تفاصيل الخبر

”سد بسري“ المنوي تنفيذه وأثره البيئي والمخاطر المترتبة عليه!  

22/02/2019
”سد بسري“ المنوي تنفيذه وأثره البيئي والمخاطر المترتبة عليه!   

”سد بسري“ المنوي تنفيذه وأثره البيئي والمخاطر المترتبة عليه!  

بقلم طوني بشارة

يمكن اعتبار مشروع <سد بسري> كأحد اكبر المشاريع المنوي تنفيذها في منطقة صيدا الكبرى سواء لناحية المساحة الجغرافية التي يغطيها والتكلفة المادية لتشييده، او لناحية الأثر البيئي المترتب عليه، في المقابل يبدو ان التأثير المباشر لهذا المشروع غير واضح تماما، علما ان التخطيط لهذا المشروع ابتدأ منذ 15 سنة بدعم من البنك الدولي وهو يقع شمالي بلدة بسري ويبلغ ارتفاعه 73 مترا، ومن المتوقع ان يؤدي بناؤه الى تشكيل بحيرة اصطناعية تبلغ مساحتها 256 هكتاراً، وهدف المشروع الظاهري هو تحويل مياه النهر الى بيروت وضواحيها من خلال شبكة من الانابيب والقساطل الجوفية وهذا الامر يتطلب استملاك نحو 570 هكتاراً من الأراضي الزراعية الواقعة ضمن عشر بلديات في الشوف وجزين، على ان تتراوح كلفة الاستملاكات وتشييد البنى التحتية ما بين مليار و300 مليون دولار أميركي.

 والمتتبع للامور يلاحظ ان ثمة اعتراضات عديدة على المشروع بدأت منذ سنتين تقريبا، وما زالت تستمر حتى تاريخه تلك التحرّكات المعارضة على تنفيذ مشروع <سد بسري>، وآخرها تقديم <الحركة البيئية اللبنانية> طلباً الى وزير الثقافة الجديد محمد داوود، بـتصنيف مرج بسري محميّة أثرية، بهدف الحفاظ على جمال البلدة الخلاّب، كما ان رفض أهالي المنطقة والجوار لبناء السدّ وجرّ مياهه الى بيروت الكبرى، ساهم كثيراً في حركة الاعتراض، بحيث يصفون المشروع بالتدميري، لانه سيقضي على ثروة حرجية وأثار رومانية وثقافية ودينية، من ضمنها نقل حجارة <كنيسة مار موسى> و<دير القديسة صوفيا>، فضلاً عن ان المشروع مخالف للقوانين اللبنانية المرعية الإجراء، لما يُسببّه من مخاطر على السلامة العامة، وعلى تغيّير المناخ المحلي، وتهجير قسري للسكان المحليّين في قضاءي جزين والشوف.

بول أبي راشد يشرح التفاصيل!

 خبراء البيئة الذين زاروا البلدة والمحيط، أكدوا بأن منطقة إنشاء السد تقع مباشرةً فوق فالق روم، الذي إن استيقظ سوف يُرعب كل لبنان، لانه ضمن منطقة مهدّدة بهزات أرضية، ولفتوا الى وجود ما يقارب المليونيّ متر مربع كأراض تعطي منتوجات خصبة، وكل هذا سوف يُقضى عليه في حال نفذّوا مشروعهم.

مع الإشارة الى ان مرج بسري يشكّل نقطة التقاء بين محافظتيّ جبل لبنان والجنوب، أي بين المسيحيّين والدروز الذين توحّدوا على رفض المشروع، الذي سيؤدي الى خراب المنطقة وجوارها، اما العلماء الجيولوجيون فلهم رأي مختلف اطلاقا بالنسبة للهزات الأرضية.

 الخبير البيئي بول ابي راشد أشار الى آخر تطورات المشروع قائلا: لقد تبيّن بأن الشركة المقاولة تركية والمتعهد لبناني، وهو مَن نفذ سدّ بقعاتا ومطمر برج حمود، والشركة المذكورة طالبت مصلحة الزراعة بقطع 10 آلاف شجرة في المنطقة، أي تدمير وتشويه البيئة الى اقصى درجة!

وسأل ابي راشد مستنكرا: هل يجوز بناء السدّ والحفر والقطع، قبل وضع دراسة عن مواقع الآثارات العديدة الموجودة هناك>؟ لافتاً الى وجود خمسين موقعاً اثرياً هناك تحوي كنوزاً هائلة، وأشار أبي راشد الى وجود خرائط تؤكد بأن السيّد المسيح قد سلك طريق مرج بسري، في رحلته من فلسطين الى سوريا، مروراً بالساحل اللبناني ومعبد اشمون، ما يعني وجود أثر ديني مميّز لا يمكن التضحية به، خصوصاً انّ البابا فرنسيس أعلن عام 2019 سنة الحجّ الى لبنان، فيما المسؤولون عندنا يسعون الى تدمير درب السيّد المسيح المقدسة، لذا نرجو من الفاتيكان الضغط لوقف بناء هذا السدّ المدمّر، ونطالب بجعل بسري محمية ثقافية ودينية على لائحة التراث العالمي.

وعن المخاطر، لفت ابي راشد الى تقرير قدّمه الدكتور طوني نمر، يفيد بأنه من الوارد جداً حدوث زلزال بعد بناء السدّ، لانه سيُبنى على ملتقى فالقين ناشطين، يمتدّ أحدهما من بلدة روم ويلتف حول بيروت، وإذا تحرّك فالق روم فقد يؤدّي ذلك الى تدمير مساحات كبرى من لبنان، واصفاً المشروع بالقنبلة الموقوتة، مذكّراً بوجود اعتراضات كثيرة عليه، من ضمنها عريضة حوت اكثر من 13000 إسم.

ورأى أبي راشد بأن مَن دمّر وادي <بقعاتا - كنعان> لا عجب ان يقوم بتدمير وادٍ ثانٍ مقدس، سائلاً ماذا يوجد وراء هذه المخططات؟، فهل يريدون القضاء على الاراضي المقدسة في لبنان؟

وعن هوية المسؤول الأول عن هذا التدمير، قال ابي راشد:

- مجلس الانماء والاعمار هو المسؤول الأول، واليوم دخل البنك الدولي على الخط، وتبدو حماسته زائدة عن اللزوم مما يطرح علامات استفهام عديدة، فهل يوجد مَن يشجعه على تدمير <درب المسيح> او القضاء على الآثارات؟

 

زعاطيطي وتكتونية <سد بسري>!

 

وللتعرف اكثر على جيولوجية المنطقة، نقلت <الأفكار> رأي الخبير <الهيدرو جيولوجي> سمير زعاطيطي الذي اشار الى انه وفي محيط مجرى نهر بسري ومن أسفل إلى أعلى تتكشف المجموعات الصخرية الآتية: صخور عصر <الجوراسيك> (أقدم صخور لبنان) الرسوبية البحرية الممتدة بشكل حزام طولي من بسري شمالا مرورا بمزرعة تعيد وصولا الى صفاريه جنوبا، كما وتغطي فجوة جزين الغربية صخور رملية ورملية صلصالية، وتعود الى حين <النيوكوميان> قاعدة العصر الطبشوري <C1>، تليه في الأعلى صخور حين الأبتيان الأعلى <C2b>، الكلسية الصفراء والتي تشكل جدار جزين الصخري المهيب على المدخل الغربي للبلدة، فوقها حزام من صخور مارلية خضراء باهتة، ومارلية كلسية، تعود الى حين <الألبيان> <C3>، التي تشكّل القاعدة المانعة لتسريب المياه من صخور <السينومانيان> أعلاه، كما تتكشف على ضفاف الأولي جرفيات نهرية تعود الى العصر الرباعي الحديث.

من جهة اخرى، يتحدث زعاطيطي عن <تكتونية> موقع <سد بسري>، فيقول ان <سد بسري> يقع بين فالق روم الطولي النشط <تكتونيا> وبين فالق <نيحا العرضي>، ويظهر المسطح تحت العديد من الفوالق المتكشفة على سطح الصخور الصلبة، وتلك المغطاة تحت الصخور الرملية الهشة والجرفيات الطينية النهرية الرباعية الحديثة التي تغطي سطح <الجوراسيك> تحت <سد بسري>، هذا وتظهر المسطحات التكتونية البنى الجيولوجية المختلفة والتكسرات الأرضية للمنطقة بين فالق اليمونة شرقا والبحر غربا، كما ويقطع فالق روم الطولي الى غرب بسري المجموعات الرملية العائدة لحين <النيوكوميان> <C1> قاعدة العصر الطبشوري لتظهر تحتها صخور الجوراسيك الأعلى.

اما <هيدروجيولوجية> منطقة <سد بسري>، فتظهر الخرائط الجيولوجية والمسطح <الهيدرو جيولوجي> لمحيط المنطقة عن تكشف محدود لمخزن <كاربوناتي كارستي> يعود الى عصر <الجوراسيك الأعلى> <J7>، ويشكل حزاماً على طول الخط الممتد من مزرعة بسري شمالا مرورا بمزرعة تعيد فإلبابا وصولا الى صفاريه عازور جنوبا، ويبقى معظمه مغطى بالصخور الرملية لقاعدة العصر <الطبشوري النيوكوميان> <C1>.

وتبلغ سماكة <الجوراسيك> محليا حوالى 1200 متر من الصخور الكربوناتية المشققة والتي تضربها الفوالق على السطح، واللافت ان العملية الكارستية هنا لم تتطور على السطح بالشكل الكبير الذي نراه في جوراسيك كسروان في كفرذبيان وفيطرون مثلا، لأنه هنا مغطى بمعظمه بالصخور الرملية <النيوكوميان> <C1>، مما يعزله عن العوامل الطبيعية السطحية، لكن جريان المياه في عمقه والنشاط المائي الجوفي يبقى ساريا كما هو حال المخازن <الكارستية> الكبيرة، وكما أثبتت نتائج حفر الآبار في المحيط المباشر للسد.

اما بالنسبة لنتائج الآبار المحفورة في محيط <سد بسري>، فيقول زعاطيطي ان بئر السيد عازوري في مزرعة بسري على ضفة النهر يحوي على الترسبات النهرية العائدة لـ<العصر الرباعي>، وهي ذات نفاذية ضئيلة بلغت سماكتها حوالى 90

مترا، وتم إختراق القسم الأعلى من المخزن <الكارستي> والامر أعطى كمية كبيرة من المياه الجوفية.

ويتابع زعاطيطي: اما نتائج حفر البئر الأولى في مزرعة بسري، فعند الوصول الى عمق 150 مترا انهدمت المنطقة حوالى البئر، وخسفت الأرض بالحفارة بعد اختراق فراغات ومجارٍ مائية كبيرة في الجوراسيك بدءاً من عمق 90 مترا.

ويضيف زعاطيطي قائلا:

- في نتيجة حفر البئر الثالثة في بسري بواسطة جهاز <الدق> من سطح الأرض حتى عمق 15 متراً: لاحظنا طبقة طينيّة صلصاليّة من عمق 15 متراً وتم ظهور بعض المياه ذات الرائحة الكريهة الـ<كبريتية> واللافت انها ظهرت على مستوى المياه نفسه في نهر بسري.

وفي تحليله لنتائج الآبار المحفورة، يرى زعاطيطي ان وجود المياه الجوفية وبكميات كبيرة داخل المخزن <الكارستي الجوراسيكي> وعلى أعماق ما بين 100 الى 150 متراً، كذلك الوضع التكتوني ومرور الفوالق أدى الى تفسخ وتشقق وتفتت في عمق الصخور الكلسية القاسية العائدة لـ<الجوراسيك> الأعلى <J7 – J6>، الى جانب وجود معدن <البيريت> وعلى مستويين مختلفين يدل على مرحلة من الترسب المستنقعي بدون أوكسيجين في وادي بسري.

في المقابل، يلفت زعاطيطي الى ان مشكلة انخفاض الأرض الطينية حول البئر الأولى وانقلاب الحفارة بعد وصول الحفر الى فراغات داخل سطح الجوراسيك إبتلعت الصخور الطينية الهابطة من فوق وسحبتها المياه الجارفـة ضـمن مـجارٍ مائية سريعة وقوية، يدل على عدم تحمل هذه الصخور لأية أثقال أو أوزان فوقها فكيف بسد يراد أن يبنى في هذه المنطقة الهشة؟ كما ان هناك سداً أو مخزناً صخرياً جوفياً تحت الأرض بدون إنشاءات ولا استملاكات ولا باطون سد تجري مياهه صيفا وشتاء ولا نعرف كم يحتوي من المياه الجوفية، ما نعرفه هو المخزون المتجدد سنويا فقط بمياه الأمطار.

وفي الختام، نفى زعاطيطي ما تردد حول أن تجميع المياه قرب فالق روم في <سد بسري> سيتسبب بزلزال، مؤكدا ان الزلازل حسب كل العلماء مصدرها باطني داخلي، وهي ناتجة عن طاقة حرارية عالية جدا التي تأتي نتيجة تفاعل مواد نووية بالنواة الخارجية للارض، وهذه الحرارة العالية تذوّب الصخور الموجودة في باطن الارض وتحولها الى صهارى موجودة بين صخور قاسية جدا ووزنها اخف من الصخور، فترتفع لسطح الارض وترمي الحمم البركانية عبر التشققات الارضية، تخرج منها الصهارى البركانية وتحول الصخر الى اسود.