[caption id="attachment_82105" align="alignleft" width="375"] السفير ديفيد شنكر ضيف الرئيس ميشال عون في القصر الجمهوري .[/caption]
لم تكن زيارة مساعدة وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط "ديفيد شنكر" لبيروت الاسبوع الماضي "حادة" مثل تلك التي سبقتها قبل اشهر والتي وصفت بأنها كانت زيارة "قاسية" قال فيها "شنكر" امام محدثيه ومضيفيه كلاماً "كبيراً" لامس التهديدات والملاحظات التي لا تعكس "ديبلوماسية" السفير ولا طبيعة عمله في وزارة االخارجية الاميركية...
أتى السفير "شنكر" هذه المرة الى بيروت ليمثل بلاده في الاجتماع الاول الذي عقد في مقر القيادة الدولية "اليونيفيل" في الناقورة للفريقين اللبناني والاسرائيلي للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية برعاية واستضافة من الامم المتحدة، وهو عرّج الى بيروت بعد الاجتماع الاول ليؤكد امام من زارهم من رسميين وسياسيين على ثلاث نقاط:
- الاولى ان واشنطن ستعمل ما في وسعها لانجاح المفاوضات لترسيم الحدود البحرية انطلاقاً من دورها الوسيط والمسهّل للتفاوض. لن تتدخل في المناقشات الا اذا طلب ذلك احد الجانبين اللبناني او الاسرائيلي، وبالتالي فإن واشنطن تتطلع الى تحقيق تقدم خلال اسابيع قليلة.
- الثانية حث المسؤولين اللبنانيين على الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة لأن الاوضاع الاقتصادية والمالية لم تعد تحتمل ولا بد من خطوات سريعة للانقاذ.
- الثالثة اهمية الوصول الى تفاهم حول الاصلاحات الضرورية التي ستدفع بالمجتمع الدولي الى المساعدة من خلال تحريك ملف مؤتمر "سيدر" الذي لا يزال حياً يرزق، ومن خلال تجاوب صندوق النقد الدولي مع الحاجات اللبنانية للنهوض الاقتصادي.
لم يتوسع "شنكر" في النقاط التي حددها، لكنه ركز على اهمية مكافحة الفساد لازالة "السمعة العاطلة" للدولة اللبنانية في الخارج ولدفع الدول الى الوقوف الى جانب لبنان في محنته بعدما تأكد من ان الدعم الذي سترسله لن يذهب الى جيوب المنتفعين وبعض المستفيدين، لاسيما وان التجربة التي حصلت بعد الانفجار في المرفأ بعدم ارسال المساعدات الى الدولة بل الى الهيئات الانسانية مباشرة او المنظمات التي تعرف بـــ NGO، اضافة الى مؤسسة الجيش، هذه التجربة عكست عدم ثقة الدول بالمؤسسات والادارات الرسمية التي يقيم فيها الفساد ويعشعش... في هذا السياق قال "شنكر" كلاماً كثيراً حول ضرورة تغيير النهج وبسرعة، وسمع من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كلاماً صريحاً وواضحاً حول الفاسدين ومنهم من يحتل مواقع متقدمة في الدولة. لم يخف الرئيس عون الصعوبات التي واجهها ولا يزال في وضع حد للفساد ولجم الفاسدين وبدا "شنكر" وكأنه على علم بكل هذه المعطيات والسبل الآيلة الى مواجهتها.
" لبنان شريك ممتاز وحليف"
وبدا "شنكر" سعيداً وهو يستمع الى الجهود التي تبذل في سبيل مكافحة الخلايا الارهابية النائمة والتي تستيقظ من حين الى آخر لاسيما في الشمال حيث تعمل القوى العسكرية والامنية الى مطاردتها والقضاء عليها. كما لم تغب قضية النزوح السوري الى لبنان عن جدول البحث وفي هذا السياق كان "شنكر" واضحاً - على ما قالت مصادر مطلعة - بأن الموقف الاميركي لا يزال على حاله لجهة عدم موافقة الادارة الاميركية على عودة هؤلاء النازخين الا اذا كانت هذه العودة طوعية والى حين ان يصبح الوضع الامني في سوريا مستقراً. في هذه الاثناء - اضاف "شنكر"- ستواصل الولايات المتحدة توفير مساعدات مالية للبنان للاهتمام بأوضاع النازحين حتى يحين موعد عودتهم. اما بالنسبة الى قانون "قيصر" وانعكاسه على لبنان، فلم يبد "شنكر" اي سلاسة في الموضوع معتبراً انه لا يمكن التجاوب مع المطلب اللبناني باستثناء الانتاج اللبناني من الاجراءات المتخذة بحق سوريا لئلا يستفيد النظام السوري من خلال الاستثناءات التي يمكن ان تمنح للبنان.
[caption id="attachment_82106" align="alignleft" width="516"] ويلتقي البطريرك بشارة الراعي.[/caption]لقد بدا "شنكر"- كما قالت مصادر متابعة - حريصاً على التأكيد على العلاقة الممتازة مع لبنان الى درجة انه وصفه بــ "الحليف والشريك الممتاز" للولايات المتحدة الاميركية في منطقة الشرق الاوسط، مبدياً الاستعداد الكامل لتعزيز هذه العلاقة وتطويرها في المجالات كافة، مع التنويه بالتعاون بين الجيشين الاميركي واللبناني في مجالات عدة. لكن "شنكر" اقر بأن ما يقلق واشنطن حالياً هو المسار الاقتصادي المتراجع في لبنان والمرتبط بشكل وثيق بالوضع السياسي، معتبرا انه لا يمكن الفصل بين هذين المسارين، وهو راهن على حصول تقدم في قضية ترسيم البحري من اجل الاستفادة من الحقول النفطية التي سوف تؤمن موارد مادية مفيدة للبنان. ويسجل "شنكر" - وفق المصادر نفسها - عتباً على السياسيين اللبنانيين الذين لا يظهرون الاهتمام المطلوب للخروج من الازمة التي يعيشها لبنان حالياً ولا "يكترثون" الى الانهيار الحاصل في البلاد ولا يتخذون اي خطوة تعيد اطلاق البلاد من جديد وتؤمن وصول المساعدات الخارجية سواء كانت فرنسية او اميركية او من صندوق النقد الدولي. في المقابل بدا "شنكر" مرتاحاً الى دور الرئيس عون في مسيرة مكافحة الفساد وقد " شجعه" على الاستمرار فيها لأنها الكفيلة باعادة "وقوف البلاد" في وجه الظرف الاقتصادي المخيف.
السياسيون لا يكترثون بلبنان
وعندما يتحدث "شنكر" عن السياسيين اللبنانيين مستغرباً موقفهم، يتطرق بسرعة الى موضوع الحكومة التي يريدها ان تتشكل بسرعة على امل ان تلتزم المبادىء التي نادى بها المسؤولون الاميركيون لاسيما وزير الخارجية "مايكل بومبييو" والسفير "ديفيد هيل" وفي مقدمهم الاصلاحات والشفافية ومحاسبة الفاسدين ومنتهكي حقوق الانسان، وان تطبق مبدأ النأي بالنفس. ويرى "شنكر" ان هذه المبادىء هي الاساس الذي سيوفر مساعدة للبنان للسير باقتصاده في اتجاه ايجابي وتغيير نمط الاداء الذي اوصل لبنان الى ما هو عليه حالياً حيث بلغت نسبة خط الفقر في صفوف الشعب اللبناني 50 في المئة، وبلغت نسبة الفقر الموقع 22 في المئة من الشعب اللبناني وهؤلاء باتوا يشعرون بالجوع. ويضيف "شنكر" بالارقام ان نسبة الناتج المحلي انخفضت من 50 مليار الى 30 مليار والدين يرتفع يوماً بعد يوم. وفي رأي المسؤول الاميركي ان الخروج من هذا الوضع يحتاج الى حكومة تواجه ما يجري بمسؤولية وتكون قادرة من خلال اجراءاتها الى اعادة الثقة بالدولة اللبنانية ومقدراتها.
والملاحظ ان الرئيس عون طمأن "شنكر" الى ان السعي قائم لتشكيل حكومة "نظيفة" وهذه مسألة صعبة لان بعض الذين يعملون على تأليفها ليسوا موضع ثقة....
في اي حال، زيارة "شنكر" لن تكون يتيمة اذ ستليها زيارات له ولغيره من المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، وكان لافتاً ان " شنكر" لم يزر خلال وجوده في بيروت رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب ولا وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبه، كما لم يزر او يتصل برئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الامر الذي طرح علامات استفهام كثيرة لاسيما وانه زار الرئيس سعد الحريري ورئيس "المردة" سليمان فرنجية، اضافة الى الرئيس نبيه بري، وتناول العشاء مع سياسيين لم يتمكن من زيارتهم ولم يكن بينهم اي مسؤول سياسي من " التيار الوطني الحر". وكانت زيارة "شنكر" الى بكركي واجتماعه بالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لافتة في ظل موقف البطريرك الداعي للحياد، علما ان "شنكر" قال في احد لقاءاته ان بلاده "تشجع" حياد لبنان!.