تفاصيل الخبر

شعــار إسقــاط النظــام أو تـغـيـيـــره خــــاطئ والـمـطـلـــوب بكل بساطـــة تـطـبـيـــق الـنـظـــام!  

04/09/2015
شعــار إسقــاط النظــام أو تـغـيـيـــره خــــاطئ  والـمـطـلـــوب بكل بساطـــة تـطـبـيـــق الـنـظـــام!   

شعــار إسقــاط النظــام أو تـغـيـيـــره خــــاطئ والـمـطـلـــوب بكل بساطـــة تـطـبـيـــق الـنـظـــام!  

SAM_1845الوضع السياسي يراوح مكانه، فلا انتخابات رئاسية ولا جلسات تشريعية، لا رقابة ولا محاسبة. الحكومة تعيش التعطيل والمقاطعة من بعض مكوناتها، وأزمة النفايات ولّدت انتفاضة شبابية رفعت من سلّم شعاراتها حتى إسقاط النظام ومحاكمة المسؤولين عن قمع المتظاهرين، واستقالة بعض الوزراء... فهل يصح شعار إسقاط النظام في هذا الظرف ؟ أم ان المطلوب إسقاط من يديرون النظام ويبتزّونه، على اعتبار أنهم أصلاً لم يلتزموا النظام والدستور؟!

«الأفكار> استضافت في مكاتبها أحد كبار رجالات اتفاق الطائف النائب والوزير السابق المحامي إدمون رزق وحاورته في هذا الملف وحول ما يقول اتفاق الطائف، وما إذا كان هو المسؤول عن الأزمات التي تعصف بلبنان.

سألناه بداية:

ــ أنتم حرّاس الهيكل والمسؤولون عن صياغة اتفاق الطائف الذي يعيش الأزمات، وأنت شخصياً وضعت مشروع تعديل الدستور، فهل العلة في النصوص أم في الأشخاص الذين يديرون دفة الحكم؟

- الطائف عمل جماعي مشترك بين أناس كان لديهم همّ واحد هو المحافظة على الوطن وإحياء الدولة من رميمها، بعدما انهارت بسبب ازدواجية الولاء وعدم الأهلية والكفاءة، لأن أهم مؤسسة إذا سُلّمت الى أناس لا يملكون الأهلية لإدارتها تسقط وتنهار، والتذرّع بالنظام خطأ، فالمؤسّسة، من حيث النصوص، ممتازة. حتى دستور 1926 كان يتضمن كثيراً من المرونة، مع حسن النيّة، كما في قوله: <بصورة مؤقتة والتماساً للعدل والوفاق بين الطوائف>... ما يحمل في ذاته امكانية تخطي الحالة المذهبية والطائفية، التي كان يمكن التعامل معها برؤية وطنية وليس بالتهافت المصلحي والنزاع الفئوي. إن فكرة <المواطنة> مفقودة في الشرق، حيث يوجد رعايا ولا مواطنون إلاّ في لبنان. ان خيار <لبنان الكبير> كان وطنياً لا طائفياً. البطريرك الياس الحويك والمفتي مصطفى نجا لم يفكرا مذهبياً، ولم يطلب كل منهما من رئيس وزراء فرنسا المنتدبة <جورج كليمنصو> وطناً على قياسه، قبلا بالشراكة المتكافئة. انطلاقاً من الانتماء الطائفي بنَيْنا وطناً. بقيت ثمة رواسب لم يستطع أهل النظام التحرر منها للعبور الى الوطن، لأن معظمهم استغلوا طوائفهم ولا يزالون حتى اليوم.

أضاف:

- عندما أقرّينا في اتفاق الطائف، وأكّدنا في المادة 95 من الدستور، مبدأ <اعتماد الكفاءة والاختصاص>، كنا نلغي عملياً المذهبيّة والمحسوبية، وقد طبّقتها فعلياً عندما اخترتُ رئيساً سنيّاً لمجلس القضاء الأعلى، لا مارونياً، لأول مرة، هو القاضي العالم والشريف، الأعلى رتبة، والمؤهّل جداً، عاطف النقيب، انطلاقاً من مبدأ <الملاءمة>. أذكر يومذاك أن البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير والعميد ريمون إده أثنيا على اختياري ولم يجدا حرجاً، ما دام الشخص هو صاحب الحق بالأولوية والأهلية.

كهرباء الأمس واليوم             

ــ هل الظروف التي كانت سائدة عام 1989 بكل شراستها أعنف من ظروف اليوم؟

- الظروف آنئذٍ كانت مفتعلة من قبل الذين عطلوا، عام 1988، انتخاب رئيس الجمهورية، مع وجود الهيمنة والاحتلال. المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على من كانوا يتنازعون، متهالكين على الرئاسة. ومن دون الدخول في الاسماء، فالمسؤولية كبيرة على كل من ترك مكانه شاغراً، وهذا يعتبر ذروة الفشل، أما ذروة النجاح فهي إنهاء العهود بشرف وكرامة، وتأمين الاستمرارية التي لا تتأمن بالشخص وإنما بالمشروع. وإلا لكانت الأزمنة والعهود والأوطان انتهت مع الرجال، بينما الرجال هم الذين يبنون المستقبل، لأن الحكم رؤية وتوقّع، ولا يمكن الحاكم الصالح أن يُفاجأ بمشكلة من نوع النفايات أو الكهرباء، بل يفترض التخطيط لتدارك حاجات المستقبل. وهذا ما يسمّى بالخطّة الخمسية، او العشرية، بل اكثر!

بالنسبة للكهرباء، مثلاً، فقد احتفلنا بإنارة آخر قرية في لبنان عام 1961 وبدأ بيع الكهرباء الى دول الجوار، لاسيما سوريا، في عهد الرئيس فؤاد شهاب. ثم ها نحن اليوم نتخبّط في الظلام. صحيح أن ظروفاً طرأت، وأحداثاً وقعت وازمات تراكمت، لكن الاكيد أن أموالاً أهدرت تفوق أضعافاً مضاعفة كلفة تأمين الكهرباء، من دون أن تتأمن حتى اليوم، وهناك ثروات دفينة لم يبحث عنها أحد، لأن الجميع يضاربون على الحصص ولا يركّزون على المصلحة العامة.

 

إسقاط النظام او تغييره، شعار خاطئ

ــ تظاهرات رياض الصلح وساحة الشهداء تعتبر أن الطبقة السياسية انتهت وسقطت. فهل أنت من هذه الطبقة أم ماذا؟

- لا توجد طبقة سياسية، إنما مسؤولون سياسيّون. وهذه التعابير استهلاكية، فهناك أناس موجودون في سدة المسؤولية عبر ممارسات معينة وبتواطؤ ضمني من الشعب الذي اعطاهم نوعاً من التفويض للاستمرار، من خلال مواقف مترددة ومائعة في الانتخابات. أنا لست، ولم اكن مرة، من <طبقة> بل مواطن تمرّس بالخدمة العامة، ولا يزال في الخدمة، لا اكثر... ومستعد دائماً للمحاسبة!

 ــ يعني أنت مع حملة <بدنا نحاسب>؟

- لا بدّ من المحاسبة، أي ان الشعب يحاسب ممثليه، وممثلي الشعب يحاسبون الحكومة، لكن كيف سيحاسب المجلس الحكومة طالما أنه لا يطبق نظامه الداخلي، لا يؤمّن الحضور، لا يؤدي مهامه البديهية. فحضور النواب إلزامي وبديهي، فإذا تغيّب نائب مرتين بدون عذر شرعيّ، اي ظرف طارئ او سبب قاهر، يحسم من راتبه 5 بالمئة، وهناك حالات لحل المجلس من جملتها الامتناع عن الاجتماع؟ نحن أبقينا في الطائف حالات معينة لحل المجلس ولم نطلق يد رئيس الجمهورية. بناء على اقتراحي الشخصي سحبت هذه الصلاحية المطلقة من الرئيس، لأن المجلس هو الذي ينتخب الرئيس، وبالتالي لا يجوز أن يقوم من انتخبه المجلس بحلّه، لكن المجلس يفقد شرعيته ويصبح في حالة جواز الحل عندما يمتنع عن القيام بالواجب، وأولى هذه الواجبات الحضور، التشريع والرقابة وانتخاب الرئيس، ووضع الموازنة.

وتابع قائلاً:

- نحن لا نطبق نظامنا، هذه هي المشكلة الاساسية. لذلك ليس المطلوب إسقاط النظام أو تغييره، إنما تطبيقه جيداً. لا أحد يمكن ان يطبّق النظام إلا الذي يعرفُه، يُحِبُّ وطنه ويخدمه. لبنان يحتاج الى مسؤولين يعرفونه، يحبّونه، نذروا انفسهم لخدمة شعبه!

الرئاسة والمادة 49 من الدستور

ــ بعض وسائل الإعلام الداخلية والعربية تشبّه الحالة في لبنان حالياً بحالة مصر قبل أن يأتي الرئيس عبد الفتاح السيسي من خلال ثورة بيضاء، لذلك يتقدم اسم قائد الجيش العماد جان قهوجي فماذا تقول؟

- أعرف الرجل واحترمه، لكن، في معزل عن الأسماء التي لا أريد الخوض فيها، ثمة سؤال: ماذا يجب لأداء أي مهمة؟ هل يمكن الإتيان برئيس تحرير لمجلة أو جريدة لا يملك الخبرة بالتحرير وبكل أبواب الجريدة أو المجلة؟! وقس على ذلك في مؤسّسات أخرى.. بالطبع لا.. إن كل الأشخاص الذين ترد أسماؤهم للرئاسة هم على رأسي وعيني، أحترمهم، لكن لا بد من أن ننتقل من مرحلة تركيز الفكر على الشخص الى المهمّة والمشروع.

واضاف: المادة 49 من الدستور تقول إنه <رئيس الدولة>. رئيس دولة واحد في لبنان وليس ثلاثة رؤساء، رئيس الدولة اسمه رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء. هذا ليس انتقاصاً من أحد، فلكل واحد مهمة ومسؤوليات محدّدة في الدستور والقوانين. الأهم أن الرئيس هو <رمز وحدة الوطن> فلا يمكن أن يكون فئوياً، يتكلم باسم طائفة او حزب، عائلة أو منطقة. الرئيس يسهر على احترام الدستور، وبالتالي يجب أن يعرف على ماذا يسهر وكيف؟ فهل يمكن ائتمان شخص على الدستور، يعمل لتعديله على قياس مصالحه الشخصيّة والفئوية ؟!.. الرئيس يسهر على سلامة الكيان ووحدة البلد، على سلامة الحدود والاستقلال، يكون رمزاً فعلياً لوحدة البلد، لا للتحكّم به... تلك متطلبات الوظيفة ومواصفات شاغلها، فيجب التفتيش عن صاحبها ضمن إطارها. لا يمكن تسليم مستشفى لميكانيكي، ولا كاراج لطبيب...

واستطرد قائلاً:

- ملك المملكة العربية السعودية هو <خادم الحرمين الشريفين>، لأن أعلى درجات الملك والرئاسة هي الخدمة: <ليكن كبيرُكم خادمَكم>، و«إذا أردت أن تكون كبيراً فكن الخادم>. الخدمة هي التي تكبّر الإنسان، الشخص ينجح في اختصاصه، على اساس ملفّه. هذا الرئيس يجب أن ينبثق من ارادة الانقاذ لا أن يأتي بانقلاب أو يتزلّف ويتسكّع،  أو يخضع لامتحانات وشروط مسبقة، في سفارة او عاصمة، عربية او دولية... وبالتالي لا بد أن نفتش عمّن يملك المواصفات لنرجو منه أن يقبل تولّي الرئاسة... تماماً كما يتمّ التفتيش عن لاعب كرة لينضم الى فريق يطمح الى ربح المباراة ونيل البطولة. يجب تخطّي الجوانب الشخصية وعدم الدخول في بازار الأسماء، فكلّها على رأسي وعيني وجميعهم اصدقاء وأحباب، لكن للخروج من الأزمة الكيانية التي نعيشها، لا بد من التماس شخص نذر نفسه للخدمة، يعرف أصولها ويقدر أن يؤدّيها.

 

الحوار وأصوله

ــ بالأمس أعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري مؤتمراً للحوار من جديد لمناقشة سبعة بنود أولها الانتخابات الرئاسية وتفعيل المؤسسات وقانون الانتخاب. فكيف تقرأ ذلك؟

- لدولة رئيس المجلس دوره ومكانته وانتشاره الشعبي، ونحن نقدر له مبادرته. ولا شك في أن الحوار دائماً مفيد، لكن لدينا تجارب كثيرة في هذا المضمار. فقد شاركتُ في هيئة الحوار الوطني عام 1976 التي كانت تعقد جلساتها في السراي الحكومي، وضمّت أربعة موارنة، كنت، بكل تواضع، احدهم، الى جانب بيار الجميل، كميل شمعون وريمون إده، الذين كنتُ ممثّلهم في <لجنة الإصلاح السياسي>. لكن هذا الحوار اصطدم بعقبة وهي أننا عندما ارتأينا تكليف الجيش الحفاظ على الأمن، خاصة وأننا كنا نجتمع في السراي، ونتنقّل في الملالة، بسبب القنص، تم تعطيل دور الجيش رغم أنه كان قادراً على الإمساك بزمام الأمن. قبلها أيضاً، في حكومة الرئيس أمين الحافظ، وفي عهد الرئيس سليمان فرنجية، كان الجيش قادراً على الحسم، لكنهم عطّلوا دوره لأسباب سياسية وفئوية ومذهبية. شاركنا في كل الحوارات التي جرت، وفي الطائف حصل أكبر حوار، وتوصّلنا بفضل عقلاء كبار الى اتفاق احياء النظام اللبناني وإعادته أفضل مما كان عليه، وضعنا أسس الوفاق الوطني والمصالحة وبسط السيادة، كأهم بند بالنسبة للكيان اللبناني. وهنا علينا أن نعرف، لمرة نهائية، أن هذا البلد إما أن يكون كله لجميع أبنائه على حد سواء، وإما لا يبقى منه شيء لأحد. فأنا صاحب الشعار الذي يسرّني أنّه يتردد كثيراً: <لبنان أصغر من أن يقسم وأكبر من أن يحتوى أو يبتلع>.

وأضاف:

- هذا البلد ليس بحاجة الى حوارات جديدة، بل الى تنفيذ مقررات الحوارات السابقة. وأي تشاورٍ جديد يجب ان يركّز على كيفية تطبيق اتفاق الطائف، الدستور والقوانين. لا نريد نصوصاً جديدة، فكل اختلاق ايّ نص جديد في هذه المرحلة، هو هرطقة تناهز الخيانة. فالبلد مؤسّس ولا نريد إعادة تأسيسه. إذا كنا نريد التشكيك بأسس البلد فلن يكون بلداً.. لا يمكن القول إننا نريد تغيير النظام أو إسقاطه، بل نريد التصحيح عبر تطبيق النظام، وإذا كان نصٌ ما لا يعجب أحداً، فليقرأه جيداً، ونحن نشرحه... علماً أن الدستور، من مقدمته الى آخر فقرة فيه، هو من أهم الدساتير النوعيّة، لبلد تعددي موحّد، <وطن رسالة>! يضمن الشراكة الحقيقية بين مختلف مكوّناته، شرط التزام مبادئها والحفاظ على أصولها. ومقدمته هي أهم مقدمة دستور على الاطلاق.

ــ وماذا تقول لشبان التظاهرات في الساحات؟

- أنا أحييهم، وأعلن اعتزازي بالشباب الذين عبروا بكل رقيّ وحضارة، وأحيي قوى الأمن التي تصرّفت بكل مسؤولية وأمانة. ونحن نثني على بادرة رئيس الحكومة تمام سلام الذي أمر بإزالة الجدار الإسمنتي... ونقول اننا نحتاج الى تأكيد النظام اللبناني، وتوطيده، لانه أفضل وأحدث نظام، والحق ليس على النصوص بل على أداء الأشخاص، لجهالة، لضعف، أو لسوء نية.

ــ هل يمكن اختيار رئيس جمهورية <صنع في لبنان> ؟

- لِمَ لا؟! أنا ضد القيد الذي وضع على الموظف في الفئة الأولى بحيث لا يحق له الترشّح إلا بعد انقضاء فترة على استقالته، ولم ادرجه في مشروعي لتعديل الدستور، بل أُضيف على حدة. أقول بالحرية والمساواة بين الجميع، من دون اللجوء كل مرة الى تعديل الدستور، للإتيان بشخص حظر الدستور انتخابه، فهذا تلاعب بالدستور، او التمديد لمن انتهت ولايته. يجب انتخاب رئيس مؤهل للقيام بما هو مطلوب منه في المادة 49 من الدستور، ولا يمكن المجيء بــ <زلمة> فلان أو علاّن، ولا أي رئيس مرتهن... المادة 27  من الدستور تقول إن النائب <يمثل الأمة جمعاء ولا تخضع وكالته لأي شرط حتى من قبل ناخبيه>، لكن أن يصبح <زلمة> فلان لأنه أتى به ويبقى مديناً له، فمرفوض. نحن نتطلع الى يوم يزول فيه الطغيان المذهبي، لكي ينتخب الشعب اللبناني الرئيس، المواطن والخادم، الأب والقائد، مباشرة... لكن لا بد أولاً من العبور الى المواطنة، فعندما يصبح المواطن لبنانياً بكل معنى الكلمة، وليس مارونياً أو سنياً أو شيعياً أو أرثوذكسياً أو كاثوليكياً أو درزياً أو أرمنياً إلخ، آنذاك يمكن انتخاب الرئيس من الشعب، علماً أن المادة 95 نصّت أَنه <لا تخصص أي وظيفة لأي طائفة> بل <تعتمد الكفاءة والاختصاص> دون سواهما، مع مراعاة الشراكة الميثاقية، ضمن مفهوم الوفاق الوطني والمصلحة العليا للدولة الواحدة الموحّدة !.. فالأحرى بالرئيس أن يكون من أهل الكفاءة والاختصاص، على أساس ملفّه الشخصيّ الكامل...

وما أكثر المؤهلين !