بقلم طوني بشارة

إنجاز شكل حتى تاريخه احد اوجه المستحيل (فنادق - مطاعم - منشآت عائلية - استراحات...) جميعها في وسط المياه حيث يتمتع الزائر بمختلف قواعد الامان والاستقرار.

إنجاز شكل ثورة في الهندسة البحرية، اذ حطم كل القواعد القديمة المعتمدة منذ الحقبة الفينيقية حتى يومنا هذا، مما يجعل المتتبع للأحداث يؤكد لا بل يجزم بأن عطاءات الانسان لا حدود لها بوجود الموهبة والارادة والامل، لا سيما عندما يمتزج الخيال بالعلم والمعرفة فيولد ابتكاراً جديداً، ابتكاراً يجعل لبنان يتهيأ لاستقبال جزيرة مساحتها 3600 متر مربع في عرض بحره، متوجاً نفسه سيداً على البحار.

للإطلاع على تفاصيل الجزيرة وجدواها الاقتصادية قابلت <الافكار> الدكتور عبد الله ضو مؤسس الهندسة المتطورة للجزيرة العائمة وكان السؤال المدخل:

ــ لقد مضى حتى تاريخه 17 سنة على الحوار الذي أجرته معك <الأفكار> في موضوع الجزيرة العائمة، وها نحن نحاورك بعد قرابة عقدين من الزمن، أين الجزيرة العائمة الآن؟

- الجزيرة العائمة موجودة في ثلاثة مشاغل يبلغ إجمالي مساحاتها حوالى 35000 متر مربع على امتداد مئة كيلومتر في لبنان. الأول في بيصور - قبرشمون قضاء عاليه حيث يتم تصنيع قطع الحديد المكونة لهيكل الجزيرة العائمة، والثاني في حارة صخر قضاء كسروان حيث يتم تصنيع يخوت <الفيبركلاس> الحاملة لمبنى الجزيرة وأيضاً ألواح الأرضيات والجدران لكامل المبنى.  والثالث في طرابلس الشمال حيث يتم تجميع هيكل المبنى في ميناء طرابلس. ويعمل في هذه المشاغل عدد يتجاوز 400 انسان من المهندسين والتقنيين المهرة، أكثر من 75 بالمئة منهم لبنانيون والباقي من الأخوة السوريين والعرب.

ــ هل دخلتم المراحل النهائية من أعمال البناء؟ ومتى نعد المواطن اللبناني برؤية الجزيرة العائمة بأم العين؟

- نحن اليوم في المرحلة النهائية من اعمال التصنيع، الأجزاء الأساسية من المبنى الغاطس تحت سطح المياه تم إنجازها بالكامل، وهي ماثلة للعيان في طرابلس وتشكل القاعدة الأساسية التي يقوم عليها المبنى، وهي الجزء الأهم من المبنى والتي تتمثل فيها المجموعة الأوسع من الخروقات العلمية غير المسبوقة التي يقوم عليها تصميم الجزيرة العائمة. هذا الهيكل الحديدي الذي تم إنجازه يشكل سابقة هندسية وإعجازاً صناعياً بكل المقاييس على مستوى العالم. وهذا رأي هيئة الملاحة الدولية اليونانية INSB التي تشرف على بناء الجزيرة العائمة، وباشرنا بتشييد الأجزاء العليا من مبنى الجزيرة العائمة، وكافة الأجزاء المكونة لهذا الجزء قد انتهى تصنيعها في مشاغل قبرشمون - بيصور ويجري نقلها إلى طرابلس تباعاً لتركيبها في المبنى، والعمل يجري على مدار الساعة.

ــ نفهم من سياق حديثك ان القاعدة الأساسية التي يتم بناؤها هي التي يقوم عليها مبنى الجزيرة العائمة؟ فكيف سيتم ذلك؟  وما هي مساحتها؟

- مساحتها 3600 متر مربع. أما كيف؟ فهي تحتوي على 112 خزاناً مثبتاً في هيكلها وتستقل استقلالاً تاماً الواحد عن الآخر، نسميها في المصطلحات البحرية بلصات Ballast، وعندما يتم تفريغ هذه الخزانات من المياه لديها مجتمعة قوة رفع تتجاوز 8000 طن، يضاف اليها 24 يختاً من <الفيبرغلاس> تثبت في الجزء العلوي فوق هذه القاعدة، ولهذه اليخوت مجتمعة قدرة رفع تزيد عن 5000 طن فيكون مجموع قدرة الرفع للجزء الغاطس من مبنى الجزيرة العائمة ما يتجاوز 13000 طن في حين أن الوزن الإجمالي لمبنى هذه الجزيرة العائمة يقارب 6400 طن.

يخوت <الفيبرغلاس>

ـأثناء زيارتنا لورشة عملكم في حارة صخر شاهدنا منشآت ضخمة بالغة التعقيد لتصنيع يخوت <الفيبرغلاس>، ولولا المشاهدة بالعين يصعب التصديق أن عملاً عملاقاً بهذا الحجم يجري تنفيذه الآن في بلاد العرب، فكيف أنجزتم هذه المنشأت؟

- ما شاهدتموه هو معدات لتصنيع يخوت من <الفيبرغلاس>، ويبلغ طول اليخت الواحد 34 متراً، أما حجم منظومة معدات التصنيع التي تعمل مجتمعة بالتناغم لتصنيع اليخوت، فيبلغ في هذه المنظومة مجتمعة ما يقارب 7000 متر مكعب. وهي جميعها تشكل آلة واحدة لتصنيع اليخوت بواسطة ضخ الرزين بقوة الضغط الجوي. وقد نفذنا ضخ 8200 كلغ من الرزين في مدة 70 دقيقة، وتجدر الإشارة أن الرقم المرشح للسجل العالمي <غينيس> Guiness Record لم يتجاوز 6150 كلغ في مدة 150 دقيقة. أما اليخت الذي يتم تصنيعه، فهو ايضاً إنجاز هندسي صناعي، لأننا نتفرد لوحدنا في العالم بإنتاج يخت <فيبرغلاس> يخرج من القالب ويكون فيه بدن اليخت وأضلاع التقوية الداخلية متلاحمة في صبة واحدة، ما يمنحه قوة وجمالاً معمارياً لا يضاهيه شيء في العالم الآن، وهذا المنتج ماثل للعيان وقد شاهدتموه في ورشة حارة صخر. ثم أن هذه الآلة، أي مجموعة معدات إنتاج اليخوت، هي من تصميمنا وتصنيعنا بكامل أجزائها وتفاصيلها، وهي ايضاً إختراع جديد في صناعة اليخوت.

أنابيب حديد بمواصفات أوروبية

ــ ماذا عن الهيكل الحديدي، ونوعية الحديد وأنواع مواد التلحيم، وقد علمنا أنها أيضاً مواد لم يسبق إستعمالها في العالم العربي؟

- نعم، فإن أنابيب الحديد التي أنشأنا منها مبنى الجزيرة العائمة، وهي مصنعة طبقاً للمواصفات القياسية الأوروبية رقم (EN.10225) وهذه المواصفة تم إقرارها في الإتحاد الأوروبي في 9 تموز 2009، ونحن فتحنا إعتماد شرائها يوم 16 تموز/ يوليو 2009، وكانت البضاعة التي أحضرناها إلى لبنان من إيطاليا هي أول كمية تنتج طبقاً لهذه المواصفة، وقد عانينا كثيراً لنتمكن من توريدها إلى لبنان، حيث أمضينا أشهراً بالتفاوض مع المصنع المنتج بإنتظار إقرار المواصفة، ونحن نحاول إقناعهم أن هذه البضاعة سوف تستعمل في مشروعنا في لبنان، وكانوا لا يصدقون أن لبنان يمكن أن تقوم فيه صناعة بهذا المستوى، حيث أن السياسيين اللبنانيين والإعلام اللبناني أوصل سمعة لبنان في الأوساط الأوروبية إلى المستوى المنحط الذي تمارس فيه السياسة في لبنان.

ــ ألا تبالغ في هذا الوصف للسياسة اللبنانية وأثرها على سمعة لبنان في الخارج؟

- أبالغ؟ لا، ربما أنني أتحفظ عن استعمال الوصف الحقيقي لانخفاض القيم السياسية في لبنان. إذا أردت التوسع فإنني أستطيع أن أضع بتصرفك مراسلاتنا مع  الكثير من الشركات ، ولعل حجم  ميزانية أصغرها يفوق  حجم ميزانية الدولة اللبنانية، وبعضها يتجاوزها بعشرة أضعاف، وإذا رغبت بإمكانك أن تنشر مراسلاتنا مع شركة <EVAC> الفنلندية وجوابنا لهم لترى الحضيض الذي أوصلنا اليه السياسيون اللبنانيون.

أخطاء السياسيين

ـ هل تعتقد أن السياسيين فقط هم من أوصلوا لبنان إلى هذا الانحطاط؟

- لا، فالسياسيون هم الواجهة، وللأسف، لا همّ لهم إلا السلطة، والصراع على السلطة، ويندر أن تجد بينهم من يفهم أن السياسة هي فن القيادة والريادة، وفي أزمنة التخلف كما هو حالنا الآن، فإن الريادة يجب أن تتقدم على القيادة، ومن أين لهم ذلك؟ أما المشكلة الحقيقية فهي اللبنانيون، لقد اعتادوا على توريث أبنائهم الخيلاء المنافقة والذل الحقيقي، وكما تكونون يولى عليكم، اليست هذه هي الديمقراطية العددية؟ وهي ما ابتلي به لبنان، وبالطبع تعلم أن ديمقراطية <ديمقريطس> هي أبعد من ذلك بكثير.

ــ لنتابع في الجزيرة العائمة. متى تتوقع إنزال الجزيرة إلى المياه؟

- نسعى لإنزالها إلى البحر في مطلع الربيع المقبل. وأقول <نسعى> لأننا في العالم العربي، الذي خرج من التاريخ، أملين أن يعود.

ــ ما هي وجهة إستعمال هذه الجزيرة العائمة؟

- منتجع سياحي عائم ومتنقل. يحتوي على 132 غرفة فندقية، 72 تحت سطح البحر ولها نوافذ تطل على قعر البحر، إضافة الى مطاعم متعددة، وحدائق خضراء، وأندية ليلية، ومسبح في مياه البحر الجارية، و<جيمنازيوم>، ونادٍ صحي، ومهبط هليوكوبتر، وساحات للإستجمام بالشمس، وللجزيرة شواطىء بطول 240 متراً يمكنك النزول منها إلى البحر.

ــ ما هي الجدوى الإقتصادية لهذا المنتجع السياحي العائم؟

- أظهرت الدراسات الإقتصادية المحافظة أن معدل العائد الداخلي للإستثمار لا تقل عن 30 بالمئة.

ــ أين سيكون موقع عمل هذا المنتجع العائم؟

- في أي مكان يوجد فيه البحر. فإن محركاته قادرة على إيصاله إلى أي شاطىء من شواطىء المتوسط أو البحر الأحمر أو الخليج العربي. وهنا تجدر الإشارة الى ان استثمار الجزيرة العائمة لا يخضع للظروف الأمنية لبلد الاستثمار، ولا ينطبق عليه التصنيف الإستثماري للدولة، فالجزيرة العائمة على قول الشاعر: <إذا ضــــاقت بهـــــا أرجاء أرض/ يطيب بغيرها لهم المقام>. فالمستثمر بأمان وبمنأى عن مؤثرات الإضطرابات الأمنية والإقتصادية للدول، وهي والحمد لله، مبحبحة هذه الأيام.

ــ ماذا بعد هذه الجزيرة العائمة؟

- إلى صناعة الجزر العائمة في لبنان. نعمل بجد وصمت لإنشاء صناعة بحرية مبنية على أسس الهندسة المتطورة للجزيرة العائمة، وهي الهندسة التي تشكل خرقاً علمياً لكافة قوانين الهندسة البحرية. وكما تعلم هذه الهندسة إنجاز لبناني في الصميم، وهي أوسع خرق علمي للهندسة البحرية منذ زمن الفينيقيين. وبالتالي، فإن هذه الصناعة تكون منعدمة المنافسة لسنوات طويلة بعد نشوئها، فهي قادرة على الحياة، أضف إلى أن الصناعات العالمية العملاقة، وذكرنا سابقاً بعضاً منها، جميعها راغبة ومتحمسة لقيام هذه الصناعة في لبنان، فنحن لا ننافسهم، بل نخلق لهم أسواقاً جديدة لم يكونوا يتوقعونها، وهذا الكلام سمعناه من كبار المصانع في العالم، وجميع الذين ذكرناهم من هذه المصانع العملاقة باعونا موادهم بسعر الكلفة بإصرار منهم ان تكون موادهم في المشروع لإستشرافهم حجم هذا السوق الذي أوجدناه لهم، وهذا هو بالضبط ما نسميه بإقتصاد المعرفة، الذي لا قيامة لبلد مثل لبنان إلا على أسس إقتصاد المعرفة، ونحن في الجزيرة العائمة نشكل أحد أهم وأكبر مكونات إقتصاد المعرفة في لبنان.

مع طلال بن علي الشاعر

ــ ما سبب تفاؤلك في ظل الحالة السياسية السيئة في لبنان كما ذكرت؟

- تفاؤل، الكلمة غلط، أنا لا أبني خططي على التفاؤل والتشاؤم، ولا على ضرب المندل، إنها المسؤولية، مسؤولية بناء الأوطان. فلا تبنى الأوطان إلا على تضحيات أبنائها وتعبهم وعرق جبينهم، هذا أولاً، وثانياً فإنني أضع ثقتي الكاملة بالجيش اللبناني، وحده الجيش اللبناني يتوجب الركون إلى قيمه ومناقبيته وأصالة رجاله ونسائه. ويخطىء إلى حدود الجريمة من يتعامل مع جيش وطنه وكأنه ذراع قوة لفئة دون أخرى. إن في ذلك هلاكاً للوطن. ألم يتعظ اللبنانيون من تجربة 1976؟ كفى.

البلاد لأهل الخير

ــ والقــــــــــوى السياسيـــــــــة والأحــــزاب والمتلبسون طوائفهم؟

- جميعهم الحكم عليهم واحد: لو عرفوا الله ما عبدوه ولو عرفوا إبليس ما لعنوه.

ــ هذا كلام خطير، ماذا تقصد؟

- أقصد أنهم لو عرفوا ابليس على حقيقته لأدركوا أن ما يفعلونه بأبنائهم ووطنهم هو ما يريده ابليس بالضبط. ولو عرفوا أن الله يمقت ما يفعلون، وانه معاقبهم على ما فعلوه ويفعلونه بنار جهنم لادركوا انهم يكفرون جميعاً بما أوصاهم به الله. وكفى نفاقاً. ثم، كن على يقين أن البلاد لأهل الخير، ولم تقع البلاد بين أيدي اهل السوء إلا عندما تجابن اهل الخير عن الوقوف للحق والدفاع عنه. ولو خليت خربت.

ــ في تشرين الثاني 2014 حاضرت في جامعة <UNAM> في (مكسيكو سيتي) وهي أعلى مرجع هندسي في المكسيك وكنت ضيف الشرف على احتفالات السفارة اللبنانية في المكسيك بعيد الاستقلال، ثم كرموك في نيويورك في أيار/ مايو 2015 بالدرع الذهبية للإبداع والتميز في الصناعة العالمية. ماذا كان شعورك وانت تعبر الأطلسي؟

- في الثمانينات عندما كان لبنان يحترق بأيدي أبنائه، حصلت على فيزا الى الولايات المتحدة لخمس سنوات ولم أذهب، وكان لي الحق بالجنسية الأرجنتينية، ولم أتقدم بطلب، وتجاوزت الستين ولم أعبر الأطلسي. عندما عبرت الأطلسي مرتين لأتكرم في القارة الأميركية، تيقنت من صدق ما يقوله أجدادنا: <الحجر مطرحه قنطار>. لو تمسك اللبنانيون بوطنهم على أرضه، لكانت بيروت أجمل من نيويورك، ولما فضل وليد بك مهنة الزبال في نيويورك على الزعامة في لبنان ومعه حق. لقد اَن لشبابنا أن يتعظ. عيب أن نبقى جاهلين لتجارب التاريخ ونبقى مستعدين ومتأهبين لحمل حقيبة السفر والهروب والهجرة .  تريد وطنك؟ احمله بقلبك وليس بحقيبة الهجرة.

ــ إلى من تتوجه بالتكريم على ما وصلت إليه؟

- إلى خمسة: أولهم والدي رحمه الله، ثم إلى ابني سومر وابنتي سوار وزوجتي نوال، ثم إلى أخي الدكتور طلال بن علي الشاعر في جدة، ثم إلى الجيش اللبناني قيادة وضباطاً ورتباء وأفراداً، ثم إلى كل شابة وشاب قدما لي كأس مياه وأنا عطشان عبر هذه الجلجلة الطويلة.