بقلم علي الحسيني
بدأ صوت السلاح يسمع بشكل واضح في أذان سكان القرى والبلدات الواقعة على الحدود مع سوريا. سلاح ثقيل لم يشاهد من قبل يتضمن منظومات صواريخ متطورة واليات ايرانية وروسية الصنع يقال إن لها أهدافاً محددة في مثل هذا النوع من حروب المناطق الجبلية.
يستعجل حزب الله اليوم اكثر من أي وقت مضى تحرير الجرود اللبنانية حيث تنتشر فصائل المعارضة السورية على طول خط تبلغ مساحته سبعة كيلومترات من أصل خمسين كيلومتراً وهي مجمل مساحة حدود الجرود. والاستعجال هذا كان أكده الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير عندما دعا إلى <استغلال الطقس الحالي قبل حلول فصل الربيع>، خصوصاً وكما هو معروف فإن خريطة الحزب العسكرية لا تكتمل وتبقى منقوصة ومعرّضة للخطر الدائم إلا من خلال القضاء على المجموعات المسلحة في الجرود لما تُمثله من خطر على وجوده وبيئته. وبالتزامن مع هذه التحضيرات التي يجريها على قدم وساق، يخوض الحزب معركة قاسية وشرسة إلى جانب مجموعات ضخمة من الحرس الثوري الايراني وجيش النظام في محافظتي درعا والقنيطرة والتي يتكبّد فيها هذا الحلف خسائر كبيرة في الأرواح من دون ان تُسفر حتى الآن عن غلبة فريق على آخر ولو ان الاحتمالات ترجح إبقاء الوضع العسكري بين الكر والفر الى حين ترفع أي جهة علمها فوق تلك الجبهات كدليل واضح على السيطرة الميدانية.
تكتيك حزب الله ترافقه حالات إعدام
ويسعى حزب الله الى قطع أوصال المناطق التي تستخدمها المعارضة السورية لتمرير السلاح والدعم البشري وذلك من خلال محاصرتها تمهيداً للإجهاز عليها، ولهذا الغرض تكفل الحزب منذ أسبوعين مع حلفائه من الحرس الثوري الإيراني وجماعات أفغانية مقاتلة إضافة إلى ألوية عراقية بالانتشار في العديد من البلدات التي تسلكها الجماعات المسلحة للوصول إلى الحدود اللبنانية، علماً ان تلك البلدات كانت تسيطر عليها ألوية من النظام السوري قبل أن يتهم ضُباط وعناصر بتسهيل عبور المسلحين ولتجري لاحقاً عمليات إعدام ميدانية بحق عدد كبير وفرار بعضهم الآخر. وقد خصص الحزب لهذه المعركة أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل من أصل عشرة آلاف من الحلف المذكور كونه يعتبرها معركته الاساس وله فيها أكثر من النظام السوري نفسه خصوصاً وانها ترتبط جغرافياً بحدوده العسكرية من جبل الشيخ الى مناطق العرقوب وتحديداً مزارع شبعا.
النفير العام في البقاع
أعداد من مقاتلي الحزب داخل البلدات والقرى البقاعية المحسوبة عليه إداريّاً ومذهبيّاً، تم وضعها في أجواء المعركة منذ فترة وجيزة. وقد سرت أخبار مع نهاية الاسبوع الفائت تتعلق ببيان أصدرته قيادة حزب الله الى هؤلاء وتحديداً في منطقة البقاع - الهرمل طلبت منهم ضرورة التحضير للدفاع عن قراهم من خلال وجود معلومات تفيد عن تحضيرات عسكرية في المقابل يقوم بها الجيش السوري الحر و<جبهة النصرة> و<داعش> للقيام بهجوم على عدد من المناطق التابعة للحزب انطلاقاً من الجرود عبر عرسال وصولاً رأس بعلبك القاع، كما تمت دعوة عدد كبير من الشبان البقاعيين للالتحاق بمراكز التدريب التابعة لحزب الله كتحضير للأيام المقبلة.
أهالي هذه القرى بدورهم لا ينفون دعوة الحزب هذه لهم ولا يؤكدونها، لكنهم يجزمون انهم تحت الخطر. هم بغالبيتهم لا يريدون الحرب لكنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي في حال حصول أي اعتداء ضدهم. وعلى هذا الاساس يحمل أحد كوادر الحزب العسكريين الميدانيين خريطة عسكرية تشرح بالتفصيل الطرق التي تسلكها الجماعات المسلحة للوصول إلى الجرود ليقول الآتي: من الرقة الى منطقة خناصر ثم طريق السلمية في حماه وصولاً الى بلدة سكرة في حمص ليسلكوا بعدها بلدة صدد التي تؤدي إلى جرود واسعة عند أطراف بلدة دير عطية التي تقع بين جبال القلمون وسلسلة جبال لبنان الشرقية. إضافة إلى سلوكهم الحدود العراقية السورية ثم معبر البوكمال الى البادية السورية على اطراف تدمر وصولاً الى درعا في محافظة حوران فعدرا العمالية مروراً بداريّا المنقسمة بين النظام و<داعش> ومنها الى وادي بردى في دمشق وصولاً الى سلسلة لبنان الشرقية.
عرسال الخائفة على مصير أبنائها
قرقعة السلاح تلك يصل صداها إلى بلدة عرسال الخائفة على مصير أبنائها من النزوح الثاني بعدما نزحت في المرة الاولى اثر دخول الجماعات المسلحة اليها يوم اختطاف العسكريين اللبنانيين. يتخوف <العراسلة> من هجوم باتجاه الجرود انطلاقاً من بلدتهم، فهذا المخطط برأيهم إن حصل سيكلفهم غالياً تماماً كما فعل المسلحون عندما ارتكبوا مجزرة بحق عدد من ابناء البلدة كان أولهم الشهيد كمال عز الدين الذي جرى إعدامه امام مركز البلدية بعد محاولته منعهم من سحب العسكريين باتجاه الجرود.
يتباهى <العراسلة> ببلدتهم التي تبلغ مساحتها مع جرودها 452 كلم2 من أصل مساحة لبنان الإجمالية 10452 كلم2. داخل هذه البلدة القلقة على الدوام يتردد صدى التجهيزات والتحضيرات العسكرية التي يقوم بها حزب الله بشكل علني والجيش اللبناني بشكل غير مُعلن لغاية اليوم. الاهالي هنا يكون وقوفهم على الدوام أمام مؤسسة الجيش وليس الى جانبها فقط، لكنهم يستشعرون خطراً يداهمهم وهم أبناء البلدة البقاعية الأقرب إلى مرمى نيران الإرهاب. وانطلاقاً من خوفهم هذا يخبرون عن مدفعية الحزب التي تساند الجيش وعن راجماته التي أعيد منذ ايام توزيعها بين القرى المحيطة بهم مثل اللبوة والقاع والعين والنبي عثمان. ويخبرون ايضاً كيف يتحضر الحزب للمعركة وكيفية نقل أسلحته من صواريخ وراجمات ودبابات باتجاه المناطق الحدودية.
الحجيري: نتمنى أن لا ينطلق الهجوم من عرسال
رئيس بلدية عرسال علي الحجيري لا يبدي خوفه على البلدة رغم الخطر الشديد الذي يتهددها على الدوام ويقول لـ<الأفكار>: نحن في حماية الجيش وندعمه بجميع الوسائل المتاحة لنا، حتى وإن سألت الاطفال هنا عن مستقبلهم سيقولون لك ان أمنيتهم ان يصبحوا جنوداً في الجيش، معتبراً أن الوضع لغاية الآن مقبول نوعاً ما لكننا نخشى تطور الأمور لاحقاً في ظل الحديث المتكرر عن فرضية توسع رقعة الاشتباكات، وعندها سيكون الجميع هنا تحت التهديد والخطر، خصوصاً وأن هناك جهات تتمنى لا بل تنتظر حصول أمر كهذا لتشفي غليلها من عرسال>.
وفي حال قرر الجيش اللبناني فتح معركة مع الجماعات المُسلّحة يتمنى الحجيري أن لا تكون عرسال نقطة لانطلاق هذه المعركة، فهناك مناطق كثيرة يمكن ان توصل الجيش وحزب الله الى الجرود مثل طريق بعلبك ونحلة والقاع وبهذا يتم تجنيب عرسال فتنة وحده الله يعلم الى أين يمكن ان توصلنا، مشدداً على وقوف الاهالي الى جانب الجيش والتعويل عليه وحده في المحنة التي تمر بها عرسال كونها المؤسسة الوحيدة الضامنة والقادرة على حماية عرسال واهلها من كل متربص سواء كان في الداخل او الخارج.
حزب الله: لا صوت يعلو على صوت المعركة
اليوم لا وقت لدى حزب الله للالتهاء بالتسريبات الاعلامية التي تتحدث بشكل يومي عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى في صفوفه، فالهدف الاساس بالنسبة اليه إنهاء حالة انتشار الجماعات المسلحة ضمن نقاط لطالما اعتبرها هو والنظام السوري نقاطاً استراتيجية بالغة الاهمية نظراً لمدى ترابطها وتلاصقها بالحدود مع إسرائيل، وهذا ما يؤكده سير الاحداث منذ اغتيال اسرائيل مجموعة من عناصر الحزب في القنيطرة لغاية اليوم. لكن في المقابل ماذا عن الحدود والتحضيرات في الداخل اللبناني لمعركة كهذه؟ وما هو دور الجيش اللبناني فيها؟
المعلومات تؤكد ان الجيش اللبناني على أهبة الاستعداد لأي محاولة يقوم بها المسلحون لإحداث خرق ما للنفاد منه الى داخل الحدود اللبنانية وان معظم الأسلحة التي تسلمها في الفترة الأخيرة من مدافع وذخائر رغم قلّتها قياساً بجيش نظامي قد تم نقلها الى الجرود لتعزيز الجبهات التي ينتشر عليها وخصوصاً المواقع المواجهة مثل مشاريع القاع وجرود عرسال، كما عمد الجيش الى تدعيم العديد من المراكز التي كانت تعتبر ضعيفة نوعاً ما كموقع <تلة الحمرا> في جرود رأس بعلبك الذي كان سقط قبل مرة بيد المسلحين قبل ان يعود الجيش ويسترده.
تعاون بين الجيشين اللبناني والسوري؟
وعن دعوة نصر الله الى التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري لمواجهة الإرهاب تتقاطع المعلومات بهذا الشأن مع مصادر مقربة جداً من الحزب. ففي المعلومات ان حزب الله يدير في معظم الأحيان التنسيق الميداني بين الجيشين اللبناني والسوري من خلال غرفة عمليات ميدانية بالتعاون والتنسيق بين الجهتين. وقد ظهر هذا التنسيق خلال المعركة الأخيرة التي وقعت في الجرود والتي سقط للجيش فيها خمسة جنود حيث كان لطيران النظام دور فيها بعدما شن مجموعة غارات متتالية ضد المسلحين سقط فيها العديد منهم وأجبر البعض الآخر على الانسحاب.
من جهة ثانية تؤكد مصادر حزب الله ان الوضع المأزوم في المنطقة من خلال وجود مخطط كبير عنوانه استخدام التكفيريين والمتطرفين الاسلاميين لخدمة مصالح اسرائيل والغرب، لا يمكن مواجهته إلا عبر التنسيق والتكاتف لأن الخطر هذا لا يمكن أن يتوقف عند حدود معينة، ومن هنا فإن دعوة نصر الله الحكومة اللبنانية بشكل مباشر أو غير مباشر للتعاون مع الحكومة السورية يندرج ضمن إطار ضرب هذه الجماعات لما في ذلك مصلحة للبنان تفوق مصلحة سوريا.
الشيخ الحجيري: انفراجات مهمة في ملف المخطوفين
وليس بعيداً عن الجبهات المشتعلة وتلك التي بدأت تتحضر ليوم الحسم، تعود قضية العسكريين المخطوفين الذين تم أسرهم في الثاني من آب/ أغسطس العام الماضي اثر المواجهة الاولى بين الجيش اللبناني والجماعات المسلحة الموجودة في جرود عرسال لتطرح نفسها مجدداً وبقوة خصوصاً بعد إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق أن تقدماً حصل في هذا الموضوع من دون ان يُعلن عنه بإنتظار التصور النهائي حوله.
الشيخ مصطفى الحجيري أحد أهم أصحاب الوجوه البارزة التي عملت وما زالت تعمل على هذا الملف الشائك والذي يتولى عملية التفاوض بين الدولة اللبنانية و<جبهة النصرة>، كشف من منزله في عرسال عن انفراجات جديدة طرأت على صعيد هذا الملف تمثّلت ببعض التنازلات بين الحكومة اللبنانية و<جبهة النصرة>، لكنه رفض الإفصاح عن مضمونها ريثما تتبلور الأمور بشكل جيد، مؤكداً ان معظم العقبات قد جرى تذليلها ولم يعد هناك سوى بعض التفاصيل المتعلقة بآلية عمل الحكومة.
وأكد الحجيري أنه خلال زيارته للجرود الاسبوع الماضي حيث التقى مسؤولين في <جبهة النصرة>، لمس تعاطياً جدياً من قبلهم لإنهاء هذا الملف وان المطالب التي حملوه إياها ليست تعجيزية ويمكن البناء عليها لطي هذه الصفحة المؤلمة وعودة العسكريين إلى أهاليهم بخير وسلام، معتبراً ان كلام نصر الله الاخير حول الدعوة الى شن حرب على المسلحين في الجرود لن يؤثر على عملية التفاوض الجارية، لكنه يعتبر وكأنه (نصر الله) قد تخلى عن مطالبته بعودة الجنود وإلا لكان ترك مساحة من الاعتبار للتفاوض القائم بدل ان يوجه سهامه وكأنه أراد تعطيل العملية من أساسها ووأدها في مهدها.
وعن دعوة نصر الله إلى شن حرب على المسلحين قبل انتهاء الشتاء قال الحجيري: قبل حلول الشتاء سمعنا قيادات في حزب الله تقول ان الدب الأبيض سوف يقضي على الدب الاسود، بمعنى ان الثلج وصقيعه كفيلان بقتل أصحاب الرايات السوداء. يعني اذا كان السيد يعول على الفصول لإنهاء الثوّار، فعليه ان ينتظر مئة عام، جازماً بأنه سمع من <جبهة النصرة> أثناء زيارته أن معركتهم مع الحزب وليست مع الجيش اللبناني وقد تستغرق سنوات طويلة. ثم أنا أفهم أن الدولة وحدها التي تدعو إلى الحرب، الا إذا كان نصر الله يعتبر نفسه هو الدولة.
لمن الكلمة الفصل؟
بين الجرود والفصول لا يمكن التكهن بمستقبل الحدود. وراء الجبال مجهولون يتحضرون على الدوام لساعة الصفر التي يبدو أنها باتت قاب قوسين أو أدنى من وقوعها. وداخل الحدود جيش آمن بقضية ووطن فنذر نفسه لها. ورغم قلة الدعم والتسليح اللذين يتلقاهما بالتقسيط من دولة وأخرى في مشهد أقرب إلى <البازارات>، يطل حزب الله مقدماً نفسه بأنه صاحب القضية وحرب الجرود المقبلة.