارات> هناك في جانب آخر من يعمل ويجتهد وفق مقولة امير الشعراء أحمد شوقي: <وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا>، وتشكل هذه الفئة نموذجا لطاقات شبابية لبنانية مبدعة تعطي املا لمن يريد تحقيق نفسه وانجاز عمل يعتاش منه ويولد فرص عمل فيه، وذلك انطلاقا من فكرة بسيطة ولكن جديدة ما ان تُلتقط شرارتها وتثبت الخطوة الأولى في مشوارها حتى يصبح صاحبها <بزنسمان> يكبر يوما بعد يوم.

 عمر عيتاني مهندس خريج من الجامعة العربية لم يصل الى عتبة الثلاثة والعشرين، يرى في المشاكل اللبنانية التي لا تحصى فرصا للنجاح، اذ انها برأيه تحفّز الغارق فيها على التفكير وايجاد الحلول الملائمة... فالوضع المتردي يشكل التحدي الاول للوصول الى حلول تبتدعها شركات شبابية رائدة وناجحة.

كان عمر يريد التبرع ببعض ملابسه القديمة، فتواصل مع مجموعة من الأصدقاء ونقل اليهم رغبته الى موافاته والتبرع، داعيا اياهم عبر <فايسبوك> الى المشاركة بملابسهم القديمة ايضا على ان يجري تقديمها الى المحتاجين اليها مباشرة من دون طرف ثالث. تمكنوا من جمع حوالى 200 كيلو من الملابس خلال عشرة ايام فقط، وهو حجم أكبر من المتوقع! الكمية الكبيرة التي جمعوها استوقفتهم، وأكثر منها استوقفتهم الكمية التي تتبقى من بعد التوزيع، وما يمكن ان تكون وجهة استعمالها، وقفز بالتالي الى الواجهة السؤال عما تقوم به الجمعيات بالملابس الفائضة خاصة وان امكانياتها وتجهيزاتها لمعالجتها محدودة...

 بالعادة، وبعد التواصل مع أكثر من جمعية في المجال بينها <كاريتاس> و<ارك ان سيال> < و«جمعية عباد الرحمن الخيرية>، عرف عمر وفريقه كيف تتم الأمور بحيث يقوم المتبرع باحضار ملابسه التي يستغني عنها ليضعها في حاويات أكان في منظمات غير حكومية او شركات أو جمعيات، الا ان الوصول دائما الى صناديقها ليس بالامر السهل، كذلك تكون بغالبيتها غير مفرزة او منظفة او معالجة حتى تكون صالحة للارتداء، كما انها تخضع أيضا لطمع البعض فيأخذ أكثر من حاجته دونما الالتفات لحاجة غيره. هذا اذا ما وضعنا جانبا أصحاب ما يعرف بمحلات الـ<البالة> اي تلك التي تبيع الثياب المستعملة القديمة فيستغلونها ويجنون الربح منها.

هذا الأمر جعل عمر يفكر بالطريقة الأفضل لعملية الجمع والفرز والمعالجة وايجاد البنى التحتية لهذه الجمعيات وحثها على جمع الثياب مقابل مردود مادي، ومن ثم وضع خطة لكيفية توزيعها بافضل السبل حتى لا تكون محصورة في بقعة جغرافية معينة بحيث تمتد لتشمل كافة المناطق مع الاستفادة بالطريقة الأمثل لما يتبقى منها.

<ستارت أب>...!

 من جهته يشرح حسام حنوني لـ<الأفكار> ان العوائق المذكورة هي التي شكلت جوهر تأسيس الشركة في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2016. بتنا نذهب نحن الى المتبرعين واماكن سكنهم او عملهم لنجمع الالبسة وقد اطمأن الناس الى صدقية ما نقوم به، وجهزنا مستودعا لجمع الملابس ومعالجتها عند منطقة الوردانية اما مكاتب الشركة فهي اليوم عند منطقة مونو، وافتتحنا متجرا تباع فيه الملابس عند منطقة وادي الزينة وله فروع في مناطق اخرى.

 ويزيد حسام شارحا:

 - اذا عرفنا اننا نجمع 15 الف طن سنويا من الثياب المستعملة وان 5 آلاف طن منها لا يستخدمها أحد وتذهب هدرا فإننا سنتوقف جميعا امام ذلك، مع العلم ان هناك مليونين ونصف المليون شخص يلبسون الثياب المستعملة من حوالى 300 محل مخصصة لهذا الغرض بينهم اللاجئون الفلسطينيون والسوريون وحوالى سبعمئة الف لبناني.

وفي <فلاش باك> يزيد حسام الذي شارك وعمر في برنامج تدريب مع <اليونيسيف>:

 - بداية كانت الفكرة بان يحصل كل شخص متبرع على مجموعة من النقاط تخوله مقاضاتها بثياب جديدة معروفة المنشأ، الامر الذي رحبت به بعض الشركات وعلى هذا الأساس شاركنا في مسابقة <آلت سيتي> المنظمة من قبل شركة <ايمباكت ستارات آب سبرينت> وربحنا في المسابقة، لكن ذلك لم ينجح سوى جزئيا على الارض بعدما تبين لنا انه على الشخص التبرع بـ50 ألف قطعة ثياب ليحصل مقابلها على قطعة واحدة او اثنتين من الملابس الجديدة. بعد فترة عدلنا بالفكرة وأصبحنا نجمع الملابس وفق طريقتين: اما عبر شرائها من الجمعيات بأسعار مقبولة واما عبر اطلاق حملات كبيرة في الشركات والبنوك اللبنانية فيقوم الموظفون بالتبرع بملابسهم ونأخذ نحن هذه الثياب ونتبرع بقيمة مالية (نصف دولار مقابل كل كيلو ثياب) للجمعية التي يختارها المتبرعون.

نمط اوروبي...!

باختصار تجمع شركة <فابريك ايد> الملابس تفرزها وتنظفها وتبيعها للفئات الأكثر حاجة في لبنان بأسعار منخفضة جدا تترواح ما بين 500 ل. ل. و6 آلاف ل. ل، اما ما يشترونه كشركة فيبلغ حوالى 50 ألف ليرة لبنانية تقريبا للطن الواحد. الفكرة ليست جديدة عالميا خاصة اذا ما علمنا ان هناك احتفالا سنويا لتجارة بيع الملابس المستعملة يجري في الـ25 من شهر آب/ اغسطس من كل عام.

ويزيد حسام :

- شراؤنا للالبسة يخضعها قبل توزيعها الى عدة مراحل كالفرز والتنظيف ويتم ذلك من قبل شباب بات يبلغ عددهم 22 موظفا يعملون بدوام كامل. الفرز يجري بحسب الجنس والسن والمقاسات والنوعية والمواسم من صيفي وشتوي وربيعي الخ. ويوضع على كل قطعة سعر يناسبها ونبيعها لمتاجر الالبسة المستعملة مقابل مبلغ بسيط او نقدمها مجانا لشباب عاطلين عن العمل لبيعها بأسعار زهيدة جدا للفئات الأكثر حاجة في لبنان في مقابل حصولنا على نسبة مالية بعد تدريبهم على اساليب البيع. كذلك لدينا محلات ميدانية نفتحها لفترة وجيزة على مدى يوم او أكثر في مختلف المناطق اللبنانية. هذه الـ<المحال> او <السوق المتنقلة>، تكون تحت عنوان <سوق الخلنج> للدلالة على جودة البضاعة فيها، اما تركيب المحلات و<الستاندز> فيجري على الارض بحيث ينقل الـ<بيك آب> العائد للشركة التجهيزات والثياب، وعادة ما يكون ذلك بالاتفاق مع جمعية ليكون لهم مكان يعرضون الثياب فيه. وبعد هذه العملية نتقاضى نسبة من الايرادات لنغطي الكلفة وحتى يتمكن مشروعنا من تغطية نفقاته...

اما الثياب التي لا تباع لاسباب دينية او اجتماعية وغيرها من الاسباب ويكون وضعها جيدا فاننا نتعاون مع <اس مود> لاجلها يقول حسام ويعيد أحد المصممين تصميمها او ادخالها بآخر جديد، وبهذا الشكل نوجه رسالة أيضا الى أصحاب الطبقة المتوسطة او الميسورة مضمونها ان للابداع أكثر من شكل، وأنه من خلال القطع القديمة يمكن تقديم تصاميم جديدة حلوة. اما الفائض بعد كل هذه العملية والذي يبلغ عادة 12 بالمئة فيجري قصقصته او معالجته ليشكل حشوة لفراش او وسادة او مفروشات وقطع أثاث او اي استخدام آخر ويتم بيعه لمن يمكن ان يستفيد منه.

على الارض...!

العمل هذا يرضي عمر وحسام ولين وفريق العمل كله خاصة وان المستفيدين منه يبلغون الالفي شخص من الذين ابتاعوا الالبسة من الاسواق المتنقلة وهو يؤمن فرص عمل مطلوبة جدا في ظروفنا الاقتصادية القاهرة... ففي هذه الشركة الناشئة استند المؤسسون على كتاب < Lean Management> وفيه ان اي فكرة لأي مشروع عمل لا تدرك قيمتها الا حين تجرب وتنجح على الارض. <الحمد لله اننا اثبتنا نجاحنا بعد تعديلات واضافات تناسب السوق وجعل مفهومنا قابلا للتطبيق>. ليس من الضروري ان تكون النهايات واضحة تماما بحسب عمر، انما المهم ان يبقى الشباب بعيدين عن اي تراجع او استسلام للاحباط مع التحلي بالجرأة على الاقدام. النجاح مفتاحه فكرة جديدة وفريدة واثرها في تقديم حل للمجتمع الموجودة فيه.

 

التمويل... الأرباح!

 في البداية كان لا بد من تمويل للفكرة بحسب عمر <وكنا نجد ذلك التحدي الأكبر لنا>، الا ان الامر أصبح متاحا من خلال المسابقات التي اشتركنا بها وقد حصلنا على عشرين الف دولار من برنامج <ايليفيت> التابع لـ<اليونيسيف>، ومن الحكومة الفرنسية للشركات الناشئة المعنية في الشؤون الاجتماعية، كما حصلنا على منحة كفالات البالغ قيمتها 15 الف دولار فضلا عن جائزة قيمتها 2500 دولار.

والشركة التي، الى رسالتها المجتمعية تبغي الربح، تضعه في شقين: الاول من خلال البيع مباشرة الى متاجر الالبسة عبر حزم يترواح وزن الواحدة منها ما بين 30 و60 كلغ، او عبر تزويد ذوي الدخل المحدود بفرصة تشغيل متاجرهم عبر تقديم الملابس مجانا لهم والمشاركة بالعائدات بعد تدريبهم على اساليب البيع وطرقه.

 يفتخر مؤسسو <فابريك ايد> انهم اثبتوا للشركات وللبنوك بشكل خاص، امكانية حصولها على ارباح في تعاونها مع <فابريك ايد> من خلال ما يتبرع به موظفوها، وبأنهم يحفزون بذلك المنظمات غير الحكومية على جمع المزيد من الملابس من دون القلق على نفقات التوزيع، كذلك تجدهم سعداء باثباتهم للجهات المانحة انهم قادرون على خلق فرص عمل في السوق اللبنانية، كما بتقليصهم لحجم النفايات من الملابس بيئيا مع دعمهم للمجتمعات المحلية في الوقت عينه.

الشركات الناشئة تحظى بالاجمال بدعم اكثر من جهة في لبنان كما على العديد من الجهات التمويلية بحسب عمر ما يعطي فرصا لمن يريد ان يعمل ويطمح، فيما الخطر او المجازفة في اي مشروع لا يمكن ان يكون معدوما الا ان القيمين على شركة <فابريك ايد> يشجعون الشباب على اتخاذ القرار والمباشرة به، وسوف تفتح لهم الابواب الواحد تلو الاخر. وبحسب عمر، وفي اقصى الاحوال، فإن فشل الشركة لا يعني فشل صاحبها انما يكون اكتسب خبرة اجتماعية وقانونية وادارية ومالية وتسويقية بعيدا عن الوظيفة الروتينية العادية، مع الملاحظة بان الامل بجني الربح الوفير منذ السنة الاولى للانطلاقة لا يكون مرتفعا طبعا.

  في النهاية، لما نسأل حسام عن المحاربة التي يتعرضون لها من قبل بعض اصحاب محلات الألبسة المستعملة فانه لا ينفي الأمر اذ لا يتقبل الجميع عملهم خاصة ان كان يتضارب مع مصالحه <الا اننا بتنا نعمل مع العديدين منهم وبأسعار مقبولة>.

اما فكــــرة تصديـــر الثيــــاب الى الخــــارج فلن تتحقق لسبب واحد ومبدئي: <ان فعلنا فاننا قد نؤذي سوق البلد الذي نصدر اليه خاصة اذا ما كان يتلقى المساعدات في هذا المجال>.