بقلم علي الحسيني
ما الذي حصل الاسبوع الماضي مع دورية الجيش التي تعرضت لكمين، وما هي الارتدادات السلبية التي يمكن ان تنجم عن توقيف سجى الدليمي زوجة <البغدادي>، ثم تسليمها للأمن العام؟ وهل وصلت المفاوضات المتعلقة بالعسكريين المخطوفين الى طريق مسدود؟
عند الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الثلاثاء ما قبل الماضي كمنت مجموعات مسلحة لدورية تابعة للجيش اثناء قيامها بمهمة مراقبة في جرد رأس بعلبك الامر الذي استدعى الجيش الى استقدام تعزيزات اضافية لوحدات من اللواء المجوقل والتي نجحت في فك الطوق عن الجنود بمؤازرة من سلاح الصواريخ التابع للجيش وبمساعدة من <حزب الله> من خلال راجماته كما وضع عدد من اهالي بعلبك انفسهم بتصرف الجيش لتنجلي بعد ذلك غبار المعركة التي اسفرت عن سقوط ستة شهداء للجيش وجريح واحد. لكن وسط الذهول مما حصل برزت مجموعة من الاسئلة التي تتعلق بالكمين الذي تعرض له الجيش من ضمنها، كيفية معرفة المسلحين مسبقاً بتوجه سير الدورية والطرق التي سلكوها للوصول الى هذه النقطة التي تعتبر منطقة خالصة للجيش.كان الكمين الذي تعرضت له دورية للجيش اللبناني في جرود رأس بعلبك مطلع الاسبوع الماضي والذي ذهب ضحيته ستة شهداء للجيش كافياً لأن يُعيد خلط الاوراق المتعلقة بالمفاوضات في ملف المختطفين العسكريين واعادته الى نقطة الصفر خصوصاً مع بروز معطى جديد تعلق بتوقيف الاجهزة الامنية اللبنانية زوجتي كل من زعيم تنظيم <داعش> ابي بكر البغدادي ومسؤول في جبهة <النصرة> يُدعى أنس جركس مع أولادهن.
كمين أم صدفة؟
بعد تعرض الدورية للكمين خرجت بعض المعلومات التي تحدثت عن الاسباب او الفرضيات المؤدية الى هذه الخسارة الكبيرة. ففي الفرضية الاولى قيل ان الكمين كان محض صدفة وان المسلحين لم يكونوا على دراية مسبقة، أن دورية للجيش سوف تمر من المكان ذاته الذي يمكن ان يسلكوه أثناء تهريبهم المدعو شادي المولوي الى منطقة القلمون بعدما تمكنوا من تهريبه بطريقة ما من داخل مخيم عين الحلوة. أما الرواية الثانية فقد تطرقت الى فرضية ان يكون الكمين نوعاً من الرد على توقيف الاجهزة الأمنية اللبنانية لسجى الدليمي وعلا جركس، لكن تبقى هذه الفرضية ضعيفة نظراً لفارق الوقت بين الاعلان عن التوقيف وتنفيذ العملية التي وبحسب بعض المصادر العسكرية ان القيام بها بحاجة الى ما لا يقل عن اربع وعشرين ساعة بين تخطيط وتحضير وتنفيذ. أما الرواية الاقرب الى الحقيقة ان العملية جاءت كنوع من الرد على التعاون العسكري البريطاني اللبناني في جرود القلمون خصوصاً وأن التحصينات التي ساهمت بتنفيذها القوات البريطانية كان لها وقع سلبي على تحركات المسلحين في الجرود خصوصاً وان منظومة الاسلحة الاوتوماتيكية التي تعمل تحت الاشعة الحمراء بالإضافة الى المناظير الليلية التي حصل عليها الجيش في الجرود قلصت ّمن تحركات هذه المجموعات الامر الذي وضعها أمام خيار واحد عنوانه <قاتل او مقتول>.
من المعروف ان الجيش اللبناني ينتشر على بعد كيلومترات قليلة عن الحدود اللبنانية السورية ولديه بعض المراكز المتقدمة نوعاً ما الامر الذي يجعل الارض متشابكة في كثير من الاماكن. كثرة الفلاحين في جرود القلمون خصوصاً في هذا الموسم وانتشار القطعان بكثرة في الجرود شكل نوعاً من الغطاء للمسلحين مكنهم من التسلل الى بعض النقاط القريبة من مواقع الجيش اللبناني، وهذا ما حصل بالفعل خلال العملية الاخيرة التي استهدفته. وهنا تؤكد معلومات للأفكار ان المسلحين كمنوا في تلك النقطة لساعات طويلة قبل أن ينفذوا هجومهم ليعود الجيش ويستدرك هذا الخطأ القاتل مانعاً بعد ذلك اقتراب الرعاة من بعض الاماكن في جرود رأس بعلبك.
اعدام البزال وحرقة قلب الوالدة
بعد كمين رأس بعلبك جاء رد جبهة النصرة على عملية توقيف الدليمي وزوجة انس جركس باعدام العسكري في قوى الامن الداخلي علي البزال الذي كان خاطفوه قد هددوا بقتله مراراً وتكراراً وسط تقاعس حكومي بين مؤيد لعملية تفاوض تعيد كل الجنود الاسرى وبين ممانع يرفض كسر شوكة الدولة. وبين مؤيد ورافض يأتي صراخ الوالدة المفجوعة بقتل فلذة كبدها:<غابت شمسك يا حبيبي، حياتي بعد فراقك ظلام، لمين بشكي همي يا تقبرني>.
تتابع الوالدة: أولئك المجرمون هم اولاد الذل كان علي الولد الحنون، شو بدي قول لبنتك يا ماما لما تسألني عنك، الله يحرق قلبهن متل ما حرقولي قلبي.
وتصب الوالدة غضبها على الحكومة: عملت العجائب والحكومة ما سألت علينا، فلا مكان لكرامة الانسان عند حكومتنا ما ذنب ابني؟ على الدولة ان تنفذ حكم الاعدام بالموقوفين المتورطين لديها حالاً، ليبرد قلبي، وأزف ابني شهيداً عريساً والا لن يكون هناك تقبل عزاء بِعلي حتى آخذ الثأر ممن هدر دمه. وتنهي حديثها مع صورة ابنها بالقول: شو بدي خبرك يا ماما عن دولتنا؟
من هي سجى الدليمي؟
ذاع اسم سجى الدليمي للمرة الاولى يوم حصلت صفقة راهبات معلولا وهي المقايضة التي حصلت بين النظام السوري والجماعات المسلحة والتي أوصلها مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم الى خواتيمها المرجوة. يومئذ كانت الدليمي موقوفة في سجون النظام. والجميع يذكر ان الصفقة كانت تعقدت اكثر من مرة بسبب عدم شمولها في عداد النساء السجينات المفرج عنهن من سجون النظام السوري في حينه. الا ان المسلحين أصروا على اطلاق سراحها ضمن ترتيب معين قضى بتسليم سجى في جرود عرسال ليصار بعدها الى اطلاق الراهبات. ويومئذ سارت القافلة التي تقلهن بعدما تأكد البغدادي نفسه من ان مسؤول <النصرة> في القلمون ابو مالك التلي قد تسلمها مع اولادها.
هي امرأة عراقية كانت تعيش في سوريا مع ذويها قبل اندلاع الحرب فيها، وكانت لجأت مع أهلها الى سوريا منذ ان خرجت كل العائلات المحسوبة على نظام البعث العراقي القديم، من العراق بعد سقوط حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وفي سوريا تعرفت الى العراقي ابرهيم عواد ابرهيم علي البدري السامرائي وتزوجت منه، والرجل كان خارجاً لتوه من سجن تديره القوات الاميركية في جنوب العراق خصوصاً وان سوريا كانت في ذلك الوقت استقبلت رموزاً وشخصيات نافذة تتبع لصدام حسين وكان السامرائي احد كبار ضباط المخابرات في عهد صدام والذي بات معروفاً لاحقا بـ<ابو بكر البغدادي> زعيم التنظيم الاكثر ارهاباً وتطرفاً بين كل الحركات المتطرفة على مستوى العالم.
وفي الوقت الذي اعتبرت فيه السلطات اللبنانية أنها باتت تمتلك ورقة تفاوض مهمة يمكن ان تركن اليها في ما خص ملف العسكريين المختطفين بعد اعتقالها الدليمي وجركس اصدرت وزارة الداخلية العراقية بياناً نفت فيه صحة ان تكون الدليمي زوجة للبغدادي وبأن زوجتي هذا الاخير هما أسماء فوزي محمد الدليمي وإسراء رجب القيسي وأن المرأة التي اعتقلتها السلطات اللبنانية سجى حميد الدليمي هي شقيقة عمر الدليمي المعتقل لدى السلطات والمحكوم بالإعدام لاشتراكه في تفجيرات البصرة والبطحاء في الناصرية. وأضافت الوزارة أن شقيقة سجى هي دعاء عبد الحميد الدليمي وهي انتحارية معتقلة لدى السلطات في اربيل لمحاولتها تفجير نفسها بحزام ناسف. أما والدهم فهو هارب ينتمي الى تنظيم <القاعدة> وهو يعمل الآن مع <جبهة النصرة>.
وفي المعلومات التي حصلت عليها <الافكار> تأكيد ان الدليمي هي طليقة <البغدادي> ولديها منه ولدان أسامة وعمر ومن ثم تزوجت من ابو مالك التلي مسؤول <النصرة> في القلمون لفترة قصيرة قبل ان يعود هذا الاخير ويطلقها للتتزوج للمرة الثالثة من <مجاهد> ليبي كان أخذ موافقة والدها عبد الحميد الدليمي للزواج منها عندما التقاه في يبرود السورية.
في اطار العمليات الامنية التي تقوم بها مخابرات الجيش اللبناني وبعد مراقبة استمرت لفترة طويلة تمكنت قوة من الجيش اللبناني من القبض على الدليمي على حاجز المدفون (مدخل القلمون اللبنانية) ومعها أبنتها وهي في سن العاشرة من عمرها وكانت نزحت من سوريا بعد سقوط القلمون السورية بيد النظام السوري و<حزب الله>. وفي معلومات خاصة فإن الدليمي تمتلك ثلاث بطاقات هوية مزورة من بينها هوية لبنانية باسم ملك عبدالله وقد تم القاء القبض عليها في منطقة الضنية شمال لبنان مع ابنها مع العلم انها كانت تسكن في محيط بلدة عرسال البقاعية قبل ان تنتقل الى شمال لبنان بعد ما عرف بغزوة عرسال على ايدي الجماعات الارهابية. وللدليمي مجموعة من الانشطة اللوجستية منها: التواصل مع مجموعات من النساء يعملن ضمن شبكة لجمع المعلومات حول مراكز الجيش وحزب الله وتهريب المقاتلين بين المناطق وتحديداً على خطي الشمال عين الحلوة، وعرسال عين الحلوة وهي ايضاً من جندت جومانة حميد التي القي القبض عليها قبيل تنفيذها عملية انتحارية ضد الجيش اللبناني.
ومن ضمن المعلومات ايضاً ان مجموعة من المعطيات حصل عليها الجيش بالتعاون مع اجهزة استخبارات اجنبية افادت بأن الدليمي موجودة على الاراضي اللبنانية وحددت التفاصيل المتعلقة بالمكان الذي تعيش فيه وان قيادة الجيش لم تعلن عن الخبر الا بعد ايام من الاعتقال بعد التأكد من فحوصات الحمض النووي الذي اخضعت له للتأكد من انها هي نفسها الدليمي زوجة البغدادي وبعد الحصول منها على عدد من المعطيات الامنية المتعلقة بها وبزوجها.
الى أين وصلت التحقيقات؟
في وزارة الدفاع في اليرزة تمضي الدليمي اسبوعها الثالث في مكان مخصص لها وبحماية تتولاها سيدات من الجيش اللبناني ومن المخابرات الى جانب غرفة اخرى تضم علياء العقيلي التي لا تقل أهمية عنها وهي زوجة أنس جركس القيادي في النصرة الملقب بـأبو أنس الشيشاني. وضمن مجريات التحقيق ظهر في باديء الامر ان الدليمي حامل في شهرها الثالث وأنها مدربة بشكل جيد على جميع انواع التحقيقات اذ انها رفضت في بداية الامر الاعتراف بأنها زوجة البغدادي او طليقته كما رفضت الافصاح حول هوية والد جنينها. ويتمحور التحقيق مع الدليمي حول الغاية من وجودها في لبنان وما اذا كانت دخلته فور إتمام صفقة راهبات معلولا ام في وقت لاحق ومتى وعن طريق أي معبر وأين أقامت ومن تولى تسهيل أمورها اللوجستية وهل تم التنسيق مع جهات محلية وما هي هويتها، ومن كان يؤمن لها تنقلاتها ومهمة الحماية ومن الجهة التي زودتها بالهوية المزورة ومن يصرف عليها وعلى أولادها؟
مصادر عسكرية اكدت لـ<الأفكار> ان ابنة الدليمي هاجر قد خضعت لفحص الحمض النووي والذي اثبت انها ابنة البغدادي وذلك بالتعاون مع اجهزة المخابرات الاميركية التي تحتفظ بسجل البغدادي الذي كان سجيناً سابقاً لديها في العراق، وان المحققين يضعون كل الاحتمالات في الحسبان بما فيها احتمال أن يكون جنينها من البغدادي ايضاً، وهذه المعلومة إن صحت فذلك يعني أنها زارت العراق أو الرقة في شمال سوريا. كما كشفت المصادر ان المحققين وخلال محاولتهم استنطاق الطفلة هاجر بنت الدليمي والبغدادي وجدوا بداية صعوبة في حملها على الإقرار باسمها إذ بدت وكأنها تلقت تدريبات مكثفة على هذا الأمر برغم صغر سنها.
يذكر ان احد قادة النصرة المعروف بأبي معن السوري قد اعترف أن الدليمي هي زوجة أبي بكر البغدادي وهي التي كانت معتقلة من قبل السلطات السورية، وقد اعتمد في حديثه على تغريدة سبق أن نشرها القيادي الآخر في الجبهة المدعو أبا عزام المهاجر الذي كان المسؤول عن صفقة تبادل راهبات معلولا، يومها قال: لو كنت تعلم يا أخي بالدولة الإسلامية من خرج في صفقة التبادل لبكيت قليلاً وضحكت كثيراً.
ماذا قال يومها اللواء ابراهيم عن الدليمي؟
يروي مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم، قصة طلب إطلاق سراح سجى الدليمي في مجلة الأمن العام في نيسان (ابريل) الماضي ويقول ان أبا مالك التلي طلب في 19 شباط (فبراير) الماضي من الوسيط القطري إطلاق سراح 12 موقوفاً لدى النظام السوري، ترد أسماؤهم للمرة الأولى. وكان يُفترض يومئذ أن تجري عملية التبادل في 23 شباط، لكن هذا الطلب أجلها. وقد ألح مفاوضو النصرة على أربعة أسماء من أصل لائحة الـ12 ومن بين هذه الأسماء سجى حميد إبراهيم خلف.
يُضيف إبراهيم: أن الجانب السوري اكتشف في 9 آذار الماضي أن سجى خلف هي في الواقع سجى الدليمي وهي موقوفة في أحد السجون فيما أودع طفلاها جمعية خيرية. وهي ذات مكانة عالية لدى جبهة النصرة وتحظى عائلتها باهتمام الجبهة نظراً الى انضوائها في هذا التنظيم التكفيري: والدها من أبرز قياديي تنظيم القاعدة، واحدى شقيقاتها قتلت اثناء تنفيذها هجوماً إرهابياً، وشقيقة ثانية حاولت تفجير نفسها بحزام ناسف إلا أنه لم ينفجر.
ويقول إبراهيم إنها في منتصف العقد الثاني من العمر. وقد وافقت السلطات الأمنية السورية في حينه على إطلاق أربعة أشخاص من آل الدليمي أي سجى وطفليها وشقيقتها الصغرى وتعهّد إبراهيم بنقلها من دمشق إلى نقطة جديدة يابوس بين لبنان وسورية بموكبه الخاص. وعند وصول الموكب طلب إبراهيم إحضار الدليمي ويصفها كالآتي: <كانت محجبة وأخفت وراء حجابها جمالاً آسراً>. عرف إبراهيم عن نفسه بعدما سألته سجى عمن يكون، وعندما عرفت شخصيته أدت التحية العسكرية فوراً. ويُشير إبراهيم إلى أنه أبلغها أن زوجها يريدها فأجابت: <زوجي ميت منذ سنوات>. ويلفت إبراهيم إلى أن تسليم الدليمي كاد يُفجر المفاوضات خصوصاً ان أبا عزام الكويتي اشترط الافراج عنها وطفليها قبل الإفراج عن الراهبات. وفي ظل المفاوضات، يقول إبراهيم، ان خلافاً نشب بين أبي عزام وشقيق سجى الدليمي بسبب تراجع أبو عزام عن شرطه هذا.
الأكيد أن لسجى الدليمي موقعاً خاصاً في صفوف تنظيم <القاعدة> و<داعش> رغم اعلان أبو مالك التلي سابقا أن تحريرها من سجون النظام السوري كان واجباً وليس أمراً لنتباهى به، والذي رد عليه مناصرو <داعش> ومقاتلوه بالقول إن عمل النصرة على اخراج الدليمي يأتي في إطار رد جميل أبي محمد الجولاني (أمير جبهة النصرة) للبغدادي لمساعدته في تأسيس الجبهة. لكن المؤكد أن الدليمي الى جانب زوجة شركس هما من أوراق القوة المهمة التي باتت بحوزة الدولة اللبنانية والتي يمكن إستخدامها لتحرير العسكريين المخطوفين في جرود عرسال في حال لم تبرز أي ازمة جديدة داخل ما يعرف بخلية الازمة.