تفاصيل الخبر

سـعـــــــد الــحــريــــــــري فــــــي مــهــــــــب اعــصــاريــــــــن: داخــلـــــــــــــي وخــارجــــــــــــي!

01/11/2018
سـعـــــــد الــحــريــــــــري فــــــي مــهــــــــب اعــصــاريــــــــن: داخــلـــــــــــــي وخــارجــــــــــــي!

سـعـــــــد الــحــريــــــــري فــــــي مــهــــــــب اعــصــاريــــــــن: داخــلـــــــــــــي وخــارجــــــــــــي!

بقلم وليد عوض

<نابوليون بونابارت> قال في تعقب الجريمة: <فتش عن المرأة>. وفي أزمة الشرق الأوسط، وصولاً الى سوريا، نقول: <فتشوا عن ميخائيل بوغدانوف> نائب وزير الخارجية الروسي لقضايا الشرق الأوسط، بحيث لا يملك الرقباء إلا أن يقولوا: ونعم القول ما قاله <بوغدانوف>!

لماذا <بوغدانوف>؟

لأنه كان سفير الاتحاد السوفييتي في اليمن الجنوبية من عام 1974 الى عام 1977، والمبعوث الروسي الخاص في لبنان من عام 1977 الى عام 1980 والمبعوث الروسي الخاص في سوريا مرة من عام 1983 الى عام 1989، ومرة ثانية من عام 1991 الى عام 1994، ثم المبعوث الروسي الخاص في اسرائيل من عام 1994 الى عام 2000. إضافة الى تمثيله روسيا في الجامعة العربية بين عام 2005 وعام 2011.

إذن هو ديبلوماسي روسي يملك مفاتيح الأسرار في منطقة الشرق الأوسط.

و<بوغدانوف> هو الديبلوماسي الذي يحمل تحت إبطه ملف الشرق الأوسط، ويدلي فيه بالرأي الخاص بالصحافي السعودي جمال الخاشقجي والعلاقات التركية ــ السعودية، ومأزق سوريا في محافظة إدلب القريبة من حلب، و... لبنان، بحيث إذا اجتمع مجلس الوزراء الروسي في قصر <الكرملين> برئاسة <فلاديمير بوتين> كان على <بوغدانوف> أن يأخذ الكلام ويقول: <هذا ما يمكن التعامل معه في لبنان>.

وأدرى رجال السياسة اللبنانيين بالدور الروسي هو الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط صاحب الموقع الاليكتروني الذي يقول منه كل ما لا يذكره في الصحف والمجلات، فهو يرى ان روسيا الآن هي مربط الفرس في سوريا، وحاملة المفاتيح في الأزمة اللبنانية مع تعاونها الكامل مع مصر التي زارها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الأسبوع الماضي، على رأس وفد وزاري، ويعتمد على السفير الروسي <الكسندر زاسبكين> في شرح ما التبس في لبنان على النظام الروسي، بدءاً من وزير الخارجية <سيرغي لافروف>.

ولا تستهينوا بالسفير <زاسبكين> فقد انسجم مع الجو السياسي اللبناني الى حد فاق كل تصور. وهو يتقن اللغة العربية ربما أفضل من بعض سفراء الدول العربية، وكثيراً ما يتم اتصال بينه وبين وليد جنبلاط حتى تكون موسكو أقرب الى بيروت... سياسياً!

وما من شك بأن السفير <زاسبكين> صار جزءاً من اللعبة السياسية اللبنانية ومرجعاً عند حل كل مأزق. ويمكن اعتباره نسخة منقحة من السفير المصري الراحل اللواء عبد الحميد غالب الذي كان يملك كلمة عبد الناصر، وكان الرئيس صائب سلام يلجأ إليه في الملمات. ونحن الآن أمام مأزق التشكيلة الحكومية، ويدير المأزق قائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الذي يطالب بحقيبة وزارة العدل ليس لأن العدل أساس الملك فحسب، بل لأن المشرف على الورشة القضائية يستطيع الاطلالة الدقيقة على كل ما يتعلق بالقضاء، وبتوزيع المناصب القضائية.

 

نعوم فرح على الخط

 

والدكتور جعجع في لهفته على وزارة العدل يختار المملكة العربية السعودية سنداً ورفيقاً، وفي رأي الرئيس ميشال عون ان امساك القوات اللبنانية بمفاتيح وزارة العدل يهيئ مواجهة رئيس مجلس ادارة تلفزيون <أل بي سي> في الدعوى التي أقامها حزب القوات على الشيخ بيار الضاهر وتسريح كل الاعتبارات التي تعطل استرجاع القوات اللبنانية لتلفزيون <ال بي سي>، مع ظهور نائب رئيس القوات المحامي جورج عدوان على شاشة التلفزيون من قصر العدل ورهانه على استرجاع القوات اللبنانية لشركة <ال بي سي>، وظهور محامي <ال بي سي> نعوم فرح على الهواء مع ابداء القناعة بأن ملكية تلفزيون <ال بي سي> ستعود الى الشيخ بيار الضاهر ومن عنده من شركاء خليجيين.

ولا يجد محامي الـ<أل بي سي> نعوم فرح غير طلب رد الدعوى لانتفاء الصفة والمصلحة، ومرور الزمن وابطال التعقبات، وفتح المحاكمة لقبول الدفع بالمسألة الافتراضية وتعيين لجنة خبراء من الشركات العالمية المتخصصة في المحاسبة وإلزام الجهات المدعية إبراز البيانات المالية العائدة الى حزب القوات.

أي ان القوات اللبنانية تخوض المعركة على محورين: الأول محاولة استرجاع تلفزيون <ال بي سي>، والثاني محاولة استرجاع الضرورة التي تقتضي بأن تكون القوات في جهاز الحكم، لا في محور المعارضة الذي تدفعها إليها مصادر الرئيس عون والوزير جبران باسيل. ولذلك قبلت المشاركة وارتضت الحصول على أربعة وزراء هم غسان حاصباني وكميل شاكر أبو سليمان ومي شدياق وريشار قيومجيان.

وتهدد القوات اللبنانية في حين تجاهل حضورها في الجسم الحكومي بتكوين جبهة معارضة على غرار الجبهة اللبنانية التي كانت تجتمع في جونية زمان السبعينات بحضور الرئيسين سليمان فرنجية وكميل شمعون والدكتور فؤاد افرام البستاني. ويمكن تكوين هذه الجبهة الجديدة إذا جرت الرياح بما لا تشتهي سفنها، من القوات اللبنانية و<المردة> في الشمال، وحزب الكتائب، والحزب الاشتراكي الذي يرئسه وليد جنبلاط إذا لم تأت التشكيلة الحكومية على ما يشتهي ويريد. ومن شأن هذه الأطراف الثلاثة أن تصب الزيت على النار إذا تلاقت أصابعها، وكانت لها بيانات بطلب واحد، كما كانت الحال زمان الجبهة اللبنانية.

 

الحل عند الرئيس

 

والرئيس ميشال عون يدرك كل هذه الملابسات، ويدرك ان البلد في الوقت الحاضر لا يحتمل وجود معارضة قوية، لأن العاصفة الاقتصادية إذا إشتد أوراها وادت بالمتاجر الى الإفلاس، وبالشباب الباحث عن العمل الى الهجرة، سيؤدي ذلك الى أن يكون عهده عهد انهيار اقتصادي وهجرة صوب الخليج واستراليا وكندا. ولذلك فهو يرى قيام حكومة بالتي هي أحسن، أي أن تكون حكومة وحدة وطنية كل مرادها الحصول على المليارات من الدولارات التي وعد بها مؤتمر <سيدر> الباريسي، لتكوين المنطلق الاقتصادي المطلوب ويغيب البذخ لصالح موازنة قابلة للحياة لا للتأجيل كما هو حاصل بالنسبة لمجرى الأحداث اليوم.

وفي ظن الرئيس عون ان كل ما ينتاب البلاد هو عاصفة في فنجان، وأن عقل الرحمن لا بد وأن يتحكم بالقادة والزعماء، ويهديهم الى سواء السبيل.

وتأتي رحلة الرئيس الحريري الى السعودية لتعزيز إمساكه بالورقة الخليجية، وتفويت الفرصة على رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي يوهم الناس بأن المملكة العربية السعودية ضد كل حكومة لا تضم القوات اللبنانية.

وما المكاسب التي حصل عليها الرئيس سعد الحريري من زيارته للسعودية ولقائه الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان إلا مقدمة للملمة شمل الوضع اللبناني، وحصول كل فريق على حصة في السلطة.

وقد قال الرئيس الحريري وهو يجالس ولي العهد السعودي في منتدى الاستثمار العربي:

<لن يتمكن لبنان من مواجهة التحديات من دون اصلاحات، ولا بد من ضرورة تغيير نمط العمل في لبنان للنهوض به وتعزيز الاستثمار ورفع مستوى النمو وخلق فرص عمل جديدة>.

وجديد الرئيس الحريري هذه المرة هو العنصر النسائي. فالبلد يحتاج الى أمهات يعرفن من أين تؤكل الكتف، ومن أين يكون مصب القرارات الاستثمارية، وفي هذا الباب تبقى عينه على توزير وتوظيف اختصاصيات مثل السيدة مليحة موسى الصدر ومي شدياق وميراي عون الهاشم، وغيرهن من السيدات الموهوبات القادرات على جعل الحصان يسوق العربة لا بالعكس.

وقد رسم الرئيس الحريري خطاً أحمر في عملية تشكيل الحكومة بحيث أعلن صرف النظر عن توزير أي واحد من النواب السنة وهم فيصل كرامي، وعبد الرحيم مراد، وجهاد الصمد، وقاسم هاشم، وعدنان طرابلسي، ووليد سكرية، وحجة سعد الحريري في هذا الموقف هي عدم تقسيم النواب السنة بين موالين له ومعارضين لأن توزير واحد منهم سيخلق كتلة اسلامية سنية خارج كل قوة حزبية. والمفارقة في الموضوع ان قاسم هاشم محسوب على الرئيس نبيه بري، وينطق باسمه أحياناً في اجتماع الأربعاء، كما ان وليد سكرية محسوب انتخابياً على حزب الله، ولو شاء حزب الله أن يحول دون توزيره... لفعل.

أما عدنان طرابلسي فهو قطب جمعية المشاريع الاسلامية وتوزيره إذا حصل هو توظيف لجمعية المشاريع، أي ان النواب السنة يمكن أن يتحولوا الى مصدر ازعاج داخل الحكومة، وهذا ما لا يريده الرئيس الحريري. وقد تنبه الرئيس عون الى هذا المأزق فعقد العزم على اختيار فيصل كرامي ضمن الحصة الوزارية الخاصة برئاسة الجمهورية، وإذا حصل ذلك يكون الرئيس عون قد قصم ظهر التكتل النيابي السني. وكل شيء وارد.

أما بالنسبة لجريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي فهناك نواب أوروبيون لا يريدون أن تمر هذه الجريمة البشعة كما سماها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بدون استغلال سياسي، ومن هؤلاء المطالبين بفرض العقوبات على المتورطين في حادث الاغتيال مع انقسام الأوروبيين بين أن تكون المحاكمة في تركيا مقر الجريمة، وأن تكون في ساحة أنقرة القضائية.

هكذا تم تطريز عباءة الاتهام والبقية تأتي خصوصاً وأن الرئيس عون قد قضى  سنتين من عمر الولاية!