تفاصيل الخبر

صاحب «دار الفــرات» الناشر عبودي ابو جودة في «هذا المساء..»: «الافـــيـش» فــن شعـبي وذاكــرة تاريخيـــة واجتمـاعـيـــة للـفــن السابــع فــي لـبــنان والعـالـــم العـــربـي!

01/04/2016
صاحب «دار الفــرات» الناشر عبودي ابو جودة في «هذا المساء..»: «الافـــيـش» فــن شعـبي وذاكــرة تاريخيـــة واجتمـاعـيـــة للـفــن السابــع فــي لـبــنان والعـالـــم العـــربـي!

صاحب «دار الفــرات» الناشر عبودي ابو جودة في «هذا المساء..»: «الافـــيـش» فــن شعـبي وذاكــرة تاريخيـــة واجتمـاعـيـــة للـفــن السابــع فــي لـبــنان والعـالـــم العـــربـي!

 

بقلم عبير انطون

3

<هذا المساء.. السينما في لبنان 1929 - 1979> كتاب جميل لعبودي أبو جودة يؤرخ للسينما اللبنانية والعربية عبر ملصقاتها الأصلية. فذاكرة جيل <ايام العز> و<الفن الجميل> كما عيون الجيل الجديد تشخص الى تلك <الصناعة> التي شكّلت مادة مدهشة لجودتها، وان صُممت ونُفّذت بطرق بدائية صعبة. ما بين الامس واليوم تغير زمن <الافيش> تغييراً جذرياً، إلا ان قيمة ما كان استوجبت من صاحب <دار الفرات> الناشر اللبناني عبودي ابو جودة إصدارها في كتاب، بعد ان كانت ضيفة معرض في <الزيتونة باي> منذ مدة بمؤازرة <مؤسسة سينما لبنان.>

فماذا عن الكتاب، وفن الملصق، وما كان موقع بيروت من ذلك الفن؟

مئتان واثنان وخمسون ملصقاً سينمائياً اصلياً بين عشرين ألفاً يمتلكها صاحب المجموعة حملها كتاب <هذا المساء...> لعيون مشاهدي الكتاب وقارئيه في شريط طويل، وهو يُعد تأريخاً لحقبة انطلاقة السينما ونجومها، بعد ان تحول <صندوق الفرجة> شاشة عملاقة يتحرّك وينطق فيها نجوم لمعوا في مصر ولبنان والعالم العربي ليقدّموا فناً ارسى قواعد من يعملون في السينما اليوم ويطورون تجاربهم فيها.

ثلاث حقبات زمنية تشكّل منها الكتاب: الاولى مخصصة للافلام اللبنانية التي أُنتجت ما بين عامي 1929 و1959، ويغيب عنها في الافلام التسعة الاولى فن الملصق الذي لم يواكبها حينذاك، اما القسمان الثاني والثالث فيعودان الى أوائل الستينات حتى نهايتها وكذلك الامر بالنسبة لحقبة السبعينات.

<الوردة البيضاء، <بياع الخواتم> (<الافيش> الذي صُمّم في ايطاليا)، <سفر برلك>، <افراح الشباب>، <الجاكوار السوداء>، <مرحباً.. ايها الحب>، <عقد اللولو>، <وادي الموت>، <عصابة النساء>، <بنت عنتر>، <يا سلام عالحب>، <شارع الضباب>، هذه جميعها ليست سوى عينة بسيطة جداً عما يمكن ان يطالعك في كتاب <هذا المساء> الذي قابلت  <الافكار> كاتبه على صفحاتها، وكان معه هذا الحديث:

يقول ابو جودة:

 - اهتمامي بالسينما كان عبارة عن هواية زمن المراهقة كما الكثيرين من الشباب في مثل جيلي آنذاك. لم ادخل بابها تمثيلاً واخراجاً لان الفرص لم تكن متاحة في لبنان، وكل من دخلوا المجال حينذاك درسوها من خلف البحار.

وأضاف قائلاً:

- بدأت جمع <أفيشات> الافلام وانا في عمر الخامسة عشرة، كنت أمرّ بالصالات اللبنانية لأحصل على <البوستيرات> عن الافلام بعد الفترة المحددة لعروضها، وتحول هذا الشغف الى حرفة، الى <نمط حياة> من دون أن يرد في بالي يوماً انها ستختصر نصف قرن من الفن السابع في كتاب. وإن سفرياتي التي حتّمها علي عملي كناشر قد تضمنت اوقاتاً كرّستها للبحث في دور السينما عن ملصقات الافلام حتى بات المهتمون في المجال يعرفونني بالاسم ويثقون بي، من دون ان يغيب المقابل المادي لشرائها.

لـ<الافيش> اهمية قصوى، فهو الوسيط الإعلاني في عملية التسويق وعامل الجذب الاول لاستقطاب الجمهور الى الفيلم. كان يُنشر قبل انطلاق العمل بشهر او اكثر باعتباره الاختزال بالكلمة والصورة لما سيراه المشاهد، فيملأ ساحة البرج وشوارعها وجدرانها حيث كان يتم لصق <الافيش> وتُضاء فوقه عبارة <هذا المساء> او <قريباً>..عامل الجذب هذا جذبني الى عالمه ايضاً، ومع مرور الزمن كان يزداد العدد وتتشعب المواضيع، خاصة في حقبة الستينات التي شهدت زخما في الانتاج (نحو ثلاثين فيلما لبنانياً ومصرياً في السنة ما بين عامي 1962 - 1967) فاتخذت القرار بإشراك الناس بها، للتذكير بتلك المرحلة السينمائية وبهدف إلقاء الضوء على هذا النوع من الصناعة، خاصة انني تناولت أفلاماً أُنتجت وصورت في لبنان وكان ابطالها يومئذٍ من مختلف الدول العربية، وأذكر في هذا المجال نجوماً لمعوا في الفن السابع كاحسان صادق وفيروز ووديع Untitled---1الصافي ونجاح سلام وصباح وسميرة توفيق ومحمد سلمان وفنانة اسمها قمر وغيرهم..

  وحول صيانة الملصقات بهذه الكمية والمكان الذي يودعها فيه يقول ابو جودة، ان ثروته من <الافيشات> كانت تتنقل معه في البلد، ومنذ 15 عاماً اودعها مكاناً في غرفة خاصة ومبرّدة في دار النشر التي يمتلكها في رأس بيروت، مؤرشفة وموزعة بشكل دقيق ويحافظ عليها بعناية من التلف، وقد ساعدته خبرته في دار النشر بالمحافظة عليها.. اما توقّف الكتاب عند عتبة العام 1970 فمرده الى ان الكتاب وصل الى 520 صفحة ولم يكن بالإمكان ان يكون اكبر، على ان يلي هذا الكتاب جزء ثانٍ منه يمتد من الثمانينات حتى يومنا الحاضر، من دون ان يؤكد ابو جودة على صدوره قبل سنتين لانه يتطلب تحضيراً كبيراً، فالمواد موجودة، الا <اننا بانتظار الظروف المساعدة أيضاً>. فهذه المرحلة، منذ منتصف السبعينات الى الثمانينات شهدت فوجاً جديداً وخطاً سينمائياً مختلفاً من حيث المضمون والتقنية مع مارون بغدادي وبرهان علوية ورندا الشهال وجوسلين صعب ورفيق حجار وجورج شمشموم وجان شمعون، الامر الذي ولّد معه اختلافاً جذرياً ايضاً في صناعة <الافيش>.

<البوستر> الأبرز

لا يميّز ابو جودة <بوستر> فيلم عن الآخر، فكلها عزيزة عليه، ولا يصنّفها بحسب الذكريات التي تحملها له. يرتفع منسوب اهميتها لديه بحسب النجوم المصورين فيها مع <رهجة> الجديد دائماً.. يميّز أبو جودة <البوسترات> بحسب نوعيتها، نظافتها، نقائها، وجودة المواد المستخدمة فيها لتقاوم العوامل الطبيعية، خاصة وانها طُبعت على ماكينات قديمة تعود الى حقبة الثلاثينات اوائل القرن الماضي، في ما يُعرف بـ<الطباعة الحجرية» أو «الليتوغراف Lithography> وكانت هذه تطبع بحسب الالوان، فيُطبع اللون الاصفر مثلاً ويتمّ الانتظار حتى يجف ثم يدخل اللون الاحمر وهكذا دواليك، ما يستدعي عشرين يوماً او اكثر لإنجاز <الافيش> الواحد، في حين اننا اليوم، ومع عصر الكومبيوتر وبرامج تصميم <الغرافيكس> الحديثة يتم تركيب وإنجاز <الافيش> في اقل من يوم واحد.

 كان <الافيش> يُرسم باليد، كأنه لوحة زيتية في عمل يدوي متخصص، ومن ثم يُحفر على <لوح الزنك> بحجم سبعين سنتيمتراً للعرض ومئة للطول، وهذا ما كان متعارفاً عليه في غالبية <الافيشات>، ومن ثم يتم إدخال الالوان الواحد تلو الآخر، وكان اثر <الافيش> الاجنبي واضحاً على الكثير من الافلام اللبنانية والعربية.

اليونان.. البداية

 

أسماء كثيرة لمعت في فن <الافيش> بالفرنسية و<البوستر> بالانكليزية الذي يقال ان الفضل في صناعته وفنه يعود بحسب الكاتب سامح فتحي في كتابه «فن الأفيش في السينما المصرية> إلى الأجانب من الجنسية اليونانية الذين لهم الفضل في وصول فن <الأفيش> إلى مستويات عالية، إضافة الى أن هؤلاء حملوا تلك الصناعة من بلادهم، وكانت لهم علاقة قوية بفنون التصوير الفوتوغرافي والرسم. وقد كانت بداية صناعة <الأفيش> في الاسكندرية على يد هؤلاء اليونانيين الذين كانوا يعتاشون منها ويتسمون بمهارات كبيرة في فن الرسم، الأمر الذي مكّنهم من الإجادة في فن <الأفيش> وامتلاك كل مقوماته. وكان من أشهر هؤلاء اليونانيين «الخواجة نيكولا» الذي أسس أول ورشة افيش-فيلم-ابي-فوق-الشجرة-2إعلان في مصر كلها، وعلى يديه تخرجت أجيال من الرسامين والخطاطين، وبذلك تأسس فن <الأفيش> اليدوي.

وحول الوجوه البارزة في مجال <الافيش> يستحضر ابو جودة من جانبه اسماء مثل راغب وعبد الرحمن و<جسور> و<مارسيل> اليوناني، وحلمي التوني ومحمود الشريف وانور علي ووهيب فهمي وانيس، كما اشتهر <زهراب> في لبنان وعبد الله الشهال، وخليل وغيرهم.

 

الرقابة.. و<الافيش>

 <افيشات> عديدة اثارت بلبلة حولها حين طُبعت، ويذكر ابو جودة ان البعض منها اثار الجدل خاصة في ما يتعلق بترتيب أسماء النجوم، وكانت هذه رائجة جدا في الستينات ولا تزال حتى اليوم، ويذكر في هذا الصدد <افيش> فيلم <قطط شارع الحمراء> الذي لعبت بطولته نوال أبو الفتوح، وبعد الخلاف على ترتيب الأسماء صدر <الافيش> بدون اي اسم لأي ممثل بحسب ما قرّرت شركة الانتاج حينذاك.

وعن <الافيشات> والرقابة، يذكر صاحب <هذا المساء> ان عين الاخيرة كانت ساهرة دوماً، وكان تشدّدها يختلف بحسب الحقبة وما يمرّ فيها تبعاً للسياق الاجتماعي والسياسي. ويذكر أبو جودة في هذا الصدد الاشكال الذي حصل على <افيش> فيلم <أبي فوق الشجرة> من بطولة <العندليب الاسمر> عبد الحليم حافظ وناديا لطفي وميرفت امين، والذي أثار اعتراض الازهر الشريف يومئذٍ باعتباره يحمل نوعاً من الإثارة..

 القُبَل، العري، الايحاءات الجنسية لم تكن مسموحة دوماً في <الافيشات>، كذلك فإن ملصقات عديدة جمعها ابو جودة في مرحلة السبعينات من لبنان ومصر وسوريا وتونس والعراق وغيرها من الدول العربية كانت مطلية بـ<البويا> او <الطين>، او <مفرغة> من احدى الشخصيات المشاركة في الفيلم، كما حدث ان اكثر من <افيش> كان يسوق للفيلم الواحد في مختلف الدول العربية بحسب ما يتقبّله البلد وعاداته، في حين لم يحدث ذلك مرة واحدة في لبنان إذ كان <الافيش> عينه يُوزّع على كل المناطق اللبنانية.

والى جانب ملصقات الافلام العربية، ومنها البوليسية والجنسية و<التجارية> والغنائية والعاطفية والبدوية، وأفلام اخرى بينها ما تعرّض للمنع او التقطيع، لا تغيب <افيشات> افلام اجنبية شكّلت لحظات نجاح لا توصف لدى عرضها كمثل <هروب حر> للنجم الفرنسي <جان بول بلموندو> و<جواز سفر للنسيان> للنجم الانكليزي <ديفيد نيفين>.

صورة-1-افيشات--4بيروت ودورها..

ثلاثية مهمة جعلت كتاب <هذا المساء..> يُبصر النور حتى يقدّم لنا الكاتب <عُصارة كل النتاج السينمائي المتعلق بلبنان>: اولاً، تشكيل <الافيش> صناعة مهمة وفناً شعبياً له لغته الخاصة، ثانياً تشكيله ذاكرة سينمائية لحقبة طويلة لمسار تاريخي واجتماعي في وثائق سمعية بصرية، وأخيراً مساهمته في إبراز الوجه الاجتماعي اللبناني والعربي لما عاشته بيروت وسائر العواصم والمدن العربية. ولا ينسى معاصرو الجيل السابق كيف كانت بيروت في أواخر الخمسينات وبداية الستينات مركزاً تجارياً مهماً ومركزاً اقليمياً لتوزيع الافلام العالمية حيث كانت تُوزع منها الافلام الى الشرق الادنى وايران وتركيا وصولاً الى باكستان وافغانستان، كما تولى اللبنانيون توزيع الافلام المصرية في المشرق العربي واوروبا واميركا، وقد تحول الكثير من الموزعين اللبنانيين في العالم العربي الى منتجين.

ولبيروت واستديوهاتها وافلامها انتاجا وعرضا الموقع المتقدم في كتاب <هذا المساء>.. فذاكرة المدينة موجودة فيه، ويقول ابو جودة ان ثمة افلام صورت في لبنان ولم تُعرض لسبب او لآخر، وهناك افلام صُوّر جزء منها في بيروت وتوقف تصويرها ويمكن إيجاد صور فوتوغرافية عنها، ومن الاهمية بمكان البحث عن بكرات هذه الأفلام اذ ان فيها اماكن لبيروت لم تعد موجودة، وعلى الطلاب والباحثين اتمام هذه المهمة لانها تشكّل ارشيفاً ثقافياً للبلد. ارشيف لا يزال <فوضوياً> وغير واضح للسينما الى حدّ كبير، ليس في لبنان وحده بل في مختلف الدول العربية التي زارها ابو جودة، فقد وجد مثلاً افلاماً لبنانية في تونس ولم يجدها في بيروت، وأفلاماً مصرية في لبنان غير موجودة في مصر، وهذا يعود برأيه الى رواج الفيلم في هذه الدول دون غيرها.

 الى صور الملصقات الـ252 الموجودة في الكتاب والتعليق عليها، يضم الكتاب 740 صورة، 110 صورة على كرتون، 40 دليلاً اعلانياً، 60 مقالاً تناول الافلام لدى عرضها مع 34 اعلاناً صحافياً و230 فيلماً، مع نبذة في المقدمة عن تاريخ السينما اللبنانية.

 الاهتمام الرسمي بمجموعة أبو جودة غائب، وهو لم يتلقَ في هذا الصدد اي اشارة تبشّر بإمكان جمعها وعرضها في مكان رسمي يحضنها، خاصة ان بين المجموعة ما هو نادر وفريد. اما مبيع الكتاب فانه يتوزّع ما بين الجيلين، القديم الذي يتذكر ما عاشه في تلك الحقبة فيضج به الحنين لأيام خلت، وجيل جديد يريد التعرف الى ابداعات الذين سلفوا في هذا المجال منذ العام 1921 تاريخ المحاولة السينمائية الاولى في لبنان، محاولة <مغامرات الياس مبروك> الفيلم الصامت الذي تمّ تنفيذه على يد المخرج الايطالي <جوردانو بيدوتي>..