تفاصيل الخبر

شجرة الزيتون تبحث عن سوق تصدير الى الخارج!

11/11/2016
شجرة الزيتون تبحث عن سوق تصدير الى الخارج!

شجرة الزيتون تبحث عن سوق تصدير الى الخارج!

بقلم طوني بشارة

IMG-20161104-WA0006------2

إنه موسم الزيتون والمعاصر والزيت وتصديره همّ لحكومة الرئيس سعد الحريري. وشجرة الزيتون (Olea Tree) هي من الأشجار المعمرة التابعة للفصيلة الزيتونية (Family Oleaceae) وهي شجرة دائمة الخضرة يصل إرتفاعها أحياناً إلى 15 متراً، أوراقها بسيطة معنقة سهمية متقابلة ذات لون أخضر داكن (زيتوني)، وعادة تزهر الشجرة ثم تثمر بعد أربع الى خمس سنوات وتستمر في إعطاء ثمارها أكثر من ألف عام، وتحتاج شجرة الزيتون إلى مناخ معتدل في فصل الشتاء وجاف في الصيف، وإلى كمية كبيرة من الأمطار في فصلي الخريف والربيع، وهي ظروف مناخية لا تتوافر إلا في محيط البحر المتوسط لذلك فهذه المنطقة تعتبر من أكثر المناطق ملائمة لنموها، كما تعيش أشجار الزيتون فترة طويلة حيث يُعتقد بأن متوسط حياتها قد يمتد من 300 إلى 600 سنة أو حتى أكثر من ذلك.

البيئة والموطن الاصلي

يقّر العلماء والباحثون بأن شجر الزيتون استوطن في البداية أراضي سوريا الكبرى قبل ستة آلاف سنة تقريباً ويعتبر حوض البحر الأبيض المتوسط هو موطنها الأصلي إلا ان بعض المصادر التأريخية تعتبر أن الظهور الأول لشجرة الزيتون كان في سوريا وبالذات في مدينة ايبلا التاريخية القديمة، حيث نشأت مملكة <ايبلا> عند ضواحي مدينة حلب السورية، والتي سيطرت في أوج عظمتها (2600-2240 قبل الميلاد) على شمال سوريا ولبنان وأجزاء من بلاد ما بين الرافدين الشمالية، وقد وُجد العديد من الوثائق في أرشيف مدينة <ايبلا> القديمة يعود تاريخها لعام 2400 قبل الميلاد وتصف الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون والتي تعود ملكيتها للملك والملكة، مما اثبت ان حضارة <ايبلا> هي أول من عرفت زيت الزيتون وقدمت السائل الذهبي لآلهتها.

 

الشجرة المقدسة

لطالما اعتبر سكان حوض المتوسط شجرة الزيتون شجرة مقدسة لآلاف السنين، وكانت تعتبر رمزاً للسلام والحياة والخصوبة، وقد ذكرت قصة الطوفان والذي يعرف بطوفان نوح في كل الكتب السماوية (الاسلامية، المسيحية، اليهودية، والصابئية المندائية)، ان المياه غمرت الأرض قاطبة وبعد هدوء الفيضان أرسل النبي نوح الطيور لتفتش عن مكان ظهور اليابسة فكانت الطيور تغادر السفينة عدة مرات وتعود دون جدوى، وفي النهاية أتت الحمامة وهي تحمل من فمها غصن زيتون مبشرة بالسلام رمزاً لانتهاء غضب الله عن الأرض فعلم ان الطوفان انتهى وان باستطاعته أن يعود بسفينته الى اليابسة.

وتعتبر شجرة الزيتون أول شجرة نبتت بعد الطوفان، وهي نبتت في منازل الأنبياء والأرض المقدسة، ودعا لها سبعون نبياً بالبركة منهم النبي إبراهيم والنبي محمد (ص) حيث قال: <اللهم بارك في الزيت والزيتون>.

ومنذ ذلك الوقت اعتبر غصن الزيتون شعاراً من شعارات السلام والأمان، وما زالت الشعوب تتناقل هذا الرمز جيلاً بعد جيل حتى جعلته الأمم المتحدة شعارها، أما اليونانيون فجعلوها رمزاً للقوة والعظمة والنصر.

قدسية شجرة الزيتون في الديانة الاسلامية

شجرة الزيتون شجرة مباركة ورد ذكرها في القرآن الكريم في مواضع كثيرة منها <التين والزيتون وطور سنين> فقد عرف الأقدمون شجرة الزيتون منذ أقدم العصور فقدسوها وتباركوا بزيتها في طقوسهم الدينية واستوقدوا عيدانها وأكلوا ثمرها، وقد أشار كلٌ من القرآن الكريم والحديث الشريف إلى قيمة زيت الزيتون عدة مرات. ففي أحد الأحاديث، رُوي بأن النبي محمد(ص) قال بأن في زيت الزيتون علاجاً لـ 70 علة.

لذا لا عجب بأن يقسم بها الفلاحون أحياناً بالقول: <وحياة شجرة النور> لاعتقادهم أن الشجرة مقدسة ومباركة، وان كل إنسان يقطع منها فسيعاقبه الله ولن ينعم بأي سلام بعد ذلك، كما يعتقد المسلمون بأنه في ليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان، تفتح أبواب السماوات، والشخص المحظوظ يمكنه أن يرى من خلالها، وفي هذه الليلة تنحني شجرة الزيتون كما الأشجار الأخرى إجلالاً حتى لا تنظر إلى وجه الله.

ولكن في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة والامنية السيئة المحيطة بلبنان، هل ما زالت الشجرة المقدسة تلبي حاجات المهتمين بها؟ وهل من اسواق لتصريفها؟ وهل يكفي انتاجها الاستهلاك المحلي؟ واين تتركز مناطق زراعتها؟

 

13.5 مليون شجرة زيتون في لبنان

الخبيرة الزراعية جينا رزق اعلمتنا ان قراءة خريطة الزيتون في لبنان تظهر أن هناك 450 كيلومتراً مربعاً من المساحات المزروعة بأشجار الزيتون توجد في منطقتين أساسيتين، هما: الشمال والجنوب، وتتركّز هذه الأشجار في قضائي حاصبيا والكورة، أي نحو 45 ألف هكتار بمعدل 300 شجرة في الهكتار الواحد، وهو ما يوازي 13.5 مليون شجرة، واكدت رزق أن زراعة الزيتون تحتلّ مركزاً أساسياً بين الزراعات المحليّة، وهناك آلاف العائلات التي تعتاش من هذه الزراعة التي تمثّل لها مصدر دخل رئيسياً أو ثانوياً، ولذلك يجب أن يكون الاهتمام بهذه الزراعة تطبيقياً وعملياً وفقاً للحاجات المحلية والتصديرية.

وركزت رزق على ان لبنان وللأسف لم يتمكن بعد من إنتاج كميات تجاريّة يمكن أن تستهلكها البلدان التي تدفع أعلى الأسعار، علما ان المناطق التي توجد فيها زراعة الزيتون هي: عكار، المنية، زغرتا، الضنية، بشري، الهرمل، حاصبيا، بنت جبيل، مرجعيون، راشيا الوادي...

ــ أشرت الى ان هناك 13,5 مليون شجرة زيتون في لبنان، فكيف تم اجراء هذا الاحصاء؟

- بهدف تحديد خريطة للزيتون، تم اعتماد 122 صورة التقطت عبر الأقمار الصناعية بهدف توحيد نظم المعلومات الجغرافية في لبنان وذلك في حزيران/ يونيو 2009، وقد أجري عليها تصحيح جيومتري، ما أدى إلى خفض أشجار الزيتون المحصاة في لبنان وفقاً للمسح الشامل في عام 1998 بنحو 600 ألف شجرة، وبالتالي انخفض عددها من 65 ألف هكتار مزروعة بالزيتون إلى 45 ألف هكتار بمعدل 300 شجرة في الهكتار الواحد أو 30 شجرة في الدونم الواحد، علماً بأن الهكتار يساوي 10 دونمات، وبالتالي تراجع العدد من 19,5 مليون شجرة إلى 13,5 مليون شجرة. في المقابل، كان المسح الشامل الذي أجرته «فاو» (منظمة الأغذية والزراعة) في عام 1998 قد أشار إلى أن هناك 209,6 آلاف دونم زيتون في منطقة لبنان الشمالي تتركّز في الكورة (54,9 آلاف دونم) وعكار (76,3 آلاف دونم) وزغرتا (45,9 آلاف دونم)، أما في النبطية فهناك 116,12 ألف دونم مزروعة بالزيتون، منها 29 ألفاً في حاصبيا و31 ألفاً في مرجعيون و26 ألفاً في بنت جبيل و29.1 ألفاً في النبطية. وقد حدّدت الخريطة مجموعة من العناصر التي تسمح بالتعرّف على شجرة الزيتون وتوزعها، إذ لديها كأي شجرة أخرى، ما يعرف بالبصمة الضوئية التي تميزها عن غيرها عبر تفاعلها مع الضوء بطريقة مختلفة، وقد تم إدخال كل الحقول التي لم تكن موجودة على الخرائط السابقة، إذ كان المقياس المعتمد لا يلحظ أي حقل تقل مساحته عن 1000 متر مربع، فيما النظام الحالي ضيّق التحديد إلى الحقول التي تقل عن 200 متر مربع فقط، والنتائج الأولية تظهر أن التجمعات الكبيرة لأشجار الزيتون تتركّز في منطقتي الكورة وحاصبيا، بينما تجمعات أصغر حجماً تتوزع في باقي المناطق المزروعة بالزيتون في الشمال والجنوب، وهناك 64 بالمئة من حقول الزيتون تقع على أراضٍ منبسطة ومسطحة موجودة في شمال لبنان، في مقابل 12 بالمئة من المساحات المزروعة بالزيتون التي تقع في مناطق شديدة الانحدار، ولاسيما على التربة البيضاء في الجنوب.

ــ كم يبلغ الانتاج السنوي من الزيتون في لبنان؟ وما حصة الشمال منه؟ وماذا عن السعر الوسطي؟

- إنتاج لبنان من الزيتون يتراوح وفقا للمواسم ما بين 150 الف طن الى حوالى 220 ألف طن سنوياً، يتحول 70 بالمئة منها الى زيت. وتقدَّر كمية الزيت المنتج في الكورة في سنة الموسم الوافر بـ3200 طن، وفي الشمال 8000 طن، وكانت تنكة الزيت تباع (16 كيلو) كسعر وسطي بـ80 دولاراً، و<قلة> الزيت التي تحتوي على 33 كيلوغراماً كانت تباع بـ155 دولاراً، وكان سعر الكيلو بـ5 دولارات، وهذه الأسعار تتفاوت حسب العرض والطلب خلال أيام السنة وحسب كلفة الإنتاج، وكذلك حسب ضرورات المنافسة مع الزيت المستورد في الأسواق المحلية، كما تختلف الأسعار من سنة الى أخرى، ومن منطقة الى أخرى في لبنان، ويبلغ عدد المعاصر في الكورة حوالى 85 معصرة معظمها يعمل على الطريقة التقليدية أي <على البارد>، ولكن هذا العدد عرضة للانخفاض بسبب إقفال بعضها أو عزم بعضها على الإقفال جراء مشكلات صناعة استخراج الزيت وعدم انتظام مواسم الزيتون في كل سنة أو كساد الزيت من سنة الى أخرى.. ويعمد البعض الى بيع صفيحة الزيت البكر الممتاز بسبعين دولاراً ليتخلص من زيته من جهة، وليؤمّن مدخولاً للعائلة من جهة أخرى.

رزق وأنواع الزيتون في لبنان

IMG-20161104-WA0007

رزق شددت على ان النوع البلدي هو الأساس، منه الصوري حيث حبته كبيرة والنواة فيه كبيرة، وهناك العيروني الذي يتميز بحبته الصغيرة جداً، وزيته الممتاز، وكمية الزيت القليلة فيه، ولا تفتك به ذبابة الزيتون نظراً الى صغر حجم حبته، وكذلك هناك الأنواع الأجنبية ومنها اليوناني (كلاماتا) وهو موجود منذ ستينات القرن الماضي ولكن بأعداد قليلة جداً، وهو يصلح للأكل على المائدة فقط وليس لاستخراج الزيت، وهنالك أصناف إسبانية وفرنسية وعددها قليل جداً وأهمها بيكولين، أما البلدي فيشمل ما بين 7 و8 أنواع وتعرف بأسماء محلية حسب البلدة أو القرية أو الحي كالدربلي والنيبالي والرماني.

ــ وماذا عن أنواع الزيت؟

- زيت الزيتون نوع واحد إنما درجة النقاوة تختلف وتتفاوت بين الباب الأول: الزيت البكر الممتاز (الخضير باب أول)، والدرجة الثانية: الزيت البكر الخضير، الزيت العادي، زيت الموش لصناعة الصابون، زيت مستخرج من جفت الزيتون غير صالح للأكل.

 

مرض <عين الطاووس> و<ذبابة الزيتون>

ــ ما هي الامراض التي تضرب موسم الزيتون؟ وهل يؤثر ذلك على كلفة الإنتاج؟

- الأمراض التي تصيب أشجار الزيتون هي: مرض <عين الطاووس>، وهو مرض فطري يفتك بأوراق الزيتون التي تسقط، وبالتالي يقل إنتاج الشجرة أو ينعدم كلياً، ويضرب هذا المرض في المناطق حيث ترتفع نسبة الرطوبة، وهو يحتاج لمكافحة جماعية لعدة سنوات حتى يزول، ولا تنفع الطائرات الزراعية في رش مبيدات <عين الطاووس>.

وتتابع رزق قائلة:

- أما <سل الزيتون> فهو أقل خطورة ويحدث تدرناً في الأغصان، وضرره محدود كما أن انتشاره قليل.

وهناك آفة الحشرات حيث ان <عثة الزيتون> تفتك بالنمو الحديث والثمار فور تكوينها، وهي تعتبر من أخطر أنواع الحشرات إذ انها مسؤولة عن خسارة 80 بالمئة من الموسم إذا لم تكافح، ولذلك ترش مبيدات حشرية بعد عقد الثمار مباشرة.

وتستطرد رزق قائلة:

- كما هناك ذبابة الزيتون التي تفتك بالثمار الناضجة وتجعلها غير صالحة للأكل، وتكافح برش مبيدات أو بمصائد <فيرومانية>.

 

رزق وكلفة الإنتاج

 

واستكملت رزق حديثها قائلة:

- تختلف كلفة الانتاج من سنة الى أخرى حسب تقلّبات أسعار السوق وحسب الظروف الأمنية، وأسعار المبيدات والأدوية والأسمدة التي تختلف من سنة الى أخرى وكذلك الحراثة، اذ يجب حراثة الفدان مرتين، وتتم الحراثة في الشتاء بعد انتهاء الموسم وفي أول الربيع، وكذلك تقليم الأشجار يتم بعد انتهاء موسم القطاف، وهنالك كلفة العمال من قطاف ومبيت ونقل وتقليم وتوزيع الأسمدة وحراثة الأرض..

وللإطلاع بشكل موسع على كمية الإنتاج ومشاكل التصريف قابلت <الأفكار> حسام قبيطر مدير عام <مؤسسة قبيطر واخوانه لتجارة الزيت ومشتقاته> ورئيس مجلس إدارة معرض <رشيد كرامي الدولي> حيث أعلمنا بأن الموسم هذا العام من أسوأ المواسم على الاطلاق والسبب عائد بالدرجة الأولى لقلة كمية الامطار التي هطلت في شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر مما اثر سلبا على كمية الزيتون وبالتالي على جودته ونوعيته، علما ان موسم القطاف كان قد بدأ منذ منتصف تشرين الأول/ اكتوبر على اعتبار ان الزيتون بدأ يتساقط على الأرض بسبب قلة المياه.

قبيطر وسوء الجودة لهذا العام

 

وتابع قبيطر: في المواسم الجيدة ننتج كمعدل وسطي تقريباً حوالى 100 ألف طن زيتون، 50 ألفاً منها تخصص لزيتون المائدة والباقي يحول الى عصير فنحصل تقريباً على 12 ألف طن زيت، ولكن نتوقع هذه السنة أن تتدنى كمية الإنتاج الى النصف أي الى حوالى 6000 طن زيت، وبالإضافة الى قلة الإنتاج سنعاني أيضاً من سوء نوعية الإنتاج.

 

قبيطر وقرار منع الاستيراد الصادر عن وزير الزراعة

 

ــ كيف ستؤثر النوعية السيئة على السوق المحلي والسوق الخارجي؟

- بالنسبة للتصدير، فإننا سنواجه هذا العام مشكلة كبيرة إذ ان نوعية انتاجنا سيئة بسبب قلة المطر، ولا تتطابق مع المعايير المخصصة للتصدير (فلا وجود للزيت البكر)، كما ان وزير الزراعة أكرم شهيب أصدر قانوناً يمنع بموجبه استيراد كميات بكر من الخارج، وهي كميات كنا نستوردها سابقا من اجل إعادة توضيبها وتعبئتها وتصديرها الى الخارج، وفي حال لم يعاد النظر بقانون منع الاستيراد فالمشكلة واقعة لا محالة ولن نتمكن من تلبية طلب الدول مما سيجعلنا نفقد صدقيتنا في الأسواق الخارجية وبالتالي سنفقد قدرتنا التنافسية.

وتابع قبيطر:

- اما بالنسبة للسوق المحلي فاستهلاكنا السنوي يفوق الـ15 ألف طن، علما ان استهلاكنا الداخلي قد ازداد بسبب عدد اللاجئين ويتوقع ان يتضاعف استهلاكنا مع انتخاب الرئيس وعودة الحركة السياحية الى طبيعتها.

ــ الوزير أكرم شهيب منع الاستيراد العشوائي وركز على الاستيراد وفقاً للإجازات، فما هي المشكلة اذاً؟

- ان الاستيراد عن طريق الاجازات غير منصف، فكيف ستحدد الوزارة الكمية التي سيسمح لكل تاجر باستيرادها ووفقاً لأية معطيات؟

ــ فما الحل إذاً؟

- الحل يكون بعودة وزير الزراعة عن قرار المنع وباعتماد روزنامة زراعية للاستيراد بفترات محددة تبدأ بشهر كانون الثاني/ يناير وفي ضوء الحاجة المحلية.