تفاصيل الخبر

«شولا كوهين » اللؤلؤة أول عميلة للموساد افتتحت مسرح حرب الاستخبارات بين اسرائيل ولبنان.. وما زالت حرباً صامتة مستمرة!

19/12/2014
«شولا كوهين » اللؤلؤة أول عميلة للموساد افتتحت مسرح حرب الاستخبارات بين اسرائيل ولبنان.. وما زالت حرباً صامتة مستمرة!

«شولا كوهين » اللؤلؤة أول عميلة للموساد افتتحت مسرح حرب الاستخبارات بين اسرائيل ولبنان.. وما زالت حرباً صامتة مستمرة!

بقلم صبحي منذر ياغي

11

  <أخطر العملاء يكشف أسراره> عنوان تصدر صحيفة «يديعوت أحرونوت»، منذ مدة لمقابلة أجراها معلق الشؤون الاستخباراتية في الصحيفة، <رونن برغمان>، مع عميل لبناني خدم الاستخبارات طويلاً، يدعى أمين عباس الحاج الذي كشف اسراراً لأول مرة من بينها لقاءات بين الرئيس اللبناني بشير الجميل ورئيس الوزراء الإسرائيلي <مناحيم بيغن>.

هذه المقابلة فتحت باب الذاكرة لدى العديد من اللبنانيين الذين استعادوا قصصاً عن عملاء سبق ان جندتهم اسرائيل للعمل معها في إطار الصراع المخابراتي المستمر بينها وبين العرب بشكل عام.

 فمنذ قيام دولة اسرائيل الغاصبة عام 1948 على ارض فلسطين، بدأ لبنان يشهد حرباً ضروساً تقودها المخابرات الاسرائيلية التي أمعنت في زرع عناصرها وعملائها للتجسس والتخريب، ولكنها كانت حرباً بدائية تجلت في تجنيد بعض المواطنين في المناطق الجنوبية للتجسس لصالح اسرائيل وكان هؤلاء يتساقطون على أيدي عناصر جهاز المخابرات اللبنانية وقتذاك والذي كان يعرف بـ <المكتب الثاني>. انها حرب الاستخبارات التي يشهدها لبنان منذ استقلاله، هي حرب ضروس استمرت حتى مع نشوب الحرب الاهلية وانهيار الدولة، تنوع فيها اللاعبون وتبدلوا، الا انها مستمرة، ومسرحها دوماً بيروت التي تعتبر <حلم كل جاسوس> - كما قال احد مراسلي الصحف الاجنبية في الستينات. ويبقى العدو الاسرائيلي اللاعب الأول الشرس في هذه الحرب، التي شهدت أسماء لامعة في عالم الجاسوسية.

وتطورت حرب <الموساد> واشتدت مع الوجود العسكري الفلسطيني على الاراضي اللبنانية بعد نكبة فلسطين، وبعد تشريع العمل العسكري الفلسطيني على ارض لبنان نتيجة اتفاقية القاهرة عام 1969. وكانت النشاطات الامنية الاسرائيلية قد لعبت دورها الكبير في ملاحقة الفدائيين الفلسطينيين ونسف مراكزهم واغتيال قاداتهم.

وبالعودة الى المقابلة التي أجرتها صحيفة <يديعوت احرنوت> مع أمين عباس الحاج مؤخراً نجد انها حملت شكواه من سوء المعاملة التي تلقاها من الاستخبارات الإسرائيلية، بعد أكثر من ثلاثين عاماً قضاها في خدمة الاحتلال. وأكد الزميل يحيى دبوق الذي تابع هذه القضية ان الحاج الملقب بـ«رومينيغيه» اسم بطل كرة القدم الألماني الشهير، أحد أخطر العملاء بالنسبة إلى أجهزة الاستخبارات في الشرق الأوسط، كان له دور أساسي في سلسلة طويلة من العمليات، أغلبها لا يزال حتى اليوم طيّ السرية. وتسبب الحاج بنشاطه الاستخباري باعتقال المئات من المخربين (الفلسطينيين)، وساعد على السيطرة على أطنان كثيرة من الوسائل القتالية، وشارك في قضايا وعمليات استخبارية مهمة جداً. وكان يعتبر خلال سنوات طويلة «ثروة استخباراتية كبيرة لإسرائيل>.

وتنقل الصحيفة عنه قوله بغضب: «لقد رمتني الأجهزة الاستخباراتية كالكلاب... وانا أعيش في إسرائيل ببطاقة منتهية الصلاحية دون ح

77

قوق ودون تأمين طبي، وعدد قليل فقط من أصدقائي الجيدين يقومون بمساعدتي بين الحين والآخر. لقد استخدموني وانتزعوا كل ما بوسعهم امتصاصه مني، وأعطيت قلبي وروحي لهم، والآن ألقوا بي جانباً مثل الخرقة البالية، لقد رموني رمية الكلاب>.

ويقول <رومينيغيه>: إنّ مشغليه في وحدة الاستخبارات «504» (وحدة تشغيل العملاء) دأبوا على الاتصال به من قبرص وهو داخل مكتب الرئيس كميل شمعون، وعندما كان يرغب في الاتصال بهم، كان يهاتف مكتباً للوحدة في قبرص، ويقدم نفسه باسم «الثعلب الشيخ»، ويلتقيهم في عرض البحر. وكانت مهمته المركزية وقتذاك رصد تحركات منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وجمع أكبر كمية ممكنة من المعلومات حولها، وخاصة تلك المتعلقة بأبو جهاد (الوزير)، وأبو الهول (هايل عبد الحميد)، ونديم مطرجية، وعوني الحلو، ونعيم جمعة من «جهاز أمن 17». وتمكن من تجنيد 15 من اللبنانيين والفلسطينيين، ساعدوا كثيراً في عمليات قصف وتوغلات برية قبل حرب لبنان الأولى عام 1982.

اغتيال علي حسن سلامة

ويعترف العميل انه قدم معلومات عن الشهيد علي حسن سلامة، قائد «أمن 17» الذي كان معنياً بحراسة الرئيس الراحل ياسر عرفات، قبيل اغتياله في بيروت بعدما اتهمته إسرائيل بتخطيط عملية ميونيخ.

ويتابع: «طلبوا مني معطيات عن مكتبه وبيته وطريقه للعمل، ونادي اللياقة البدنية الذي يرتاده وعن عائلة زوجته ملكة جمال العالم جورجينا رزق>.

يتابع «رومينيغيه»: «شاركت إحدى المرات في اجتماع جمع بشير الجميل بـ<مناحيم بيغن>، في الغرفة 214 داخل فندق <كارلتون> في بلدة <نهاريا»، مضيفاً: «إسرائيل ارتكبت أكبر أخطائها بتواصلها مع مسؤولي حزب الكتائب الذين ورطوها في لبنان>.

66

 

شولا كوهين (اللؤلؤة)

 

وقبل أمين الحاج، وخلال الحرب الاستخباراتية الاسرائيلية ضد لبنان، لمعت أسماء كبيرة لجواسيس اتخذوا من لبنان مسرحاً لنشاطاتهم وتحركاتهم، وسقط عدد من هؤلاء في شباك الأجهزة الامنية، بعد ان ساهموا مساهمة كبيرة في اختراق المؤسسات وزعزعة الاستقرار، فكانت قضية بنك <انترا> في الستينات واحدة من القضايا التي كان للمخابرات دورها الاول في قيامها.

وكانت قصة الجاسوسة اللبنانية - اليهودية <شولا كوهين> واحدة من أبرز القصص المثيرة التي عرفها اللبنانيون، فـ<شولا كوهين> الملقبة بـ<لؤلؤة <الموساد> الإسرائيلي>، عملت لسنوات في لبنان كجاسوسة لصالح جهاز <الموساد> الإسرائيلي، اسمها الحقيقي <شولا ماير أرازي كوهين>، ولدت في الأرجنتين عام 1920، وباشرت <شولا> عملها كعميلة للموساد في بيروت عام 1947، وتم اكتشاف امرها في 9 آب/ أغسطس 1961.

ويؤكد الذين عاصروا <شولا كوهين> ومن بينهم النائب السابق اللواء سامي الخطيب انها تمكنت من تزويد إسرائيل بمعلومات أمنية مهمة عن لبنان وسوريا وعن تنظيمات وأحزاب وشخصيات سياسية لبنانية، بالتعاون مع مجموعة من المتعاونين الذين استطاعت تجنيدهم للعمل مع المخابرات الاسرائيلية.

ويشير أديب قعوار الى ان <شولا كوهين> باعت خدماتها الجنسية لمئات من كبار موظفي الدولة في لبنان بين 1947 و 1961. وكانت تستقبل العملاء والزبائن في بيتها الذي يقع عند منطقة وادي أبو جميل في الحي اليهودي في بيروت. وكان أول موظف دولة لبناني يقع في شباكها وتصطاده هو <محمود عوض>، ونجحت بتجنيد الموظف اللبناني <جورج أنطون> وأسست جماعة تدعى <القوات اليهودية للدفاع عن النفس>. وعبر هذه الجماعة، ساعدت في تهجير يهود لبنانيين وغيرهم من اليهود العرب إلى إسرائيل عبر الممرات الجبلية اللبنانية. وفي مجال مهمتها كجاسوسة، تعاونت <شولا> مع مدير كازينو <أولمبياد>، حيث كان معظم الزعماء السياسيين اللبنانيين من مدمني القمار موجودين. نشاطات <كوهين> توسعت الى سوريا وتمكنت من ترتيب لقاء بين العقيد السوري أديب الشيشكلي الذي أصبح عام 1951 رئيساً لسوريا ورئيساً للأركان، مع رئيس الأركان الإسرائيلي الثالث الجنرال <مردخاي ماكليف> الذي كان إرهابياً من تنظيم <الهاغانا>. وفي عام 1956، انشأت <كوهين> في بيروت بيوتاً للدعارة، وبنت علاقات مع أشخاص بارزين في الحكومتين اللبنانية والسورية. وقد جهز <الموساد> <شولا> بكل الأجهزة وآلات التصوير التي كانت تزرع في غرف النوم ليتم من خلالها تصوير شخصيات بارزة وهي تمارس الجنس مع المومسات بقصد ابتزاز هذه الشخصيات.

 

سقوط اللؤلؤة

44

ويرى الزميل نقولا ناصيف ان المصادفة هي التي قادت الى اكتشاف <شولا كوهين> عندما طلب وزير المال رشيد كرامي من الشعبة الثانية معلومات عن موظف هو محمود عوض، حامت حوله شكوك في اختلاس أموال من صندوق الوزارة. فكان ان كلف أنطون سعد غابي لحود المهمة... وضع هاتف عوض تحت المراقبة لمعرفة فحوى مكالماته ومحاوريه ومدى علاقتهم بالشكوك في اختلاسه، فإذا بالتنصت يكشف علاقة شخصية لعوض كانت تربطه بامرأة اسمها <شولا>، وكان حوارهما غامضاً وملتبساً وتناول أحياناً اسماء غامضة برموز وإيحاءات.

هذه المعلومات لفتت غابي لحود، فطلب الاستقصاء عن رقم هاتف المرأة ومكان سكنها وتنقلاتها وتبين انها يهودية لبنانية تقيم في حي يقطنه يهود لبنانيون، هو وداي ابو جميل. كلف لحود احد المتعاونين مع الشعبة الثانية هو ميلاد القارح  (محافظ البقاع لاحقاً) بإقامة علاقة مع <كوهين> والتقرب منها وتمكن القارح من إنجاز مهمته، وساعد الشعبة الثانية في الحصول على معلومات مثيرة حول مهمة <اللؤلؤة>، لتقوم بعدها فرقة من الشعبة الثانية بدهم منزلها ليل 9 آب/ أغسطس 1961 وتعتقلها، مع زوجها جوزيف كشك، وراشيل رفول، والموظف الحكومي محمود عوض، فايز ونصرات العبد الله بالإضافة إلى 22 يهودياً ولبنانياً من الذين عملوا مع <شولا> في شبكتها التجسسية.

جرت محاكمة <اللؤلؤة> امام محكمة عسكرية برئاسة الزعيم جميل الحسامي بتهم تهريب يهود الى اسرائيل والاتصال بالعدو والتجسس لمصلحته، وحكم على <شولا كوهين> بالإعدام الذي خفف إلى 20 سنة في السجن. وحكم على صديقتها راشيل رفول بـ 15 سنة، وأطلق سراح زوجها جوزيف كشك بعد استئناف الحكم. وكان من حظ محمود عوض أنه مات نتيجة ذبحة قلبية في تموز/ يوليو 1962، بينما كان في السجن قبل البدء بمحاكمته. وكوفىء ميلاد القارح على نجاحه في دوره بتعيينه موظفاً في فرع الصحافة في الشعبة الثانية.

الا انه وفي 11 آب/ أغسطس من العام 1967، أجرى لبنان واسرائيل مفاوضات تبادل اسرى في مركز لجنة مراقبي الهدنة اللبنانية - الاسرائيلية في الناقورة شملت 23 لبنانياً من رجال أعمال سبق ان اعتقلتهم اسرائيل في القدس القديمة بعد احتلالها وأطلق سراح <شولا كوهين>، وراشيل رفول، مع فتاتين يهوديتين.

القس جميل القرح

 

قبل الفترة التي نشطت فيها <شولا كوهين>، كان لبنان  قد عرف نشاطاً لافتاً لقس إنجيلي لبناني يدعى جميل القرح منذ حزيران/ يونيو 1954 في إطار جمعية حملت اسم <جمعية الاخوة في المسيح> والتي كانت ساتراً لعمله التجسسي وكانت تتخذ من دمشق وبيروت مسرحاً لنشاطاتها. ويقول الزميل نقولا ناصيف: <في 29 كانون الاول/ديسمبر 1961 اعتقلت الاستخبارات السورية جميل القرح وزوجته فيكتوريا عقاد بالجرم المشهود، عندما دهم رجال الاستخبارات العسكرية اللبنانية والسورية منزل بستولي في الاشرفية وعثروا على جهاز التخابر اللاسلكي في تمثال للسيدة العذراء موضوع على طاولة الى محفوظات وآلة تصوير خاصة بالوثائق والأفلام، وبعد تحقيق مشترك بين الجهازين، دين جميل القرح في دمشق وأعدم شنقاً.

إعدام أحمد الحلاق

33

وكان اللبناني أحمد الحلاق أول عميل لإسرائيل يتم إعدامه في لبنان بعد إدانته بارتكاب متفجرة صفير في الضاحية الجنوبية عام 1994، حيث قتل ثلاثة مدنيين هم: فؤاد مغنية (شقيق عماد مغنية)، ومحمد مسلماني ومحمود حسون وجُرح خمسة عشر آخرون. والبارز في قضية الحلاق الطريقة البوليسية التي جرى فيها خطفه على أيدي مواطنين يتعاونون مع المخابرات اللبنانية من منطقة الشريط الحدودي التي كانت خاضعة لجيش لبنان الجنوبي (جيش لحد) الى سجن وزارة الدفاع.

الزميل علي الموسوي الذي تابع ملفات عملاء اسرائيل في المحاكم العسكرية اللبنانية روى تفاصيل اختطاف الحلاق من عمق الشريط المحتل وكيف ان المخابرات في الجيش اللبناني اتخذت قراراً باعتقال الحلاق وسوقه مخفوراً في تحدٍ ظاهر للاستخبارات الاسرائيلية التي كانت مسؤولة عن سلامة عميلها، وكلفت المديرية بشخص مسؤول فرع المخابرات في صيدا والجنوب آنذاك العميد الركن ماهر الطفيلي وضع الخطة المناسبة وإجراء اللازم، فتوصل الى تسليم المهمة للمخبر رمزي سعيد نهرا الذي كان يعيش في بلدته إبل السقي وتربطه صلات صداقة وتعارف مع عدد من المسؤولين في ميليشيا أنطوان لحد وجهازها الأمني، ومن بينهم العميل محمد مصطفى الغرمتي الملقب بـ<أبو عريضة> الذي كان مولجاً بالحراسة على الحلاق، وعرف نهرا ان أبا عريضة يسير مع شخص غريب، فذهب إليه للتحقق مما إذا كان هو الحلاق نفسه المطلوب أم لا، خصوصاً ان مديرية المخابرات أرسلت لنهرا رسماً شمسياً صغيراً له، فاستقبله ابو عريضة وعرّفه الى صديقه ميشال خير أمين وهو الاسم المستعار للحلاق، فعرفه فوراً وفكر بطريقة تقربه منه فدعاهما الى تناول فنجان قهوة في منزله ووافقا.

استعد رمزي نهرا للضيافة جيداً وكلف ابن بنت عمه المدعو فادي كوزال بالوقوف في مكان خفي في الطبقة الثانية من منزله، وحمله كاميرا فيديو لكي يصور الضيفين من دون ان يشعرا به، وبالفعل حضر أبو عريضة ومرافقه رمزي عكرة والحلاق والتقطت لهم الصور مع صاحب المنزل خلسة.

وبعد يومين او ثلاثة أيام، دعاهما ثانية الى تمضية السهرة في منزله، فقبلا. وقبل وصولهما، دس رمزي نهرا آلات تصوير في الغرفة وآلات تسجيل في جنبات <الصوفيات> لكي يسجل الحديث المتوقع تناوله بينهم... وبعد رحيلهما، جمع نهرا معلوماته وشريط الفيديو والاحاديث وأرسلها بطريقة ما الى بيروت حيث تحققت مديرية المخابرات من ان ميشال أمين هو نفسه الحلاق وأعطته الضوء الأخضر للقيام بخطفه.

خُطف وسُلّم للمخابرات

 

ثم وضع رمزي بالاشتراك مع شقيقه مفيد وصديقه ماهر سليم توما خطة محكمة للانقضاض على الحلاق. وعند الصباح، استعار رمزي سيارة من نوع <مرسيدس> صفراء اللون تخص صديقه غطاس طانيوس ابو سمرا لكونها تشبه سيارة العميل ابو عريضة، سواء من حيث اللون او من حيث الشكل والطراز وذلك للتمويه، واستقلها مع ماهر توما وتوجها بها الى منزل الحلاق في بلدة القليعة وصودف آنذاك ان أبا عريضة كان يستريح في منزله من عناء السهر على الحلاق ويغط في نوم عميق. وصلا إليه، سلما عليه وسأله رمزي عما اذا كان مستعداً لرؤية شقيقه مفيد نهرا الذي سبق للحلاق ان أبدى رغبة في التعرف إليه عن قرب ولم يتردد في الاستفادة من هذه الفرصة السعيدة، فارتدى ثيابه ونسق هندامه وتزنر بمسدسه وتسلح بممشطين إضافيين.

وصل الثلاثة الى منزل رمزي حيث الكمين منصوب، ركنت السيارة في المرآب وصعدوا الدرج الخلفي، وأقفل رمزي النوافذ والستائر وصب أكواباً من <الويسكي> للحلاق الذي جاراه ماهر توما في الشرب ليؤنسه، ثم دخل ماهر توما الى المطبخ المجاور بحجة إحضار بعض المتاع، وأشار على مفيد نهرا بتجهيز نفسه للسيطرة على الحلاق. وضع في جيبه أصفاداً وعاد الى مكانه ليجلس الى يسار الحلاق المطوق من ناحية اليمين برمزي نهرا، وما هي إلا لحظات حتى دخل عليهم مفيد شاهراً رشاشاً من نوع <أنيغرم> مع كاتم للصوت، وصوبه نحو الحلاق صارخاً بوجهه: <ولا حركة أحمد الحلاق...>.

حاول الحلاق ان يستدرك الموقف، خصوصاً انه غير معتاد على الاستسلام بسهولة، فعاجله ماهر بضربة قوية بعقب مسدسه على رأسه، فشجّه حتى تغسل بالدماء. استنجد الحلاق برمزي، وصرخ به ليدافع عنه غير ان أصفاد رمزي كبلت اليد الأخرى للحلاق وقال له: <مش رح دافع عنك>، فأجاب الحلاق مستغرباً من دون ان تخور قواه: <ليش إنت مش مع المخابرات الاسرائيلية؟> فقال له: <لأ> فرد الحلاق غاضباً ومتحدياً: <إذا إنتو زلام فلتوني>!

أسكتوه وسحبوه الى غرفة مجاورة وضمدوا جروحه، وعصبوا عينيه بلاصق خصوصي وقيدوه وأعطوه أربع إبر<فاليوم> لم تعطِ المفعول المرتجى، فأوثقوه جيداً خشية ان يفلت منهم، وألصقوا فمه لئلا يصدر أي صوت يثير جلبة تفضح الخطة ووضعوه في صندوق سيارة من نوع <مرسيدس 230> بيضاء اللون، وتولى مفيد قيادتها وجلس ماهر الى جانبه، فيما واكبهم رمزي وفادي كوزال في سيارة اخرى من نوع <ب ام ف> وانطلقوا نحو المعبر الأخير في جزين.

خلال مرور السيارتين بالقرب من ثكنة الريحان، التقتا بدورية اسرائيلية كانت تمشط الطريق. توقفت السيارتان جانباً، تحدث رمزي مع الجنود الاسرائيليين بلغتهم الأم العبرية، ورفع لهم لوحة تعريف تحمل كلمات عبرية أيضاً، كان <جيش الدفاع الاسرائيلي> يزوّد السيارات المدنية بها وقال لهم: <شاباك> وأفسحوا الطريق لتعبر السيارتان فيما الحلاق يئن في عتمة الصندوق. وغابت السيارة عن الأنظار بحيث أصبح الحلاق في أيدٍ أمينة.. صار لدى القضاء اللبناني.

22

جواسيس بالجملة

لم تتوقف حرب الاستخبارات مع اعتقال الحلاق واستمرت وبلغت ذروتها في السنوات الماضية وكرت سبحة الاعتقالات من الدركي اللبناني محمود قاسم رافع من مدينة حاصبيا المتهم باغتيال الاخوين مجذوب في صيدا (اعتقالهم في شهر حزيران/ يونيو من العام 2006)، ومعه إبراهيم محمّد ياسين، فيما فر الفلسطيني حسين سليمان خطّاب، وأحالهم قاضي التحقيق العسكري الأوّل رشيد مزهر على المحاكمة أمام المحكمة العسكرية بتهم إجراء اتصال بالعدوّ الإسرائيلي وقتل المسؤولين في المقاومة الإسلامية أبو حسن سلامة في محلة عبرا في صيدا في العام 1998، وعلي صالح في الضاحية الجنوبية في العام 2005، وجهاد أحمد جبريل في بيروت في العام 2002، والأخوين مجذوب في صيدا في العام 2006، وتصل عقوبة هذه الجرائم مجتمعة إلى الإعدام.

وفي سياق مكافحة التجسس الإسرائيلي، ألقي القبض على علي الجراح وشقيقه، وزياد الحمصي... وأوقف فرع المعلومات في بلدة الغندورية الجنوبية المواطن ناصر نادر (1965)، قبل توقيف زوجته الثانية، نوال معلوف (40 عاماً من منطقة مرجعيون). وضبط فرع المعلومات من المنزل الثاني للموقوف في جل الديب جهاز كمبيوتر وشرائح حفظ ذاكرة مشفّرة. وقد اعترف الموقوف بالعمل لحساب الاستخبارات الإسرائيلية منذ عام 2002، إذ جرى تجنيده، هو وزوجته الثانية، التي تجندت بدورها عبر شقيقتها الفارّة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ تحرير الجنوب عام 2000.

والاخطر من كل ذلك ان سوسة العمالة كانت قد وصلت الى المؤسسة العسكرية، فألقي القبض على عدد من الضباط بتهمة التجسس لصالح المخابرات الاسرائيلية ومنهم العقيد في الجيش اللبناني منصور دياب، المقدم الركن شهيد تومية، ثم غزوان شاهين... والعميد في الامن العام أديب العلم وغيرهم... وآخر الاعتقالات كانت للعقيد المتقاعد القيادي في التيار الوطني الحر فايز كرم..

وكان لحزب الله دوره في اعتقال العديد من العملاء في صفوفه ابرزهم محمد الحاج الملقب بـ(أبو تراب) من مسؤولي وحدة الصواريخ في الحزب ولم يزل معتقلاً لدى حزب الله ومصيره ما زال مجهولاً ولم يسلم للسلطات اللبنانية.

في نظر العديد من المراقبين ان حرب الاستخبارات ليس لها وقت محدد ولا نهاية، فهي مستمرة بشكل دائم تتخذها الدول كنوع من الحرب الوقائية الاستباقية، ولا سبيل لمكافحتها في لبنان إلا بتعزيز الأمن الوطني والوعي وكشف مخاطر العدو ومخاطر التعامل معه، فضلاً عن تعزيز أهمية الولاء والانتماء للمواطنين تجاه دولتهم وشعبهم وأرضهم.