تفاصيل الخبر

سعد الحريري مالئ الدنيا وشاغل الناس بانتظار أن يتكلم!

23/11/2017
سعد الحريري مالئ الدنيا وشاغل الناس بانتظار أن يتكلم!

سعد الحريري مالئ الدنيا وشاغل الناس بانتظار أن يتكلم!

 

بقلم وليد عوض

ماكرون-الحريري-عشاء

يحرص السفير الفرنسي في لبنان <برونو فوشيه> على اقتناء أكبر قدر من الكتب المتعلقة بلبنان، حضارة وتاريخاً، ولاسيما تلك ذات الصلة بالعلاقات الفرنسية ــ اللبنانية. ومن بين هذه المقتنيات قصائد <ألفونس دو لا مارتين> الشاعر الفرنسي الذي نظم القصائد من بلدة <حمانا> الواقعة في أحضان منطقة المتن الجنوبي، عندما أقام ردحاً من الزمن في دارة آل مزهر المطلة على الوادي السحيق. كذلك وجه عنايته الى الصحافة الفرنسية في لبنان مثل جريدة <لوجور>. والسفير <بوشيه> بذلك يسد فراغاً في مكتبته الفرنسية وتاريخ قصر الصنوبر الذي انطلقت منه أعمال ولادة دولة لبنان الكبير على يد البطريرك الياس الحويك والمندوب السامي الفرنسي <هنري غورو> الذي حكم لبنان من قصر الصنوبر من عام 1920 الى العام 1933 حيث تسلم المقاليد من بعده <هنري دو جوفينيل>.

مع ولادة لبنان الكبير انتشرت الأغنية الشعبية: <فرنسا أم الدنيا عموم، اعتزوا يا لبنانية>. كان <غورو> ليناً مع أصدقائه اللبنانيين مثل حبيب باشا السعد واميل اده والنائب ميشال شيحا الذي شارك في صياغة الدستور اللبناني، والمفتي مصطفى نجا، والمحامي بترو طراد الذي أصبح فيما بعد رئيساً للدولة ومثله الدكتور أيوب ثابت والشيخ بشارة الخوري.

وبقدر ما جمع الجنرال <هنري غورو> أصدقاء في قصر الصنوبر، بقدر ما ترك أثراً سيئاً عند المسلمين عام 1932 عندما حرم الدولة من خصوصية الدولة الديموقراطية، عندما وضع عصاه في وجه مشروع تقدم به إليه المحامي اميل اده بترشيح رئيس مجلس النواب الشيخ محمد الجسر رئيساً للدولة بأكثرية أصوات برلمانية، وظل <غورو> يماطل في إعطاء رأيه، حتى كان الرفض هو النتيجة، واعتبر اميل اده هذا الرفض أول تفكك في علاقته مع فرنسا.

والثغرة الثانية التي فتحها الجنرال <غورو> مع فرنسا كانت بإعراض مفتي طرابلس عبد الحميد كرامي الواسع الشعبية في طرابلس، عن مسايرة تيار اميل اده والتمسك باسم <طرابلس الشام> وبهذه العبارة كان يوقع رسائله الى دمشق ومكة المكرمة معقل الشريف حسين.

وهنا كان على أصدقاء عبد الحميد كرامي الغيارى على طرابلس أن يدلوا بدلوهم ويحاولوا اقناع المفتي العريض الشعبية بأن يلبي نداء الجنرال <غورو> ويذهب الى قصر الصنوبر للمشاركة في الاحتفال التاريخي الذي يفتح عهداً جديداً للبنان، وبين الأصدقاء الضاغطين لصالح هذا الاحتفال كان هناك رجالات صنعوا مجد سوريا، مثل لطفي الحفار الذي منح يد ابنته الأديبة سلمى الحفار لمحمد كرامي شقيق عبد الحميد ووجه العائلة الناضر، إضافة الى ضغط رجالات تاريخيين مثل شكري القوتلي وصبري العسلي وفارس الخوري الذي اختير بعد ذلك رئيساً لوفد سوريا الى الاحتفال بتوليد هيئة الأمم في مدينة <سان فرانسيسكو> وقد بذل القادة السوريون جهداً مضيئاً حتى عاد عبد الحميد الى الصف اللبناني.

وكان الحدث الثاني بعد ذلك بتاريخ 23 أيار (مايو) 1926 حيث خرج الى النور أول دستور للبنان وكان لقادة فاعلين مثل ميشال شيحا ونائب عكار عبود عبد الرزاق، وسليم سلام وجيه بيروت، دورهم في صنع الدستور. ومن المفارقات ان قسماً من الشاغلين للنص الدستوري اقترح أن يكون لبنان موصولاً بفرنسا ضمن إمارة تابعة لفرنسا، ولكن وقائع غالبية الذين حاكوا وقائع الدستور وضعوا لبنان فوق كل اعتبار.

حركة جبران باسيل

وهذا الدستور انجاز لبناني تاريخي توازى معه حلف غير مكتوب بين أول رئيس جمهوية رسمي الشيخ بشارة الخوري وأول رئيس وزارة رياض الصلح، وهو الميثاق الوطني الذي كان أول ظاهرة تكريس لسياسة النأي بالنفس، أي إبقاء لبنان خارج الأحلاف، وبعيداً عن الارتباط بسياسة الدول الكبرى، وإن كانت المصالح أحياناً قد قضت بمسايرة فرنسا أو الولايات المتحدة أو انكلترا فذلك أمر فرضته المصالح التي هي الوجه الآخر للسياسة.

ولا بد من تسجيل مواقف وزير الخارجية جبران باسيل وهو يتنقل بين العواصم الأوروبية باريس وبروكسيل ولندن وفيينا وموسكو وبرلين، ويشرح أبعاد استقالة الحريري التي تحولت الى قضية وطنية، ولئن كانت المملكة السعودية قد احتضنت الرئيس الحريري كرئيس وزارة لم يقدم استقالته، فذلك لأنها كانت تتمسك بأدبياتها القانونية، وعلى أساسها تمارس سياستها مع العالم. كما ان الوزير جبران باسيل قالها بصراحة خلال مؤتمره الصحفي في موسكو، وهو أن هناك مؤامرة مشبوهة لا يغيب عنها العقل الارهابي العام لزلزلة الوضع في الشرق الأوسط بدءاً من لبنان، وإضعاف القوى التي تساند لبنان في هذه المرحلة.

وقد لوحظ ان الوزير جبران باسيل قد اصطحب وفداً متناغماً مع روسيا، بدءاً من نائب جزين أمل أبو زيد رئيس لجنة الصداقة اللبنانية ــ الروسية، والسفير غادي خوري وشوقي بونصار مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية، وهكذا يكون الوزير باسيل قد اعتمد عمل الفريق. وقد اختار موسكو ظهر الجمعة الماضي ليشرح رحلته من الألف الى الياء، محاذراً الاصطدام بوتر العلاقة اللبنانية ــ السعودية وعينه دائماً على جالية لبنانية يتجاوز عدد أفرادها المئتي ألف نسمة.

والخاسر الأكبر في جولة الوزير باسيل هو إيران التي اجتمعت كل القرائن لتتهمها بالتدخل في شؤون الآخرين. ولا بد أن تتأزم العلاقات السعودية ــ الإيرانية مع تطور الأزمة اللبنانية، وتمدد حزب الله. فلهذا الوطن لبنان نسيج وحده في التعاطي السياسي بحكم حاضره التعددي وانتشار الملايين من أبنائه في أنحاء العالم، ولاسيما البرازيل وباقي دول أميركا اللاتينية وفرنسا وبريطانيا اللتين تضمان العديد من الصحافيين والمراسلين اللبنانيين.

فرنسا تجد المخرج

الرؤساء-الثلاثة

ونحن الآن مع عودة الرئيس الحريري دون الدخول في التفاصيل. فالبلد كله سعيد بعودة ابنه الى المحراب. وهو إذا أراد أن يفصح عن أسباب استقالته التي كانت الحدث المفاجئ يبقى حراً في كشف الملابسات، والإضاءة على خفايا الاستقالة. وكذلك هو حر في التكتم على هذه الأسباب، ولكن في الحالتين لا يستطيع المواطن اللبناني أن يمر على مرحلة الاستقالة مرور الكرام، بل يريد أن يعرف كيف ولماذا وما هي الخفايا في هذه الاستقالة. خصوصاً وأن وزير الخارجية جبران باسيل أعلن خلال مؤتمر صحافي في موسكو ان هناك أقلية من اللبنانيين ترحب بهذه الاستقالة تناغماً مع مؤامرة تستهدف استقرار لبنان وعلاقاته العربية.

في كل الأحوال يبقى الرباط العربي لسعد الحريري هو المعوّل عليه في هذه المرحلة، ولاسيما علاقاته بالمملكة العربية السعودية التي أعدت له مع الرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون> المخرج المناسب لاستقالته وعودته الى لبنان ضمن الاعتبارات الدستورية، وهذه العودة تتطلب أن يقدم استقالته رسمياً الى رئيس الجمهورية وانتظار الاستشارات التي يجريها الرئيس عون مع النواب. وأغلب الظن ان غالبية النواب ستطالب رئاسة الحكومة لسعد الحريري مرة أخرى. وبهذه الوسيلة تكون الاستقالة مرفوضة شكلاً وموضوعاً، والإصرار على الاستقالة يبقى شأن الحريري نفسه.

فمن هو البديل إذا لم يكن الحريري هو البديل؟!

هنا يغلب مطلب حكومة التكنوقراط على أساس ان رئيسها والأعضاء لا يخوضون الانتخابات النيابية في أيار (مايو) المقبل. ومن يدخل هذه الحكومة غير السياسية يعفي نفسه من الترشح للانتخابات، وهو يريح الساحة السياسية من الآن وحتى موعد الانتخابات. ونتائج هذه الانتخابات خصوصاً إذا جرت على قاعدة النسبية ستقرر طبيعة الشخصية التي ستؤلف الحكومة الجديدة. ومن المرشحين لهذه المهمة الوزير السابق الدكتور بهيج طبارة، ورئيس الهيئات الاقتصادية عدنان القصار، ورئيس مؤسسات الدكتور محمد خالد الدكتور وسيم الوزان.

ونعود من جديد الى قصر <الإليزيه> حيث أقام الرئيس <ماكرون> غداء تكريمياً في قصر <الإليزيه> للرئيس الحريري وعقيلته لارا وكبير الأنجال حسام. وثبت من هذا الاجراء البروتوكولي الذي أخذ مداه ظهر السبت الماضي ان المملكة السعودية استخدمت أعلى درجة بروتوكولية في التعامل مع استقالة الرئيس الحريري، فاحتفظت له بالشخصية الرسمية التي تسبق الاستقالة، وفتحت له من جديد الطريق الى لبنان ليتولى أسلوب التعامل مع الاستقالة. وبذلك حافظت على كرامة الرجل من جهة، وعلى الأصول البروتوكولية السعودية من جهة أخرى.

وحسناً كان مسار الاجراءات في التعامل مع الاستقالة، حتى يتاح للرئيس الحريري أن يرجئ تقديم استقالته بصورة رسمية، قبل موعد عيد الاستقلال يوم الأربعاء أمس الأول.

فقد كان غياب رئيس الوزراء عن احتفال الاستقلال في جادة شفيق الوزان لو حصل مدعاة للاستغراب والاهانة. فأي عرض للاستقلال سيكون بالرئيسين ميشال عون ونبيه بري، ووحدهما كرمزين للدولة؟ وأي وحدة وطنية شارك سعد الحريري في تأسيسها، إذا غاب هو شخصياً عن عيد الاستقلال؟

كانت الترتيبات البروتوكولية من الرياض الى بيروت دعماً آخر للوحدة الوطنية، والمسار الديموقراطي في لبنان، وما الجرائد الفرنسية التي صدرت في باريس صباح السبت الماضي إلا دليلاً على ان العالم يمر من لبنان، وان لبنان ما زال يتغنى بالترتيلة اللبنانية: <فرنسا أم الدنيا عموم اعتزوا يا لبنانية>.

ولبنان، لا غيره، هو بلد الاعتزاز. أمس واليوم وغداً!